موقع الشيخ بن باز


 

  لتحميل حلقة الرقية الشرعية للشيخ أبو البراء اضغط هنا


ruqya

Icon36 صفحة المرئيات الخاصة بموقع الرقية الشرعية

الموقع الرسمي للشيخ خالد الحبشي | العلاج بالرقية الشرعية من الكتاب والسنة

الأخوة و الأخوات الكرام أعضاء منتدنا الغالي نرحب بكم أجمل ترحيب و أنتم محل إهتمام و تقدير و محبة ..نعتذر عن أي تأخير في الرد على أسئلتكم و إستفساراتكم الكريمة و دائماً يكون حسب الأقدمية من تاريخ الكتابة و أي تأخر في الرد هو لأسباب خارجة عن إرادتنا نظراً للظروف و الإلتزامات المختلفة

 
العودة   منتدى الرقية الشرعية > أقسام المنابر الإسلامية > منبر العقيدة والتوحيد

الملاحظات

صفحة الرقية الشرعية على الفيس بوك

إضافة رد
 
 
أدوات الموضوع
New Page 2
 
 

قديم 12-10-2023, 11:19 PM   #1
معلومات العضو
الماحى3

افتراضي من مظاهر وسطية العقيدة الإسلامية:

من مظاهر وسطية العقيدة الإسلامية:
لا يستطيع الإنسان أن يتحدث في صفحات محدودة، بل ولا مجلدات عن مظاهر وسطية العقيدة الإسلامية؛ لأن ذلك أكثر من أن يحصر؛ فالأمة الإسلامية هي خير أمة أخرجت للناس، ورسولها -صلى الله عليه وسلم- أفضل رسول، وكتابها القرآن الكريم أفضل الكتب، وآخرها، والمهيمن عليها. فهي خيار في خيار.
ولي وقفتان، أتحدث من خلالهما عن مظاهر وسطية عقيدة هذه الأمة الوسط.
الوقفة الأولى: وسطية أمة الإسلام بين الأمم الأخرى:
بدت وسطية أمة الإسلام بين الأمم الأخرى في الأمور التالية:
1- في توحيد الله عز وجل، وصفاته: فهي وسط بين اليهود والنصارى؛ بين اليهود الذين وصفوا الرب سبحانه وتعالى بصفات النقص التي يختص بها المخلوق، وشبهوه به؛ فقالوا: إنه بخيل، وفقير، وأنه يتعب فيستريح، وأنه يتمثل في صورة البشر، وغير ذلك1.
وبين النصارى الذين وصفوا المخلوق بصفات الخالق عز وجل؛ فشبهوه به، وقالوا: إن الله هو المسيح ابن مريم، وإن المسيح ابن الله، وإنه يخلق، ويرزق، ويغفر، ويرحم، ويثيب، ويعاقب، إلخ2.
وبينهما ظهرت وسطية المسلمين الذين وحدوا الله عز وجل، فوصفوه بصفات الكمال، ونزهوه عن جميع صفات النقص، وعن مماثلته لشيء من المخلوقات في شيء من الصفات، وقالوا: إن الله ليس كمثله شيء في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله3
2- في أنبياء الله عز وجل، ورسله: فهي وسط أيضا بين اليهود والنصارى؛ بين اليهد الذين قتلوا الأنبياء، ورموهم بكل شين ونقيصة، وجفوهم، واستكبروا عن اتباعهم.
وبين النصارى الذين غلوا في بعضهم، فاتخذوهم أربابا من دون الله، واتخذوا المسيح عليه السلام إلها1.
وبينهما ظهرت وسطية المسلمين الذين أنزلوا الأنبياء منازلهم، وعزروهم، ووقروهم، وصدقوهم، وأحبوهم، وأطاعوهم، وآمنوا بهم جميعا عبيدا لله عزوجل، ورسلا مبشرين ومنذرين. ولم يعبدوهم، أو يتخذوهم أربابا من دون الله؛ فهم لا يملكون ضرا ولا نفعا، ولا يعلمون الغيب2.
3- في الشرائع: فهي وسط أيضا بين اليهود والنصارى؛ فاليهود منعوا أن يبعث الخالق عز وجل رسولا بغير شريعة موسى عليه السلام، وقالوا: لا يجوز أن ينسخ الله ما شرعه، أو يمحو ما يشاء، أو يثبت ما يشاء.
والنصارى جوزوا لأحبارهم ورهبانهم أن يغيروا دين الله؛ فيحلوا ما حرم سبحانه وتعالى، ويحرموا ما أحل3.
