البركة : هي النماء والزيادة،
حسية كانت أو عقلية، وكثرة الخير ودوامه،
يقال : بارك الله فيه، وبارك عليه، وبارك له،
قال ابن عاشور:
« ولعل قولهم : ( بارك فيه ) إنما يتعلق به ما كانت البركة حاصلة للغير في زمنه أو مكانه،
وأما : ( باركه ) فيتعلق به ما كانت البركة صفة له، و ( بارك عليه ) جعل البركة متمكنة منه،
( وبارك له ) جعل أشياء مباركة لأجله،
أي بارك فيما له » .
_ التحرير والتنوير ( ج 5 / ص 33 )
"والفعل منه : بارك، وهو متعد، ومنه :
** أن بُورِكَ مَن فِي النَّار ** سورة النمل 8
ويضمن معنى ما تعدى بعلى، لقوله :
وبارك على محمد. و تبارك لازم .
_ تفسير البحر المحيط ( ج 3 / ص 318 )
واعتبر في البركة معنى الثُبوت اللزوم
فقيل : بركاء الحرب وبركاؤها للمكان الذي يلزمه الأبطال، وسمي محبس الماء بركة، ثم أطلقت على ثبوت الخير الإلهي في الشيء كثبوت الماء في البركة .
_ انظر تفسير الألوسي (ج 14 / ص 29)
والتبريك الدعاء بذلك، والتبرك استدعاء البركة واستجلابها.
وطلب البركة لا يخلو من أن يكون التبرك بأمر شرعي معلوم، مثل القرآن، قال الله تعالى :
** وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ **سورة الأنعام 92
فمن بركته هدايته للقلوب، وشفاؤه للصدور وإصلاحه للنفوس، وتهذيبه للأخلاق، إلى غير ذلك من بركاته الكثيرة .
و أن يكون التبرك بأمر غير مشروع، كالتبرك بالأشجار والأحجار والقبور والقباب والبقاع ونحو ذلك، فهذا كله من الشرك .
وتحصل البركة في الأمكنة والأزمنة
والأشخاص : فالله عز وجل قد يبارك في بعض الأمكنة، ويجعلها مباركة .
فبارك سبحانه في المسجد الأقصى وما حوله فقال تعالى : ** سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ ** سورة الإسراء 1
وبارك سبحانه بعض الأزمنة فجعلها مباركة
كليلة القدر، قال عز وجل : ** إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ ** سورة الدخان 3
وسميت مباركة لما فيها من البركة، والمغفرة للمؤمنين .
وبارك سبحانه في بعض البشر فجعل الأنبياء والمرسلين مباركين .
قال تعالى عن نوح عليه السلام :
** قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلاَمٍ مِّنَّا وَبَركَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ ** سورة هود 48
قال البغوي: ** وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ **
البركة ها هنا هي : أن الله تعالى جعل ذريته هم الباقين إلى يوم القيامة .
وبارك في شجرة الزيتون، قال تعالى :
** يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ **
سورة النــور 35
أي : من زيت شجرة مباركة.. وأراد بالشجرة المباركة : الزيتونة، وهي كثيرة البركة، وفيها منافع كثيرة، لأن الزيت يسرج به، وهو أضوأ وأصفى الأدهان، وهو إدام وفاكهة، ولا يحتاج في استخراجه إلى إعصار، بل كل أحد يستخرجه... وهي شجرة تورق من أعلاها إلى أسفلها .
