موقع الشيخ بن باز


 

  لتحميل حلقة الرقية الشرعية للشيخ أبو البراء اضغط هنا


ruqya

Icon36 صفحة المرئيات الخاصة بموقع الرقية الشرعية

الموقع الرسمي للشيخ خالد الحبشي | العلاج بالرقية الشرعية من الكتاب والسنة

الأخوة و الأخوات الكرام أعضاء منتدنا الغالي نرحب بكم أجمل ترحيب و أنتم محل إهتمام و تقدير و محبة ..نعتذر عن أي تأخير في الرد على أسئلتكم و إستفساراتكم الكريمة و دائماً يكون حسب الأقدمية من تاريخ الكتابة و أي تأخر في الرد هو لأسباب خارجة عن إرادتنا نظراً للظروف و الإلتزامات المختلفة

 
العودة   منتدى الرقية الشرعية > أقسام المنابر الإسلامية > منبر العقيدة والتوحيد

الملاحظات

صفحة الرقية الشرعية على الفيس بوك

إضافة رد
 
 
أدوات الموضوع
New Page 2
 
 

قديم 28-07-2025, 11:36 AM   #1
معلومات العضو
الماحى3

افتراضي نواقض التوحيد الشيخ ابن جبرين رحمه الله

مختصر تسهيل العقيدة الإسلامية
نواقض التوحيد
الفصل الأول: الشرك الأكبر
المبحث الأول: تعريفه وحكمه
...
الباب الثاني
نواقض التوحيد
وفيه ثلاثة فصول:
الفصل الأول
الشرك الأكبر
وفيه مبحثان:
المبحث الأول: تعريفه، وحكمه:
قبل أن نبدأ في تعريف الشرك نذكر الفرق بين نواقض التوحيد ومنقصاته:
فنواقض التوحيد: هي الأمور التي إذا وجدت عند العبد خرج من دين الله بالكلية، وأصبح بسببها كافراً أو مرتداً عن دين الإسلام، وهي كثيرة، تجتمع في الشرك الأكبر، والكفر الأكبر، والنفاق الأكبر الاعتقادي.
أما منقصات التوحيد: فهي الأمور التي تنافي كمال التوحيد ولا تنقضه بالكلية، فإذا وجدت عند المسلم قدحت في توحيده، ونقص إيمانه، ولم يخرج من دين الإسلام، وهي المعاصي التي لا تصل إلى درجة الشرك الأكبر أو الكفر الأكبر أو النفاق الأكبر، وعلى رأسها: وسائل الشرك الأكبر، والشرك الأصغر، والكفر الأصغر، والنفاق الأصغر، والبدعة.

(1/49)
أما تعريف الشرك الأكبر فهو: أن يتخذ العبد لله نداً يسوِّيه به في ربوبيته أو ألوهيته أو أسمائه وصفاته.
أما حكمه:
فإن الشرك هو أعظم ذنب عصي الله به، فهو أكبر الكبائر، وأعظم الظلم؛ لأن الشرك صرف خالص حق الله تعالى - وهو العبادة - لغيره، أو وصف أحد من خلقه بشيء من صفاته التي اختص بها - عز وجل -، قال تعالى: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ** [لقمان: 13] ، ولذلك رتّب الشرع عليه آثاراً وعقوبات عظيمة، أهمها:
1- أن الله لا يغفره إذا مات صاحبه ولم يتب منه، كما قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ** [النساء: 48، 116] .
2- أن صاحبه خارج من ملة الإسلام، حلال الدم والمال، قال الله تعالى: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ** [التوبة: 5] .
3- أن الله تعالى لا يقبل من المشرك عملاً، وما عمله من أعمال سابقة تكون هباءً منثوراً، كما قال تعالى عن المشركين: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً** [الفرقان: 23] ، وقال سبحانه: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ** [الزمر: 65] .
4- يحرم أن يتزوج المشرك بمسلمة، كما يحرم أن يتزوج المسلم مشركة، كما قال تعالى: {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ

(1/50)
مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ** [البقرة: 221] .
5- إذا مات المشرك فلا يُغسل، ولا يُكفن، ولا يُصلى عليه، ولا يُدفن في مقابر المسلمين، وإنما يحفر له حفرة بعيدة عن الناس ويدفن فيها، لئلا يؤذي الناس برائحته الكريهة.
6- أن دخول الجنة عليه حرام، وهو مخلد في نار الجحيم- نسأل الله السلامة والعافية - كما قال تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ** [المائدة: 72] .

(1/51)
المبحث الثاني: أقسام الشرك الأكبر
القسم الأول: الشرك في الربوبية
...
المبحث الثاني: أقسام الشرك الأكبر:
للشرك الأكبر ثلاثة أقسام رئيسة هي:
القسم الأول: الشرك في الربوبية: وهو أن يجعل لغير الله تعالى معه نصيباً من الملك أو التدبير أو الخلق أو الرزق الاستقلالي.
ومن صور الشرك في هذا القسم:
1- شرك النصارى الذين يقولون: الله ثالث ثلاثة، وشرك المجوس القائلين بإسناد حوادث الخير إلى النور - وهو عندهم الإله المحمود - وحوادث الشر إلى الظلمة.
2- شرك القدرية الذين يزعمون أن الإنسان يخلق أفعاله.
3-شرك كثير من غلاة الصوفية والرافضة من عباد القبور الذين يعتقدون أن أرواح الأموات تتصرف بعد الموت فتقضي الحاجات

(1/51)
وتفرج الكربات، أو يعتقدون أن بعض مشايخهم يتصرف في الكون أو يغيث من استغاث به ولو مع غيبته عنه.
4 - الاستسقاء بالنجوم: وذلك باعتقاد أنها مصدر السقيا، وأنها التي تنزل الغيث بدون مشيئة الله تعالى، وأعظم من ذلك أن يعتقد أنها تتصرف في الكون بالخلق أو الرزق أو الإحياء أو الإماتة أو بالشفاء أو المرض أو الربح أو الخسارة، فهذا كله من الشرك الأكبر. قال الله تعالى: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ** [الواقعة: 82] ، والمعنى تجعلون شكركم لله على ما رزقكم الله من الغيث والمطر أنكم تكذبون - أي تنسبونه إلى غيره -. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن: الفخر في الأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة ". رواه مسلم.

(1/52)
القسم الثاني: الشرك في الأسماء والصفات:
وهو: أن يجعل لله تعالى مماثلاً في شيء من الأسماء أو الصفات، أو يصفه تعالى بشيء من صفات خلقه.
فمن سمّى غير الله باسم من أسماء الله تعالى معتقداً اتصاف هذا المخلوق بما دل عليه هذا الاسم مما اختص الله تعالى به، أو وصفه بصفة من صفات الله تعالى الخاصة به فهو مشرك في الأسماء والصفات.
وكذلك من وصف الله تعالى بشيء من صفات المخلوقين فهو مشرك في الصفات.

(1/52)
ومن صور هذا الشرك:
الشرك بدعوى علم الغيب، أو باعتقاد أن غير الله تعالى يعلم الغيب، فكل ما لم يطلع عليه الخلق ولم يعلموا به بأحد الحواس الخمس فهو من علم الغيب، كما قال تعالى: {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ** [النمل: 65] ، وقال جل شأنه: {إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ** [يونس: 20] ، وقال سبحانه وتعالى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ** [الأنعام: 59] ، وقال لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: {قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ** [الأعراف: 188] ، وقال لنبيه صلى الله عليه وسلم أيضاً: {قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ** [الأنعام: 50] .
فمن ادَّعى أنَّ أحداً من الخلق يعلم الغيب، فقد وقع في الشرك الأكبر المخرج من الملة، لأن في ذلك ادعاء مشاركة الله تعالى في صفة من صفاته الخاصة به، وهي "علم الغيب". ومن أمثلة الشرك بدعوى علم الغيب:
أ - اعتقاد أن الأنبياء أو أن بعض الأولياء والصالحين يعلمون الغيب: وهذا الاعتقاد يوجد عند غلاة الرافضة والصوفية، ولذلك تجدهم يستغيثون بالأنبياء والصالحين الميتين وهم بعيدون عن قبورهم، ويدعون بعض الأحياء وهم غائبون عنهم، ويعتقدون أنهم جميعاً يعلمون بحالهم وأنهم يسمعون كلامهم، وهذا كله شرك أكبر مخرج من الملة.

