موقع الشيخ بن باز


 

  لتحميل حلقة الرقية الشرعية للشيخ أبو البراء اضغط هنا


ruqya

Icon36 صفحة المرئيات الخاصة بموقع الرقية الشرعية

الموقع الرسمي للشيخ خالد الحبشي | العلاج بالرقية الشرعية من الكتاب والسنة

الأخوة و الأخوات الكرام أعضاء منتدنا الغالي نرحب بكم أجمل ترحيب و أنتم محل إهتمام و تقدير و محبة ..نعتذر عن أي تأخير في الرد على أسئلتكم و إستفساراتكم الكريمة و دائماً يكون حسب الأقدمية من تاريخ الكتابة و أي تأخر في الرد هو لأسباب خارجة عن إرادتنا نظراً للظروف و الإلتزامات المختلفة

 
العودة   منتدى الرقية الشرعية > أقسام المنابر الإسلامية > منبر العقيدة والتوحيد

الملاحظات

صفحة الرقية الشرعية على الفيس بوك

إضافة رد
 
 
أدوات الموضوع
New Page 2
 
 

قديم 06-06-2024, 03:26 PM   #1
معلومات العضو
عبدالله الأحد

افتراضي ما المعنى المقصود من حديث: إنَّ اللهَ لو عذَّبَ أهلَ سماواته.....

ما المعنى المقصود من حديث: (إنَّ اللهَ لو عذَّبَ أهلَ سماواته، وأهلَ أرضِه: لعذَّبَهم وهو غيرُ ظالمٍ لهم)؟


السؤال
نعلم من كلام ابن تيمية وغيره من أهل العلم أن الإيمان بالأنبياء والرسل فرع عن الإيمان الفطري بحكمة الله وعدله، وأنه لن يترك الناس هملاً وسدى بلا نبي يرشدهم، وأنه لحكمته يفضح الكاذب، ويؤيد النبي الصادق، ولو كان غير ذلك لكان فيه نسبة النقص إليه جل وعلا، ولكن يوجد حديث أشكل علي في هذا الباب، قوله صلى الله عليه وسلم ( لو عذب الله أهل سماواته لعذبهم وهو غير ظالم لهم )، فمن أوجه العذاب الذي هو مستحق له أن يتركه الله ولا يهديه ولا يكون ظالماً له، فما كان ذلك إلا من تقصيره هو في معاني التوحيد والعبودية المفطورة نفسه عليها إجمالاً حتى قبل ورود السمع. سؤال آخر في نفس الباب: هل يمتنع في عدل الله تعالى أن يعذب نفساً قبل أن تعمل الذنب، لعلم الله أنه سيعمل هذا الذنب في المستقبل، فقد يدخل إشكال من هذا الباب أن الله علم أن البشر لابد أنهم سيكونون مقصرين ظالمين، وبذلك عذبهم بتركهم بلا فرقان بين الحق والباطل، ويمتنع أن يكون هذا نقص فيه جل وعلا أو في حكمته، وإنما ذلك من كمال عدله وما ظلم، أو قد لا يظهر الحق لحكمة لانعلمها، ولايكون في ذلك نقصاً في حكمته أو عدله. فما الجواب في هذا؟ أفيدوني، وساعدوني..




الجواب
الحمد لله.

أولًا:

مما تقرر في الشريعة أن الله لا يظلم الناس شيئا، صغيرا أو كبيرا. قال الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ يونس/44.

وقال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا النساء/40.

وتقرر في الشريعة أيضا، بأوضح بيان أنه تعالى لا يظلم (أحدا) من خلقه، مؤمنا ولا كافرا، طائعا، ولا عاصيا.

قال تعالى: وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَاوَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا الكهف/49

وقال تعالى: مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ فصلت/46.

ووعد عباده ألا يضيع عليهم أعمالهم، بل يجازيهم بها سبحانه. قال تعالى: ( فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ ) آل عمران/195

قال تعالى: وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخَافُ ظُلْماً وَلا هَضْماً طه/112

وقال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ التوبة/120.

وقد حرم على نفسه الظلم سبحانه. فقال: وَمَا كَانَ رَبُّكَ ‌لِيُهۡلِكَ ‌ٱلۡقُرَىٰ ‌بِظُلۡمٖ وَأَهۡلُهَا مُصۡلِحُونَ هود/ 117

وقال تعالى في حديثه القدسي: يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا رواه مسلم (2577) من حديث أبي ذر، رضي الله عنه.

وجماع ذلك كله ما أخبر الله عز وجل من كمال رحمته بعباده، حتى كتبها على نفسه، كما قال في كتابه الكريم: كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ الأنعام/54.