_ تفسير البغوي ( ج 6 / ص 47 )
وبارك في ماء المطر لأن فيه حياة لكل شيء، قال تعالى: ** ونَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء مُّبَارَكًا **
سورة ق 9
وقال عليه الصلاة والسلام: ( البركة في ثلاث: الجماعات والثريد والسحور )
_ حسنه الألباني في السلسلة الصحيحة
(ج 3 / ص 36 - 1045)
وفي رواية : ( إن الله جعل البركة في السحور والكيل )
_ حسنه الألباني السلسلة الصحيحة
(ج 3 / ص 281 - 1291)
وفي رواية : ( إن الله جعل البركة في السحور والجماعة )
وقال عليه الصلاة والسلام :
( إن البركة وسط القصعة، فكلوا من نواحيها، ولا تأكلوا من رأسها )
_صححه الألباني. السلسلة الصحيحة
( ج4/ص114-1587 )
وجعل بعض الأقوال مباركة : قال تعالى :
** تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَة **
سورة النــور 61
أي : تحيون أنفسكم تحية، {مُبَارَكَةً طَيِّبَةً** وقال ابن عباس -رضي الله عنهما-: حسنة جميلة، وقيل: ذكر البركة والطيبة هاهنا لما فيه من الثواب والأجر .
_ تفسير البغوي (ج 6 / ص 66)
وجعل الله عز وجل فعل بعض الأمور جالبة أو سالبة للبركة.
فالإيمان والتقوى يجلب البركة، قال تعالى :
** وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ **
سورة الأعراف96
والاجتماع على الطعام جالب للبركة، فعن عمر، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم أنه
قال : ( كلوا جميعاً، ولا تَفَرّقُوا؛
فإن البركة مع الجماعة )
_حسنه الألباني في صحيح الجامع حديث رقم:4500
"قال ابن بطال: الاجتماع على الطعام من أسباب البركة، وقد روى أبو داود : ( اجتمعوا على طعامكم، واذكروا اسم الله يبارك لكم )
_ فتح الباري لابن حجر - (ج 15 / ص 363)
وقال عليه الصلاة والسلام : ( البركة في نواصي الخيل )
_أخرجه البخاري 2639 ومسلم 3482
. وكلامه عز وجل مبارك أعظم البركة
قال تعالى :
** وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ **
سورة الأنعام 155
أي : كثير البركة، حساً ومعنى، لكثرة فوائده وعموم نفعه، أو كثير خيره، دائم منفعته، قال القشيري: مبارك دائم باق، لا ينسخه كتاب .
وقال الألوسي : لما فيه من الخير الكثير، لأنه هداية ورحمة للعالمين، وفيه ما ينتظم به أمر المعاش والمعاد .
_ تفسير الألوسي - (ج 14 / ص 29)
والقرآن مبارك لأنه يدل على الخير العظيم ، فالبركة كائنة به، فكأن البركة جعلت في ألفاظه، ولأن الله تعالى قد أودع فيه بركة لقارئه المشتغل به بركة في الدنيا وفي الآخرة، ولأنه مشتمل على ما في العمل به كمال النفس وطهارتها بالمعارف النظرية ثم العملية .
فكانت البركة ملازمة لقراءته وفهمه..
وأسماؤه سبحانه وتعالى مباركة. قوله تعالى: {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ**
سورة الرحمن 78
أي : البركة تنال وتكتسب بذكر اسمه
فالله هو خالق البركة، والذي تجيء منه البركة، قال عليه الصلاة والسلام : ( البركة من الله )
_ أخرجه البخاري 5208
حكم التبرك بالبشر غير الأنبياء :
"من البدع المحدثة التبرك بالمخلوقين،
وهو لون من ألوان الوثنية، وشبهة يصطاد بها المرتزقة أموال السذج من الناس،
والتبرك : طلب البركة وهي ثبوت الخير في الشيء وزيادته،
وطلب ثبوت الخير وزيادته إنما يكون ممن يملك ذلك، ويقدر عليه، وهو الله سبحانه .
فهو الذي ينزل البركة ويثبتها،
أما المخلوق فإنه لا يقدر على منح البركة وإيجادها، ولا على إبقائها وتثبيتها،
فالتبرك بالأماكن والآثار والأشخاص أحياء وأمواتاً لا يجوز،
لأنه إما شرك،
إن اعتقد أن ذلك الشيء يمنح البركة، أو وسيلة إلى الشرك إن اعتقد أن زيادته وملامسته والتمسح به سبب لحصولها من الله ..
_ كتاب التوحيد، للشيخ صالح الفوزان،
( ج 1 / ص 159 ) .
نقلته بتصرف يسير واختصار شديد