(1/53)
ب- الكهانة: الكاهن هو الذي يدعي أنه يعلم الغيب. ومثله أو قريب منه "العرّاف"، و "الرمّال"، ونحوهم، فكل من ادعى أنه يعرف علم ما غاب عنه دون أن يخبره به مخبر، أو زعم أنه يعرف ما سيقع قبل وقوعه فهو مشرك شركاً أكبر، سواء ادّعى أنه يعرف ذلك عن طريق "الطرق بالحصى"، أم عن طريق حروف "أبا جاد"، أم عن طريق "الخط في الأرض"، أم عن طريق "قراءة الكف"، أم عن طريق "النظر في الفنجان"، أم غير ذلك، كل هذا من الشرك، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " ليس منا من تَطيَّر أو تُطيِّر له، أو تَكهَّن أو تُكُهِّن له، أو سَحَر أو سُحِرَ له، ومن أتى كاهناً فصدَّقه بما يقول فقد كفر بما أُنزل على محمد صلى الله عليه وسلم ".
ج- اعتقاد بعض العامة أن السحرة أو الكهان يعلمون الغيب، أو تصديقه لهم في دعواهم معرفة ما سيقع في المستقبل، فمن اعتقد ذلك أو صدقهم فيه فقد وقع في الكفر والشرك المخرج من الملة، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من أتى كاهناً أو عرافاً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أُنزل على محمد صلى الله عليه وسلم ".
د- التنجيم: وهو الاستدلال بالأحوال الفلكية على الحوادث الأرضية المستقبلة.
وذلك أن المُنَجِّم يدعي من خلال النظر في النجوم معرفة ما سيقع في الأرض من نصر لقوم، أو هزيمة لآخرين، أو خسارة لرجل، أو ربح لأخر، ونحو ذلك، وهذا لا شك من دعوى علم الغيب، فهو شرك بالله تعالى.

(1/54)
ومما يفعله كثير من المشعوذين والدجاجلة أن يدعي أن لكل نجم تأثيراً معيناً على من ولد فيه، فيقول: فلان وُلِدَ في برج كذا فسيكون سعيداً، وفلان وُلِدَ في برج كذا فستكون حياته شقاء، ونحو ذلك، وهذا كله كذب، ولا يصدقه إلا جهلة الناس وسفهاؤهم، قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "فهذا اتخذ تعلُّم النجوم وسيلةً لادّعاء علم الغيب، ودعوى علم الغيب كفر مخرج من الملة".
(1/55)
القسم الثالث: الشرك في الألوهية:
وهو: اعتقاد أن غير الله تعالى يستحق أن يعبد أو صرف شيء من العبادة لغيره.
وأنواعه ثلاثة، هي:
الأول: اعتقاد شريك لله تعالى في الألوهية.
فمن اعتقد أن غير الله تعالى يستحق العبادة مع الله أو يستحق أن يصرف له أي نوع من أنواع العبادة فهو مشرك في الألوهية.
ويدخل في هذا النوع من يسمي ولده أو يتسمى باسم يدل على التعبد لغير الله تعالى، كمن يتسمى بـ "عبد الرسول"، أو "عبد الحسين"، أو غير ذلك.
فمن سمى ولده أو تسمى بشيء من هذه الأسماء التي فيها التعبد للمخلوق معتقداً أن هذا المخلوق يستحق أن يُعبَد فهو مشرك بالله تعالى.

(1/55)
النوع الثاني: صرف شيء من العبادات المحضة لغير الله تعالى:
فالعبادات المحضة بأنواعها القلبية والقولية والعملية والمالية حق لله تعالى لا يجوز أن تصرف لغيره - كما سبق بيان ذلك عند الكلام على توحيد الألوهية - فمن صرف شيئاً منها لغير الله فقد وقع في الشرك الأكبر.
والشرك بصرف شيء من العبادة لغير الله له صور كثيرة، يمكن حصرها في الأمرين التاليين:
الأمر الأول: الشرك في دعاء المسألة:
دعاء المسألة هو أن يطلب العبد من ربه جلب مرغوب أو دفع مرهوب.
ويدخل في دعاء المسألة: الاستعانة والاستعاذة والاستغاثة والاستجارة.
قال الخطابي رحمه الله تعالى: "ومعنى الدعاء: استدعاء العبد ربه - عز وجل - العناية، واستمداده إياه المعونة. وحقيقته: إظهار الافتقار إليه، والتبرؤ من الحول والقوة. وهو سمة العبودية، واستشعار الذلة البشرية، وفيه معنى الثناء على الله - عز وجل - وإضافة الجود والكرم إليه".
والدعاء من أهم أنواع العبادة، فيجب صرفه لله تعالى، ولا يجوز لأحد أن يدعو غيره كائناً من كان، قال تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ** [غافر: 60] ، وقال تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً**

(1/56)
[الجن: 18] ، وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الدعاء هو العبادة"، وقال صلى الله عليه وسلم في وصيته لابن عباس: " إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله "، فمن دعا غير الله فقد وقع في الشرك الأكبر – نسأل الله السلامة والعافية -.
ومن أمثلة الشرك في دعاء المسألة ما يلي:
أ- أن يطلب من المخلوق ما لا يقدر عليه إلا الخالق، سواء كان هذا المخلوق حياً أم ميتاً، نبياً أم ولياً أم ملكاً أم جنياً أم غيرهم، كأن يطلب منه شفاء مريضه أو نصره على الأعداء، أو كشف كربة، أو أن يغيثه، أو أن يعيذه، وغير ذلك مما لا يقدر عليه إلا الله، فهذا كله شرك أكبر، مخرج من الملة بإجماع المسلمين؛ لأنه دعا غير الله، واستغاث به، واستعاذ به، وهذا كله عبادة لا يجوز أن تصرف لغير الله بإجماع المسلمين، وصرفها لغيره شرك، ولأنه اعتقد في هذا المخلوق مالا يقدر عليه إلا الله سبحانه وتعالى.
ب- دعاء الميت.
ج- دعاء الغائب.
فمن دعا غائباً أو دعا ميتاً وهو بعيد عن قبره، وهو يعتقد أن هذا المدعو يسمع كلامه أو يعلم بحاله فقد وقع في الشرك الأكبر، سواء أكان هذا المدعو نبياً أم ولياً، أم عبداً صالحاً أم غيرهم، وسواء طلب من هذا المدعو ما لا يقدر عليه إلا الله أم طلب منه أن يدعو الله تعالى له،

(1/57)
ويشفع له عنده (1) ، فهذا كله شرك بالله تعالى مخرج من الملة؛ لما فيه من دعاء غير الله، ولما فيه من اعتقاد أن المخلوق يعلم الغيب، ولما فيه من اعتقاد إحاطة سمعه بالأصوات، وهذا كله من صفات الله تعالى التي اختص بها، فاعتقاد وجودها في غيره شرك مخرج من الملة.
د- أن يجعل بينه وبين الله تعالى واسطة في الدعاء، ويعتقد أن الله تعالى لا يجيب دعاء من دعاه مباشرة، بل لا بد من واسطة بين الخلق وبين الله في الدعاء، فهذه شفاعة شركية مخرجة من الملة.
واتخاذ الوسائط والشفعاء هو أصل شرك العرب، فهم كانوا يزعمون أن الأصنام تماثيل لقوم صالحين، فيتقربون إليهم طالبين منهم الشفاعة، كما قال تعالى: {أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى** [الزمر: 3] .
الأمر الثاني: الشرك في دعاء العبادة:
دعاء العبادة هو: عبادة الله تعالى بأنواع العبادات القلبية، والقولية، والفعلية كالمحبة، والخوف، والرجاء والصلاة، والصيام، والذبح، وقراءة القرآن، وذكر الله تعالى وغيرها.
وسمي هذا النوع "دعاء" باعتبار أن العابد لله بهذه العبادات طالب وسائل لله في المعنى، لأنه إنما فعل هذه العبادات رجاء لثوابه وخوفاً من
__________
(1) وقريب من هذا من جاء إلى القبر وطلب من صاحبه أن يدعو الله له فهذا عمل محرم، وهو بدعة باتفاق السلف.
وقد نصّ جمع من أهل العلم على أن هذا العمل شرك أكبر.