وعن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: لَمَّا قَضَى اللَّهُ الخَلْقَ، كَتَبَ عِنْدَهُ فَوْقَ عَرْشِهِ: إِنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي رواه البخاري (7453)، ومسلم (2751).

فالله سبحانه لا يعذب أهل الطاعة، وإنما يثيبهم ويكرمهم وهو سبحانه القائم على كل نفس بما كسبت، مجازي المحسن بإحسانه، والمسيء بإساءته، وهو ـ سبحانه : الصادق الذي لا يخلف الميعاد، العدل الذي لا يجور ولا يظلم، ولا يخاف عباده منه ظلما، باتفاق جميع الكتب والرسل، قال تعالى: وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ هود/117.

وقد بين الله تعالى لعباده أنه ليس هناك معنى يعود إليه، ولا غرض يليق بحكمته، وكماله من عذاب الطائعين والشاكرين، فقال: مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا النساء/147.

قال الإمام الطبري، رحمه الله: "يعني جل ثناؤه بقوله: (ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم): ما يصنع الله، أيها المنافقون، بعذابكم، إن أنتم تُبتم إلى الله، ورجعتم إلى الحق الواجب لله عليكم، فشكرتموه على ما أنعم عليكم من نعمه في أنفسكم وأهاليكم وأولادِكم، بالإنابة إلى توحيده، والاعتصام به، وإخلاصكم أعمالَكم لوجهه، وترك رياء الناس بها، وآمنتم برسوله محمد صلى الله عليه وسلم فصدَّقتموه، وأقررتم بما جاءكم به من عنده فعملتم به؟

يقول: لا حاجة بالله أن يجعلكم في الدَّرك الأسفل من النار، إن أنتم أنبتم إلى طاعته، وراجعتم العمل بما أمركم به، وترك ما نهاكم عنه، لأنه لا يجتلب بعذابكم إلى نفسه نفعًا، ولا يدفع عنها ضُرًّا، وإنما عقوبته من عاقب مِن خلقه، جزاءٌ منه له على جرَاءته عليه، وعلى خلافه أمرَه ونهيَه، وكفرانِه شكرَ نعمِه عليه.

فإن أنتم شكرتم له على نعمه، وأطعتموه في أمره ونهيه، فلا حاجة به إلى تعذيبكم، بل يشكر لكم ما يكون منكم من طاعةٍ له وشكر، بمجازاتكم على ذلك بما تقصر عنه أمانيكم، ولم تبلغه آمالكم. (وكان الله شاكرا) لكم ولعباده على طاعتهم إياه، بإجزاله لهم الثوابَ عليها، وإعظامه لهم العِوَض منها.

(عليمًا) بما تعملون، أيها المنافقون، وغيرُكم، من خير وشر، وصالِح وطالح، مُحْصٍ ذلك كلَّه عليكم، محيط بجميعه، حتى يجازيكم جزاءَكم يوم القيامة، المحسنَ بإحسانه، والمسيءَ بإساءته" انتهى من "تفسير الطبري" (9/342).

وقال الشيخ السعدي رحمه الله: "أخبر تعالى عن كمال غناه وسعة حلمه ورحمته وإحسانه، فقال: مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ، والحال أن الله شاكر عليم؛ يعطي المتحملين لأجله الأثقال، الدائبين في الأعمال، جزيلَ الثواب، وواسع الإحسان، ومن ترك شيئًا لله أعطاه الله خيرًا منه.

مع هذا يعلم ظاهركم وباطنكم، وأعمالكم وما تصدر عنه من إخلاص وصدق، وضد ذلك. وهو يريد منكم التوبة والإنابة والرجوع إليه، فإذا أنبتم إليه، فأي شيء يفعل بعذابكم؟ فإنه لا يتشفَّى بعذابكم، ولا ينتفع بعقابكم، بل العاصي لا يضر إلا نفسه، كما أن عمل المطيع لنفسه" انتهى، من "تفسير السعدي" (211).

ثانيًا:

قال ابنُ الديلمي، قال: وقَعَ في نفسي شيءٌ مِنَ القدَرِ؛ فأتيتُ أُبَيَّ بنَ كعبٍ، فقلتُ: يا أبا المنذِرِ، وقَعَ في نفسي شيءٌ مِنَ القدَرِ، خِفْتُ أن يكونَ فيه هلاكُ ديني أو أمري.

فقال: يا بنَ أخي، إنَّ اللهَ لو عذَّبَ أهلَ سماواته وأهلَ أرضِه، لعذَّبَهم وهو غيرُ ظالمٍ لهم، ولو رحِمَهم لكانتْ رحمتُه لهم خيرًا مِن أعمالِهم. ولو أنَّ لك مِثْلَ أُحُدٍ ذهبًا، أنفقتَهُ في سبيلِ اللهِ، ما قَبِلَه اللهُ منكَ حتى تؤمِنَ بالقدَرِ، وتعلَمَ أنَّ ما أصابَكَ لم يكُنْ لِيُخطِئَكَ، وأنَّ ما أخطأكَ لم يكُنْ لِيُصيبَكَ، وإنك إنْ مِتَّ على غيرِ هذا دخلتَ النارَ!!

