يعتقد الكثير من الناس خطأ انهم يعانون من حساسية من هذا الطعام أو ذاك، وذلك بعد تعرضهم لأعراض معينة عندما تناولوا طعاما معينا في الماضي ما جعلهم يظنون انهم يعانون من حساسية ضد هذا الطعام، مما يترتب عليه امتناعهم وحرمانهم من اطعمة قد يكونون في امس الحاجة اليها، مع ان الدراسات الطبية تدل على ان حساسية الطعام لا تصيب أكثر من اثنين في المائة من البالغين وخمسة في المائة من الاطفال علما أن الفرق في هذه النسب يرجع الى ان نسبة كبيرة من الاطفال يشفون من الحساسية عندما يصبحون بالغين. لهذه الاسباب رأيت ان اعرف القارئ الكريم بماهية هذا المرض وكيفية تشخيصه وعلاجه.
د.ظافر بركات
أما حساسية الطعام فتعرف على أنها ردة فعل شديدة وغير عادية من قبل الجسم (جهاز المناعة) عند تناول نوع من الطعام كان يعتبر طعاما مقبولا من قبل الجهاز الهضمي حتى اللحظة.
ومنعا للالتباس مع أمراض أخرى تسببها الاطعمة وجب التأكيد على ان حساسية الطعام هي ردة الفعل النابعة من الجهاز المناعي وليس من أعضاء أخرى مثل الجهاز الهضمي أو الجهاز العصبي أو خلافه.
ومن المعروف ان تفاعلات جهاز المناعة المختلفة مفيدة حيث انها تساعد الجسم على مقاومة الأمراض المختلفة ولكن في حالة الحساسية فإن الانفعال يكون من الشدة بحيث يسبب الاذى للعديد من اعضاء الجسم نفسه. وحتى يحصل الانفعال لا بد من توافر ثلاثة عوامل هي: أولا الطعام المسبب للحساسية والاجسام المضادة (أي ج ي) وأخيرا خلايا الحماية الموجودة في الدم والأعضاء.
أما الطعام المسبب فهو الطعام الذي يحتوي على مادة أو أكثر تثير جهاز المناعة لدى الشخص الحساس بقوة تتفاوت حدتها تبعا للشخص وتبعا للمكان وتبعا للزمان وتبعا لكمية الطعام المتناول، وعادة تكون هذه المواد بروتينية أو دهنية أو نشوية.
وفي العادة تكون صفة الحساسية وراثية ما يجعل جسم المريض ينتج كميات زائدة من اجسام ال (أي ج ي) التي يصنعها جهاز المناعة كأجسام مضادة لمادة معينة عادة ما تكون مواد سامة أو ضارة بالجسم أو تكون عبارة عن جراثيم مختلفة، وهذه الاجسام تقوم بصد المواد الغريبة عن الجسم والقضاء عليها وتتواجد هذه الأجسام سابحة في الدم أو مختبئة داخل خلايا الأعضاء وتدعى خلايا البازوفيل وخلايا (Mast cells) الماست على التوالي وهي خاصة بجهاز المناعة وتلعب دورا رئيسيا في اظهار الحساسية الى العيان. وأما خلايا الماست وخلايا البازوفيل فتتواجد في انسجة الأعضاء المعرضة للعوامل البيئية مثل الجلد والرئتين والجهاز الهضمي والدم وهي قادرة على انتاج مواد مختلفة مثل الهيستامين وغيره (المسؤولة عن اعراض الحساسية وذلك حال اصطدامها مع المادة المسببة للحساسية).
أما اعراض حساسية الطعام فهي: مع ان الحساسية ممكنة ضد أي نوع طعام، إلا ان اغلب حساسيات الطعام تكون ضد عدد محدود من الأطعمة مثل الحليب والبيض والسمك والمحار والصويا والقمح والفول السوداني والجوز.
تبدأ حساسية الطعام عادة بعد مرور دقائق الى ساعات قليلة من تناول الطعام إلا أن بعض الناس شديدي الحساسية تظهر عليهم الاعراض بمجرد ان يلمسوا الطعام أو يشموا رائحته.
وغالبا ما تبدأ اعراض حساسية الطعام في الجهاز الهضمي بانتفاخ الشفتين مصاحبة بحكة شديدة في الحلق وشعور بالقيء ومغص في المعدة وتقيؤ، وأحيانا اسهال وطفح جلدي وحكة جلدية.
كذلك يشعر البعض بسيلان بالأنف والعطس الشديد مع ضيق وصعوبة بالتنفس.
