بسم الله الرحمن الرحيم
قد يضرب الناس في الحسن أمثالًا ويمثلون عنه صورًا ويروون فيه قصصًا , فيتبادر إلى ذهن السامع أن المتحدَّث عنه هو امرأة أجنبية فاتنة , وأن طالبها مفتون بها , وقد يهوي به جنونه في وحل الرذيلة إن وصل إلى حد يفوق الوصف
وربما لا يرى أن في العروبة مثل ذلك , فلا حُسن يضاهي حٌسن الغرب في نظره
بيد أن حسناءً في العروبة قلبت موازين العرف والعادة , وغيرت نظرة السامع قاصيًا كان أم دانيًا
فهي إن شئت حسناءٌ , وهي إن شئت فاتنةٌ
مالكةٌ من الحسن ملكًا , كاد به القمر يقسم على أنه قطعة منها
فتنت الناس رجالًا وشبانًا , وما فتنت منهم إلا أشرفهُم وأكرمهُم , حتى باتت شغلهُم وفيها تنافسهُم
مرويٌ حسنها بابتسامةٍ ناحبةٍ رسمت على طلتها البهية , غرستها في أرض لا فيها ماء ولا يدخلها هواء
فالطامعون بحسنها حرموها كل سبب للسعادة
فأحكموا وثاقها وهي حرة أبية
وزعموا منها قربًا وبها صلةً
وهي تنكرهم وتناكرهم كأنما هم القَتاد في حلقها
فتنت بحسنها الناس فكادوا أن يكونوا لها عُذَّلًا
وبحسنتها طمع الطامعون , حتى أصبحت في لائحة الغنائم لكل غانم
فما سلمت منهم دهرًا حتى عاودوها دهرًا آخر
عروس ما كادت تهنأ بعرس حتى يحال عزاءً سالبًا معه هناءَها وفرحتَها
وجرمها في ذلك أنها إسلامية المنشأ ..
اتخذت من الإسلام علمًا وعزةً ورفعةً
فتجرعت بذلك كؤوسًا مرًا , وأُشربت منها علقمًا
وكانت طيلة عمرها مطلب الطالبين , ومحط نظر الناظرين , ومقصِد القاصدين
فتنتهم فتنةَ عبلةَ عنتر , فما طلبت من خاطبها نوقًا , بل طلبت منه روحًا يرخصها لفك قيودها وكسب وُدها
أرخت على نفسها من الطهر ستارًا , ومن الكبرياء دثارًا
ورغم كثرة الطامعين والآسرين إلا أنها تصر على توشح الكرامة والإباء
ولا يزال طالب وصلها يمنّي نفسه بلحظة اللقيا
تلك لحظة طردت النوم من عينه , وسلبت منه عقله , وعلقت على المدى البعيد قلبه
ولازالت به حتى ما أبقت منه إلا جسدًا منهك القوى , يكتوي بألم البعد والنوى
فإن علم منها حزنًا أو ألمًا فكأنما حرمت المطرَ أرضُه , وأجدب زرعُه , واقفرت بساتينُ صدره
ويبقى على ذلك حتى يحين موعد اللقاء , ويكتب له أن يدفع مهر الحسناء .. فيدفع
فيصدق فيه القول :
وقفت وما في الموت شك لواقف .. كأنك في جفن الردى وهو نائم
تمر بك الأبطال كلمى هزيمة .. ووجهك وضاح وثغرك باسم
فينشب صراع بينه وبين المغتصبين ليعيد للحسناء طهرًا وعزةً
ويشتد أُوارُ القتال بينهما ويحتدم
ويكتب للطالب النصر فتقرع دفوف قلبه , إذ ولّت عنه سنون عذابه وشوقه , وطوتها ذاكرة النسيان
فتقدم للحسناء فانجلى عنه كل كدر وتعب
فحينها تزينت له بالقُشُب , وتزينت بغير حليّ ولا ذهب , بل إن لبسته كانت له مصدر الجمال
فتطغى شمسها على قمره فلا تبقي له بعد حسنها حسنًا
ثم تبادل طالبها من الود ودًا
فتسطر كتب التاريخ الإسلامي ذلك اليوم فيصبح على لسان كل قارئ ودارس
وما ذانك إلا القدس والفاتح
فالقدس في الحسن قمرٌ بل نجمٌ بل قل هي الشمسُ
والفاتح خاطب الود محررها , هو لها الأنسُ
والقدس وتر عليه ألحان البنادق عُزفت
والفاتح المسلم المقدام عازفها
فتلك الحسناء .. وذاك طالبها
وأختم بكلمات كتبت قديمًا أراها خلاصةً لما يتقد في نفس كل مسلم يرجو فتح بيت المقدس وتطهيره فأحلتها أبياتا للقدس لتعبر عما في النفس :
إذا وجدتُ أُوار الحبِّ يا قدسُ .. أقبلتُ نحوَ سقاءِ القومِ أبتردُ
هبني بردتُ ببردِ الماءِ ظاهرَه .. فمن لحرِّ على الأحشاءِ يتقدُ