قصيدة الافعوان
للراحلة الرائعة
نازك الملائكة
أين أمشى ؟ مللت الدروب
و سئمت المروج
و العدو الخفى اللجوج
لم يزل يقتفى خطواتي فأين الهروب ؟
الممرات و الطرق الذاهبات ؟
بالأغاني إلى كل أفق غريب
و دروب الحياة
و الدهاليز فى ظلمات الدجى الحالكات
و زوايا النهار الجديب
جبتها كلها ، و عدوى الخفى العنيد
صامد كجبال الجليد
فى الشمال البعيد
صامد كصمود النجوم
فى عيون جفاها الرقاد
و رمتها أكف الهموم
بجراح السهاد
صامد كصمود الزمن
ساعة الانتظار
كلما أمعنت فى الفرار
خطواتى تخطى الفتن
و أتانى بما حطمته جهود النهار
من قيود التذكر .. لن أنشد الانفلات
من قيودى و أى انفلات
و عدوى المخيف
مقلتاه تمج الخريف
فوق روح تريد الربيع
و وراء الضباب الشفيف
ذلك الأفعوان الفظيع
ذلك الغول أى انعتاق
من ظلال يديه على جبهتى الباردة
أين أنجو و أهدابه الحاقده
فى طريقى تصب غدا ميتا لا يطاق ؟
أين أمشى ؟ و أى انحناء
يغلق الباب دون عدوى المريب
إنه يتحدى الرجاء
و يقهقه سخرية من وجومى الرهيب
إنه لا يحس البكاء
أين .. أين .. أغيب
هربى المستمر الرتيب
لم يعد يستجيب
لنداء ارتياعى وفيم صراخ النداء ؟
هل هناك ملاذا قريبأ بعيد ....
سأمضى و إن كان خلف السماء
أو وراء حدود الرجاء
ثم ذات مساء
أسمع الصوت :
" سيرى فهذا طريق عميق
يتخطى حدود المكان
لن تعى فيه صوتا لغمغمة الأفعوان
أنه ( لابرنث ) سحيق
ربما شيدته يد فى قديم الزمان
لأمير غريب الطباع
ثم مات الأمير ... و أبقى الطريق
لأكف الضياع "
أسمع الصوت ملء البقاع
فأسير لعلى أفيق
من ديا جير كابوسى الأبدى الصفيق
ربما سيضل عدوى الطريق
ما أحب المسير و ليس ورائى خطى مائته
تتمطى بأصدائها الباهته
فى محانى طريقى الطويل
إنه لن يجئ
لن يجئ و إن عبر المستحيل
أبدا لن يجئ
لن يراه فؤادى البرئ
من جديد يثير الرياح
لتسد على السبيل
فى هدوء الصباح
أبدا لن يجيء
لن يجيء .... !
و أسمع قهقهة حاقده
إنه جاء .. يا الضياع رجائي الكسير
فى دجى اللابرنث الضرير
و أحس اليد المارده
تضغط البرد و الرعب فوق هدوئى الغرير
بأصابعها الجامده
إنه جاء .. فيم المسير ؟
سأودع حلمى القصير
و أعود بجثته الباردة
و تمر تمر الحياة
و عدوى الخفى العنيد
خلف كل طريق جديد
فى ليالى الأسى الحالكات
خلف كل سحر
و أراه يطل على من المنتظر
مع أمسى البعيد
مع ضوء القمر
فى الفضاء المديد
أين أين المفر
من عدوى العنيد
و هو مثل القدر
سرمدى ، خفى ، أبيد
سرمدى ، أبيد . . .