مع ان مرضى الربو الشعبي تشتد عندهم الأزمة الصدرية، إلا أن حساسية الطعام لا تعتبر من اسباب الربو الشعبي في العادة، ولكن يجب التنبيه الى ان الاشخاص مريضي الربو الذين تشتد عندهم الاعراض عند تناول اطعمة هم حساسون منها فإن هؤلاء تكون حالاتهم خطيرة في اغلب الأحيان اذا ما تعرضوا لحساسية الطعام ويجب عليهم الامتناع عن تناول هذه الاطعمة نهائيا.
ان أعراض حساسية الطعام تختلف من شخص الى آخر من حيث شدة الحساسية وتوقيتها ومكان ظهورها وكمية الطعام المتناول حتى ان الأعراض تختلف عند نفس الشخص بالنسبة لنفس الطعام وتختلف عند تناول اطعمة مختلفة، كذلك تكون الاعراض مختلفة عند الناس المختلفين مع اختلاف التوقيت.
أما صدمة فرط الحساسية فهي نادرة الحدوث ولكنها في كثير من الأحيان تؤدي الى الموت حيث تصاب العديد من أعضاء الجسم بأعراض الحساسية بالوقت نفسه وبسرعة بحيث تشتد حكة الجلد ويليها الطفح وينتفخ الحلق مما يسبب الاختناق يصاحبه التعرق الشديد وهبوط ضغط الدم ومن ثم فقدان الوعي وحتى الموت.
تشخيص حساسية الطعام
من السهل تشخيص الحساسية اذا ما تعرض المريض لنفس الأعراض كلما تناول طعاما معينا فمثلا من الواضح ان الطفل الذي يتقيأ ويتألم كلما اقدم على تناول الفول السوداني يعاني من حساسية ضد الفول السوداني.
ولكن يجب ان تنذكر ان هناك العديد من الأمراض التي ممكن ان تكون على علاقة بالطعام ولذلك وجب مراجعة طبيب الباطنية للتأكد مما اذا كانت هذه الاعراض ناجمة عن حساسية طعام أم لسبب آخر.
ان تشخيص حساسية الطعام يبدأ برفع تاريخ المرض للتعرف إلى نوع الطعام المتوقع ان يكون المسبب للحساسية وحتى نعرف الكمية اللازمة لكشف الأعراض والمدة بين تناول الطعام وظهور اعراض الحساسية وتفاصيل أخرى يجب الاطلاع عليها من خلال المحادثة ومن ثم يقوم الطبيب بفحص جسم المريض بالكامل وبدقة ثم يتم عمل فحوصات مخبرية معينة للتأكد من عدم وجود امراض ليس لها علاقة بحساسية الطعام. كما يطلب الطبيب من المريض ملاحظة طعامه وما اذا كانت هناك اطعمة أو طعام محدد يسبب له أعراضا محددة ويسجل هذه المعلومات في خلال فترة زمنية يحددها الطبيب ومع ان هذه الملاحظات لا تساوي تشخيصا إلا ان الطبيب يمكنه ان يستنتج منها معلومات ممكن ان تكشف المواد المسببة للحساسية في هذه الأطعمة مما يسهل عملية التشخيص ومن ثم العلاج، حيث يرشد الطبيب مريضه بعدم تناول هذه الاطعمة لمدة من الزمن حتى تزول الأعراض بالكامل، ثم يبدأ بتناول صنف واحد من هذه الأطعمة ويليه صنف ثان وثالث وهكذا الى ان تظهر اعراض احساسية عند طعام بعينه، وبذلك يتأكد للطبيب وجود حساسية لهذا الطعام عند هذا المريض. ويجب التنبيه الى ان هذه الاختبارات يجب ان تكون تحت اشراف ومتابعة الطبيب، للتأكد من التشخيص وللتدخل علاجيا في حالة فرط الحساسية أو الصدمة تجنبا لتعريض حياة المريض للخطر.
وهناك العديد من الاختبارات الطبية للتأكد من تحسس الجهاز المناعي لهذا المريض أو ذاك ضد طعام معين منها وضع مستخلص مركز من هذا الطعام على جلد المريض ووخزه بحيث يدخل المستخلص في الجلد فإن لم يحصل حكة واحمرار وطفح جلدي فهذا يعني عدم وجود حساسية ضد هذا الطعام ويكرر فحص الجلد هذا مع مختلف الأطعمة الى ان تظهر اعراض الحساسية سالفة الذكر وهي تظهر بالعادة خلال 15 دقيقة من لحظة وضع المادة على الجلد مما يؤكد التشخيص كما يوجد فحصان للحساسية عن طريق فحص الدم هما فحص (RAST) وفحص (ELISA) ويعطيان النتائج نفسها التي يعطيها فحص الجلد.
