السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
من درر الإمام المجدد الألباني [رحمه الله تعالى رحمة واسعة].
- هل صحيح أن السلفيين مشهورون بالشدة في الدعوة؟. (00:01:27).
السائل: السلفيون بشتى أصنافهم مشهور عنهم -وقد يكون صحيح- الشدة وقلة الرفق في نشر الدعوة، فإن كنت ترى هذا صحيحاً وهذا ما أراه، فما هو تعليقك على مثل ذلك؟
الشيخ: أولا ً في كلامك ملاحظة، وهي قولك: -وقد يكون صحيحاً-، كذلك؟.
السائل: إن كنت تراه صحيحاً.
الشيخ: أولا ً قلت: -وقد يكون صحيحاً- أي ما يقال عنهم من الشدة قد يكون صحيحاً أنت منهم؟.
السائل: نعم معذرةً قُلت هذا، نعم.
الشيخ: فهنا الملاحظة، نحن نلفت نظر اخواننا، حينما يتكلمون بمثل هذا الكلام، نقول هذا كلام السياسيين، قد لا يعنونه، ولكن إنما الكلام لفي الفؤاد وإنما جعل اللسان على الفؤاد دليلا ً فحينما يقول المتكلم في أمر ما: قد يكون كذا، فيقابله في: قد لا يكون كذا. أكذالك؟.
السائل: نعم.
الشيخ: الآن، هنا يرد على سؤالك أمران اثنان وبعد ذلك نتابع الجواب.
هل أنت متأكد من هذا الذي يُقال أن السلفيين لا لين عندهم وإنما الشدة هي نبراسهم، وهي منهاجهم، هل أنت متأكد من هذا؟. وأنت فتحت لي باب هذا السؤال لأنك قلت -وقد يكون صحيحاً-.
السائل: أنا قلت معذرة من قولي.
الشيخ: إذن نسمع الكلام الصحيح، ما هو؟.
السائل: أعيده؟.
الشيخ: لا مش تعيده، لأنه خطأ، وإلا من ماذا تعتذر؟. تعيد رأيك على الوجه الصحيح، بدون قد قدة. واضح؟.
السائل: نعم.
الشيخ: طيب، تفضل.
السائل: [هنا كرر السائل كلامه ورد الشيخ السابق]...السلفيين مشهور عنهم -فيما أراه أنا- الشدة وقلة الرفق في الدعوة، هذا رأيي أنا.
الشيخ: أنت منهم؟.
السائل: أرجو ذلك.
الشيخ: ترجو ذلك، أنت منهم يعني أنت سلفي.
السائل: نعم.
الشيخ: طيّب أنت من هؤلاء السلفيين المتشددين؟.
السائل: لا أُزكي نفسي...أقصد سمة بارزة.
الشيخ: القضية الآن ليست قضية تزكية، قضية بيان واقع، وقضية كما قلنا أنت الآن تثير السؤال هذا من أجل التناصح، فأنا لمّا أسألك أنت من هؤلاء المتشددين؟، ما يرد هنا موضوع أنا لا أزكي نفسي؛ لأنك تريد أن تبيّن الواقع. بمعنى لو سألتني هذا السؤال أقول لك: أنا فيما أظن لست متشدداً، لكن هذا لا يعني أني أزكي نفسي لأني أخبر عن واقعي ففكر في السؤال.
السائل: نعم جوابي يا شيخ مثل جوابك.
الشيخ: إذن لا يصح أن نطلق أن السلفيين متشددون، والصواب أن نقول: بعضهم متشددون واضح إلى هنا.
السائل: نعم.
الشيخ: طيب، فإذن نقول أن بعض السلفيين عندهم أسلوب في الشدة، لكن تُرى هل هذه الصفة صفة اختص بها السلفيون؟.
السائل: لا.
الشيخ: فإذن ما الفائدة وما المغزى من مثل هذا السؤال؟!. هذا أولا ً.
وثانياً هل اللين الذي قلنا هو الواجب هل هو واجب دائماً وأبداً؟.
السائل: أبداً. لا.
الشيخ: فإذن لا يصح لك ولا لغيرك أن تصف
أولا ً: نخرج بالنتيجة التالية: لا يجوز لك ولا لغيرك أن تصف طائفة من الناس بصفة تعممها على كلهم جميعاً.
وثانياً: لا يجوز لك أن تطلق هذه الصفة على فرد من أفراد المسلمين سواء كان سلفياً أو خلفياً في حدود تعبيرنا إلا في جزئية معيّنة ما دام اتفقنا أن اللين ليس هو المشروع دائماً وأبداً. فنحن نجد الرسول عليه السلام قد استعمل الشدة التي لو فعلها سلفيّ اليوم لكان الناس ينكرون عليه أشد الإنكار.
مثلا ً: لعلك تعرف قصة أبي السنابل، تذكر هذه القصة؟. السائل: لا...لا.
الشيخ: امرأة مات زوجها وهي حامل فوضعت فكان بلغها عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن الحامل المتوفى عنها زوجها تنقضي عدتها بوضعها لولدها فيقول الحديث وهو في صحيح البخاري: أنها بعد أن وضعت تشوّفت للخطاب وتجمّلت وتكحّلت فرآها أبو السنابل وكان خطبها لنفسه فأبت عليه فقال لها: لا يحل لكِ إلا بعد أن تنقضي عدة الوفاة -كقاعدة وهي أربعة أشهر وعشرة أيام- وهي فيما يبدو أنها امرأة تهتم بدينها فما كان منها إلا أنها تجلببت وسارعت إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فذكرت له ما قال لها أبو السنابل فقال عليه السلام: "كذب أبو السنابل".
هذه شدة، أم لين؟.
السائل: نعم شدة.
