التطير من أنواع الشرك الأصغر
أولا: تعريف التطير
التطير والطيرة: هي التشاؤم، وهو مصدر من تطير يتطير تطيرا وطيرة.
يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله: وأصل التطير أنهم كانوا في الجاهلية يعتمدون على الطير، فإذا خرج أحدهم لأمر، فإن رأى الطير طار يمنة تيمن به واستمر، وإن رآه طار يسرة تشاءم به ورجع، وربما كان أحدهم يهيج الطير ليطير، فيعتمدها؛ فجاء الشرع بالنهي عن ذلك4.
__________
1 انظر المجموع الثمين من فتاوى الشيخ ابن عثيمين 1/ 58.
2 المصنف لابن أبي شيبة 7/ 374.
3 انظر: فتح المجيد للشيخ عبد الرحمن بن حسن ص176-177. وتيسير العزيز الحميد للشيخ سليمان ابن عبد الله ص174.
4 انظر: فتح الباري لابن حجر 10/ 212. وفتح المجيد للشيخ عبد الرحمن بن حسن ص424.
وكانوا يسمونه السانح، والبارح؛ فالسانح ما ولاك ميامنه، بأن يمر عن يسارك إلى يمينك. والبارح بالعكس. وكانوا يتيمنون بالسانح، ويتشاءمون بالبارح؛ لأنه لا يمكن رميه إلا بأن ينحرف إليه. وليس في شيء من سنوح الطير وبروحها ما يقتضي ما اعتقدوه.
وإنما هو تكلف بتعاطي ما لا أصل له؛ إذ لا نطق للطير ولا تمييز فيستدل بفعله على مضمون معنى فيه، وطلب العلم من غير مظانه جهل من فاعله1.
ولم يقتصر التطير التطير على الطيور والحيوانات، بل انسحب هذا الاعتقاد على غير الطير؛ فلقد كانوا يتشاءمون ببعض الأشهر؛ كشهر صفر الذي كان يمتنع بعضهم عن الزواج فيه أو السفر.
كذلك كانوا يتشاءمون من المرضى، فيمتنعون عن مجالستهم، أو مآكلتهم.
وكذا كانوا يتشاءمون بذي العاهة؛ كالأعرج، والأعور، وغيرهما.
ثانيا: من الأدلة على تحريم التطير
1- قول الله عز وجل عن آل فرعون: {فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ** [الأعراف: 131] ؛ فآل فرعون كانوا إذا أصابهم بلاء وقحط تطيروا -تشاءموا- بموسى عليه السلام ومن معه، وقالوا: هذا بسبب موسى وأصحابه، أصابنا بشؤمهم. فأخبر عز وجل أن ما قضى عليهم وقدر لهم، إنما جاءهم من قبل كفرهم وتكذيبهم بآياته ورسله2. ففي هذه الآية نهي عن التطير، ووعيد فيه3.
2- قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا عدوى ولا طيرة" 4.
__________
1 فتح الباري لابن حجر 10/ 212-213. وانظر: الدين الخالص لصديق حسن خان 2/ 142-143.
2 انظر فتح المجيد شرح كتاب التوحيد للشيخ عبد الرحمن بن حسن ص424.
3 انظر فتح المجيد، شرح كتاب التوحيد للشيخ عبد الرحمن بن حسن ص424.
4 صحيح البخاري، كتاب الطب، باب الطيرة. وصحيح مسلم، كتاب السلام، باب لا عدوى.
3- قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا طيرة، وخيرها الفأل". قالوا: وما الفأل؟ قال: "الكلمة الصالحة يسمعها أحدكم" 1.
ما الفرق بين الطيرة وبين الفأل؟ الطيرة سوء ظن بالله عز وجل، وصرف شيء من حقوقه عز وجل لغيره، وتعلق للقلوب بمخلوق لا ينفع ولا يضر. والفأل حسن الظن بالله سبحانه وتعالى، والرسول صلى الله عليه وسلم "إنما كان يعجبه الفأل؛ لأن التشاؤم سوء ظن بالله تعالى بغير سبب محقق، والتفاؤل حسن ظن به عز وجل، والمؤمن مأمور بحسن الظن بالله تعالى على كل حال" 2.
4- قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الطيرة شرك، الطيرة شرك. وما منا إلا، ولكن الله يذهبه بالتوكل" 3، وزيادة: "وما منا إلا، ولكن الله يذهبه بالتوكل"، أي: وما منا إلا وقد وقع في قلبه شيء من ذلك؛ ولكن لما توكلنا على الله في جلب النفع ودفع الضر، أذهبه الله عنا بتوكلنا عليه وحده4.
