ما هي الأدلة على تحريم الابتداع في الدين !؟
الشيخ الإمام المجدد محمد ناصر الدين الألباني - رحمه الله تعالى : نعتقد أن الابتداع في الدين - وليس في الدنيا - ينافي نصوصًا من الكتاب والسنة ، وقوله تبارك وتعالى في الآية المعروفة : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِينًا ) . [ المائدة : 3 ] .
لا يحتاج إلى بيان وتفسير ، إلا أن الآية تعني : أن الإسلام تام لا يحتاج إلى استدراك ، لا سيما فيما يتعلق بالعبادات المحدودة النطاق ، العبادات التي يريد الإنسان أن يتقرب بها إلى الله - عز وجل - ؛ أقول هذا لأن المعاملات واسعة جدًا ، ففي اليوم الواحد تحدث حوادث تحتاج إلى أحكام ، وهذا الأحكام لا يعرفها إلا أهل الاجتهاد في كل زمان ، فهذه ليست محدودة ، أما العبادات التي كانت في زمن الرسول - عليه الصلاة والسلام - وتوفي عنها فلا تقبل الزيادة إطلاقًا ؛ لأن الرسول قال : ( ما تركت شيئًا يقربكم إلى الله إلا وأمرتكم به ) ، فما أخفى عنا شيئًا .
لذلك الآية السابقة : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) . هي نص قاطع في موضوع الابتداع في الدين .
من هنا يظهر لكم علم أحد الأئمة الأربعة - الذين ينتمي إليهم جماهيرنا اليوم - حين قال : ( من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمدًا - صلى الله عليه وآله وسلم - خان الرسالة ، اقرؤوا قول الله تبارك وتعالى : الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِينًا . قال : فما لم يكن يومئذٍ دينًا لا يكون اليوم دينًا ) .
نحن نقول هكذا ، فإذا أراد أحد المقلدين أن يجادلنا فبالله عليكم بماذا يجادلنا !؟
فإن جاءنا بنقل عن إمام كما يقولون : إن أبا حنيفة قال بالاستحسان ، والاستحسان لا يعني الاستحسان بمعنى الابتداع في الدين أبدًا ، وإنما هو ترجيح دليل على دليل ، لوجود نصها أو ما شابه ذلك ؛ كما هو مذكور في أصولهم ، فالغرض إن جاءنا مقلد بقول إمام فضلاً عن قول مقلد من مشايخهم ، فنقول له : إمام من أئمة السنة وإمام دار الهجرة يقول : ( فما لم يكن يومئذٍ دينًا لا يكون اليوم دينًا ) .
نحن نقول : يومئذٍ لم يكن من الدين أن يصعد المؤذن المنبر وينشد ويتكلم بكلام غير جائز قبل الأذان ، ما كان هذا باعترافهم ، لذلك يسمونها بدعة ، أي : حدثت لكنها حسنة ، ولا - أيضًا - ما أضافوه بعد الأذان من الصلاة على الرسول - عليه السلام - ، ومن أشياء أخرى أيضًا يضيفونها ، كل هذا وهذا لم يكن .
فـمالك يقول : ( فما لم يكن يومئذٍ دينًا لا يكون اليوم دينًا ) .
إذًا : أذن كأذان بلال وغيره من مؤذني الرسول - صلى الله عليه وسلم - . سوف يقول : أنا مذهبي هكذا … دعك أنت ومذهبك ، فلماذا تجادل بالباطل وبالجهل !؟
تريد أن تبحث على ضوء الكتاب والسنة . تعال إلى الكتاب والسنة ، هذه أول آية ، وهذا تفسيرها لإمام دار الهجرة ، الذي بينه وبين الصحابي واسطة واحدة ، مالك عن نافع عن ابن عمر ، وعاش في عقر دار السنة : المدينة المنورة ، يقول : ( من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - خان الرسالة ) .
اقرؤوا قول الله تبارك وتعالى : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِينًا ) . فما لم يكن يومئذٍ دينًا لا يكون اليوم دينًا ، لكن مالك - رحمه الله - جاء بخاتمة قاسمة في الجملة ، التي تستحق أن تُكتب بماء الذهب - كما يقولون - ونحن نعتبر هذه الجملة من منهجنا في الدعوة ، بينما الذي يقول هذا الكلام وغيره لا يرفعون لهذه الجملة وزنًا ، يقول مالك : ( ولا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها ) . فهل صلاح هذه الأمة بأن تتقرب إلى الله بمئات بل ألوف من البدع !؟ يستحيل هذ ا! وهو من باب :
وداوني بالتي هي داء .