(1/58)
عقابه، وإن لم يكن في ذلك صيغة سؤال وطلب، فهو داع لله تعالى بلسان حاله، لا بلسان مقاله.
ومن أمثلة الشرك في هذا النوع:
أ- الشرك في الخوف:
الخوف في أصله ينقسم إلى أربعة أقسام:
1- الخوف من الله تعالى: ويسمى "خوف السر"، وهو الخوف المقترن بالمحبة والتعظيم والتذلل لله تعالى، وهو خوف واجب، وأصل من أصول العبادة.
2- الخوف الجِبلِّي: كالخوف من عدو، والخوف من السباع المفترسة ونحو ذلك. وهذا خوف مباح؛ إذا وجدت أسبابه، قال الله تعالى عن نبيه موسى عليه السلام: {فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفاً يَتَرَقَّبُ** [القصص: 21] .
3- الخوف الشركي: وهو أن يخاف من مخلوق خوفاً مقترناً بالتعظيم والخضوع والمحبة. ومن ذلك الخوف من صنم أو من ميت خوفاً مقروناً بتعظيم ومحبة، فيخاف أن يصيبه بمكروه بمشيئته وقدرته، كأن يخاف أن يصيبه بمرض أو بآفة في ماله، أو يخاف أن يغضب عليه؛ فيسلبه نِعَمَهُ فهذا من الشرك الأكبر، لأنه صرف عبادة الخوف والتعظيم لغير الله، ولما في ذلك من اعتقاد النفع والضر في غير الله تعالى، قال الله تعالى: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ** [التوبة: 18] قال ابن عطية المالكي الأندلسي المولود سنة 481هـ في

(1/59)
تفسيره في تفسير هذه الآية: "يريد خشية التعظيم والعبادة والطاعة".
ومن الخوف الشركي: أن يخاف من مخلوق فيما لا يقدر عليه إلا الله تعالى، كأن يخاف من مخلوق أن يصيبه بمرض بمشيئته وقدرته.
4- الخوف الذي يحمل على ترك واجب أو فعل محرم، وهو خوف محرم، كمن يخاف من إنسان حي أن يضره في ماله أو في بدنه، وهذا الخوف وهمي لا حقيقة له، وقد يكون هناك خوف فعلاً ولكنه يسير لا يجوز معه ترك الواجب أو فعل المحرم. قال الله تعالى: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ** [آل عمران: 175] . وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لا يمنعنَّ أحدَكم مخافةُ الناس أن يتكلم بالحق إذا رآه أو علمه ".
ب - الشرك في المحبة:
المحبة في أصلها تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
1- محبة واجبة: وهي محبة الله ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومحبة ما يحبه الله تعالى من العبادات وغيرها.
2- محبة طبيعية مباحة: كمحبة الوالد لولده، والإنسان لصديقه، ولماله ونحو ذلك.
ويشترط في هذه المحبة أن لا يصحبها ذل ولا خضوع ولا تعظيم، فإن صحبها ذلك فهي من القسم الثالث، ويشترط أيضاً أن لاتصل إلى درجة محبته لله ومحبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن ساوتها أو زادت عليها فهي

(1/60)
محبة محرمه، لقوله تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ** [التوبة: 24] .
3 - محبة شركية، وهي أن يحب مخلوقاً محبة مقترنة بالخضوع والتعظيم، وهذه هي محبة العبودية، التي لا يجوز صرفها لغير الله، فمن صرفها لغيره فقد وقع في الشرك الأكبر (1) ، قال الله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ** [البقرة: 165] .
د- الشرك في الرجاء: وهو أن يرجو من مخلوق ما لا يقدر عليه إلا الله، كمن يرجو من مخلوق أن يرزقه ولداً، أو يرجو منه أن يشفيه
__________
(1) وقال الحافظ ابن القيم في الجواب الكافي ص300، 301 عند كلامه على العشق: "وهو أقسام: تارة يكون كفراً، كمن اتخذ معشوقه نداً يحبه كما يحب الله، فكيف إذا كانت محبته أعظم من محبة الله في قلبه؟ فهذا عشق لا يغفره الله لصاحبه، فإنه من أعظم الشرك، وعلامة هذا العشق الشركي الكفري أن يقدم العاشق رضاء معشوقه على رضاء ربه، وكثير من العشاق يصرح بأنه لم يبق في قلبه موضع لغير معشوقه البتة، بل قد ملك معشوقه عليه قلبه كله، فصار عبداً مخلصاً من كل وجه لمعشوقه، فقد رضي هذا من عبودية الخالق جل جلاله بعبوديته لمخلوق مثله، فإن العبودية هي كمال الحب والخضوع، وهذا قد استغرق قوة حبه وخضوعه وذله لمعشوقه، فقد أعطاه حقيقة العبودية".
قلت: وقد يقع في هذا الشرك من يحب مغنياً أو لاعباً محبة مفرطة تجعله يعظمه، فيحمله ذلك على الخضوع لذلك المحبوب بسبب تعظيمه له.

(1/61)
بإرادته وقدرته، فهذا من الشرك الأكبر المخرج من الملة.
هـ- الشرك في الصلاة والسجود والركوع:
فمن صلى أو سجد أو ركع أو انحنى لمخلوق محبة وخضوعاً له وتقرباً إليه، فقد وقع في الشرك الأكبر بإجماع أهل العلم، قال الله تعالى: {لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ** [فصلت: 37] ، وقال سبحانه: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ** [الأنعام: 162، 163] وقال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ لما سجد له: " لا تفعل، فإني لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لغير الله لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها "، وقال صلى الله عليه وسلم: " ما ينبغي لأحدٍ أن يسجد لأحد "، ولأنه قد صرف شيئاً من العبادة لغير الله عز وجل.
وصرف العبادة لغيره شرك بإجماع أهل العلم.
و الشرك في الذبح:
الذبح في أصله ينقسم إلى أربعة أقسام:
1 - ذبح الحيوان المأكول اللحم تقرباً إلى الله تعالى وتعظيماً له، كالأضحية، وهدي التمتع والقران في الحج، والذبح للتصدق باللحم على الفقراء ونحو ذلك، فهذا مشروع، وهو عبادة من العبادات.
2- ذبح الحيوان المأكول لضيف، أو من أجل وليمة عرس ونحو ذلك، فهذا مأمور به إما وجوباً وإما استحباباً.

(1/62)
3- ذبح الحيوان الذي يؤكل لحمه من أجل الاتجار ببيع لحمه، أو لأكله، أو فرحاً عند سكنى بيت ونحو ذلك، فهذا الأصل أنه مباح، وقد يكون مطلوباً فعله، أو منهياً عنه حسبما يكون وسيلة إليه.
4- الذبح تقرباً إلى مخلوق وتعظيماً له وخضوعاً له، فهذا عبادة -كما سبق- ولا يجوز التقرب به إلى غير الله، فمن ذبح تقرباً إلى مخلوق وتعظيماً له فقد وقع في الشرك الأكبر وذبيحته محرمة لا يجوز أكلها، سواء أكان هذا المخلوق من الإنس أم من الجن أم من الملائكة أم كان قبراً، أم غيره، وقد حكى نظام الدين الشافعي النيسابوري المتوفى سنة 406هـ إجماع العلماء على ذلك.
قال الله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ** [الأنعام 162، 163] ، وقال تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ** [الكوثر2] ، وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لعن الله من ذبح لغير الله". رواه مسلم.
ز- الشرك في النذر والزكاة والصدقة:
النذر هو: إلزام مكلف مختار نفسه عبادة لله تعالى غير واجبة عليه بأصل الشرع.
كأن يقول: لله علي نذر أن أفعل كذا، أو لله علي أن أصلي أو أصوم كذا، أو أتصدق بكذا، أو ما أشبه ذلك.
والنذر عبادة من العبادات، لا يجوز أن يصرف لغير الله تعالى، فمن نذر لمخلوق كأن يقول: لفلان علي نذر أن أصوم يوماً، أو لقبر فلان