ولا عليك أنْ تأتيَ أخي عبدَ اللهِ بنَ مسعودٍ، فتسألَهُ.

فأتيتُ عبدَ اللهِ، فسألتُه، فقال مِثلَ ذلك.

قال: وقال لي: لا عليك أنْ تأتيَ حُذيفةَ.

فأتيتُ حُذيفةَ، فسألتُه، فقال لي مِثلَ ذلك.

وقال: ائْتِ زيدَ بنَ ثابتٍ، فسَلْهُ.

فسألتُه، فقال: سمِعْتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ:

( إنَّ اللهَ لو عذَّبَ أهلَ سماواته، وأهلَ أرضِه: لعذَّبَهم وهو غيرُ ظالمٍ لهم، ولو رحِمَهم كانتْ رحمتُهُ خيرًا لهم مِن أعمالِهم، ولو أنَّ لك مِثْلَ أُحُدٍ ذهبًا، أنفقتَه في سبيلِ اللهِ: ما قَبِلَه اللهُ منكَ حتى تؤمِنَ بالقدَرِ، وتعلَمَ أنَّ ما أصابَكَ لم يكُنْ لِيُخْطِئَكَ، وأنَّ ما أخطأكَ لم يكُنْ لِيُصِيبَكَ.

وإنَّه مَن مات على غيرِ هذا، دخَلَ النارَ).

أخرجه أبو داود (4699)، وصححه الشيخ الألباني في "صحيح سنن أبي داود".

وفي هذا الحديث يَحكِي ابنُ الدَّيْلِمِيِّ الفَارِسِيُّ، وهو عبدُ اللهِ بنُ فيروز، أنَّه أتى أُبَيَّ بنَ كعبٍ، يطلُبُ منه بيانًا شافيًا في أمْر القَضاءِ والقَدَر، فقالَ له: (وَقَعَ فِي نَفْسِي شَيءٌ مِن القدَرِ)، أَيْ مِنْ بَعْضِ شُبَهِ الْقَدَرِ الَّتِي رُبَّمَا تُؤَدِّي إِلَى الشَّكِّ فِيهِ.

فأجابه أبي بن كعب رضي الله عنه بأصل جامع للنظر في هذا الباب المشكل: (لو أَنَّ اللَّهَ عَذَّبَ أَهْلَ سماواته وأَهْلَ أَرْضِهِ لَعَذَّبَهم غَيْرَ ظَالِمٍ لَهُمْ).

ومراده بذلك؛ أنه مهما أشكل عليك من شيء في هذا الباب، واشتبه عليك أمره: فرده إلى ذلك الأصل الأصيل، والعلَم الشامخ من معالم الهدى والإيمان: أن الله أرحم بالعباد من أنفسهم، وأن رحمته وسعت كل شيء، وأن رحمته تسبق غضبه، وأنه لا يظلم أحدا، ولا يظلم الناس شيئا!!

وحسبك بهذا بيانا ... وحسبك بالركون إلى ذلك الأصل العظيم راحة، وسكينة.

ثم إذا افترضنا – جدلا – أن الله جل جلاله عذب أهل سماواته، وأهل أرضه، فلا تشكن في ذلك الأصل الأصيل، ولا ترتابنَّ فيما تقرر لك من هذا المحكم البين، بل احمل ذلك على من هم أهله؛ فمن ناله العذاب، فمن عند نفسه ناله، وبسببها أصيب بالعذاب، لا بجور من الله جل وعلا، وتنزه عن ذلك سبحانه؛ فما عذبهم، إن عذبهم، إلا وقد استوجبوا ذلك العذاب من رب العالمين.

ورحمته، لمن رحم من عباده: أنفع لهم، وأوسع من أعمالهم؛ يعني: أن رحمته سبحانه بعباده، تبلغهم من المنازل والدرجات، ما لا تبلغه أعمالهم.

ولو أنه حاسبهم على بعض نعمه، لم تف عباداتهم، وإن عظمت بجزاء هذه النعم، وشكرها، فكيف لو حاسبه على نعمه كلها؟ فكيف، وتوفيقهم إلى العبادة، وهدايتهم للشكر: هو من عيظم نعمه عليهم، سبحانه من منعم، ذي الجلال والإكرام.

فعذابه، إن عذب: عدل.