أما المسلمون، فقالوا: لله الخلق والأمر؛ يمحو ما يشاء، ويثبت ما يشاء، والنسخ جائز في حياته صلى الله عليه وسلم، أما بعد وفاته -صلى الله عليه وسلم- فليس لمخلوق أن يبدل أمر الخالق سبحانه وتعالى مهما بلغت منزلته، أو عظم قدره.
4- في أمر الحلال والحرام، فهي وسط أيضا بين اليهود والنصارى؛ فاليهود حرم عليهم كثير من الطيبات، منها4:
__________
1 انظر تفصيل ذلك في كتاب: وسطية أهل السنة للدكتور محمد باكريم ص238، 260-277.
2 انظر المرجع نفسه ص238، 277-284. وانظر في معنى التعزير: الصارم المسلول لابن تيمية ص422.
3 انظر المرجع السابق ص239.
4 انظر وسطية أهل السنة للدكتور محمد باكريم ص240.
(1/34)
أ- ما حرمه إسرائيل؛ يعقوب عليه السلام على نفسه، كما حكى تعالى ذلك عنه بقوله:
{كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلاًّ لِبَنِي إِسْرائيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرائيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ** [آل عمران: من الآية 93] .
ب- ما حرمه الله عز وجل عليهم جزاء بغيهم وظلمهم، كما قال تعالى: {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا** [النساء: 160] .
والنصارى أسرفوا في إباحة المحرمات؛ فأحلوا ما نصت التوراة على تحريمه، ولم يأت المسيح عليه السلام بإباحته؛ فاستحلوا الخبائث، وجميع المحرمات؛ كالميتة، والدم، ولحم الخنزير1.
أما المسلمون: فقد أحلوا ما أحل الله لهم في كتابه، أو على لسان رسوله -صلى الله عليه وسلم- من الطيبات، وحرموا ما حرم عليهم من الخبائث؛ كما قال الله عنهم: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ** [الأعراف آية 157] .
5- في العبادة، فهي وسط بين اليهود والنصارى أيضا؛ فاليهود علموا، ولم يعملوا، فهم المغضوب عليهم؛ أعرضوا عن العبادات، واستكبروا عن طاعة الله، واتبعوا الشهوات، وعبدوا أنفسهم للمادة، فاشتغلوا بدنياهم عن دينهم وآخرتهم2.
والنصارى لم يعلموا، وعبدوا الله على جهالة، فهم الضالون؛ غلوا في الرهبنة، وتعبدوا ببدع ما أنزل الله بها من سلطان؛ فاعتزلوا الناس في الصوامع، وانقطع رهبانهم للعبادة في الأديرة، وألزموا أنفسهم بما لم يلزمهم به الله، مما يشق على النفس والجسد، ويغالب الفطرة البشرية ويضادها، فلم يستطيعوا الوفاء بذلك، كما حكى الله عنهم: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا** [الحديد: من الآية 27] .
__________
1 انظر كتاب الصفدية لابن تيمية 2/ 313.
2 انظر وسطية أهل السنة للدكتور محمد باكريم ص240.
(1/35)
أما الأمة الوسط: فقد علموا، وعملوا، فهم الذين أنعم الله عليهم؛ عبدوا الله وحده بما شرع، لم يعبدوه بالأهواء والبدع1، ولم ينسوا نصيبهم وحظوظهم في الدنيا2، وقدوتهم في ذلك رسولهم صلى الله عليه وسلم.
الوقفة الثانية: وسطية أهل السنة والجماعة بين الفرق الضالة:
تقدم الحديث عن جوانب من وسطية أمة الإسلام بين الأمم.
ولقد كان أسعد هذه الأمة بهذه الخيرية، أسعدها باتباع الكتاب والسنة، وأحرصها على هديهما قولا وعملا واعتقادا، وهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
