المحجة في فضل عشر ذي الحجة
الحمد لله الذي أوضح المحجة، وأقام الحجة، وفضل عشر ذي الحجة.
أحمده سبحانه على حكمته البالغة وحجته الدامغة، ونعمته السابغة.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. أمر أن لا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
وأشهد أن محمداً - صلى الله عليه وسلم - عبد الله ورسوله، المبعوث بالحق بين يدي الساعة إلى الناس كافة - صلى الله عليه وسلم - وعلى آله وأصحابه، الذين كانوا يسارعون في الخيرات، ويدعون الله ويذكرونه في سائر الأوقات، وكانوا أئمة الأمة في التعبد بجميع العبادات.
أما بعد: فيا أيها الناس أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى فإنها خير زاد وخير لباس، وإن أهلها عند الله هم أكرم الناس، وإن الله تعالى ينجي من النار الذين اتقوا ويورث الجنة من عباده من كان تقيا.
عباد الله: إن الله تعالى لما اقتضت حكمته ? وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ? [التحريم: 2] قصر أعمار هذه الأمة، عوضها الله تعالى بمواسم خيرة مباركة، يفضل فيها العمل، ويعظم عليه الأجر فضلاً من الله عز وجل، حيث يجتمع للعباد فيها شرف الزمان وشرف العبادة، وكرم المثوبة، فيثيب الله تعالى العاملين المحسنين، على أنواع الطاعات ثواباً لا يخطر لأحدهم على بال، ولا يدور له في خيال، فضلاً من ذي الكرم والجلال.
عباد الله: إن أيام عشر ذي الحجة، هي أفضل أيام السنة على الإطلاق، والعمل الصالح فيها أحب إلى الله تعالى باتفاق، فاعرفوا لهذه العشرة شرفها واقدروا لها قدرها، واطلبوا فضل الله فيها واغتنموها بصالح العمل، والتوبة إلى الله تعالى فيها من التقصير والزلل، والحذر من مقارفة الذنوب إجلالاً وتعظيماً لله عز وجل قبل مضيها أو مفاجأة الأجل، فإن مواسم الخير لا تدوم، وإن غنيمة المتسابقين إلى الخيرات لا يحيط بها إلا الحي القيوم، وإن المفرط المسوف يلوم ولنفسه ظلوم.
عباد الله: انتفعوا من فسحة الأجل بصالح العمل قبل أن تواجهوا ما ذكر الله عز وجل من قوله تعالى ? أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ * أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ?[1].
أيها المسلمون: إن أعظم وأحب ما تقرب به المتقربون إلى الله تعالى في هذا العشر أداء فرائض الطاعات، ثم اجتناب المنهيات والتوبة إلى الله تعالى مما سلف من السيئات ثم التحبب إلى الله تعالى بالنوافل المستحبات، فاعبدوا الله محسنين، واذكروه مصبحين وممسين وكل حين، وادعوه مخلصين له الدين، حافظوا على الصلوات واركعوا مع الراكعين، وأدوا الزكاة، واستكثروا من الصدقات، وصوموا ما تيسر لكم من أيام تلك العشر المباركات، وخصوصاً يوم عرفة لغير الحجاج فإنه يكفر خطايا سنتين، وأكثروا فيها من التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير، واجهروا بهذا الذكر في هذه الأيام، في المساجد والبيوت والأسواق فإنه من شعار الإسلام.
معشر المسلمين: تاج الأعمال الصالحة وأعظمها وسيلة للتجارة الرابحة الحج والعمرة مع البر والنفقة الطيبة فإن فيها كمال الدين، ومنافع عظيمة للمؤمنين، ومن أسباب سعة الرزق وتكفير الآثام، وفيها إظهار لعظمة وعزة الإسلام، وإغاظة لأعداء الملة وهما من أعظم أسباب دخول الجنة، ناهيك بما في رحلتهما من فرصة مباركة للتفقه في الدين وتحقيق الألفة والتعاون على الخير بين المؤمنين.
أيها المؤمنين: ومن لم يتيسر له الحج فليغتنم هذه العشر بما سبقت الإشارة إليه من أنواع الذكر والطاعة وليحافظوا على الجماعة وليحرص على الأضحية فإنها نسك عظيم، وسنة ثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - الكريم عليه من ربه أفضل الصلاة وأزكى التسليم فما عمل ابن آدم يوم النحر عملاً أحب إلى الله من إراقة دم.
أمة الإسلام: اعبدوا الله مولاكم، وكبروه على ما هداكم، وضحوا تقبل ضحاياكم، وأفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وأحسنوا بأنواع الإحسان إلى أهل الإسلام، وكفوا الأذى بغير حق عن الخاص والعام، وتحلوا بحسن الخلق وابتغوا عند الله الرزق، وتذكروا أن الله تعالى لا ينظر إلى الصور والأموال، ولكن ينظر إلى القلوب والأعمال، فاستقيموا كما أمرتم واجتنبوا ما عنه نهيتم واستغفروا الله وتوبوا إليه من سيء ما أسلفتم.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ? وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا ?[2] الآيات.