العبادات التي شرعها الله هي معالجة لأمراض نفسية ، قد يشفى بها بعض الناس وقد لا يشفى جمهورهم ، فتأتي هذه التشاريع الإلهية الحكيمة كمرهم وعلاج لهذه الأمراض النفسية .
وعلى العكس من ذلك ؛ حينما نستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير ، ونقيم البدعة مقام السنة ، زدنا مرضًا على مرض ، بحيث أننا نصل إلى اليأس من الشفاء ، لذلك فمن منهجنا نحن الدعاة إلى الكتاب والسنة وعلى منهج السلف الصالح : - الذي يدل على هذا المنهج - كلمة الإمام مالك هذه : ( ولا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها ) .
وتأكيدًا لما نقول ؛ فهناك جماعات إسلامية كثيرة وكثيرة جدًا ، فهل هناك جماعة تسعى لتنوير بصائر المسلمين ، لكي يهتدوا بهذا المنهج السليم ، وهو أنه لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها !؟
الجواب : لا يوجد - مع الأسف - جماعات إسلامية ، لا اسمها ولا وزنها في العالم الإسلامي يدندن حول موضوع الاتباع للكتاب والسنة ، ليس اتباعًا لفظيًا ، قلنا لكم مرارًا وتكرارًا : كل الطوائف الإسلامية التي بلغت ثلاثًا وسبعين فرقة أو زادت ، كلها تقول : الكتاب والسنة ، لكن المهم في الكتاب والسنة :
• أولاً : تطبيق عملي .
• وثانيًا : فهم سليم لما كان عليه السلف الصالح .
فهنا يقول : إن في هذه المسألة خلافًا فقهيًا ، وكل واحد وما ذهب إليه دليله .
إذًا : هذه الآية من أدلة العلماء من السلف الصالح من الصحابة والتابعين ، الذين ذهبوا إلى أنه لا بدعة في الإسلام .
ومما يؤكد لكم ذلك الأحاديث المشهورة التي منها ما نبتدئ بها دروسنا : ( خير الكلام كلام الله ، وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم - ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار ) .
من عجائب الأمور التي نلاحظها ، والتي تؤكد لنا صحة منهجنا وخطأ منهج غيرنا : أنك لا تجد خطيبًا من الخطباء يحافظ في خطبته على هذه الخطبة ، التي هي من خطبة الحاجة التي كان نبينا - عليه الصلاة والسلام - يحافظ عليها دائمًا وأبدًا ، لماذا !؟
لأن أبسط إنسان سيقول له : من صعود الخطيب إلى خروجه من الصلاة كلها بدع وخلاف هدي الرسول ، وهذا الذي أنت تدعو إليه ، ولذلك الشيطان أوحى إليهم : كونوا متجاوبين ، لا تكونوا متنافرين في أنفسكم ، تصعد إلى المنبر تخطب : خير الكلام كلام الله ، وتختمها : وكل ضلالة في النار ، وأنت تقول : لا . هناك بدعة حسنة ، ورسولك يقول ، وأنت تنقل عنه : ( وكل ضلالة في النار ) هذا تناقض ، لذلك زين لهم سوء عملهم ، ونشأ من شريعتهم هذه السنة التي واظب عليها الرسول - عليه الصلاة والسلام - .
لذلك فأنا صار عندي مبدأ : بمجرد ما أسمع خطيبًا يفتتح الخطبة بهذه الخطبة . أقول : هذا لابد ، وأنا ما أقول سلفي ، لكن عنده سلفية ، وإلا فليس من الممكن أن يكون عنده بدعة حسنة ويأتي يخطب في الناس . ويقول : وكل ضلالة في النار . فهذا من الأحاديث الدالة على خلاف ما يراه المتأخرون المقلدة - وليسوا مجتهدين أبدًا باعترافهم - من أن هناك بدعة حسنة ، ثم يتجرؤون لجهلهم بل لغباوتهم ويقولون : يا أخي ! هذا نص عام لكنه مخصص . كل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار ، يقولون : ذلك مخصص .
أولاً : لا نعلم في ألفاظ الرسول - صلى الله عليه وسلم - التي هي من جوامع الكلم مثل هذا التعميم ثم يدخله تخصيص ، ولفظة ( كل ) من أصرح ألفاظ العموم والشمول : ( كل بدعة ضلالة ) ، أقول - دائمًا وأبدًا بهذه المناسبة على وزن قوله - عليه الصلاة والسلام - : ( كل مسكر خمر ، وكل خمر حرام ) - هل من الممكن أن يقول قائل : ليس كل مسكر خمر ، وليس كل خمر حرام !؟
مستحيل هذا الكلام ! وهناك كليات كثيرة : ( كل بني آدم من تراب ، ويتوب الله على من تاب ) ، لا يمكن أن إنسانًا يقول : ليس من تراب ، فأصله من تراب … وكذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( كلكم يدخل الجنة إلا من أبى ، قالوا : ومن يأبى يا رسول الله !؟ قال : من أطاعني دخل الجنة ، ومن عصاني فقد أبى ) .