، ثم تابعوهم، ثم التابعون لهم بإحسان من القرون الثلاثة المفضلة التي شهد لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالخيرية في قوله: "خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم" 3. فهؤلاء هم خيار الأمة، ثم يلحق بهم من كان على مثل ما كانوا عليه من الهدى والتمسك بالكتاب والسنة في كل زمان ومكان، من أخبر عنهم الرسول -صلى الله عليه وسلم- في حديث الافتراق بأنهم الفرقة الناجية، وأنهم الجماعة4. وهؤلاء -أعني المتمسكين بالكتاب والسنة، والمتبعين لمنهج الصحابة وسلف الأمة- أصبحوا في هذه الأمة كهذه الأمم بالنسبة للأمم؛ فهم وسط بين فرق هذه الأمة، كما كانت هذه الأمة وسطا بين سائر الأمم. وكل دارس متفحص لأقوال الفرق في مسائل العقيدة وأصول الدين، يدرك أن أهل السنة والجماعة وسط بين الفرق في ذلك.
ومن مظاهر هذه الوسطية:
__________
1 انظر الوسطية في الإسلام -تعريف وتطبيق- للدكتور زيد الزيد ص46-51.
2 فصاموا وأفطروا، وقاموا بالليل وناموا، وتزوجوا النساء، وقدوتهم في ذلك رسولهم صلى الله عليه وسلم. "انظر صحيح البخاري، كتاب النكاح، باب الترغيب في النكاح. وصحيح مسلم، كتاب النكاح، باب استحباب النكاح".
3 تقدم تخريجه في ص22.
4 انظر ص20، حاشية "4" من هذا الكتاب.
(1/36)
1- في أسماء الله وصفاته، فهم وسط بين أهل النفي والتعطيل، وأهل التشبيه والتمثيل؛ فأهل السنة والجماعة يؤمنون بكل ما وصف الله به نفسه، أو وصفه رسوله صلى الله عليه وسلم، وبجميع أسمائه الحسنى من غير تحريف لمعناها، ولا نفي لها أو تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل.
فهم يثبتون جميع الأسماء والصفات مع تحقيقها لله عز وجل، وتنزيهه سبحانه عن مماثلة مخلوقاته، تصديقا بخبره عن نفسه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ** [الشورى من آية 11] .
وهم وسط في ذلك بين أهل التعطيل وأهل التشبيه والتمثيل.
فأهل التعطيل الذين أنكروا ما يجب لله من الأسماء والصفات، أو أنكروا بعضه، فهم نوعان: أهل التعطيل الكلي؛ كالجهمية والمعتزلة؛ وأهل التعطيل الجزئي؛ كالأشعرية والماتريدية1.
وأهل التشبيه الذين شبهوا الله بخلقه، وجعلوا صفاته من جنس صفات مخلوقاته؛ كما فعل الكرامية، والهشامية -أتباع هشام بن سالم الجواليقي-، وكصنيع داود الجواربي، ومن نحا نحوه2.
2- في باب القدر، فهم وسط بين الجبرية والقدرية؛ فأهل السنة والجماعة يؤمنون بأن الله قدر الأشياء في الأزل، وعلم أنها ستقع في أوقات معلومة عنده، وعلى صفات مخصوصة، فهي تقع وفق ما قدره الله عز وجل3. وهم بذلك يؤمنون بركن من أركان الإيمان، أشار إليه الصادق المصدوق -صلى الله عليه وسلم- بقوله: "وتؤمن بالقدر خيره وشره" 4.
__________
1 انظر: فتح رب البرية بتلخيص الحموية للشيخ ابن عثيمين ص18-19. والإرشاد إلى صحيح الاعتقاد للدكتور صالح الفوزان ص157.
2 انظر الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد للدكتور صالح الفوزان ص156-157.
3 انظر شرح النووي على صحيح مسلم 1/ 154.
4 انظر تخريج هذا الحديث في ص14 من هذا الكتاب.
(1/37)
