عُبَيْدَةُ بْنُ الحَارِثِ بْنُ المُطَّلِبِ:
نسبه: هو عبيدة بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف بن قٌصَيَّ القرشي المُطلبي.
وأمه: سُخَيْلة بنت خُزَاعي بن الحُويَرْث الثقفية.
أخباره:
كان عبيدة بن الحارث رضي الله عنه من السابقين إلى الإسلام، فقد أسلم قبل دخول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دار الأرقم بن أبي الأرقم للدعوة للدين الجديد.
هاجر رضي الله عنه إلى المدينة مع أخويه: الطُّفَيْل والحُصَيْن. وقد آخى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينه وبين عُمير بن الحُمَام الأنصاري السلمي رضي الله عنه، وهو أيضًا من شهداء موقعة بدر، وسوف نعرض لسيرته لاحقًا.
وكان عبيدة رضي الله عنه يحظى بمنزلة ومكانة عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وفي ربيع الأول وقيل في شوال من السنة الأولى للهجرة عقد له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفقًا لرأي بعض مؤرخي السير - أول لواء في الإسلام ضم ستين وقيل ثمانين راكبًا من المهاجرين, فلما بلغ «أحياء» وهي ماء بالحجاز أسفل ثنية المُرة من بطن رابغ لقي عبيدة ورفاقه رضي الله عنهم المشركين وعددهم يقارب المائتين، وعلى رأسهم: أبو سفيان بن حرب، وقيل: عكرمة بن أبي جهل، وقيل: مكرز بن حفص الأخيف. وقد اقتصرت المواجهة بين الطرفين على المناوشة والرمي ثم انصرفا, وقد أشار المؤرخون إلى أن سعد بن أبي وقاص - وقيل سعد بن مالك - قد رمى بأول سهم في سبيل الله.
وفي أثناء هذه المواجهة فر من المشركين إلى المسلمين: المقداد بن عمرو البهراني حليف بني زُهرة، وعُتبة بن غزوان بن جابر حليف بني نوفل بن عبد مناف بن قصي، وكانا قد أسلما وجعلا خروجهما مع المشركين وسيلة للوصول إلى المسلمين.
وفي موقعة بدر، وعند بدء المواجهة, طلب ثلاثة من المشركين هم: عتبة بن ربيعة، وأخوه شيبة، وابنه: الوليد بن عتبة المبارزة فخرج إليهم - بناء على توجيهات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حمزة بن عبد المطلب، وعلي بن أبي طالب، وعبيدة بن الحارث رضي الله عنهم. وقد بارز حمزة شيبة فقتله، وبارز علي الوليد فقتله، وبارز عبيدة - وكان أسن المسلمين في يوم بدر - عتبة، فأصيب رضي الله عنه، وهنا كرَّ حمزة وعلي على عتبة فقتلاه. وقد قيل: إن حمزة هو الذي بارز عتبة، وأن عبيدة قد بارز شيبة.
وقد نُقل عبيدة رضي الله عنه إلى مقر قيادة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حيث وسَّده رجله الكريمة وجعل يمسح الغبار عن وجهه، وما لبث أن مات متأثرًا بجراحه بعد ليلة من موقعة بدر، وكان عمره حين استشهاده ثلاثًا وستين عامًا. وقد دفن بالصفراء ونزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليه في قبره وشهد له بالشهادة.
وقد قيل: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما نزل مع أصحابه بالنازية، قال له أصحابه: إنا نجد ريح مسك, فقال: وما يمنعكم؟ وها هنا قبر أبي معاوية - يعني عبيدة.
وفي هذه المواجهة المبكرة التي سبقت ملحمة بدر؛ يقول العلي العظيم: ** هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ * يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ * وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ * كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ * إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ * وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ ** [الحج: 19-24].
قال قيس بن عُباد: سمعت أبا ذر يقسم أن ** هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ ** نزلت في الذين برزوا يوم بدر: حمزة وعلي وعبيدة بن الحارث وعتبة وشيبة ابنا ربيعة والوليد بن عتبة (1) .
وعموم الآيات السابقة تشير إلى الخصومة بين المؤمنين والكافرين.
وهكذا، وبالرغم من سنوات العمر الطويلة التي انعكست على قسمات وجهه وملامحه، فقد أبى عبيدة رضي الله عنه إلا أن يقاتل في سبيل الله ليظفر بالشهادة، وذلك هو الفوز العظيم.