ثالثا: حكم الطيرة: الطيرة محرمة شرعا، وهي من الشرك الأصغر المنافي لكمال التوحيد، لما فيها من سوء الظن بالله، وتعلق القلوب بغيره، وصرف شيء من حقوقه لغيره.
وتنقلب إلى شرك أكبر إذا اعتقد أن هذه الأشياء التي تطير بها فاعلة بنفسها، أو سبب مؤثر في جلب النفع ودفع الضر. وقد تقدم قوله صلى الله عليه وسلم: "الطيرة شرك".
رابعا: حصول التطير عند بعض المؤمنين، وعلاجه: الطيرة التي في الأفعال والأقوال تكون من بعض المؤمنين؛ فقد يقع في نفس الإنسان شيء من التطير، ولكن الله يذهبه بالتوكل عليه.
__________
1 صحيح البخاري، كتاب الطب، باب الطيرة، وباب الفأل. وصحيح مسلم، كتاب السلام، باب الطيرة والفأل وما يكون فيه من الشؤم.
2 فتح الباري لابن حجر 10/ 215. وانظر: حياة الحيوان الكبرى للدميري 2/ 98. وفتح المجيد للشيخ عبد الرحمن بن حسن ص434-435. والأسئلة والأجوبة في العقيدة للأطرم ص65.
3 أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الطب، باب في الطيرة، والترمذي في جامعه، كتاب السير، باب ما جاء في الطيرة- وقال: هذا حديث حسن صحيح، وابن ماجه في سننه، كتاب الطب، باب من كان يعجبه الفأل، ويكره الطيرة. وصححه الألباني "السلسلة الصحيحة رقم 429".
4 انظر فتح المجيد شرح كتاب التوحيد للشيخ عبد الرحمن بن حسن ص440.
فالتطير أمر قد يقع من الإنسان، كما قال ذلك الصحابي لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ومنا أناس يتطيرون. قال صلى الله عليه وسلم: "ذلك شيء يجده أحدكم في نفسه؛ فلا يصدنكم" 1؛ فأخبر صلى الله عليه وسلم أن تأذي الإنسان وتشاؤمه بالطيرة إنما هو في نفسه وعقيدته، لا في المتطير به، فوهمه وخوفه وإشراكه هو الذي يطيره ويصده2.
والطيرة هي ما أمضاك، أو ردك، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من ردته الطيرة عن حاجته، فقد أشرك"، قالوا: فما كفارة ذلك؟ قال: "أن تقول: اللهم لا خير إلا خيرك، ولا طير إلا طيرك، ولا إله غيرك" 3.
وهذا من العلاج؛ فإن الإنسان إذا قال ذلك، وأعرض عما وقع في قلبه، ولم يلتفت إليه، كفر الله عنه ما وقع في قلبه ابتداءا، لزواله عن قلبه بهذا الدعاء المتضمن للاعتماد على الله وحده، والإعراض عما سواه4.
فعلاج هذا التطير الذي يقع في نفس الإنسان، يكون بصدق التوكل على الله عز وجل، واعتقاد أنه وحده هو النافع والضار. ويضاف إلى صدق الالتجاء: الدعاء الذي علمناه الرؤوف بنا، الحريص علينا صلى الله عليه وسلم، وقد تقدم: "اللهم لا خير إلا خيرك".
وكذلك الدعاء الآخر: "فإذا رأى أحدكم ما يكره، فليقل: اللهم لا يأتي بالحسنات إلا أنت، ولا يدفع السيئات إلا أنت، ولا حول ولا قوة إلا بك"5؛ ففيه نفي تعليق القلب بغير الله في جلب نفع أو دفع ضر، وهذا هو التوحيد، وهودعاء مناسب لمن وقع في قلبه شيء من الطيرة، وتصريح بأنها لا تجلب نفعا، ولا تدفع ضرا6.
__________
1 صحيح مسلم، كتاب السلام، باب تحريم الكهانة وإتيان الكهان.
2 انظر فتح المجيد شرح كتاب التوحيد ص430.
3 أخرجه الإمام أحمد في المسند 2/ 220. والطبراني في المعجم الكبير 5/ 105. وصححه الألباني السلسلة الصحيحة رقم 1065.
4 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد للشيخ عبد الرحمن بن حسن ص441.
5 أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الطب، باب في الطيرة. وإسناده ضعيف كما ذكر الألباني في ضعيف الجامع رقم199.
6 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد للشيخ عبد الرحمن بن حسن ص438.