(1/63)
علي أن أتصدق بكذا، أو إن شفي مريضي أو جاء غائبي للشيخ فلان علي أن أتصدق بكذا، أو لقبره علي أن أتصدق بكذا، فقد أجمع أهل العلم على أن نذره محرم وباطل، وعلى أن من فعل ذلك قد أشرك بالله تعالى الشرك الأكبر المخرج من الملة، لأنه صرف عبادة النذر لغير الله، ولأنه يعتقد أن الميت ينفع ويضر من دون الله، وهذا كله شرك.
ومثله إخراج زكاة المال وتقديم الهدايا والصدقات إلى قبر ميت تقرباً إليه، أو تقديمها إلى سدنة القبر تقرباً إلى الميت، أو تقديمها إلى الفقراء الذين يذهبون إلى القبر، وكان يفعل ذلك تقرباً إلى الميت، فهذا كله من الشرك الأكبر أيضاً، لما فيه من عبادة غير الله ومن اعتقاد أن هذا الميت ينفع أو يضر من دون الله.
ح- الشرك في الصيام والحج:
الصيام والحج من العبادات التي لا يجوز صرفها لغير الله بالإجماع، فمن تعبَّد بها لغير الله فقد وقع في الشرك الأكبر، وذلك كمن يصوم أو يحج إلى الكعبة تقرباً إلى ولي أو ميت أو غيرهما من المخلوقين، وكمن يحج إلى قبر تقرباً إلى صاحبه فهذا كله من الشرك الأكبر المخرج من الملة، سواء أفعله العبد أم اعتقد جوازه.
ط- الشرك في الطواف:
الطواف عبادة بدنية لا يجوز أن تصرف إلا لله تعالى، ولا يجوز أن يطاف إلا بالكعبة المشرفة، وهذا كله مجمع عليه، فمن طاف بقبر نبي أو عبد صالح أو بمنزل معين أو حتى بالكعبة المشرفة تقرباً إلى غير الله

(1/64)
تعالى، فقد وقع في الشرك الأكبر بإجماع المسلمين.
وهذا بقية العبادات كالتوكُّل، والتبرك، والتعظيم البالغ، والخضوع، وقراءة القرآن، والذكر، والأذان والتوبة والإنابة فهذه كلها عبادات لا يجوز أن تصرف لغير الله، فمن صرف شيئاً منها لغير الله فقد وقع في الشرك الأكبر، وسيأتي التفصيل في الشرك في بعض هذه العبادات وذكر بعض العبادات التي لم تذكر هنا عند الكلام على الشرك الأصغر وعند الكلام على الوسائل التي تؤدي إلى الوقوع في الشرك الأكبر - إن شاء الله تعالى -.
النوع الثالث من أنواع الشرك في الألوهية: الشرك في الحكم والطاعة:
ومن صور الشرك في هذا النوع:
1- أن يعتقد أحد أن حكم غير الله أفضل من حكم الله أو مثله، فهذا شرك أكبر مخرج من الملة، لأنه مكذب للقرآن، فهو مكذب لقوله تعالى: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً** [المائدة: 50] ، ولقوله تعالى: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ** [التين: 8] ، وهذا استفهام تقريري، أي أن الله تعالى أحكم الحاكمين، فليس حكم أحد غيره أحسن من حكمه ولا مثله.
2- أن يعتقد أحد جواز الحكم بغير ما أنزل الله، فهذا شرك أكبر، لأنه اعتقد خلاف ما دلت عليه النصوص القطعية من الكتاب والسنة، وخلاف ما دل عليه الإجماع القطعي من المسلمين من تحريم الحكم بغير ما أنزل الله.

(1/65)
3- أن يضع تشريعاً أو قانوناً مخالفاً لما جاء في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ويحكم به، معتقداً جواز الحكم بهذا القانون، أو معتقداً أن هذا القانون خير من حكم الله أو مثله، فهذا شرك مخرج من الملة.
4- من يحكم بعادات آبائه وأجداده أو عادات قبيلته - وهي ما تسمى عند بعضهم ب: السُّلُوم - وهو يعلم أنها مخالفة لحكم الله، معتقداً أنها أفضل من حكم الله أو مثله أو أنه يجوز الحكم بها، فهذا شرك أكبر مخرج من الملة.
5- أن يطيع من يحكم بغير شرع الله عن رضى، مقدماً لقولهم على شرع الله، ساخطاً لحكم الله، أو معتقداً جواز الحكم بغيره، أو معتقداً أن هذا الحكم أو القانون أفضل من حكم الله أو مثله.
ومثل هؤلاء من يتبع أو يتحاكم إلى الأعراف القبلية - التي تسمى: السُّلوم - المخالفة لحكم الله تعالى، مع علمه بمخالفتها للشرع، معتقداً جواز الحكم بها، أو أنها أفضل من الشرع أو مثله، فهذا كله شرك أكبر مخرج من الملة.
والدليل على أن هذا كله شرك قوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ** [المائدة: 44] ، وقوله تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ** [التوبة: 31] ، وروي عن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ

(1/66)
أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ** فقلت: إنا لسنا نعبدهم؟ فقال صلى الله عليه وسلم: " أليس يحرِّمون ما أحلَّ اللهُ، فتُحرِّمونه، ويُحِلُّون ما حرَّم الله، فتحلُّونه؟ " قال: قلت: بلى. فقال صلى الله عليه وسلم: " فتلك عبادتهم ". فذكر في هذا الحديث أن طاعتهم في مخالفة الشرع عبادة لهم، وذكر الله تعالى في آخر الآية أن ذلك شرك، ولأن من كره شرع الله كفر، لقوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ** [سورة محمد: 9] .
6- من يدعو إلى عدم تحكيم شرع الله، وإلى تحكيم القوانين الوضعية محاربةً للإسلام وبغضاً له، كالذين يدعون إلى سفور المرأة واختلاطها بالرجال الأجانب في المدارس والوظائف وإلى التعامل بالربا، وإلى منع تعدد الزوجات، وغير ذلك مما فيه دعوة إلى محاربة شرع الله، فالذي يدعو إلى ذلك مع علمه بأنه يدعو إلى المنكر وإلى محاربة شرع الله ظاهر حاله أنه لم يدع إلى ذلك إلا لما وقع في قلبه من الإعجاب بالكفار وقوانينهم واعتقاده أنها أفضل من شرع الله، ولما وقع في قلبه من كره لدين الإسلام وأحكامه، وهذا كله شرك وكفر مخرج من الملة، ومن كانت هذه حقيقة حاله فقد وقع في الشرك الأكبر، وإن كان يظهر أنه من المسلمين فهو نفاق أيضاً؛ للأدلة التي سبق ذكرها في الفقرة السابقة، بل هنا أولى؛ لأن الدعوة إلى الشيء شر من مجرد اتباعه.
* * *

(1/67)
الفصل الثاني
الكفر الأكبر
المبحث الأول: تعريفه وحكمه:
الكفر في الاصطلاح: كل اعتقاد أو قول أو فعل أو ترك يناقض الإيمان.
فالكفر الأكبر يكون بالاعتقاد، ويكون أيضاً بالقول، ويكون كذلك بالفعل ولو لم يكن مع أي منهما اعتقاد.
وحكم الكفر الأكبر هو حكم الشرك الأكبر، كما سبق بيانه.
وإذا وقع المسلم في الكفر أو الشرك وحكم بكفره فهو "مرتد" له أحكام المرتدين، ومنها أنه يجب قتله إن لم يتب ويرجع إلى الإسلام لقوله صلى الله عليه وسلم: " من بدّل دينه فاقتلوه ". رواه البخاري، ولقوله صلى الله عليه وسلم: " لا يحل دم امرىء مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة ". رواه البخاري ومسلم.

(1/68)
المبحث الثاني: أنواع الكفر
النوع الأول: كفر الإنكار والتكذيب
...
المبحث الثاني: أنواع الكفر:
للكفر أنواع كثيرة، أهمها
1- كفر الإنكار والتكذيب:
وهو أن ينكر المكلف شيئاً من أصول الدين، أو أحكامه، أو أخباره الثابتة ثبوتاً قطعياً.
وذلك بأن ينكر بقلبه، أو لسانه أصلاً من أصول الدين، أو حكماً

(1/68)
من أحكامه، أو خبراً من أخباره المعلومة من دين الإسلام بالضرورة والتي ورد في شأنها نص صريح من كتاب الله تعالى، أو وردت في شأنها أحاديث نبوية متواترة تواتراً معلوماً، وأجمع أهل العلم عليها إجماعاً قطعياً، أو ينكر ما يجزم هو في قرارة نفسه بأنه من دين الله تعالى (1) .
ومثل الإنكار بالقلب واللسان: أن يفعل ما يدل على إنكاره شيئاً من دين الله تعالى (2) .
وقد أجمع العلماء على كفر من وقع في هذا النوع – أي كفر الجحود –؛ لأنه مكذبٌ لكلام الله تعالى وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، رادٌّ لهما ولإجماع الأمة القطعي.
ومن أمثلة هذا النوع من أنواع الكفر الأكبر:
أ- أن ينكر شيئاً من أركان الإيمان أو غيرها من أصول الدين، أو ينكر شيئاً مما أخبر الله عنه في كتابه، أو ورد في شأنه أحاديث متواترة وأجمع أهل العلم عليه إجماعاً قطعياً، كأن ينكر ربوبية الله تعالى أو
__________
"1" وذلك بأن ينكره في الظاهر مجاملة أو عناداً لغيره، أو في حال غضب أو مشاجرة أو خصومة ونحو ذلك، مع أنه في قرارة نفسه يعلم أنه من دين الله تعالى.
"2" ومن ذلك أن يصلي إلى غير القبلة؛ لأنه يدل على إنكاره الإجماع القطعي والنصوص الدالة على وجوب التوجه إلى الكعبة وعدم صحة صلاة من توجه إلى غيرها.

