يقول تبارك وتعالى: {وَأَطِيعُواْ الله وَرَسُولَهُ** [الأنفال: 1] .
وقلنا إن أمر الطاعة معناه الامتثال، والطاعة ليست للأمر فقط بل للنهي أيضاً، لأن الأمر طلب فعل، والنهي طلب عدم فعل، وكلاهما طلب. وحينما يقول الحق: {وَأَطِيعُواْ الله وَرَسُولَهُ** .
تفهم هذا القول على ضوء ما عرفناه من قبل وهو أن مسألة الطاعة أخذت في القرآن صورا ثلاثا، الصورة الأولى: يقول الحق تبارك وتعالى: {وَأَطِيعُواْ الله وَرَسُولَهُ** وفيها يكرر المطاع وهو الله والرسول، ولكنه يفرد الأمر بالطاعة.
ومرة ثانية يقول المولى عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَطِيعُواْ الله وَأَطِيعُواْ الرسول** [المائدة: 92] .
أي أنه سبحانه يكرر المطاع، ويكرر الأمر بالطاعة.
ومرة ثالثة يقول سبحانه وتعالى: {وَأَطِيعُواْ الرسول** . لأن منهج الله فيه أمور ذكرها الله عَزَّ وَجَلَّ، وذكرها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وتواردت السنة مع النص القرآني، فنحن نطيع الله والرسول في الأمر الصادر من الله. وهناك بعض من التكاليف جاءت إجمالية، والإجمال لا بد له من تفصيل، مثل الصلاة وفيها قال الحق تبارك وتعالى:
فَأَقِيمُواْ الصلاة إِنَّ الصلاة كَانَتْ عَلَى المؤمنين كِتَاباً مَّوْقُوتاً** [النساء: 103] .
إذن فالله عَزَّ وَجَلَّ أمر بالصلاة إجمالاً وقدّم الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لهذا الإجمال تفسيراً وتطبيقاً فهي خمس صلوات، ركعتان للصبح، وأربع ركعات للظهر، وأربع ركعات للعصر، وثلاث ركعات للمغرب، وأربع ركعات للعشاء، وحدد الرسول عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ الصلوات التي نجهر فيها بقراءة الفاتحة وبضع آيات من القرآن، وحدد الصلوات التي لا نجهر فيها بالتلاوة.
إذن فحين يقول الحق تبارك وتعالى {أَطِيعُواْ الله** ، أي أطيعوه في مجمل الحكم، وحين يقول: {وَأَطِيعُواْ الرسول** أي أطيعوه في تفصيل الحكم، وإذا ما قال: {أَطِيعُواْ الله والرسول** فهذا يعني أن الحق قد أمر وأن الرسول قد بلغ، والمراد واحد، وإذا لم يكن لله أمر، وقال الرسول شيئاً فالحق يقول: {وَأَطِيعُواْ الرسول** ، وسبحانه قد أعطى رسوله تفويضاً بقوله:
{وَمَآ آتَاكُمُ الرسول فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فانتهوا** [الحشر: 7] .
أي أن كل أمر من الرسول إنما يأتي من واقع التفويض الذي أكرمه الله به، وهنا يقول سبحانه وتعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأنفال قُلِ الأنفال للَّهِ والرسول فاتقوا الله وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ الله وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ** [الأنفال: 1] .
أي إن كنتم مؤمنين حقا فاتقوا الله الذي آمنتم به واتّبِعُوا الأمر الصادر من الله
ورسوله لكم، لأن مدلول الإيمان هو اقتناع القلب بقضية لا تطفو للمناقشة من جديد، وكذلك اقتناع بأن هذا الكون له إله واحد، وله منهج يبلغه الرسول المؤيد من الله عَزَّ وَجَلَّ بالمعجزة، وهذا الإيمان وهذا المنهج يفرض عليكم تقوى الله بإصلاح ذات البين، ويفرض عليكم طاعة الله والرسول في كل أمر، ومن هذه الأمور التي تتطلب الطاعة هو ما أنتم بصدده الآن، لأنه أمر في بؤرة الشعور.