وثوابه، لمن أثابه: رحمة، وفضل. سبحانه، من رحيم ودود.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية، رحمه الله:

" وفي الحديث المعروف: ( إن الله لو ‌عذب ‌أهل سمواته وأرضه لعذبهم ‌وهو ‌غير ‌ظالم ‌لهم، ولو رحمهم لكانت رحمته خيرًا لهم من أعمالهم )؛ فهذا من بيان عدل الرب وإحسانه وتقصير الخلق عن واجب حقه؛ حتى الملائكة والأنبياء وغيرهم، وأنه لو عذبهم لم يكن ظالمًا لهم، فكيف بمن دونهم؟ وهذا باب واسع". انتهى، من "الاستغاثة في الرد على البكري" (234).

وقال شيخ الإسلام:

"ومنها: أنه سبحانه هو المنعم بإرسال الرسل وإنزال الكتب، وهو المنعم بالقدرة والحواس، وغير ذلك مما به يحصل العلم والعمل الصالح، وهو الهادي لعباده؛ فلا حول ولا قوة إلا به.

ولهذا قال أهل الجنة: ( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ )؛ وليس يقدر المخلوق على شيء من ذلك.

ومنها: أن نعمه على عباده أعظم من أن تحصى، فلو قدر أن العبادة جزاء النعمة، لم تقم العبادة بشكر قليل منها؛ فكيف والعبادة من نعمته أيضا.

ومنها: أن العباد لا يزالون مقصرين، محتاجين إلى عفوه ومغفرته، فلن يدخل أحد الجنة بعمله، وما من أحد إلا وله ذنوب يحتاج فيها إلى مغفرة الله لها: ( وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ ) ... " انتهى، من "مجموع الفتاوى" (1/216-217).

وقال شيخ الإسلام أيضا:

"والمقصود هنا: أنه لم يثبت بدليل يُعتَمَد عليه: أن الله يعذِّب في الآخرة مَن لم يُذنب، ودلائل القرآن والسُّنة يدلان على نقيض هذا القول.

والله يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد؛ لكنَّ هذا مما عُلِم أنه لا يشاؤه، بالأخبار الصادقة، وبموجِب حكمته، وبمقتضى أسمائه الحُسنى وصفاته العُلَى.

كما أنه قد عُلِمَ أنه لا يُخْرِج أهلَ الجنة منها، بل خالدون فيها أبدًا، وأنها لا تفنى أبدًا.

وعُلِمَ أنه لا يُخَلِّد في النار من في قلبه مثقال ذرة من إيمان، كما أخبرت بذلك النصوص.

وهو سبحانه لو عَذَّب أهلَ سماواته وأرضه؛ لعذَّبهم وهو غير ظالم لهم. ولو رحمهم؛ لكانت رحمته خيرًا لهم من أعمالهم.

لكن قد عُلِم: أنه لا يعذب المتقين، ولا يسويهم بالفجَّار المذنبين.

والأصلُ الجامعُ في هذا الباب:

أنه لا يَدخُل الجنةَ إلا مؤمن، وكلُّ مؤمن فلابدَّ له من دخول الجنة.

وأنَّ كلَّ كافر: فلابد له من دخول النار.

فمن آمن بالرسل؛ فإنه لا بدّ له من الجنة.

ومن كذَّب الرسل؛ فلا بدّ له من العذاب.

ومَن لم يصدِّقهم ولم يكذِّبهم، لكونه لم تبلغه الرسالة= لم يكن من هؤلاء، ولا من هؤلاء، بل يُحال أمره على علم الله.

وقد جاءت الآثار بأن هؤلاء يُرسل إليهم الرسل في الدار الآخرة، وحينئذٍ فينعَّم المؤمن ويُعاقَب المكذب.

فهذا حكم مَن كان في الدنيا.

وأما من ينشئه الله للجنة في الدار الآخرة: فليسوا من هؤلاء".

ثم قال:

" إحسان الله إلى عباده: ليس من جنس إحسان المخلوق إلى المخلوق؛ مكافأةً له على إحسانه. فإن العباد - كما ثبت في الحديث الصحيح الإلهي - : أن الله يقول: ( يا عبادي إنكم لن تبلغوا نفعي فتنفعوني، ولن تبلغوا ضُرِّي فتضروني ).

وليس لمخلوقٍ عند الله يدٌ يستحقُّ أن يكافئه على ذلك.

بل أهل السنة المثبتون للقدر: متفقون على أن العباد لا يجب لهم على الله تعالى بأنفسهم شيء، واتفقوا على أن الله مُنْجِز لهم ما وعدهم إياه" انتهى، من "الرد على الشاذلي" (131-133).