(1/69)
ألوهيته، أو ينكر اسماً أو صفة لله تعالى مما أجمع عليه إجماعاً قطعياً، كأن ينكر صفة العلم، أو ينكر وجود أحد من الملائكة المجمع عليهم كجبريل أو ميكائيل – عليهما السلام –، أو ينكر كتاباً من كتب الله المجمع عليها، كأن ينكر الزبور أو التوراة أو القرآن، أو ينكر نبوة أحد من الأنبياء المجمع عليهم، كأن ينكر رسالة نوح أو إبراهيم أو هود - عليهم السلام - (1) ، أو ينكر البعث للأجساد والأرواح، أو ينكر الحساب أو الجنة أو النار، أو ينكر نعيم القبر أو عذابه، أو ينكر أن الله تعالى قدَّر جميع الأشياء قبل حدوثها.
ومنه أن يصحح أديان الكفار كاليهود أو النصارى أو غيرهم، أو لا يكفرهم، أو يقول: إنهم لن يخلدوا في النار، ومنه أن ينسب نفسه إلى غير دين الإسلام (2) ، ومنه أن ينكر صحبة أبي بكر، أو يقول بردة
__________
(1) ومن ذلك أن ينكر شيئاً مجمعاً عليه يتعلق بأحد من الأنبياء - عليهم السلام - كأن يعتقد أن جبريل - عليه السلام - غلط في الرسالة، فنزل بالوحي على محمد صلى الله عليه وسلم وكان مرسلاً به إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه كما يقول ذلك بعض غلاة الشيعة الرافضة، أو ينكر معجزة من معجزات الأنبياء المجمع عليها، أو يفضل الأولياء على أحد منهم، أو يعتقد أن أحداً من بني آدم أفضل من النبي صلى الله عليه وسلم، أو يعتقد أنه لا يجب العمل بالسّنة، أو ينكر صحة حديث متواتر مجمع عليه إجماعاً قطعياً، ومنه أن يقول: إن بعض الناس لا يجب عليه اتِّباع النبي صلى الله عليه وسلم.
(2) وذلك بأن يقول عن نفسه: "هو كافر"، أو "هو يهودي"، أو "هو نصراني"، ومثله ما إذا قيل له: هل أنت مسلم. فقال: لا. فهذا كله كفر؛ لأنه إما أنه يخبر عن ارتداده فعلاً عن الإسلام، وإما أنه ينسب دين الإسلام

(1/70)
الصحابة أو أكثرهم، أو يقول بفسقهم كلهم، أو ينكر وجود الجن، أو ينكر إغراق قوم نوح (1) .
ب- أن ينكر تحريم المحرمات الظاهرة المجمع على تحريمها، كالسرقة، وشرب الخمر، والزنى، والتبرج، والاختلاط بين الرجال والنساء، ونحو ذلك، أو يعتقد أن أحداً يجوز له الخروج على شريعة النبي صلى الله عليه وسلم، فلا يجب عليه الالتزام بأحكامها، فيجوز له ترك الواجبات وفعل المحرمات (2) ، أو يعتقد أن أحداً يجوز له أن يحكم أو يتحاكم إلى غير شرع الله تعالى.
ج- أن ينكر حِلّ المباحات الظاهرة المجمع على حلها، كأن يجحد حِلَّ أكل لحوم بهيمة الأنعام، أو ينكر حل تعدد الزوجات، أو حل
__________
= إلى الكفر، أو إلى هذه الأديان المحرفة إما اعتقاداً لذلك، وهذا إنكار لما هو معلوم من الدين بالضرورة، وإما استهزاء واستخفافاً بدين الإسلام، وهذا كله كفر.
(1) ونحو ذلك مما أخبر الله عنه في كتابه من أخبار الأمم الماضية، أو غير ذلك، كأن ينكر وجود السماوات السبع، أو ينكر وجود الشيطان، أو ينكر إخراجه من الجنة، أو يقول بتناسخ الأرواح ونقلها إلى أرواح أخرى، أو ينكر إنزال المنّ والسلوى على بني إسرائيل، أو ينكر قصة أصحاب الكهف، أو ينكر قصة الذي أماته الله مائة عام ثم بعثه، ونحو ذلك.
(2) ومن هذا اعتقاد بعض غلاة الصوفية أن بعض مشايخهم يحل له فعل المحرمات، فهذا الاعتقاد كفر بأجماع أهل العلم.
ومنه أن يعتقد أن أحداً حرٌّ في نفسه يفعل ما يشاء، كما يتفوه به بعض المنافقين، ومنه أن يعتقد حل موالاة الكفار.

(1/71)
أكل الخبز، ونحو ذلك.
د- أن ينكر وجوب واجب من الواجبات المجمع عليها إجماعاً قطعياً، كأن ينكر وجوب ركن من أركان الإسلام، أو ينكر أصل وجوب الجهاد، أو أصل وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
أو ينكر سنية سنة من السنن أو النوافل المجمع عليها إجماعاً قطعياً، كأن ينكر السنن الرواتب، أو ينكر استحباب صيام التطوع، أو حج التطوع، أو صدقة التطوع، ونحو ذلك.


    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة
New Page 2
 
 

قديم 28-07-2025, 11:36 AM   #2
معلومات العضو
الماحى3

افتراضي

(1/72)
النوع الثاني: كفر الشك والظن:
وهو أن يتردد المسلم في إيمانه بشيء من أصول الدين المجمع عليها، أو لا يجزم في تصديقه بخبر أو حكم ثابت معلوم من الدين بالضرورة.
فمن تردد أو لم يجزم في إيمانه وتصديقه بأركان الإيمان أو غيرها من أصول الدين المعلومة من الدين بالضرورة، والثابتة بالنصوص المتواترة، أو تردد في التصديق بحكم أو خبر ثابت بنصوص متواترة مما هو معلوم من الدين بالضرورة فقد وقع في الكفر المخرج من الملة بإجماع أهل العلم؛ لأن الإيمان لابد فيه من التصديق القلبي الجازم، الذي لا يعتريه شك ولا تردد، فمن تردد في إيمانه فليس بمسلم، وقد أخبرنا الله تعالى في قصة صاحب الجنة أنه كفر بمجرد شكه في أن جنته – أي بستانه - لن يبيد – أي لن يخرب- أبداً، وشكه في قيام الساعة، حين قال: {مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَداً** يريد جنته، وحين قال: {وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً** ، فقال له صاحبه المؤمن: {أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ

(1/72)
مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً** [الكهف:35-38] .
ومن أمثلة هذا النوع: أن يشك في صحة القرآن، أو يشك في ثبوت عذاب القبر، أو يتردد في أن جبريل - عليه السلام – من ملائكة الله تعالى، أو يشك في تحريم الخمر، أو يشك في وجوب الزكاة، أو يشك في كفر اليهود أو النصارى، أو يشك في سنية السنن الراتبة، أو يشك في أن الله تعالى أهلك فرعون بالغرق، أو يشك في أن قارون كان من قوم موسى، وغير ذلك من الأصول والأحكام والأخبار الثابتة المعلومة من الدين بالضرورة، والتي سبق ذكر أمثلة كثيرة لها في النوع الأول.

(1/73)
النوع الثالث: كفر الامتناع والاستكبار:
وهو: أن يصدق بأصول الإسلام وأحكامه بقلبه ولسانه، ولكن يرفض الانقياد بجوارحه لحكم من أحكامه استكباراً وترفعاً.
وقد أجمع أهل العلم على كفر من امتنع من امتثال حكم من أحكام الشرع استكباراً؛ لأنه معترض على حكمة الله تعالى، وهذا قدح في ربوبيته جلّ وعلا، وإنكار لصفة من صفات الله تعالى الثابتة في الكتاب والسنة، وهي صفة "الحكمة".
وأوضح مثال على هذا النوع من أنواع الكفر: رفض إبليس امتثال أمر الله تعالى بالسجود لأبينا آدم – عليه السلام – استكباراً وترفعاً عن هذا الفعل الذي أمره الله تعالى به، معترضاً على ذلك بأنه هو أفضل من آدم، فلن يسجد له، حيث قال: {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ** [الأعراف: 12] ، وقال: {أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً**

(1/73)
[الإسراء: 61] فاعترض على حكمة الله تعالى في هذا الأمر، ورفض الانقياد له من أجل ذلك.
ومن أمثلة هذا الكفر أيضاً أن يرفض شخص أن يصلي صلاة الجماعة، ويترفع عنها، لأنها تسوي بينه وبين الآخرين، ومن أمثلته أيضاً: أن يمتنع شخص عن لبس لباس الإحرام؛ لأنه في زعمه لباس الفقراء ولا يليق به، ونحو ذلك.

