وصفها الباري جل شأنه بأكل لحم الميت ...
قال تعالى: ** ولا يغتب بعضكم بعضاً أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم** [الحجرات:12].
الغيبة لغة: من الغَيْب "وهو كل ما غاب عنك" , وسميت الغيبة بذلك لغياب المذكور حين ذكره الآخرون.
قال ابن منظور: "الغيبة من الاغتياب... أن يتكلم خلف إنسان مستور بسوء" .
وما أكثرهم اولئك الذين يكثرون الخوض في اعراض الناس....
ولا يرتاحون الا اذا نهشوا هذا ،، واغتابوا ذاك ... ونسبوا كل النقائص لغيرهم فيبيتون على غيبة ، ويصبحون على غيبة ،
وهم كالخفافيش في الاماكن المظلمة يعششون فيها وحين يحل النور عليها يهربون وتبقى روائحهم الكريهة ثم لا تلبث حتى تزول ....
إن للغيبة بواعث مختلفة، ونحن نشير هنا إلى بعض هذه البواعث:
الغَضَبُ: إن أحد أسباب الغيبة هو الغَضَبُ فالإنسان عندما يغضب يفقد إتزانه، وهيمنته على نفسه، فيكيل لمن يغضبُ عليه ما شاء من التهم وينسب إليه كل ما يجري على لسانه، ويستغل نقاط ضعفه فيُثيرها ليفضحه بها ويطفئ نار غضبه لذا فإننا نجد في الروايات المتعددة أن المؤمن لا يغضب، وإذا ما اُغضب كظم غيظه، وأغضى عمن أغضبَهُ لئلا يتسخ بإثم الغيبة وأمثالها من الذنوب كأن يتهم صاحبه بما ليس فيه.
والقرآن الكريم يمدح المؤمنين مشيراً إلى هذه الخصلة فيهم حيث يقول: (وإذا ما غضبوا هم يغفرون).
الحقد: وإن من بواعث الغيبة وأسبابها الحقد، فعندما يحقد شخص ما على شخص آخر، ويريد أن يصب على نار حقده ماءً بارداً يلتجئ إلى الغيبة لعله يُبرد لهبه بها، لذا فإن الشارع المقدس أمر المؤمنين أن يتجنبوا أسباب الحقد ليقوا أنفسهم من آثاره، لأن الأحقاد القديمة والمتراكمة تكون مدعاةً لكثرة الذنوب وزيادتها، لذا فإن على المؤمنين أن يُعنوا بالإصلاح ما بين الأخوين ويحلوا النزاع، ويدفعوا الخصومة، فقد أكد الإسلام على إصلاح ذات البين لما في ذلك من الفضل الكبير عند الله وغسل الأحقاد عن الصدور!
الحسد: ومن بواعث الغيبة الحسد أيضاً، وينبغي للمؤمن أن يتعوذ بالله من شر الحسد (ومن شر حاسد إذا حسد).
إن الحسود بما أنه يريد أن يشوه سمعة محسوده، لعل يطفئ نار حسده
في صدره، يتخذ الغيبة وسيلةً لذلك، ويرشق المحسود بكلمات لا تليق به، ليهدأ نفسه مما بها من سورة الحسد، ونحن في هذا الصدد نرى أن أئمة أهل البيت يؤكدون في الروايات الواردة عنهم على الاجتناب عن الحسد لئلا نبتلى بتبعاته التي منها الغيبة أيضاً.
الاستهزاء: يتفق أن يكون ما يدفع الإنسان إلى الغيبة ((الاستهزاء))، فالاستهزاء قد يقع في حضور الشخص المستهزأ به وقد يقع في غيابه، كأن يقلد صوته ساخراً منه،
ومما يؤسف عليه أن هذا الأمر المَقيت قد نشاهده في بعض المؤمنين، البسطاء عند اجتماعهم في مكان ما فيسخر بعضهم من بعض والسخرية سبيل الجهّال.
ألا ترى أن نبي الله موسى حين أمر قومه أن يذبحوا بقرة عدوا ذلك منه سخريةً وهزواً، فقال: (أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين).
فنستنتج من سياق هذه القصة الواردة في القرآن الكريم أن الاستهزاء من عمل الجهّال! فينبغي للإنسان العاقل أن لا يتورط في هذا العمل الذي يكشف عن جهل صاحبه! ويحمله تبعة الذنب الكبير ((الغيبة))!
المزاح: وقد يتفق لبعض أن ينال من الآخرين بذكر عيوبهم قاصداً المزاح ليضحك من عنده من الحضور فيرتكب بذلك هذا الذنب الكبير وهو ((الغيبة)).
