عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ : (( دَخَلَتْ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ - امْرَأَةُ أَبِي سُفْيَانَ - عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ( فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ , إنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ , لا يُعْطِينِي مِنْ النَّفَقَةِ مَا يَكْفِينِي وَيَكْفِي بَنِيَّ , إلاَّ مَا أَخَذْتُ مِنْ مَالِهِ بِغَيْرِ عِلْمِهِ . فَهَلْ عَلَيَّ فِي ذَلِكَ مِنْ جُنَاحٍ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ( : خُذِي مِنْ مَالِهِ بِالْمَعْرُوفِ مَا يَكْفِيكِ وَيَكْفِي بَنِيكِ )) .
--------------------------------------------
معاني الكلمات :
رجل شحيح : أي بخيل .
من جناح : من إثم .
الفوائد :
1- وجوب إنفاق الزوج على زوجته .
قال ابن قدامة : " نفقة الزوجة واجبة بالكتاب والسنة والإجماع " .
قال تعالى : (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً) . من قدر عليه رزقه : أي ضيق عليه .
وقال ( : ( اتقوا الله في النساء فإنهن عوان عندكم ، أخذتموهن بأمانة الله ، واستحللتم فروجهن بكلمة الله ، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف ) . رواه مسلم
ولحديث الباب .
وأما الإجماع فاتفق أهل العلم على وجوب نفقات الزوجات على أزواجهن إذا كانوا بالغين إلا الناشزين ، ذكره ابن المنذر وغيره .
2- أن نفقة الزوجة مقدرة بالكفاية لا بالأمداد ، لقوله : ( بالمعروف ) .
وهذا مذهب الجماهير من العلماء .
لحديث الباب وفيه : ( خذي من ماله بالمعروف ما يكفيك ... ) .
وذهب الشافعي إلى أنها مقدرة بالأمداد ، لكن هذا قول ضعيف .
ولذا قال النووي : " وهذا الحديث - حديث هند - يرد على أصحابنا ، فإن النبي ( أمرها أن تأخذ الكفاية بالمعروف ولم يقدر لها نوعاً ولا قدراً " .
- والنفقة على الزوجة فضلها عظيم :
عن أبي مسعود قال : قال رسول الله ( : ( إذا أنفق الرجل على أهله يحتسبها فهو له صدقة ) . متفق عليه
وعن سعد بن أبي وقاص أن رسول الله ( قال : ( إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها حتى ما تجعل في فيّ امرأتك ) . متفق عليه
3- أنه لا يجوز للمرأة إذا أُذن لها بالأخذ من مال زوجها للنفقة أن تأخذ ما خرج عن العادة والعرف .
4- استدل بحديث هند على جواز الحكم على الغائب .
قال ابن القيم : " ولا دليل فيه ، لأن أبا سفيان كان حاضراً في البلد لم يكن مسافراً ، والنبي ( لم يسألها البينة ولا يُعطى المدعي بمجرد دعواه ، وإنما كان هذا فتوى منه ( ".
5- استدل بالحديث على مسألة الظفر ، وهي : أن للإنسان أن يأخذ من مال غريمه إذا ظفر به بقدر حقه الذي جحده إياه .
قال ابن القيم : " ولا يدل لثلاثة أوجه :
أحدها : أن سبب الحق ها هنا ظاهر ، وهو الزوجية ، فلا يكون الأخذ خيانة في الظاهر ، فلا يتناوله قول النبي ( : ( أد الأمانة إلى من أئتمنك ولا تخن من خانك ) ولهذا نص أحمد على المسألتين مفرقاً بينهما فمنع من الأخذ في مسألة الظفر ، وجوّز للزوجة الأخذ ، وعمل بكلا الحديثين .
الثاني : أنه يشق على الزوجة أن ترفعه إلى الحاكم ، فيُلزمه بالإنفاق أو الفراق ، وفي ذلك مضرة عليها مع تمكنها من أخذ حقها .
الثالث : أن حقها يتجدد كل يوم ، فليس هو حقاً واحداً مستقراً يمكن أن تستدين عليه ، أو ترفعه إلى الحاكم بخلاف حق الدين " .
6- قال ابن القيم : " وفي حديث هند دليل على جواز قول الرجل في غريمه ما فيه من العيوب عند شكواه ، وأن ذلك ليس بغيبة ، ونظير ذلك قول الآخر في خصمه : يا رسول الله ، إنه فاجر ولا يبالي ما حلف به " .
7- وقال رحمه الله : " وفيه دليل على تفرد الأب بنفقة أولاده ولا يشاركه فيها الأم وهذا إجماع من العلماء إلا قول شاذ لا يلتفت إليه ، وأن على الأم من النفقة بقدر ميراثها " .
8- أن الإنفاق في الزوجية من جانب واحد للزوج على زوجها .
9- ذم الشح ، وأنه يمنع الإنسان ما وجب عليه .
10- جواز سماع كلام الأجنبية للحاجة .