اذا ما تأكد التشخيص عن طريق تاريخ المريض والفحص الطبي الجسماني والفحص المخبري بوجود حساسية طعام وكانت الحساسية خفيفة فإن على الطبيب ان يحاول سحب الحساسية وذلك عن طريق تناول هذا الطعام بكمية قليلة جدا تتم زيادتها بالتدريج الى ان تظهر علامات الحساسية أو ان يعتاد الجسم على تقبل هذا الطعام من دون اظهار أية أعراض ويكون المريض قد شفي تماما وتخلص من الحساسية، أحيانا يعطى المريض هذا الطعام عند الطبيب وفي حالات اخرى يخلط هذا الطعام مع طعام آخر من دون علم المريض حتى لا يتأثر المريض نفسيا ويؤثر في النتيجة إلا ان المريض ذا الحساسية الشديدة لا يمكن علاجه بهذه الطريقة إلا نادرا.
وهناك طريقتان يعلن عنهما لفحص الحساسية ورغم تكلفتهما المرتفعة إلا ان نتائجهما غير دقيقة في كشف حساسية الطعام وهما طريقة استفزاز حساسية الطعام وطريقة فحص تسميم الخلايا بالحقن تحت الجلد أو الوضع تحت اللسان.
علاج حساسية الطعام
إذا ما ثبت وجود حساسية الطعام فإن العلاج الوحيد الأكيدة نتائجه هو الامتناع عن تناول هذا الطعام المسبب للحساسية.
ان فرض رجيم أو نظام تغذية معين لاستبعاد الغذاء المسبب مسألة صعبة للغاية وتوجب الحذر الشديد، حيث يجب الحرص على الا يحصل نقص في بعض المواد الحيوية وان تكون الوجبات مقبولة من قبل الشخص ووسيلة الاتباع وغيرها. هنا يمكن لأخصائي التغذية ان يساعد بشكل فعال على وضع لوائح طعام متزنة ومقبولة.
يجب على المصاب بحساسية ضد مادة غذائية معينة ان يتعلم ويواظب على قراءة محتويات المعلبات حيث ان القانون يفرض كتابة المحتويات على المنتج ومراجعة ذلك باستمرار حيث ان المحتويات تتغير أو تزداد من حين لآخر.
وعند الأكل في المطاعم يجب التأكد من محتويات الوجبة بدقة قبل تناولها وفي حالة الحفلات يستأذن باحضار الشخص لطعامه معه حتى يستمتع بالاحتفال من دون ان يتعرض للأذى. أحيانا تختفي حساسية الطعام اذا ما امتنع المريض عن تناول هذا الطعام تماما ولمدة عام أو عامين.
وفي دراسة ثبت ان ثلث المرضى من الاطفال والبالغين زالت حساسيتهم بعدما ابتعدو تماما عن تناول الطعام المسبب لمدة سنتين كاملتين. إلا ان حساسية الفول السوداني والفستق والسمك والصدفيات تبقى مدى الحياة في الغالب. وعلى الاشخاص ذوي حساسية الطعام ان يكونوا قادرين على التصرف بسرعة في حال تناولهم الطعام المسبب للحساسية عن غير قصد وعليهم مراجعة الطبيب أو أي قسم طوارئ في اسرع وقت. كذلك يمكن تعليمهم كيفية حقن انفسهم بمادة “الادرينالين” في حالة تعرضهم لأي طارئ. وتوجد حاليا حقن ادرينالين جاهزة وسهلة الحقن من قبل المريض لنفسه. يستطيع المريض ان يحملها معه حيثما ذهب.
أما مضادات الحساسية التي تؤخذ عن طريق الفم فهي نافعة في حالات الحساسية الخفيفة بينما حقنة الادرينالين فتستعمل في الحالات الخطرة. كذلك على مرضى الحساسية الشديدة ان يضعوا قلادة تعرف الآخرين إلى أنهم مرضى حساسية حتى يستطيع الفريق الطبي ان ينقذهم في الوقت المناسب في حالة فقدان الوعي.
وفي الوقت الحاضر لا يوجد علاج ناجع للقضاء على حساسية الطعام. كما ان حقن سحب الحساسية المستعملة في حساسية الغبار والروائح والابخرة لم تنجح في علاج حساسية الطعام وقد تكون خطيرة في بعض الأحيان.
أمراض أخرى يسببها الطعام
بعض الامراض الناجمة عن تناول بعض الاطعمة ليس لها علاقة بالجهاز المناعي وهي تدعى “امراض عدم تقبل هذا الطعام أو ذاك” وهناك تفاعلات اخرى لا توجد لها تفسيرات حتى الآن.
اما التسمم الغذائي فسببه سموم الجراثيم الموجودة في الطعام الفاسد وأحيانا يغطي التسمم الغذائي على صورة الحساسية وذلك مثلا عند تناول وجبة محار معطوب أو سمك فاسد مملوء بالهيستامين الذي تنتجه البكتيريا. وفي بعض حالات تناول السمك الفاسد تكون الاعراض شبيهة جدا بأعراض حساسية الطعام.