ولا يعد المرء مؤمنا بالقدر حتى يؤمن بمراتبه الأربع التي هي بمثابة الأركان فيه، وهي: علم الله بالأشياء قبل كونها، وكتابة كل ما هو كائن قبل أن يكون، ومشيئة الله للأشياء قبل وقوعها، وخلقه للأشياء وإيجادها. فهذه أركان أربعة تشهد لها نصوص الكتاب والسنة1.
أما المنحرفون عن الكتاب والسنة في هذا الباب، فقد أفرطوا وفرطو؛ فالقدرية -ويمثلهم المعتزلة- جفوا في إثبات القدر؛ فنفوا قدرة الله عز وجل وخلقه لأفعال عباده، وقالوا: إن الله لا يقدر على عين مفعول العباد. وعليه فأفعال العباد -عندهم- ليست مخلوقة لله، وإنما العبد هو الذي يخلق فعله2، فأنكروا خلق الله لأفعال عباده، وهي المرتبة الرابعة من مراتب الإيمان بالقدر.
والجبرية -ومنهم الجهمية- غلوا في إثبات القدر، ونفوا مسئولية العبد عن أفعاله؛ فهو لا يريد فعلها ولا عدمه، ولا يقدر عليه، وقالوا: "لا فعل لأحد في الحقيقة إلا لله وحده، وأنه هو الفاعل، وأن الناس إنما تنسب إليهم أفعالهم على المجاز؛ كما يقال: تحركت الشجرة، ودار الفلك، وزالت الشمس. وإنما فعل ذلك بالشجرة والفلك والشمس الله سبحانه"3، وهو الذي يخلق الأفعال في الإنسان، على حسب ما يخلق في سائر الجمادات4. فأنكروا فعل العبد لأفعاله، ونسبوا ذلك إلى الله. فالقدرية نفوا القدر وقالوا: الخلق خلق العبد، والجبرية غلوا في إثبات القدر حتى قالوا: الفعل فعل الرب.
وبرزت وسطية أهل السنة في هذا الباب حين أثبتوا للعبد مسئولية عن أفعاله، وإرادة
__________
1 من الكتب التي فصلت في ذلك: أعلام السنة المنشورة للشيخ حافظ الحكمي ص124-141.
ووسطة أهل السنة بين الفرق لمحمد باكريم ص363-366. والثمرات الزكية في العقائد السلفية لأحمد فريد ص222-250.
2 انظر: شرح الأصول الخمسة لعبد الجبار الهمذاني ص323. والمغني في أبواب العدل والتوحيد له 8/ 3.
3 مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين لأبي الحسن الأشعري 1/ 338.
4 انظر شفاء العليل لابن القيم ص51.
(1/38)
ترجع له الفعل، ومشيئة واختيارا، وقدرة على الأفعال؛ كما قال تعالى: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا** [الإسراء من الآية 36] . والذي قام بالعبد هو فعله، وكسبه، وحركاته، وسكناته؛ فهو المصلي، القائم، القاعد حقيقة. والذي قام بالله عز وجل هو علمه، وقدرته، ومشيئته، وخلقه؛ كما أخبر عز وجل عن نفسه: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ** [الصافات: 96] ؛ فالله كما خلق العباد، يخلق أفعالهم، والعبد فاعل لفعله حقيقة، وقادر عليه بإقدار الله له، والخلق خلق الله؛ لأن العباد خلق له، وأفعال المخلوقين مخلوقة، ولأن الله خالق كل شيء، ولا يكون في ملكه إلا ما يريد كونا وقدرا1.
وأهل السنة بوسطيتهم هذه يجمعون بين النصوص، ويؤلفون بينها2.
3- في نصوص الوعد والوعيد، فهم وسط بين الوعيدية والمرجئة:
"جاء في كتاب الله عز وجل وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- كثير من الآيات والأحاديث التي تدل على وعد الله عز وجل للمؤمنين والمطيعين بالثواب الجزيل، وأنه أعد لهم جنات تجري من تحتها الأنهار، ووعدهم بألوان من الأجر والجزاء، ومغفرة الذنوب فيما دون الشرك، وتكفير السيئات، وإبدالها حسنات، ونحو ذلك"3. ومن هذه النصوص: قوله سبحانه وتعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ** [الزمر: 53] ، وقوله -صلى الله عليه وسلم- لأبي ذر الغفاري -رضي الله عنه: "ما من عبد قال: لاإله إلا الله، ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة" 4. وهذه يقال لها: نصوص الوعد.