(1/74)
النوع الثالث: كفر السب والاستهزاء
...
النوع الرابع: كفر السبّ والاستهزاء:
وهو أن يستهزئ المسلم أو يسبّ شيئاً من دين الله تعالى مما هو معلوم من الدين بالضرورة، أو مما يعلم هو أنه من دين الله تعالى.
وذلك بأن يستهزئ بالقول أو الفعل (1) بالله تعالى، أو باسم من أسمائه، أو بصفة من صفاته المجمع عليها، أو يصف الله تعالى بصفة نقص، أو يسب الله تعالى (2) ، أو يسب دين الله تعالى كأن يلعن هذا
__________
(1) من الاستهزاء بالفعل: الإشارة باليد، أو اللسان، أو الشفة، أو العين، أو غيرها مما يدل على الاستهزاء والاستهانة، ومنه إهانة الشيء بوضعه في القاذورات، أو بوضع القدم عليه، أو الجلوس عليه ونحو ذلك، ومنه أن يضرب أو يقتل أو يحارب مسلماً، أو جماعة من المسلمين من إجل إسلامهم، أو من أجل التزامهم بأحكام الإسلام وتطبيقهم لشرع الله، فإن هذا من أعظم الاستهزاء بدين الله تعالى، وهو أعظم من السبّ، ويدلّ على كرهه لدين الإسلام.
(2) وذلك كأن يتهم الله تعالى بالظلم، أو يلعن خالقه ورازقه سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علواً كبيراً.

(1/74)
الدين، أو يلعن دين شخص مسلم، أو يقول: إن هذا الدين متخلف، أو رجعي، أو لا يناسب هذا العصر، أو يستهزئ بملائكة الله تعالى، أو بواحد منهم: كأن يسب ملك الموت، أو خزنة جهنم (1) ، أو يستهزئ أو يسب شيئاً من كتب الله، كأن يسب القرآن، أو يستهزئ به أو بآية منه بالقول، أو بالفعل بأن يهينه بوضعه في القاذورات ونحو ذلك، أو يسب أحداً من أنبياء الله المجمع على نبوتهم أو يستهزئ بهم، كأن يسب النبي صلى الله عليه وسلم أو يستهزئ به، أو يستهزئ بشيء مما ثبت في القرآن أو السنة من الواجبات أو السنن، كأن يستهزئ بالصلاة، أو يستهزئ بالسواك، أو بتوفير اللحية، أو بتقصير الثوب إلى نصف الساقين مع علمه بأن ذلك كله من دين الله تعالى، أو يستهزئ بشخص لتطبيقه واجباً أو سنة ثابتة يعلم بثبوتها، وأنها من دين الله، وكان استهزاؤه بكل هذه الأمور من أجل مجرد فعل هذا الحكم الشرعي، لا من أجل شكل الشخص وهيئته.
وقد أجمع أهل العلم على كفر من سبّ أو استهزأ بشيء مما ثبت أنه من دين الله تعالى، سواء أكان هازلاً أم لاعباً أم مجاملاً لكافر أو غيره، أم في حال مشاجرة، أم في حال غضب (2) ، أم غير ذلك.
__________
(1) وكأن يستهزئ بأجنحة الملائكة أو بنزولهم.
(2) ومن الكفر في حال الغضب – والمراد الغضب الذي لا يُفقد المكلف عقله – أن يعلق كفره على أمر مستقبل، وإن كان هذا التعليق في غير حال الغضب، فهو كفر من باب أولى؛ لأنه يدل على استهزائه واستخفافه بدين الإسلام.

(1/75)
وذلك لأن الله تعالى قد حكم بكفر من استهزأ بالله تعالى وبآياته وبرسوله محمد صلى الله عليه وسلم، مع أنهم كما قالوا كانوا يلعبون ويقطعون الطريق بذلك، كما قال تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ** [التوبة: 66،65] ؛ ولأن من فعل ذلك فهو مستخف بالربوبية والرسالة ومستخف بعموم دين الله تعالى غير معظِّم لذلك كله، وهذا مناف للإيمان والإسلام.
(1/76)
النوع الرابع: كفر البغض
...
النوع الخامس: كفر البغض:
وهو أن يكره دين الإسلام.
فقد أجمع أهل العلم على أن من أبغض دين الله تعالى كفر، لقوله سبحانه: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ** [سورة محمد: 9] ، ولأنه حينئذٍ يكون غير معظم لهذا الدين، بل إن في قلبه عداوة له، وهذا كله كفر.

(1/76)
النوع الخامس: كفر الإعراض
...
النوع السادس: كفر الإعراض:
ورد ذكر الإعراض في كتاب الله تعالى في آيات كثيرة، وأصل الإعراض هو: التولي عن الشيء، والصدود عنه، وعدم المبالاة به.
والإعراض عن دين الله تعالى قسمان:
القسم الأول: الإعراض المكفر: وهو أن يترك المرء دين الله ويتولى عنه بقلبه ولسانه وجوارحه، أو يتركه بجوارحه مع تصديقه بقلبه ونطقه بالشهادتين.

(1/76)
وهذا القسم له ثلاث صور، هي:
1- الإعراض عن الاستماع لأوامر الله عز وجل، كحال الكفار الذين هم باقون على أديانهم المحرفة أو الذين لا دين لهم، ولم يبحثوا عن الدين الحق مع قيام الحجة عليهم، فهم أعرضوا عن تعلم ومعرفة أصل الدين الذي يكون به المرء مسلماً، فهم يمكنهم معرفة الدين الحق والسير عليه، ولكنهم لم يلتفتوا إلى ذلك، ولم يرفعوا به رأساً.
2- الإعراض عن الانقياد لدين الله الحق وعن أوامر الله تعالى بعد استماعها ومعرفتها، وذلك بعدم قبولها فيترك ما هو شرط في صحة الإيمان، وهذا كحال الكفار الذين دعاهم الأنبياء وغيرهم من الدعاة إلى الدين الحق، أو عرفوا الحق بأنفسهم، فلم يسلموا، وبقوا على كفرهم، قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ** [الأحقاف: 3] .
3- الإعراض عن العمل بجميع أحكام الإسلام وفرائضه بعد إقراره بقلبه بأركان الإيمان ونطقه بالشهادتين.
فمن ترك جنس العمل بأحكام الإسلام، فلم يفعل شيئاً من الواجبات، لا صلاة ولا صياماً ولا زكاةً ولا حجاً ولا غيرها، فهو كافر كفراً أكبر بإجماع السلف، لقوله تعالى: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ** [آل عمران: 32] ، ولقوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ** [السجدة: 22] ، ولآيات أخرى كثيرة تدل على كفر عموم المعرضين، ولأن تركه لجميع الأعمال الظاهرة دليل على

(1/77)
خلو باطنه من الإيمان والتصديق الجازم.
القسم الثاني: الإعراض غير المكفر: وهو أن يترك المسلم بعض الواجبات الشرعية غير الصلاة، ويؤدي بعضها.