وبه يتبين:

أن الله جل جلاله، قد أمّن عباده من أن يظلمهم، وهو على كل شيء قدير لو أراده، لكنه تنزه عنه سبحانه، وما به حاجة إليه، ولا في حكمته معنى يعود عليه لو عذب أولياءه، أو نعّم أعداء، بل الله جل جلاله بيَّن لعباده أن ليس في حكمته أن يسوي بين الفريقين: ( أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ ) ص/28. وقال تعالى: أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ الجاثية.

ولما قرر لهم سعت رحمته، وما أوجبه على نفسه من رحمة عباده، والعدل عليهم؛ بين لهم أن أعمالهم، مهما بلغت، لا تكافئ نعمه العظيمة التي لا يطيقون عدها، فضلا عن شكرها والقيام بحقها؛ ولو أنه حاسبهم على نعمه، لذهبت أعمالهم كلها، ولم يكافؤوها؛ فلم يبق له ثمن يدخلون به الجنة. وإنما يدخلون الجنة برحمته الواسعة، وأعمالهم إنما هي سبب لنيل رحمته، سبحانه.

قال ابن القيم، رحمه الله:

" وهذا الحديث حديث صحيح، رواه الحاكم في "صحيحه"، وله شأن عظيم، وهو دالٌّ على أن من تكلم به أعرف الخلق بالله، وأعظمهم له توحيدًا، وأكثرهم له تعظيمًا، وفيه الشفاء التام في باب العدل والتوحيد؛ فإنه لا يزال يجول في نفوس كثير من الناس كيف يجتمع القضاء والقدر، والأمر والنهي؟ وكيف يجتمع العدلُ، والعقاب على المَقْضِي المُقَدَّر الذي لا بدّ للعبد من فعله؟

ثم سلك كل طائفة في هذا المقام واديًا وطريقًا.

فسلكت الجبرية وادي الجَبْر وطريق المشيئة المحضة التي تُرَجِّح مِثْلًا على مِثْل، من غير اعتبار علة، ولا غاية، ولا حكمة.

قالوا: وكل ممكن عدل، والظلم هو الممتنع لذاته، فلو عذَّب أهل سماواته وأهل أرضه لكان متصرفًا في ملكه، والظلم تصرف القادر في غير ملكه، وذلك مستحيل عليه سبحانه.

قالوا: ولما كان الأمر راجعًا إلى محض المشيئة، لم تكن الأعمال سببًا للنجاة، فكانت رحمته للعباد هي المستقلة بنجاتهم، لا أعمالهم، فكانت رحمته خيرًا من أعمالهم.

وهؤلاء راعوا جانب المُلْك، وعطّلوا جانب الحمد، والله سبحانه له المُلْك وله الحمد.

وسلكت القدرية وادي العدل والحكمة، ولم يوفّوه حقه، وعطّلوا جانب التوحيد والمُلْك، وحاروا في هذا الحديث، ولم يدروا ما وجهه، وربما قابله كثير منهم بالتكذيب والردّ له، وأن الرسول لم يقل ذلك.

قالوا: وأيُّ ظلم يكون أعظمَ من تعذيب من استنفد أوقات عمره كلّها، واستفرغ قواه في طاعته، وفعل ما يحبّه، ولم يعصه طرفة عين، وكان يعمل بأمره دائمًا، فكيف يقول الرسول صلوات الله وسلامه عليه: إن تعذيب هذا يكون عدلًا، لا ظلمًا؟!

قالوا: ولا يقال: إن حقّه عليهم وما ينبغي له أعظم من طاعاتهم، فلا تقع تلك الطاعات في مقابلة نعمه وحقوقه، فلو عذبهم لعذبهم بحقّه عليهم؛ لأنهم إذا فعلوا مقدورهم من طاعته، لم يُكلَّفوا بغيره، فكيف يُعذَّبون على ترك ما لا قدرة لهم عليه؟ وهل ذلك إلا بمنزلة تعذيبهم على كونهم لم يَخْلقوا السماوات والأرض، ونحو ذلك مما لا يدخل تحت مقدورهم؟!

قالوا: فلا وجه لهذا الحديث إلا ردّه، أو تأويله وحمله على معنى يصح، وهو أنه لو أراد تعذيبهم، لجعلهم أمة واحدة على الكفر، فلو عذَّبهم في هذه الحال، لكان غير ظالم لهم. وهو لم يقل: لو عذّبهم مع كونهم مطيعين له، عابدين له؛ لعذبهم وهو غير ظالم لهم. ثم أخبر أنه لو عمّهم بالرحمة لكانت رحمته لهم خيرًا من أعمالهم، ثم أخبر أنه لا يُقبل من العبد عملٌ حتى يؤمن بالقدر، والقدر هو علم الله بالكائنات وحكمه فيها.