__________
1 انظر: عقيدة السلف أصحاب الحديث للصابوني ص75. وشرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي 3/ 534. ومنهاج السنة النبوية لابن تيمية 1/ 459-460، 2/ 298. وشفاء العليل لابن القيم ص493.
2 انظر وسطية أهل السنة بين الفرق للدكتور باكريم ص381-383.
3 وسطية أهل السنة والجماعة بين الفرق للدكتور محمد باكريم ص353.
4 صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة.
(1/39)
وجاء كذلك في الكتاب والسنة "آيات وأحاديث كثيرة، تتضمن الوعيد الشديد بالعذاب الأليم، والخلود في النار لأهل الفسق والمعاصي وأصحاب الكبائر، ووصفهم بالكفر والفسق والضلال ونحو ذلك"1.ومن هذه النصوص: قوله سبحانه وتعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا** [النساء: 93] ، وقوله -صلى الله عليه وسلم: "سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر" 2. وهذه تسمى نصوص الوعيد.
والناس قد افترقوا في هذه النصوص إلى طرفين، ووسط.
فالمرجئة أخذوا بنصوص الوعد، وتركوا نصوص الوعيد، وقالوا: كل ذنب سوى الشرك فهو مغفور؛ فالإيمان لا تضر معه معصية، كما لا ينفع مع الكفر طاعة3.
وإنما ضلوا في هذا الباب بسبب عبادتهم الله بالرجاء وحده، وإهمال جانب الخوف.
والوعيدية -من الخوارج والمعتزلة- أخذوا بنصوص الوعد والوعيد، وغلوا في نصوص الوعيد، وقالوا: لا بد أن ينجز الله وعده ووعيده، ولا يصح أن يخلف أيا منهما4.
وسبب ضلالهم في هذا الباب: عبادتهم الله بالخوف وحده، وإهمال جانب الرجاء.
وأهل السنة في هذا الباب وسط بين غلاة المرجئة، وبين الوعيدية -من الخوارج والمعتزلة-، وهم يأخذون بنصوص الوعد والوعيد؛ فيجمعون بين الخوف والرجاء، ولا يفرطون في نصوص الوعيد كالمرجئة الخالصة الذين قالوا: لا يضر مع الإيمان ذنب، ولا يغلون غلو الخوارج والمعتزلة في نصوص الوعيد، ويقولون في الوعيد: يجوز أن يعفو الله عن المذنب، وأن يخرج أهل الكبائر من النار، فلا يخلد فيها أحدا من أهل
__________
1 وسطية أهل السنة والجماعة للدكتور محمد باكريم ص354.
2 صحيح البخاري، كتاب الإيمان، باب خوف المؤمن أن يحبط عمله.
3 انظر وسطية أهل السنة بين الفرق للدكتور باكريم ص355.
4 انظر: شرح الأصول الخمسة لعبد الجبار المعتزلي ص135-136. والموجز لعبد الكافي الأباضي -من الخوارج- ضمن كتاب آراء الخوارج الكلامية، للدكتور عمار طالبي 2/ 105.
(1/40)
التوحيد1، ويقولون في الوعد: إن الله لا يخلف وعده، فـ"إذا وعد عباده بشيء، كان وقوعه واجبا بحكم وعده؛ فإن الصادق في خبره، الذي لا يخلف الميعاد"2.
الرجاء والخوف عند أهل السنة والجماعة:
الرجاء والخوف عند أهل السنة والجماعة من أركان العبادة3،وهما متلازمان، كما قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي عنهما: "فاعلم أنهما متلازمان؛ فمن كان يرجو ما عند الله من الخير، فهو يخاف ما لديه من الشر، كالعكس"4، وعلى تلازمهما دلت النصوص الشرعية.