(1/78)
خاتمة فصل الكفر الأكبر:
بعد أن بيَّنتُ تعريف الكفر الأكبر وحكمه وأنواعه أحببت التنبيه إلى مسألة مهمة، وهي: أن المسلم قد يقع في بعض أنواع الكفر الأكبر أو الشرك الأكبر والتي قال أهل العلم: "من فعلها فقد كفر"، ولكن قد لا يحكم على هذا المسلم المعيَّن بالكفر، وذلك لفقد شرط من شروط الحكم عليه بالكفر، أو لوجود مانع من ذلك، كأن يكون جاهلاً، كما في قصة الذي أمر أولاده إذا مات أن يحرِّقوه ثم يذروا رماده في يوم شديد الريح في البحر وقال: "والله لئن قدر الله عليَّ ليعذبني عذاباً ما عذب به أحداً"، فغفر الله له، فهو قد شك في قدرة الله على إعادة خلقه، بل اعتقد أنه لا يعاد، وهذا كفر باتفاق المسلمين، ومع ذلك غفر الله له لجهله وخوفه من ربه.
ومن موانع التكفير للمعيَّن أيضاً: التأويل، وهو: أن يرتكب المسلم أمراً كفرياً معتقداً مشروعيته أو إباحته له لدليل يرى صحته أو لأمر يراه عذراً له في ذل وهو مخطئ في ذلك كله.
فإذا أنكر المسلم أمراً معلوماً من الدين بالضرورة مثلاً، أو فعل ما يدل على إنكاره لذلك، وكان عنده شبهة تأويل، فإنه يعذر بذلك ولو كانت هذه الشبهة ضعيفة إذا كان هذا التأويل سائغاً في لغة العرب

(1/78)
وله وجه في العلم، وهذا مما لا خلاف يه بين أهل السنة.
وعلى وجه العموم فعذر التأويل من أوسع موانع تكفير المعين.
ولهذا ذكر بعض أهل العلم أنه إذا بلغ الدليلُ المتأوِّلَ فيما خالف فيه ولم يرجع وكان في مسألة يُحتَملُ وقوع الخطأ فيها، واحتمل بقاء الشبهة في قلب من أخطأ فيها لشبه أثيرت حولها أو لملابسات أحاطت بها في واقعة معينة أنه لا يحكم بكفره، لقوله تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ** [الأحزاب: 5] .
ولذلك لم يكِفّر بعض العلماء بعض المعينين من الجهمية الذين يعتقدون بعض الاعتقادات الكفرية في صفات الله تعالى.
ومن أجل مانع التأويل أيضاً لم يكفر بعض العلماء بعض من يغلون في الموتى ويسألونهم الشفاعة عند الله تعالى.
ومن أجل مانع التأويل كذلك لم يكفر الصحابة – رضي الله عنهم - الخوارج الذين خرجوا عليهم وحاربوهم، وخالفوا أموراً كثيرة مجمعاً عليها بين الصحابة إجماعاً قطعياً.
وعلى وجه العموم فمسألة تكفير المعيَّن مسألة كبيرة من مسائل الاجتهاد التي تختلف فيها أنظار المجتهدين، وللعلماء فيها أقوال وتفصيلات ليس هذا موضع بسطها.
ولهذا ينبغي للمسلم أن لا يتعجل في الحكم على الشخص المعين أو الجماعة المعينة بالكفر حتى يتأكد من وجود جميع شروط الحكم عليه بالكفر، وانتفاء جميع موانع التكفير في حقه، وهذا يجعل مسألة تكفير

(1/79)
المعين من مسائل الاجتهاد التي لا يحكم فيها بالكفر على شخص معين أو جماعة أو غيرهم من المعيَّنين إلا أهل العلم الراسخون فيه، لأنه يحتاج إلى اجتهاد من وجهين:
الأول: معرفة هل هذا القول أو الفعل الذي صدر من هذا المكلف مما يدخل في أنواع الكفر الأكبر أم لا؟.
والثاني: معرفة الحكم الصحيح الذي يحكم به على هذا المكلف، وهل وجدت جميع أسباب الحكم عليه بالكفر وانتفت جميع الموانع من تكفيره أم لا؟.
والحكم على المسلم بالكفر وهو لا يستحقه ذنب عظيم؛ لأنه حكم عليه بالخروج من ملة الإسلام، وأنه حلال الدم والمال، وحكم عليه بالخلود في النار إن مات على ذلك، ولذلك ورد الوعيد الشديد في شأن من يحكم على مسلم بالكفر، وهو ليس كذلك، فقد ثبت عن أبي ذر قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا يرمي رجل رجلاً بالفسوق ولا يرميه بالكفر إلا ارتدت عليه إن لم يكن صاحبه كذلك ".
ولذلك كله فإنه يجب على المسلم الذي يريد لنفسه النجاة أن لا يتعجل في إصدار الحكم على أحد من المسلمين بالكفر أو الشرك.
كما أنه يحرم على العامة وصغار طلاب العلم أن يحكموا بالكفر على مسلم معيَّن أو على جماعة معيَّنة من المسلمين أو على أُناس معينين من المسلمين ينتسبون إلى مذهب معيَّن دون الرجوع في ذلك إلى العلماء.
كما أنه يجب على كل مسلم أن يجتنب مجالسة الذين يتكلمون في

(1/80)
مسائل التكفير وهم ممن يحرم عليهم ذلك لقلة علمهم؛ لأن كلامهم في هذه المسائل من الخوض في آيات الله، وقد قال الله تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ** [الأعراف: 68] .
* * *

(1/81)
الفصل الثالث: النفاق الأكبر
المبحث الأول: تعريفه وحكمه
...
الفصل الثالث
النفاق الأكبر (الاعتقادي)
وفيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: تعريفه وحكمه:
النفاق في اللغة: إخفاء الشيء وإغماضه.
وفي الاصطلاح: أن يظهر الإنسان الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، ويبطن ما يناقض ذلك كله أو بعضه.
وذلك بأن يكون في الظاهر أمام الناس يدّعي الإسلام، ويظهر لهم أنه مسلم، وربما يعمل أمامهم بعض العبادات كالصلاة والصيام والحج وغيرها، ولكن قلبه – والعياذ بالله – لا يؤمن بتفرد الله تعالى بالألوهية أو بالربوبية، أو لا يؤمن برسالة النبي صلى الله عليه وسلم، أو يبغضه، أو لا يؤمن بكتب الله المنزلة، أو لا يؤمن بعذاب القبر، أو لا يؤمن بالبعث، أو يعتقد أن دين النصارى أو دين اليهود أو دين غيرهم من الكفار حق أو خير من الإسلام، أو يعتقد أن الإسلام دين ناقص، أو لا يصلح للتطبيق في هذا العصر، أو يعتقد أن فيه ظلماً لبعض فئات المجتمع، أو فيه ظلم للنساء، أو أن بعض تشريعاته فيها ظلم، أو ليس فيها تحقيق لمصالح العباد، وغير ذلك من الاعتقادات المخرجة من الملة التي سبق ذكرها في الشرك الأكبر والكفر الأكبر.
أما حكم المنافق فهو حكم المشرك شركاً أكبر وحكم الكافر كفراً أكبر، كما سبق بيانه؛ لأن المنافقين في الحقيقة كفار، وإن كانوا أسوأ

(1/82)
حالاً من سائر الكفار، لأنهم زادوا على الكفر: الكذب والمرواغة والخداع، وضررهم على المسلمين أشدّ؛ لأنهم يندسون بين المسلمين ويظهرون أنهم منهم، ويحاربون الإسلام باسم الإصلاح، ولذلك فهم أشد عذاباً في الآخرة من سائر الكفّار، كما قال تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ** [النساء: 145] .
(1/83)
المبحث الثاني: أعمال المنافقين الكفرية
1- الاستهزاء بالله وبرسوله وبالقرآن
...
المبحث الثاني: أعمال المنافقين الكفرية:
للمنافقين أعمال كفرية يستدل بها على ما يبطنون من النفاق، وقد بينها الله تعالى في كتابه كما في سورة التوبة التي تسمى "الفاضحة"؛ لأن الله تعالى فضح فيها المنافقين ببيان أعمالهم الكفرية، كما بينها أيضاً في سور أخرى كثيرة، ومن هذه الأعمال:
1- الاستهزاء بالله وبرسوله وبالقرآن، قال الله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ** [التوبة: 65، 66] ، وقال جل وعلا: {وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ** [البقرة: 14] .