الشيخ: ممن؟. من أبو اللين **...ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك**. إذن ليس مبدأ اللين بقاعدة مطردة كما اتفقنا آنفاً وإنما ينبغي على المسلم أن يضع اللين في محله والشدة في محلها.
كذلك مثلا ً: كما جاء في مسند الإمام أحمد لمّا خطب -عليه الصلاة والسلام- خطبة قام رجل من الصحابة وقال له: ما شاء الله وشئت يا رسول الله. قال: "أجعلتني لله نداً؟!. قل ما شاء الله وحده". شدة أم لين؟.
السائل: أسلوب قول النبي -صلى الله عليه وسلم-.
الشيخ: يعني هذه أنا أُسمّيها حيدة، لأنك ما أجبتني كما أجبتني من قبل، لمّا قلتُ لك أبو السنابل قال في حقه: "كذب أبو السنابل". شدة أم لين؟. هذه شدة.
السائل: هذه شدة، نعم.
الشيخ: وهذه الثانية؟.
السائل: فقط بيّنَ له قال: "أجعلتني لله نداً".
الشيخ: هذه حيدة -بارك الله فيك- أنا ما أسألك بيّنَ أم لم يُبيّن، أنا أسألك شدة أم لين؟. لماذا الآن اختلف منهجك في الجواب؟. من قبل ما قلتَ بيّن له قال له: "كذب أبو السنابل". هو بيّن لكن هذا البيان كان بأسلوب هيّن ليّن كما اتفقنا أنه القاعدة أم كان فيه شدة؟. قلتَ بكل صراحة كان فيه شدة، والآن ما عدى عمّا بدى في السؤال الثاني؟.
السائل: السؤال الثاني لم يَقُل له كاذباً قال: "أجعلتني لله نداً".
الشيخ: الله أكبر هذا أبلغ في الإنكار -بارك الله فيك-.
قال أحد الحضور: يا شيخنا قال: "بئس الخطيب أنت" في رواية مسلم.
الشيخ: نعم في قضية أخرى، تذكر هذا الحديث؟. من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصيهما فقد غوى قال: "بئس الخطيب أنت". شدة أم لين؟.
السائل: شدة نعم.
الشيخ: المهم -بارك الله فيك- في هناك أسلوب لين وفي هناك أسلوب شدة. الآن بعد أن اتفقنا أنه ليس هناك قاعدة مطردة، مطردة على طول لين...لين...لين...على طول، شدة...شدة...على طول.
السائل: نعم.
الشيخ: إذن تارة هكذا، وتارة هكذا.
الآن حينما يُتهم السلفيون بعامة إنهم متشددون أَلا تَرى أن السلفيين بالنسبة لبقيّة الطوائف والجماعات والأحزاب هم يهتمّون بمعرفة الأحكام الشرعية وبدعوة الناس إليها أكثر من الآخرين؟.
السائل: لا شك. الشيخ: لا شك -بارك الله فيك- إذن بسبب هذا الإهتمام الذي فاق اهتمام الآخرين من هذه الحيثية، الآخرون يعتبرون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولو كان مقروناً باللين هذا شدة بل بعضهم يقول هذا ليس زمانه اليوم بل بعضهم غلا وطغى وقال البحث في التوحيد يفرق الصفوف اليوم. فإذن -بارك الله فيك- الذي أريد أن أصل إليه معك هو أن القضية نسبيّة يعني إنسان ليس متحمس للدعوة وخاصة للدخول في الفروع التي يسمّونها بالقشور أو أمور ثانوية فهو يعتبر البحث ولو كان مقروناً بالأسلوب الحسن يعتبره شدة في غير محلها.
لا ينبغي وأنت سلفي مثلنا أن تشيع بين الناس ولو هؤلاء الناس القليلين الآن، وتذكر أن السلفيين متشددون لأننا اتفقنا بعضهم متشدد وهذا لا يخلو حتى الصحابة فيهم اللين وفيهم المتشدد.
ولعلك تعرف قصة الأعرابي الذي همّ بأن يبول في المسجد فماذا همّ به الصحابة؟.
همّوا بضربه هذا لين أم شدة؟.
السائل: شدة.
الشيخ: شدة، لكن ماذا قال لهم الرسول؟: "دعوه". فإذن قد لا يستطيع أن ينجو من الشدة إلا القليل من الناس، لكن الحق هو أن الأصل في الدعوة: أن تكون على الحكمة والموعظة الحسنة، ومن الحكمة أن تضع اللين في محله، والشدة في محلها.
فأن نصف إذن خير الطوائف الإسلامية التي امتازت على كل الطوائف بحرصها على اتباع الكتاب والسنة وعلى ما كان عليه السلف الصالح بالشدة هكذا على الإطلاق ما أظن هذا من الإنصاف في شيء بل ومن الشرع في شيء أما أن يقال فيهم فمن الذي يستطيع ينكر، فما دام الصحابة فيهم من كان متشدداً في غير محل الشدة فأولى وأولى في الخلف من أمثالنا -خلف بالمعنى اللغوي- أن يوجد فينا متشدد.
ثم الآن نتكلم عن شخص بعينه هب إنه هيّن ليّن هل ينجو عن استعمال الشدة في غير محلها؟.
السائل: لا. أبداً.
الشيخ: فإذن -بارك الله فيك- القضية مفروغ منها، وإن الأمر كذلك فما علينا غير أن نتناصح إذا رأينا إنساناً وعظ ونصح وذكّر بالشدة في غير محلها ذكّرناه فقد يكون له وجهة نظر فإن تذكر فجزاه الله خيراً، وإن كان له وجهة نظر سمعناها منه وينتهي الأمر.
(تفريغ من سلسلة الهدى والنور: (595). (للألباني رحمه الله تعالى).