§ومن صلى بعد الوقت متعمداً فقد اختلف العلماء :
القول الأول : أنه يقضيها .
لقوله e ( من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها ) .
قال النووي : ”فيه وجوب قضاء الفريضة الفائتة ، سواء تركها بعذر كنوم ونسيان أم بغير عذر ، وإنما قيد في الحديث بالنسيان لخروجه على سبب ، لأنه إذا وجب القضاء على المعذور ، فغيره أولى بالوجوب ، وهو من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى “ .
القول الثاني : أنه لا يقضيها ، وهذا مذهب أهل الظاهر ، ورجحه شيخ الإسلام ابن تيمية .
قالوا : أنه لو صلى قبل الوقت فصلاته باطلة بالاتفاق ، فكذلك لو صلاها بعد الوقت متعمداً فصلاته باطلة ، ففي كلا الحالين قد تعدى حدود الله .
قول النبي e : ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ) . رواه مسلم وهذا القول هو الراجح .
§وقوله ( أوتأخير بعضها ) أي يحرم تأخير بعض الصلاة بحيث يؤخرها حتى إذا لم يبق من الوقت إلا مقدار ركعة صلى ، لأن الواجب إيقاع الصلاة جميعها في الوقت .
م / إلا إذا أخرها ليجمعَها مع غيرِها فإنه يجوز لعذر من : سفر أو مطر أو مرض أو نحوها .
---------------------------
أي يجوز تأخيرها في حالة جواز الجمع لعذر من سفر أو مرض أو نحوها ، فيباح له التأخير ، لأن وقت الثانية يصير وقتاً لهما
§وهذا الاستثناء يشبه أن يكون صورياً ، لأنه إذا جاز الجمع صار وقت الصلاتين وقتاً واحداً ، ولا يقال أخرها عن وقتها
§بعض العلماء استثنى حالة : وهي إذا كان منشغل بشرطها الذي يحصله قريباً .
مثال : إنسان انشق ثوبه فصار يخيطه ، فحان خروج الوقت ، فإن صلى قبل أن يخيطه صلى عرياناً ، وإن انتظر حتى يخيطه صلى مستتراً ، فقالوا : فهذا تحصيله قريب ، فهنا يجوز أن يؤخرها عن وقتها .
لكن الصواب أنه لا يجوز أن يؤخر الصلاة مطلقاً ، وأنه إذا خاف خروج الوقت صلى على حسب حاله وما عجز عنه من واجبات الصلاة يسقط عنه ، ولأنه لو جاز انتظار الشرط ما صح أن يشرع التيمم .
م / والأفضلُ تقديمُ الصلاة في أولِ وقتِها .
---------------------------
لقوله تعالى ( وسارعوا إلى مغفرة من ربكم . . . ) .
ولأن ذلك أسرع في إبراء الذمة .
ولحديث أبي برزة : ( كان رسول الله e يصلي العصر ثم يرجع أحدنا إلى رحله في أقصى المدينة والشمس حية ) .
ولحديث أبي برزة فقد جاء في رواية : ( كان النبي e يصـلي الهجير التي تدعونها الأولى حين تدحض الشمس ) متفق عليه تدحض : تزول .
ونقل الإجماع على ذلك النووي .
عن جابر t قال : ( كان النبي e يصلي المغرب إذا وجبت ) . متفق عليه
ولحديث رافع بن خديج : ( كنا نصلي مع النبي e فينصرف أحدنا وإنه ليبصر مواقع نبله ) . متفق عليه
قال النووي : ”معناه أنه يبكر بها في أول وقتها بمجرد غروب الشمس حتى ننصرف ويرمي أحدنا بالنبل عن قوسه ويبصر موقعه لبقاء الضوء“ .
م / إلا العشاء إذا لم يشق .
---------------------------
أي : إلا العشاء بشرط عدم المشقة .