وفي حالة عدم تقبل الجهاز الهضمي لطعام ما فإن الجسم لا يستطيع ان يهضم بعض مواد هذا الطعام بسبب نقص بعض الانزيمات الهاضمة كما حالة سكر الحليب (Lactose) مما يؤدي الى أعراض النفخة والشعور بالقيء والاسهال عند تناول الحليب ومشتقاته.
وهناك العديد من الامراض التي لا علاقة لها بالحساسية ولكنها تظهر اعراضا تشبه اعراض حساسية الطعام الى حد كبير ولكنها غير معروفة الأسباب ويعتقد ان لها علاقة بالحالة النفسية للمريض.
أسئلة وأجوبة
من هم الأشخاص المعرضون لحساسية الطعام؟
يمكن القول ان كل شخص معرض لأن يمرض بحساسية الطعام ولكن القابلية للمرض تكون وراثية أي ان الشخص الذي يعاني أحد والديه من حساسية ما، معرض للحساسية أكثر بمرتين من الآخرين. أما الشخص الذي يولد لشخصين يعانيان من حساسية، فإنه معرض للاصابة أكثر بأربع مرات من غيره. كذلك فإن مرضى حساسية الطعام معرضون للاصابة بحساسيات أخرى مثل الحساسية ضد الغبار والطلع والروائح وشعر الحيوانات في مراحل لاحقة من حياتهم. يضاف الى ذلك ان الاشخاص البالغين حين يصابون بحساسية الطعام غالبا ما يكونون قد اصيبوا في الصغر بحساسية الجهاز التنفسي مثل الربو الشعبي وحساسية الأنف.
هل هناك تأثير لطعام الحامل في تطور حساسية الطعام عند المولود؟
معظم الابحاث تدل على ان تأثير طعام الحامل في تطور حساسية الطعام لدى المولود شبه معدوم. لذلك على الحامل ألا تمتنع عن تناول بعض الاطعمة خوفا من ان يطور جنينها حساسية ضد طعام ما.
هل تحمي الرضاعة الطبيعية من حساسية الطعام؟
نعم، تثبت معظم الدراسات ان الرضاعة الطبيعية تحمي أو على الأقل تؤخر ظهور حساسية الطعام عند الاطفال.
هل تعتبر حساسية الطعام خطر على الحياة؟
ان معظم حالات حساسية الطعام تكون خفيفة نسبيا. ولكن توجد فئة ضئيلة من الناس شديدي الحساسية تأتيهم ردات فعل شديدة جدا بحيث تشكل خطورة على حياتهم. وتذكر إحدى الدراسات ان معظم الوفيات حصلت للناس شديدي الحساسية للطعام خلال تواجدهم بعيدا عن بيوتهم وجميعهم قاموا بتناول اطعمة كانوا على علم بأنهم يتحسسون منها مما أدى الى اصابتهم “بصدمة فرط الحساسية” وتعذر وصول المساعدة لهم في الوقت المناسب. ومن العوامل الاضافية التي سارعت في موت هؤلاء الاشخاص كانت اصابتهم بالربو الشعبي وعدم أخذ الأعراض على محمل الجد وعدم متابعة العلاج في الماضي اضافة الى عدم تواجد حقنة الادرينالين وحقنها بعد ظهور الاعراض مباشرة.
ماذا افعل إذا كانت لدي شكوك في أنني حساس ضد نوع من الطعام؟
إذا ظننت انك تعاني من حساسية ضد طعام معين فعليك تجنب تناوله الى ان تناقش الأمر مع طبيبك. لأن العديد من الاعراض المؤلمة يمكن ان تطرأ بعد تناول الطعام من دون ان يكون لها علاقة بحساسية الطعام. وطبيبك هو الشخص الوحيد الذي باستطاعته بعد القيام بالفحوصات اللازمة ان يقول لك انها حساسية طعام أو غير ذلك.
هل تسبب المواد الحافظة أو الملونة التي تضاف الى الأطعمة الجاهزة حساسية الطعام؟
هناك أسباب عدة لإضافة مواد الى الاغذية منها المحافظة على شكل الطعام أو للمحافظة عليها من العطل والفساد ولتعديل نسبة الحموضة أو القلوية فيها ولتعديل المذاق والنكهة واللون. ومع ان الناس يتناولون العديد من هذه المواد إلا أنها قلما تسبب اعراض حساسية الطعام ولكنها أحيانا تسبب اعراض “عدم تقبل” بعض الاجسام الذي تكون اعراضه على شكل انتفاخ في المعدة (البطن) أو اسهال أو امساك أو مغص معوي أو ما شابه.
اخصائي باطنية