قال العلامة ابن عثيمين رحمة الله
عليه في شرحه لحديث كعب ابن مالك المشهور :
فبينما هو كذلك إذ رأى رجلا مبيضا بياضا يزول به السراب من بعيد , فقال النبي صلى الله عليه وسلم " كن أبا خيثمة الأنصاري " فكان أبا خيثمة , وهذا من فراسة النبي صلى الله عليه وسلم أو من قوة نظره , ولا شك أنه أقوى الرجال نظرا وسمعا ونطقا وفي كل شيء , وأعطي قوة ثلاثين رجلا بالنسبة للنساء . أبو خيثمة هذا هو الذي تصدق بصاع عندما حث النبي صلى الله عليه وسلم على الصدقة , فتصدق الناس كل بحسب حاله , فكان الرجل إذا جاء بالصدقة الكثيرة قال المنافقون ( هذا مراء , ما أكثر الصدقة ابتغاء وجه الله !) وإذا جاء الرجل الفقير بالصدقة اليسيرة قالوا ( إن الله غني عن صاع هذا ) انظر والعياذ بالله يلمزون المؤمنين من هنا ومن هنا , كما قال الله ( الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات والذين لا يجدون إلا جهدهم -أي إذا تصدقوا بما يستطيعون قالوا " إن الله غني عن صاعك "- فيسخرون منهم سخر الله منهم ولهم عذاب أليم ) وهكذا المنافق شر على المسلمين , فإن رأى أهل الخير لمزهم وإن رأى المقصرين لمزهم وهو أخبث عباد الله فهو في الدرك الأسفل من النار , المنافقون في زماننا هذا , إذا رأوا أهل الخير وأهل الدعوة وأهل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قالوا ( هؤلاء متزمتون وهؤلاء متشددون وهؤلاء أصوليون رجعيون وما أشبهه من الكلام ) فكل هذا موروث عن المنافقين في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام إلى يومنا هذا , لا تقولوا ليس عندنا منافقون , بل عندنا منافقون ولهم علامات كثيرة !!!
وقد ذكر ابن
القيم رحمه الله في كتابه " مدارج السالكين " في الجزء الأول صفات المنافقين كلها مبينة في كتاب الله عز وجل , فإذا رأيت رجلا يلمز المؤمنين من هنا ومن هنا , فاعلم أنه منافق - والعياذ بالله - فاستفدنا فائدتين عظيمتين :
- الفائدة الأولى : أن الإنسان لاينبغي له أ
ن يتأخر عن فعل الخير بل لابد أن يتقدم ولا يتهاون أو يتكاسل وأذكر حديثا قاله النبي عليه الصلاة والسلام في الذين يتقدمون إلى المسجد ولكن لا يتقدمون إلى الصف الأول بل يكونون في مؤخره قال ( لا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله ) إذا عود الإنسان نفسه على التأخر أخره الله عز وجل , فبادر بالأعمال الصالحة من حين أن يأتي طلبها من عند الله عز وجل .
-الفائدة الثانية : أن المنافقين يلمزون المؤمنين كما سبق وأبو خيثمية هو الذي تصدق بصاع فقال المنافقون ( إن الله غني عن صاع هذا الرجل) ولكنهم منافقون لا يؤمنون , ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ( أن الرجل يتصدق بعدل تمرة - أي بما يعادل تمرة - فيأخذها الله عز وجل فيربيها كما يربي أحدكم فُلُوَّه- أي مُهْرَه الحصان الصغير- حتى تكون مثل الجبل ....
من شرح رياض الصالحين للعلامة ابن عثيمين رحمه الله تعالى 1/112