إذًا : كل من أطاع الرسول - عليه السلام - دخل الجنة . هذه الكليات لا تقبل التخصيص ، وهذه الكلية جاءوا إليها فحطموها ، وقالوا : ليس الحديث على عمومه ، مع أن الرسول - عليه الصلاة والسلام - ؛ كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - العارف بالله حقًا - ، ولا أدري هل نثني عليه خيرًا حينما نصفه بما يصف غيرنا بعض كبارهم ، حينما نصف ابن تيمية بأنه العارف بالله حقًا ، ما ندري أنذمه أم نثني عليه ! لكن إنما الأعمال بالنيات ؛ لأنه حقيقة هو عارف بكتاب الله وبحديث رسول الله ، يقول : رسول الله في كل خطبة جمعة فضلاً عن خطب أخرى يقول فيها : ( كل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار ) ، تأكيدًا وتقريرًا لهذه القاعدة ، ثم يأتي هؤلاء في أبسط حماقة ويقولون : لا . هذه ليست عامة ، ولا مرة يقول الرسول - عليه الصلاة والسلام - ما كل ضلالة بدعة ، فهو دائمًا يؤكد ، وتكرار الجملة العامة على اختلاف الملابسات والمناسبات من حيث الأسلوب العربي ، تأكيد أن هذا الكلام - كما أنكم تسمعون - لا يقبل تأويلاً ولا تقييدًا ولا تخصيصًا إطلاقًا .
فهنا يقول : ( كل بدعة ) هذه كلية ، وهناك يقول : ( من أحدث ) ، أيضًا : ( من ) : مِن صيغ العموم والشمول ، ومعنى : من أحدث . أي : كل من أحدث في ديننا هذا ما ليس منه فهو رد .
والبحث في هذا طويل ، ولكن أذكّر أيضًا بأثر عن صحابي جليل ، كان بارزًا من بين الصحابة بحبه للرسول - صلى الله عليه وسلم - وحبه لاتباعه واتباع سنته ، فسر لنا الجملة الأولى : ( كل بدعة ضلالة ) تفسيرًا سد الطريق على هؤلاء المبتدعة ، فهم يقولون : كل بدعة ضلالة ، وهذا يأتي فيرد عليهم ، وكأنما الله - عز وجل - قد كشفها عن بصيرته ، ولو كنا نؤمن بالكشف الذي يقول به الصوفية وأتباعهم لقلنا : انكشف له ؛ لأنه سيأتي أناس من بعدهم يقولون : هذه بدعة حسنة ، وأن قول الرسول : ( كل بدعة ضلالة ) من العام المخصوص ، كشف له ذلك فأجابهم سلفًا ، فقال : ( كل بدعة ضلالة ، وإن رآها الناس حسنة ) ، فأين تذهبون يا مقلدون !؟
وعلى فرض أنه أخطأ هذا الرجل وهو من كبار الصحابة ، فنحن نقبل ولا نقول بالعصمة ، لكن لا نرد كلام الصحابي الواحد - فضلاً إذا كانوا أكثر - بمجرد أن يرد عليه مقلد ، بل ولو كان مجتهدًا إلا بالدليل ، فكيف ذلك وهناك من الصحابة من يقول وهو حذيفة بن اليمان : ( كل عبادة لم يتعبدها أصحاب الرسول - صلى الله عليه وسلم - فلا تعبَّدوها ) ، عدوا العبادات التي يفعلها الناس اليوم ، واطلبوها من كتب التقليد وليس كتب السنة ، سوف لا تجدون لها ذكرًا ، لماذا !؟
لأن المقلدين - أنفهسم - الذين هم علماء بأقوال أئمتهم من قبل ما سطروا هذه البدع ، وكل يوم تأتي بدعة جديدة ، لماذا !؟
لأن خرج البدع لا يكاد يمتلئ أبدًا ، فهو واسع جدًا ، والشيطان للناس بالمرصاد ، كما قال - عليه الصلاة والسلام - في الحديث الصحيح لما خط خطًا مستقيمًا وقرأ : ( وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ) . [ الأنعام :153 ] خط الخط المستقيم وخط على طرفيه خطوطًا كثيرة ، وقال : ( هذه الخطوط للشيطان طرق ، وعلى رأس كل طريق منها شيطان يدعو الناس إليه ) .
فشياطين الجن - فضلاً عن شياطين الإنس - لا يزالون أحياء يقومون بوظيفتهم ، ولذلك فالسعيد من يستعصم ويستمسك بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها .