باب من الشرك [ أي : الأصغر ]
لبس الحلقة والخيط ونحوهما
لرفع البلاء أو دفعه .
[ لبس الحلقة والخيط ونحوهما من الشرك الأصغر إذا اعتقد أنّها من الوسائل والأسباب
كما هو الغالب ، فإن اعتقد أنّها تجلب له نفعا
أو تدفع عنه ضررا بنفسها فهذا شرك أكبر ] .
وقول الله تعالى : ** أَفَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أرادَنِيَ اللَّهُ بضُرٍّ هلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أو أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ
قل حَسبي الله عليه يَتوكّل المُتوكّلون **
سورة الزمر 38
الشرح :
رفع البلاء : إزالته بعد حصوله ،
ودفعه : منعه قبله ،
ومن هنا ابتدأ المصنف في تفسير التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله بذكر شيء مما يضاد ذلك من أنواع الشرك الأكبر والأصغر ،
فإن الضد لا يعرف إلاّ بضده .
كما قيل : وبضدها تتبين الأشياء .
فمن لا يعرف الشرك لم يعرف التوحيد وبالعكس ،
فبدأ بالأصغر الاعتقادي انتقالاً من الأدنى
إلى الأعلى .
قال ابن كثير في تفسيرها ،
أي : لا تستطيع شيئا من الأمر .
قل : ** حَسْبِيَ اللَّهُ ** ،
أي : الله كافي مَن توكل عليه ،
وعَلَيْهِ يتوكل المُتَوَكِّلُونَ ،
كما قال هود عليه السلام حين قال له قومه : ** إِنْ نَقُولُ إِلاَّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ
قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (54) مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ
لا تُنْظِرُونِ (55) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي ورَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا ** الآية
سورة هود
قلت : حاصله أن الله تعالى أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول للمشركين : أرأيتم ،
أي : أخبروني عمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ
أي: تعبدونهم وتسألونهم من الأنداد والأصنام والآلهة المسميات بأسماء الإناث الدالة أسماؤهن على بطلانهن وعجزهن ،
لأن الأنوثة من باب اللين والرخاوة ،
كاللات والعزى ** إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ ** ،
أي : بمرض أو فقر أو بلاء أو شدة
** هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ ** ،
أي : لا يقدرون على ذلك أصلاً
** أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ ** ،
أي : صحة، وعافية، وخير، وكشف بلاء .
** هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ ** .
قال مقاتل : فسألهم النبي صلى الله عليه وسلم فسكتوا ،
أي : لأنهم لا يعتقدون ذلك فيها ،
وإنما كانوا يدعونها على معنى أنها وسائط وشفعاء عند الله ،
لا لأنهم يكشفون الضر ويجيبون دعاء المضطر ،
فهم يعلمون أن ذلك لله وحده
كما قال تعالى : ** ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ ** .
سورة النحل 54
وقد دخل في ذلك كل من دعي من دون الله
من الملائكة والأنبياء والصالحين ،
فضلا عن غيرهم فلا يقدر أحد على كشف ضر ولا إمساك رحمة ،
كما قال تعالى : ** مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ **
سورة فاطر 2
وإذا كان كذلك بطلت عبادتهم من دون الله ، وإذا بطلت عبادتهم فبطلان دعوة الآلهة والأصنام أبطل وأبطل ...
تيسير العزيز الحميد شرح كتاب التوحيد
تأليف العلاّمة سليمان بن عبد الله بن محمد
بن عبد الوهاب رحمهم الله
تعليق العلاّمة عبد العزيز بن عبد الله الرّاجحي
حفظه الله ( ص 141 - 143 )
ط / الدار الأثرية للنشر والتوزيع .