(1/83)
2- سبُّ الله تعالى، أو سب رسوله صلى الله عليه وسلم أو تكذيبهما، قال الله تعالى عنهم: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ** [التوبة: 58] أي ومن المنافقين من يعيبك في تفريق الصدقات، فيتهمونك بعدم العدل. وأصل اللمز: الإشارة بالعين ونحوها.
(1/83)
3- الإعراض عن دين الإسلام، وعيبه، والعمل على إبعاد الناس عنه، وعلى عدم التحاكم إليه، قال تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ
(1/83)
وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً** [النساء: 61] .
(1/84)
4- التحاكم إلى الكفار، والحرص على تطبيق قوانينهم مفضلاً لها على حكم الله، قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً** [النساء: 60] .
(1/84)
5- اعتقاد صحة المذاهب الهدَّامة والدعوة إليها مع معرفة حقيقتها، ومن هذه المذاهب ما جدَّ في هذا العصر من مذاهب هي في حقيقتها حرب للإسلام، ودعوة للاجتماع على غير هديه، كالقومية والوطنية، فكثير من المنافقين في هذا العصر ممن يسمون "علمانيين" أو "حداثيين" أو "قوميين" يعرفون حقيقة هذه المذاهب، ويدعون إلى الاجتماع على هذه الروابط الجاهلية، ويدعون إلى نبذ رابطة الإيمان والإسلام التي ذكرها ربنا جل وعلا بقوله: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ** [الحجرات: 10] .
(1/84)
6- مناصرة الكفار ومعاونتهم على المسلمين؛ لأن المنافقين في حقيقتهم كفار فهم يناصرون إخوتهم من الكفار على المسلمين، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ** [المائدة: 51، 52] .
(1/84)
7- إظهار الفرح والاستبشار عند انتصار الكفار، وعندما يصيب المسلمين هزيمة أو أي ضرر، قال الله تعالى: {هَا أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ
(1/84)
تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ** [آل عمران: 119، 120] ، ولهذا تجد منهم في هذا العصر من لا يكترث لمصاب المسلمين في أي مكان، بل قد تسمع منهم أو تقرأ كلاماً لبعضهم في المجلات أو الجرائد ينهى عن مساعدة المسلمين في أي مكان وعن الوقوف معهم في مصائبهم، بحجة أنهم ليسوا عرباً أو ليسوا مواطنين مثلاً، فيدعون إلى التحزب على أساس القومية والوطنية فقط، ولا يرفعون رأساً لرابطة الإسلام، بل يحاربونها.
(1/85)
8- سب وعيب العلماء والمصلحين وجميع المؤمنين الصادقين، بغضاً لهم ولدعوتهم ولدينهم، قال الله تعالى عنهم: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ** [البقرة: 13] ، وقال سبحانه: {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ** [التوبة: 79] ، ولهذا تجد منهم في هذا العصر من يعيب العلماء والمصلحين، ومن يعيب الدعاة والمجاهدين في وسائل الإعلام وغيرها.
(1/85)
9- مدح أهل الكفر، ومدح مفكريهم، ونشر آرائهم المخالفة للإسلام، قال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَا هُمْ مِنْكُمْ وَلا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ** [المجادلة: 14] ، ولهذا تجد منهم في هذا العصر من يمدح بعض الملاحدة في القديم والحديث أمثال: "أبي العلاء المعري"، و "الحلاَّج" و "فرويد" وغيرهم.
(1/85)
المبحث الثالث: صفات المنافقين
1- قلة الطاعات.
...
المبحث الثالث: صفات المنافقين:
للمنافقين صفات كثيرة جداً، ذكرها ربنا جل وعلا في كتابه وذكر بعضها النبي صلى الله عليه وسلم في سنته، ومن أبرزها:
1- قلة الطاعات، والتثاقل والكسل عند أداء العبادات الواجبة، قال الله تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً** [النساء: 142] .

(1/86)
2- الجبن وشدة الخوف والهلع، وهذه الصفة من أهم الأسباب التي جعلتهم يخفون كفرهم ويظهرون الإسلام؛ لأنهم يخافون من القتل ومن أن تسلب أموالهم لكفرهم، وليس عندهم شجاعة فيقاتلون مع الكفار، فيلجأون إلى النفاق، قال الله تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ** [المنافقون: 4] ، فهُم لشدة خوفهم كلما سمعوا صياحاً ظنوه صياح نذير من عدو هجم عليهم، وقال جل وعلا: {وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلاً لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ** [براءة: 56، 57] ، فهم يتصفون بالفرق - وهو الخوف - فلو وجد أحدهم في حال القتال حصناً أو كهفاً في جبل أو نفقاً في الأرض يدخله ليختفي فيه لذهب إليه مسرعاً.
(1/86)
3- السفه وضعف التفير وقلة العقل.
...
3- السَّفَه، وضعف التفكير، وقلة العقل، قال الله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لا يَعْلَمُونَ** [البقرة: 13] ، ويتضح سفههم فيما يلي:

(1/86)
أ) إيثارهم الدنيا الفانية على الآخرة، وحرصهم على حطام الدنيا أكثر من حرصهم على طاعة الله التي هي سبب لسعادتهم في الدنيا والآخرة، ففي صحيح البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في شأن المنافقين الذين يتخلفون عن صلاة الجماعة: " لو يعلم أحدهم أنه يجد عظماً سميناً أو مرماتين حسنتين لشهد العشاء والفجر "، فهم معرضون عمَّا فيه نجاتهم، حريصون على ما لا يستفيدون منه إلا اليسير، وسيتركونه خلف ظهورهم، ولا يغني عنهم من عذاب الله شيئاً، كما قال تعالى في شأن المنافقين: {لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ** [المجادلة: 17] .
ب) أن كثيراً منهم عنده القناعة بأن دين الإسلام هو الدين الحق وأن أحكامه كلها خير وعدل، ولكن بسبب مجالسته للكفار وانبهاره بحضارة الغرب المادية، أو بسبب مجالسته لمن انبهر بحضارتهم من المنافقين من علمانيين وحداثيين وقوميين، ومن سماعه لكلامهم ولشبههم التي يثيرونها ضد تعاليم شرع خالقهم وقع في قلبه بغض هذا الدين، وأصبح يدعو إلى تقليد الكفار وتحكيم قوانينهم ويحارب شرع ربه ويعيبه، وهذا منتهى السفه؛ إذ كيف يعيب ويحارب ما يعلم أنه الحق؟!.
ج) تلاعب الشيطان بهم حتى أوقعهم فيما هو سبب لهلاكهم وعذابهم في أزمان أبدية سرمدية، قال الله تعالى في شأن المنافقين: {اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ** [المجادلة: 19] .
د) أن المنافق يخادع خالقه الذي يعلم سره وعلانيته، ويحارب شرع

(1/87)
ربه، غير مفكر في عاقبة أمره، وأنه غداً في قبره وحشره في قبضة ملائكة القوي العزيز، وأن أمامه عذاب في القبر، وعذاب في النار إن مات على نفاقه، وغير مفكر في مصير من سبقه من المنافقين قبل عشرات أو مئات السنين، كابن أبي سلول، وأبي العلاء المعري، وجمال عبد الناصر وطه حسين، وعموم الباطنية، كالإسماعيلية، والدروز، والنصيرية، وغالب أئمة الرافضة، وغيرهم من الزنادقة ممن مات منهم على الزندقة، وما هم فيه الآن من العذاب الأليم الذي لا يتحمله البشر في قبورهم، وما سيلاقونه من العذاب في قعر جهنم خالدين فيها. نسأل الله السلامة والعافية.
(1/88)
4- التذبذب والمراوغة والتلوُّن، فهم كالحِرْباء التي يتغير لونها بحسب حرارة الشمس، فأول النهار لها لون، ووسط النهار لها لون، وآخره لها لون، وكالشاة العائرة بين الغنمين، فهي متحيرة أيهما تتبع، فتتبع هذه مرة، وتتبع هذه مرة، فالمنافق حائر يخشى أن يعلن الكفر فيقتله المسلمون أو تتضرر مصالحه، ويخشى أن ينتصر الكفار فيقتل أو تتضرر مصالحه من قبلهم، فيلجأ إلى إظهار الإسلام، ويسر إلى الكفار وإلى أمثاله من المنافقين بأنه منهم، قال الله تعالى: {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ** [البقرة: 14] ، وقال جل وعلا في شأنهم: {مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لا إِلَى هَؤُلاءِ وَلا إِلَى هَؤُلاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً** [النساء: 143] .
(1/88)
5- الانهزامية واحتقار الذات والشعور بالنقص أمام الأعداء، فهو يشعر أن عموم الكفار أفضل منه ومن بني جنسه – وبالأخص في هذا الزمن الذي تفوق فيه الكفار في النواحي المادية – ولذلك فهو يقلدهم في جميع الأمور، حتى في الأمور التي لا فائدة منها، بل إنه يقلدهم في
(1/88)
أمور يعلم هو ضررها، فهو كالبعير المقطور – أي المربوط – رأسه في ذنب بعير آخر، فيسير خلفه ويطأ على ما يطأ عليه، ويبول على رأسه، وهذا منتهى الضلال والضياع والخسران.
(1/89)
6- قلة الحياء وسلاطة اللسان، قال الله تعالى: {قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلاً أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا** [الأحزاب: 18، 19] .
    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

 


بحث عن:


الساعة الآن 08:40 AM



Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
By Media Gate - https://mediagatejo.com