ووقفت طائفة أخرى في وادي الحيرة بين القدر والأمر، والثواب والعقاب، فتارة يغلب عليهم شهودُ القدر، فيغيبون به عن الأمر، وتارة يغلب عليهم شهودُ الأمر، فيغيبون به عن القدر، وتارة يبقون في حيرة وعمى.

وهذا كله إنما سببه الأصول الفاسدة، والقواعد الباطلة التي بنوا عليها، ولو جمعوا بين المُلْك والحمد، والربوبية والإلهية، والحكمة والقدرة، وأثبتوا له الكمال المطلق، ووصفوه بالقدرة التامة الشاملة، والمشيئة العامة النافذة التي لا يوجد كائن إلا بعد وجودها، والحكمة البالغة التي ظهرت في كل موجود= لعلموا حقيقة الأمر، وزالت عنهم الحيرة، ودخلوا إلى الله سبحانه من باب أوسع من السماوات السبع، وعرفوا أنه لا يليق بكماله المقدس إلا ما أخبر به عن نفسه على ألسنة رسله، وأن ما خالفه ظنون كاذبة، وأوهام باطلة، تولّدت من بين أفكار باطلة، وآراء مظلمة.

فنقول وبالله التوفيق، وهو المستعان، وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلا به:

الربّ تبارك اسمه وتعالى جَدّه ولا إله غيره هو المُنعِم على الحقيقة بصنوف النعم التي لا يحصيها أهل سماواته وأرضه، فإيجادهم نعمة منه، وجعلهم أحياء ناطقين نعمة منه، وإعطاؤهم الأسماع والأبصار والعقول نعمة منه، وإدرار الأرزاق عليهم على اختلاف أنواعها وأصنافها نعمة منه، وتعريفهم نفسه بأسمائه وصفاته وأفعاله نعمة منه، وإجراء ذكره على ألسنتهم ومحبته ومعرفته على قلوبهم نعمة منه، وحفظهم بعد إيجادهم نعمة منه، وقيامه بمصالحهم دقيقها وجليلها نعمة منه، وهدايتهم إلى أسباب مصالحهم ومعاشهم نعمة منه.

وذِكْر نعمه على سبيل التفصيل لا سبيل إليه، ولا قدرة للبشر عليه.

ويكفي أن النّفَس من أدنى نعمه التي لا يكادون يعتدّون بها، وهو أربعة وعشرون ألف نَفَس في كل يوم وليلة، فلله على العبد في النّفَس خاصة أربعة وعشرون ألف نعمة كل يوم وليلة، دع ما عدا ذلك من أصناف نعمه على العبد.

ولكل نعمة من هذه النعم حق من الشكر يستدعيه ويقتضيه، فإذا وُزّعت طاعات العبد كلها على هذه النعم، لم يَخْرُج في قسط كل نعمة منها إلا جزءًا يسيرًا جدًّا، لا نسبة له إلى قدر تلك النعمة بوجه من الوجوه.

قال أنس بن مالك: "يُنشر للعبد يوم القيامة ثلاثة دواوين: ديوان فيه ذنوبه، وديوان فيه النعم، وديوان فيه العمل الصالح، فيأمر الله تعالى أصغر نعمة من نعمه فتقوم فتستوعب عمله كله، ثم تقول: أي ربِّ، وعزتك وجلالك ما استوفيت ثمني. وقد بقيت الذنوب والنعم!! فإذا أراد الله بعبد خيرًا قال: ابنَ آدم، ضعَّفْتُ حسناتك، وتجاوزتُ عن سيئاتك، ووهبتُ لك نعمي فيما بيني وبينك ...

فقد صحّ عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لن ينجو أحدٌ منكم بعمله"، وفي لفظ: "لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله" قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: "ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل".

فقد أخبر صلى الله عليه وسلم أنه لا ينجي أحدًا عمُلُه، لا من الأولين ولا من الآخرين، إلا أن يرحمه ربه تبارك وتعالى، فتكون رحمته له خيرًا من عمله؛ لأن رحمته تنجّيه، وعمله لا ينجّيه، فعُلِم أنه سبحانه لو عذّب أهل سماواته وأرضه لعذّبهم ببعض حقه عليهم.

ومما يوضحه: أنه كلما كملت نعمة الله على العبد، عظم حقّه عليه، وكان ما يُطَالَب به من الشكر أكثر مما يُطَالَب به مَنْ هو دونه، فيكون حق الله عليه أعظم، وأعماله لا تفي بحقه عليه، وهذا إنما يعرفه حق المعرفة مَنْ عرف الله وعرف نفسه.

هذا كله لو لم يحصل للعبد من الغفلة والإعراض والذنوب ما يكون في قبالة طاعاته، فكيف إذا حصل له من ذلك ما يوازي طاعاته أو يزيد عليها.