والرجاء والخوف عند العبد كجناحي طائر، قد يميل بأحد جناحيه لمصلحة، شريطة أن لا يفقد التوازن، وعلماء أهل السنة والجماعة يقولون: "ينبغي للإنسان وهو في أيام صحته أن يغلب الخوف دائما على الرجاء، وأن يكون خوفه أغلب من رجائه. فإذا حضره الموت غلب الرجاء في ذلك ليطغى على الخوف، فلا ينبغي للمؤمن أن يموت إلا وهو يحسن الظن بالله جل وعلا"5.
ولكن ليس المراد أن ينفرد أحدهما في نفس العبد؛ فإن ذلك يكون سببا في اختلال التوازن في حياته.
4- في باب الأسماء والأحكام، فهم وسط بين الوعيدية والمرجئة:
المراد بالأسماء: أسماء الدين، وهي تلك الألفاظ التي رتب الله عز وجل عليها وعدا ووعيدا؛ مثل: مؤمن، ومسلم، وكافر، وفاسق. والمراد بالأحكام: أحكام أصحاب هذه الأسماء في الدنيا والآخرة6.
__________
1 انظر منهاج السنة النبوية لابن تيمية 1/ 466-467.
2 المصدر نفسه 1/ 448.
3 سيأتي الحديث عنها لاحقا.
4 أضواء البيان للشنقيطي 4/ 200.
5 مدارج السالكين لابن القيم 2/ 51. وانظر فتاوى العقيدة للشيخ ابن عثيمين ص301-302.
6 انظر مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 13/ 38.
(1/41)
والناس في أحكام عصاة المسلمين وأسمائهم، قد انقسموا إلى طرفين -وعيدية ومرجئة-، ووسط -أهل السنة والجماعة؛
أولا: انقسامهم في أسماء مرتكبي الكبائر:
الوعيدية: سلبوا اسم الإيمان عن العاصي في الدنيا، وسموه: إما كافرا كالخوارج1، أو في منزلة بين الإيمان والكفر؛ فلا هو مؤمن ولا كافر، كالمعتزلة2.
والمرجئة والجهمية: زعموا أن العاصي مؤمن كامل الإيمان؛ لأن الإيمان عندهم مجرد ما في القلب، أو المعرفة القلبية. وهم الذين قالوا: "لا تضر مع الإيمان معصية، كما لا تنفع مع الكفر طاعة"3.
أما أهل السنة والجماعة: فقد أطلقوا على مرتكب الكبيرة اسم: "مؤمن عاص، أو مؤمن فاسق، أو مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته"، فلا يزيلون عنه اسم الإيمان بالكلية بذهاب بعضه، ولا يعطونه اسم الإيمان المطلق4، والله سبحانه وتعالى قد سمى المقتتلين مؤمنين؛ فقال: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا** ، إلى أن قال: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ** [الحجرات: 9-10] .
ثانيا: انقسامهم في أحكام مرتكبي الكبائر في الآخرة:
الوعيدية حكموا بخلود أصحاب الكبائر في النار في الآخرة؛ فالخوارج قالوا: إن أهل الكبائر خالدون مخلدون في النار، لا يخرجون منها أبدا5؛ والمعتزلة قالوا: يدخلون
__________
1 انظر مقالات الإسلاميين لأبي الحسن الأشعري 1/ 168.
2 انظر شرح الأصول الخمسة لعبد الجبار المعتزلي ص697.
3 انظر وسطية أهل السنة بين الفرق للدكتور محمد باكريم ص335-336.
4 انظر المرجع نفسه ص346.
5 انظر مقالات الإسلاميين لأبي الحسن الأشعري 1/ 168.
(1/42)
النار، ويخلدون فيها أبد الآبدين، ودهر الداهرين1. ويظهر من أقوال الفرقتين تشابه موقفهم في حكم مرتكب الكبيرة في الآخرة.