لحديث ابن عباس t قال (أعتم النبي e بالعشاء فخرج عمر فقال: رقد النساء والصبيان. فقال رسول الله e«لولا أن أشق على أمتي أو على الناس لأمرتهم بهذه الصلاة هذه الساعة»). متفق عليه
وعن زيد بن خالد t قال: قال رسول الله e ( لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة، ولأخرت العشاء إلى ثلث الليل ) رواه أبو داود.
قوله ( أعتم) أي دخل في العتمة، وهي ظلمة الليل.
§السبب في أن الأفضل تأخير العشاء:
أن فيه انتظار للصلاة وفي الحديث ( ولا يزال الإنسان في صلاة ما انتظر الصلاة ).
أن تأخيرها يوافق هدأة الناس وسكونهم وهو أدعى للخشوع .
§سبب مراعاة النبي e لحال الناس فيما يتعلق بصلاة العشاء :
أ-لتجتنب المشقة على الناس ، خاصة النساء والصبيان .
ب-لأنه e خشي أن تفرض عليهم في هذا الوقت فيشق على الأمة الالتزام بذلك .
نهأنه
م / وإلا الظهرَ في شدةِ الحر لحديث ( إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة ، فإن شدة الحرّ من فيح جهنم ) .
---------------------------
أي : ومن الحالات التي يسن تأخير الصلاة عن أول وقتها ، صلاة الظهر في شدة الحر والدليل ما ذكره المؤلف من قوله r (إذا اشتد الحرّ فأبردوا بالصلاة ، فإن شدة الحرّ من فيح جهنم ) . متفق عليه
وهذا مذهب جمهور العلماء : أنه يستحب الإبراد .
[ فابردوا بالصلاة ] أي أخروها عن ذلك الوقت وأدخلوا بها في وقت الإبراد ، وهذا الزمان الذي يتبين فيه انكسار شدة الحر [ فيح جهنم ] شدة حرها وشدة غليانها .
§يكون الإبراد إلى قرب وقت العصر فهذا الذي يحصل به الإبراد، قال الشيخ ابن عثيمين : ”فإذا قدرنا أن الشمس في أيام الصيف تزول الساعة [12] وأن العصر يؤذن الساعة الرابعة والنصف ، يكون الإبراد إلى الساعة [4] تقريباً“ .
§اختلف العلماء في معنى كون شدة الحرّ من فيح جهنم .فقيل : أن في الكلام تشبيهاً ، والمعنى أن شدة الحر تشبه نار جهنم ، وهذا غير صحيح لأنه خلاف ظاهر الحديث ، وقيل : إن شدة الحر فعلاً ليست من الشمس بل من النار ، وهذا غير صحيح ، لأنه مكابرة للحس والواقع ، وقيل : إن لشدة الحر سببين : سبب شرعي ، وسبب طبيعي ، فالسبب الطبيعي من الشمس ، والسبب الشرعي فهو من حر جهنم ووهجها ولا مانع من أن يتزامن السببان ، وقيل : هو على ظاهره ، قال النووي : ”هو الصواب ، لأنه ظاهر الحديث ولا مانع من حمله على حقيقته“ .
§ظاهر الحديث عدم الفرق بين الجماعة والمنفرد ،وقال أكثر المالكية : الأفضل للمنفرد التعجيل .
قال الشوكاني : ”والحق عدم الفرق ، لأن التأذي بالحر الذي يتسبب عنه ذهاب الخشوع يستوي فيه المنفرد وغيره“ .
قال ابن رجب في شرح البخاري : ”اختلف في السبب الذي من أجله أمر بالإبراد : فمنهم من قال : هو حصول الخشوع فيها ، فلا فرق بين من يصلي وحده أو في جماعة ، ومنهم من قال : هو خشية المشقة على من بَعُدَ من المسجد بمشيه في الحرّ ، ومنهم من قال : هو وقت تنفس جهنم ، فلا فرق بين من يصلي وحده أو جماعة