فإن من حق الله على عبده أن يعبده لا يشرك به شيئًا، وأن يذكره ولا ينساه، وأن يشكره ولا يكفره، وأن يرضى به ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد رسولًا.

وليس الرضا بذلك مجرد إطلاق هذا اللفظ، وحاله وإرادته تكذبه وتخالفه!!

فكيف يرضى به ربًّا، مَنْ يتسخّط ما يَقضيه له إذا لم يكن موافقًا لإرادته وهواه، فيظل ساخطًا به مُتبَرِّمًا، يرضى وربه غضبان، ويغضب وربّه راض؛ فهذا إنما رضي بحظه من ربه، حظَّ [من] لم يرض بالله ربًّا.

وكيف يدّعي الرضا بالإسلام دينًا مَنْ ينبذ أصوله خلف ظهره إذا خالفت بدعته وهواه، وفروعه وراءه إذا لم توافق غرضه وشهوته؟!

وكيف يصح الرضا بمحمد رسولًا، لمن لم يُحَكّمه على ظاهره وباطنه، ويتلقَّ أصول دينه وفروعه من مشكاته وحده؟!

وكيف يرضى به رسولًا من يترك ما جاء به لقول غيره، ولا يترك قول غيره لقوله، ولا يحكّمه ويحتج بقوله إلا إذا وافق تقليده ومذهبه، فإذا خالفه لم يلتفت إلى قوله؟!

والمقصود:

أن من حقه سبحانه على كل أحد من عبيده أن يرضى به ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد رسولًا.

وأن يكون حبه كله لله، وبغضه في الله، وقوله لله، وفعله لله، وتركه لله.

وأن يذكره ولا ينساه، ويطيعه ولا يعصيه، ويشكره ولا يكفره.

وإذا قام بذلك كله، كانت نعم الله عليه أكثر من عمله، بل ذلك نفسه من نعم الله عليه، حيث وفّقه له، ويسَّره وأعانه عليه، وجعله من أهله، واختصه به على غيره، فهو يستدعي شكرًا آخر عليه، فلا سبيل له إلى القيام بما يجب لله من الشكر أبدًا، فنعم الله تطالبه بالشكر، وأعماله لا تقابلها، وذنوبه وغفلته وتقصيره قد تستنفذ عمله.

فديوان النعم، وديوان الذنوب: يستنفذان طاعاته كلها!!

هذا وأعمال العبد مُستحَقَّة عليه، بمقتضى كونه عبدًا مملوكًا مُسْتعمَلًا فيما يأمره به سيده، فنفسه مملوكة، وأعماله مُستحَقَّة بموجِب العبودية، فليس له شيء من أعماله، كما أنه ليس له ذرة من نفسه، فلا هو مالك لنفسه، ولا صفاته، ولا أعماله، ولا لما بيده من المال، في الحقيقة؛ بل كل ذلك مملوك عليه، مُستحَقّ عليه لمالكه، أعظم استحقاقًا من سيد اشترى عبدًا بخالص ماله، ثم قال: اعمل، وأدِّ إليَّ، فليس لك في نفسك ولا في كسبك شيء. فلو عمل هذا العبد من الأعمال ما عمل لرأى ذلك كله مُستحَقًّا عليه لسيده، وحقًّا من حقوقه عليه.

فكيف بالمنعم المالك على الحقيقة، الذي لا تُعدّ نعمه وحقوقه على عبده، ولا يمكن أن تقابلها طاعاته بوجه؟!!

فلو عذّبه سبحانه، لعذّبه وهو غير ظالم له، وإذا رحمه فرحمته خير له من أعماله، ولا تكون أعماله ثمنًا لرحمته البتَّة ....

وحقيقة الأمر:

أن‌‌ العبد فقير إلى الله من كل وجه، وبكل اعتبار، فهو فقير إليه من جهة ربوبيته له، وإحسانه إليه، وقيامه بمصالحه، وتدبيره له.

وفقير إليه من جهة إلهيته، وكونه معبوده وإلهه، ومحبوبه الأعظم الذي لا صلاح له ولا فلاح، ولا نعيم ولا سرور؛ إلا بأن يكون أحبّ شيء إليه، فيكون أحبّ إليه من نفسه وأهله وماله وولده ووالده، ومن الخلق كلهم.

وفقير إليه من جهة معافاته له من أنواع البلاء؛ فإنه إن لم يعافه منها هلك ببعضها.

وفقير إليه من جهة عفوه عنه، ومغفرته له؛ فإن لم يعف عن العبد، ويغفر له، فلا سبيل له إلى النجاة، فما نجا أحد إلا بعفو الله، ولا دخل الجنة إلا برحمة الله ..". انتهى، من "شفاء العليل" (1/369) وما بعدها.