أما أهل السنة والجماعة فقالوا: إن حكم مرتكب الكبيرة في الآخرة أنه يخاف عليه العقاب، ويرجى له الرحمة؛ فمن لقي الله "مصرا غير تائب من الذنوب التي استوجب بها العقوبة، فأمره إلى الله عز وجل؛ إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له"2؛ فإن غفر له، وأدخله الجنة دون عذاب ولا عقاب، فبفضله. وإن أدخله النار وعذبه بقدر ذنوبه، فبعد له. ثم إنه لا يخلد في النار كالكفار. وهم في ذلك ينطلقون من قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ** [النساء: من الآية 48] .
5- في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهم وسط بين الغالي والجافي:
الصحابي هو: من لقي النبي -صلى الله عليه وسلم- مؤمنا به، ومات على الإسلام3.
وأهل السنة والجماعة وسط في صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين الغلاة والجفاة؛ الغلاة الذين يقولون بألوهية أمير المؤمنين وأبي السبطين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أو يقولون بعصمته، أو يفضلونه على أبي بكر وعمر رضي الله عنهم أجمعين4.
والجفاة الذين جفوا الصحابة حتى كفروهم، ولعنوهم، ورموهم بالعظائم؛ كفعل الخوارج في حق أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أو يقولون بعصمته، أو يفضلونه على أبي بكر وعمر رضي الله عنهم أجمعين4.
والجفاة الذين جفوا الصحابة حتى كفروهم، ولعنوهم، ورموهم بالعظائم؛ كفعل الخوارج في حق أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وبعض الصحابة5؛ وكفعل المعتزلة
__________
1 انظر شرح الأصول الخمسة لعبد الجبار المعتزلي ص666. وانظر أيضا فتح الباري لابن حجر 1/ 73.
2 شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي 1/ 162. وانظر الشرح والإبانة لابن بطة العكبري ص265.
3 انظر الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر 1/ 7.
4 انظر الفرقان بين الحق والباطل لابن تيمية ص21-22.
5 انظر المصدر نفسه ص19.
(1/43)
في تفسيقهم لطوائف من الصحابة، وردهم لشهادتهم1؛ وكفعل الرافضة في سب وتكفير الصحابة، سيما الشيخين رضي الله عنهم2.
وتوسط أهل السنة بين هؤلاء وهؤلاء؛ فأحبوا الصحابة رضي الله عنهم، وترضوا عنهم، واعتقدوا عدالتهم، وأنهم أفضل هذه الأمة بعد نبيها صلى الله عليه وسلم، وأن الله قد حفظ بهم دينه، وأقام بهم عقيدة الإيمان صافية نقية3.
والأدلة من الكتاب والسنة على فضلهم أكثر من أن يجمعها مكان. منها: قوله سبحانه وتعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا** [الفتح: 29] .
ومنها قوله -صلى الله عليه وسلم: "لا تسبوا أصحابي, فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه" 4.
__________
1 انظر: تاريخ بغداد للخطيب البغدادي 12/ 178. وميزان الاعتدال للذهبي 4/ 329.
2 انظر: الفرقان بين الحق والباطل لابن تيمية ص23. ووسطية أهل السنة بين الفرق لباكريم ص406-411.
3 انظر: عقيدة السلف أصحاب الحديث للصابوني ص86، 90، 93. وأعلام السنة المنشورة للشيخ حافظ الحكمي ص177-179.
4 صحيح البخاري، كتاب فضائل الصحابة، باب فضل أبي بكر بعد النبي صلى الله عليه وسلم. وصحيح مسلم، كتاب فضائل الصحابة، باب تحريم سب الصحابة رضي الله عنهم.
    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

 


بحث عن:


الساعة الآن 05:34 AM



Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
By Media Gate - https://mediagatejo.com