الفخر والمباهاة: قد يُضفي بعض الناس على نفسه صفات ليعد نفسه أفضل من غيره فينتقص شخصاً ما، كأن يقول: إن فلاناً لا يعرف شيئاً، ويريد أن يُثبت للآخرين بكلامه هذا أنه يفهم ويعرف كل شيء. وأنه الأفضل، فيرتكب بهذا الأسلوب ذنب ((الغيبة)) الكبير!
الدفاع عن النفس: قد يُتهم رجل ما، بفعل قبيح، أو ينسب إليه عمل سيئ، فبوسعه أن يدافع عن نفسه دون أن يذكر اسم أي شخص يرتكب ذلك الفعل القبيح أو العمل السيئ لكنه يقول: إن فلاناً يتصف بهذا الأمر لا المتصف به أنا.
فمثلاً يقال له: ينسب إليك أنك تكذب فبوسعه أن يقول: لستُ كاذباً، ويدافع عن نفسه لكنه يقول: إن فلاناً هو الكذاب، أنه يكذب دائماً، أو يقول :
ـ وهو يريد أن يعتذر عن نفسه ـ : لستُ وحدي المتصف بهذا الفعل، بل يوجد شخص آخر كان معي في هذا العمل أيضاً وهو فلان! وعن هذا الطريق يرتكب ذنب ((الغيبة)) الكبير.
موافقة الأصدقاء: وفي بعض الحالات يستغيب الإنسان أخاه المؤمن إرضاءً لنفوس أصدقائه، كأن يدخل حلقة ما، فيرى أصدقاءه يغتابون فلاناً فمن أجل أن يقول لأصدقائه: إنني معكم في هذه القضية، يبدأ بذكر عيوبه ويثير نقاط ضعفه التي يعرفها ويجهلها أصدقاؤه ويرتكب بذلك ذنب ((الغيبة)) أيضاً.
الإشفاق والترحم: وقد يدخل الإنسان من باب الإشفاق أو الترحم متجهم الوجه قائلاً: مسكين ... فلان ... أُبتليَ بمعضلة فضحته وذهبت بماء وجهه!!
وعلى الرغم من أن مثل هذا القائل قد يكون صادقاً في حزنه ومشاعره، إلا أنه لما كشف بقوله هذا عيباً خفياً فقد ارتكب (الغيبة))، مع أنه كان بوسعه وإمكانه أن يتحرق قلبه دون ذكر اسم ذلك الرجل، فينال بذلك الثواب الكريم والأجر العظيم لكن الشيطان وسوس إليه فجعله غافلاً، وضيع أجره وثوابه!
التعجب: وقد يرى فعلاً صادراً عن شخص أو يسمع ذلك عنه فيقول في ملأ من الناس: أنني تعجبتُ من صدور هذا الفعل القبيح عن فلان! فلماذا فعل ذلك وبهذا يغتابه!
وربما كانت جذور الغيبة تعود إلى عدم الوعي أو غفلة الشعور فيلوث الإنسان نفسه بالذنب!
والغريب في هؤلاء الناس انهم يتصورون انهم وحدهم فوق كل نقيصة وعيب ، ولا سيما ذلك الذي اكتسب مالا او ارثا ، انه يظن ان ماله سيحجب عيوبه ، وبعضهم يظن ان ذمه للاخرين يرفع من قدره ... وبعضهم يعتقد ان نهش اعراض الغير يظهره بمظهر العالم العارف ببواطن الامور وخصائص الناس ،
انها صفة اللئيم ، يحسب المال كل شيء ، وان قيمة الانسان فيما يملك، فينهش اعراض الناس ليستر نواقصه ، ويهمزهم لانه معيب ، ويريد بهذا الهمز ان يغطي عيوبه الماضية ، حقا انه لئيم .......
وقالوا في الغيبة .......
القدحُ ليس بغيبــة في ستــــّة .....
متظـلّـم ومـعرِّفٍ ومــحـذّرِ........
ولمُظهرٍ فسقاً ومستفتٍ ومَن......
طلب المعونة في إزالة منكرِ......
*****
فالسامع الذم شريك له *** ومطعم المأكول كالآكل
*****
وسمعك صُنْ عن سماع القبيح *** كصون اللسان عن القول به
فإنك عند استماع القبيـح *** شـريك لقـائلـه فانتبـه
*****
وإذا هممت بالنطق في الباطل ** فاجـعـل مكـانـه تسـبيحـاً
فاغتنام السكوت أفضل من *** خوض وإن كنت في الحديث فصيحاً
*****
واللسان................. أشد الأعضاء جماحاً وطغياناً ، وأكثرها فساداً وعدواناً .