وينظر لمزيد الفائدة حول ذلك: "منهاج السنة النبوية" (1/466) وما بعدها، "طريق الهجرتين" (2/621) وما بعدها.

ثالثًا:

وأما أن الله جل جلاله يعذب أحدا قبل أن يبلغه وحي؛ فهذا لا يكون قال الله سبحانه وتعالى: مَّنِ ٱهۡتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهۡتَدِي لِنَفۡسِهِۦۖ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيۡهَاۚ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٞ وِزۡرَ أُخۡرَىٰۗ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبۡعَثَ رَسُولٗا الإسراء/ 15.

فأخبر سبحانه أن كل عامل يلزمه عمله، وأن منفعة هداه وضلاله عائدة عليه، وأنه لا يحمل من سيئات غيره شيئا، وأنه لا يعذب أحدا حتى يبعث إليه رسول وأن القرى إنما تهلك بعد فسق مترفيها.

فالله لا يعذب أحدا حتى تقوم عليه الحجة التي ينقطع بها عذره.

قال النبي صلى الله عليه و سلم: (وَليسَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ العُذْرُ مِنَ اللهِ، مِن أَجْلِ ذلكَ أَنْزَلَ الكِتَابَ وَأَرْسَلَ الرُّسُلَ) أخرجه مسلم (2760).

وهذه الحجة لها ركنان أساسيان:

1-إقامة المعنى الشرعي الصحيح بأدلته، وتقريبه للمكلف بما يبلغه علمه، ويحيط به فهمه.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: "ومعلوم أن الأمة مأمورة بتبليغ القرآن، لفظه ومعناه كما أمر بذلك الرسول، ولا يكون تبليغ رسالة إلا كذلك، وأن تبليغه إلى العجم قد يحتاج إلى ترجمة لهم، فيترجم لهم بحسب الإمكان، والترجمة قد تحتاج إلى ضرب أمثال لتصوير المعاني، فيكون ذلك من تمام الترجمة" انتهى، من "مجموع الفتاوى" (4/116-117).

2- إبطال الاعتراضات، ونقض الحجج والشبهات التي يعمد بها المخالف إلى إقامة المعنى الفاسد، أو المخالف للمعنى الشرعي الصحيح.

قال ابن تيمية رحمه الله: "والتكفير هو من الوعيد؛ فإنه وإن كان القول تكذيبا لما قاله الرسول، لكن قد يكون الرجل حديث عهد بإسلام، أو نشأ ببادية بعيدة؛ ومثل هذا لا يكفر بجحد ما يجحده حتى تقوم عليه الحجة.

وقد يكون الرجل لا يسمع بتلك النصوص، أو سمعها ولم تثبت عنده، أو عارضها عنده معارض آخر أوجب تأويلها، وإن كان مخطئا" انتهى، من "مجموع الفتاوى" (3/231).

وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم: (215066)، ورقم: (198600).

رابعا:

وأما ما يتعلق بعلم الله، فعلم الله كما قال ابن قتيبة رحمه الله: "نوعان أحدهما:

علم ما يكون، من إيمان المؤمنين، وكفر الكافرين، وذنوب العاصين، وطاعات المطيعين قبل أن تكون.

وهذا علم لا تجب به حجة، ولا تقع عليه مثوبة ولا عقوبة.

والآخر: علم هذه الأمور ظاهرةً موجودةً؛ فيحق القول، ويقع بوقوعها الجزاء" انتهى، من "تأويل مشكل القرآن" (ص190).

فعلم الله الذي يترتب عليه الثواب والعقاب هو العلم الذي يكون بعد فعل المكلف لفعله؛ فالله يعلمه، ولكنه لا يحاسب الناس على علمه، وإنما يحاسبهم على أفعالهم.

وقد تقدم أن العبد لا يعذب قبل أن تقوم عليه حجة من ربه، فكيف يعذبه قبل أن يفعل الفعل؟!

كما أن العبد لا يؤاخذ بجريرة فعله فور فعله، بل يتركه الله، ويمهله، ويشرع له من المكفرات الكثير. وقد قال الله تعالى: (وَلَوۡ يُؤَاخِذُ ٱللَّهُ ٱلنَّاسَ بِمَا كَسَبُواْ مَا تَرَكَ عَلَىٰ ظَهۡرِهَا مِن دَآبَّةٖ وَلَٰكِن يُؤَخِّرُهُمۡ إِلَىٰٓ أَجَلٖ مُّسَمّٗىۖ فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمۡ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِۦ بَصِيرَۢا) فاطر/ 45 .

ولا يهلِك على الله، الرحمن الرحيم، جل جلاله: إلا هالك.

والله أعلم.
اسلام سؤال

    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

 


بحث عن:


الساعة الآن 11:54 AM



Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
By Media Gate - https://mediagatejo.com