قال العلامة ابن القيم  رحمه الله في كتابه ( بدائع الفوائد ) ما نصه : 
 
فائدة في خطاب الرؤساء باللطف واللين 
 كثير من الناس يطلب من صاحبه بعد نيله درجة الرياسة  الأخلاق التي كان يعامله بها قبل الرياسة فلا يصادفها ، فينتقض ما بينهما  من المودة ، 
وهذا من جهل الصاحب الطالب للعادة ، وهو  بمنزلة من يطلب من صاحبه إذا سكر أخلاق الصاحي ، وذلك غلط ، فإن للرياسة  سكرة كسكرة الخمر أو أشد ، 
  ولو لم يكن للرياسة سمكرة لما اختارها صاحبها على  الآخرة الدائمه الباقية ، فسكرتها فوق سكرة القهوة بكثير ، ومحال أن يرى من  السكران أخلاق الصاحي وطبعه ، 
ولهذا أمر الله تعالى أكرم خلقه عليه بمخاطبة رئيس القبط بالخطاب اللين ،  فمخاطبة الرؤساء بالقول اللين أمر مطلوب شرعاً وعقلاً وعرفاً . 
ولذلك تجد الناس كالمفطورين عليه ، وهكذا كان النبي صلى الله عليه وسلم  يخاظب رؤساء العشائر والقبائل ، 
وتأمل امتثال موسى لما أمر به كيف قال لفرعون  (      هل لك إلى أن تزكى * وأهديك إلى ربك فتخشى ) [  النازعات : 19 ] ، فأخرج الكلام معه مخرج السؤال والعرض لا  مخرج الأمر ، 
وقال : (  إلى أن تزكى  ) ولم يقل  إلى أن أزكيك فنسب الفعل إليه هو ، وذكر لفظ التزكي دون غيره لما في البركة  والخير والنماء ، 
ثم قال : (  وأهديك إلى ربك ) [ النازعات : 19 ] ،  أكون كالدليل بين يديك الذي يسير أمامك ، 
وقال : (  إلى ربك ) استدعاء لإيمانه  بربه الذي خلقه ورزقه ورباه بنعمه صغيراً ويافعاً وكبيراً . 
  وكذلك قول إبراهيم الخليل لأبيه :  
( يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني  عنك شيئا ) [ مريم : 42 ] ، فابتدأ خطابه بذكر  أبوته الدالة على توقيره ، ولم يسمه باسمه ثم أخرج الكلام معه  مخرج السؤال ، 
فقال : (  لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني  عنك شيئاً  ) ولم يقل لا تعبد 
ثم قال : (  يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم  يأتك  ) [ مريم : 43 ] ، فلم يقل  له إنك جاهل لا علم عندك بل عدل عن هذه العبارة إلى ألطف عبارة  تدل على هذا المعنى فقال : جاءني من العلم ما لم يأتك [ مريم : 43 ]  ، 
ثم قال : (  فاتبعني أهدك صراطاً سوياً ) [  مريم : 43 ] ، وهذا مثل قول موسى لفرعون ( وأهديك إلى ربك )  [ النازعات : 19 ] ، 
ثم قال : (  يا أبت إني أخاف أن يمسك عذاب من  الرحمن فتكون للشيطان وليا ) [ مريم : 45 ] ، فنسب  الخوف إلى نفسه دون أبيه كما يفعل الشقيق الخائف على من يشفق عليه .  
وقال : (  يمسك  ) فذكر المس  الذي هو ألطف من غيره 
ثم نكر العذاب ثم ذكر الرحمن ولم يقل الجبار ولا القهار فأي  خطاب ألطف وألين من هذا . 
ونظير هذا خطاب صاحب يس لقومه حيث قال : (  يا قوم  اتبعوا المرسلين * اتبعوا من لا يسألكم أجرا وهم مهتدون * وما لي لا أعبد  الذي فطرني وإليه ترجعون ) [ يس : 20 ، 21 ، 22 ] . 
ونظير ذلك قول نوح لقومه (  يا قوم إني لكم نذير مبين *  أن اعبدوا الله واتقوه وأطيعون * يغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم إلى أجل مسمى  ) [ نوح : 2 ، 3 ، 4 ] ، 
وكذلك سائر خطاب الأنبياء لأمتهم في القرآن إذا تأملته وجدته ألين خطاب  وألطفه 
بل خطاب الله لعباده وألطف خطاب وألينه كقوله تعالى : ( يا   أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم ) [  البقرة : 21 ] ، 
وقوله تعالى  يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له  إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له ) [  الحج : 73 ] ،
   يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له  إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له ) [  الحج : 73 ] ، 
وقوله : (  يا أيها الناس إن وعد الله حق فلا تغرنكم  الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور ) [ لقمان : 33 ] ، 
  وتأمل ما في قوله تعالى : ( وإذ  قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه  أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا ) [  الكهف : 50 ] ، من اللطف الذي سلب العقول . 
وقوله : (  أفنضرب عنكم الذكر صفحا أن كنتم قوما  مسرفين ) [ الزخرف : 5 ] ، على  أحد التأويلين أي نترككم فلا ننصحكم ولا ندعوكم ونعرض عنكم إذا أعرضتم أنتم  وأسرفتم . 
وتأمل لطف خطاب نذر الجن لقومهم وقولهم : ( يا قومنا أجيبوا داعي الله  وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم ) [ الأحقاف : 31 ]  .انتهى 
     العلامة ابن القيم