بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نبذة :
فانظر كيف كان اهتمامه صلى الله عليه وسلم بترغيب الصغار في صلاة الجماعة ولك أن تعجب من أولئك الذين يطردون الصغار من المساجد ويطاردونهم مطاردة اللصوص، فهذا أمر مخالف لهدي النبي صلى الله عليه وسلم.
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد..
فمن أهم المواضيع الجديرة بعناية الآباء والمربين والدعاة موضوع تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع الصغار..
كيف امتلك النبي صلى الله عليه وسلم قلوب الصغار؟
كيف رباهم؟ كيف أدبهم؟ كيف علمهم؟ كيف زرع فيهم مفاهيم العزة والكرامة؟
إن التعامل مع الصغار يحتاج إلى وعي شديد وحرص ورفق من المربي ويحتاج كذلك إلى علم باحتياجات الطفل النفسية والاجتماعية ويحتاج أيضاً إلى سعة صدر وطول بال وحلم حتى تنجح عملية التوجيه والتربية.
لقد اهتم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك كله، ولكنه حرص قبل ذلك على تأصيل محبته في نفوس الأطفال.
فالمحبة أولاً ثم بعد ذلك تأتي عملية التوجيه والإرشاد وزرع المفاهيم، وبدون هذه المحبة لا يمكن أن نتوقع نجاحاً للعملية التربوية.
وهذه المحبة تنشأ من الرحمة بالأطفال والعناية بهم واحترام حقوقهم وعدم الاستهانة بها، وحسن معاملتهم وترغيبهم في الخير، وترك إيذائهم ورفع الظلم عنهم، كل ذلك فعله النبي صلى الله عليه وسلم ففاز بمحبة الأطفال واستطاع أن يزرع في نفوسهم ما يشاء من خصال نبيلة، وخلال حميدة وآداب رفيعة.. وإلى معالم هذا المنهج النبوي في تربية الأطفال.
الاهتمام بالطفل قبل أن يولد
1-اختيار الزوجة الصالحة:
لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك». متفق عليه.
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «تخيروا لنطفكم فانكحوا الأكفاء وانكحوا إليهم». رواه ابن ماجه وصححه الألباني.
2-الحرص على حفظ الطفل من الشيطان
فقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بالدعاء عند الجماع قال: «لو أن أحدكم إذا أتى أهله قال: بسم الله، اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا، فيولد بينهما ولد، فيصيبه الشيطان أبداً». متفق عليه.
الدعاء للأطفال والتبريك عليهم
فعن أبي موسى قال: «ولد لي غلام فأتيت به النبي صلى الله عليه وسلم فسماه إبراهيم، وحنكه بتمرة». متفق عليه.
والتحنيك: أن يمضغ المحنك تمرة حتى تصير مائعة بحيث تبتلع، ثم يفتح فم المولود ويضعها أو بعضها فيه، ليدخل شيء منها في جوفه، ويستحب أن يكون المحنك من الصالحين.
وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم: «كان يؤتى بالصبيان فيبرك عليهم ويحنكهم». رواه مسلم
ومعنى «يبرك عليهم» يمسحهم بيده الشريفة ويدعو لهم.
اختيار الأسماء الحسنة
فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أحب الأسماء إلى الله عبدالله وعبدالرحمن». رواه مسلم.
وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «كان يغير الاسم القبيح» رواه الترمذي وصححه الألباني وغيره.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن ابنة لعمر رضي الله عنه يقال لها: عاصية، «فسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم جميلة، وكانت زينب بنت أبي سلمة اسمها برة فقيل: تزكي نفسها، فسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب». متفق عليه.
ولعل اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بالأسماء الحسنة وتغيير الأسماء القبيحة يدل على أن للأسماء أثراً في شخصية صاحبها، وأنماط سلوكه وتفكيره.
رحمة الأطفال
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي، وعنده الأقرع بن حابس التميمي جالساً، فقال الأقرع: إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحداً، فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: «من لا يرحم لا يرحم». متفق عليه.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قدم ناس من الأعراب على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: أتقبلون صبيانكم؟
فقالوا: نعم
قالوا: لكنا والله ما نقبل
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أو أملك إن كان الله نزع منكم الرحمة» متفق عليه.
ومن صور رحمة النبي صلى الله عليه وسلم بالأطفال: أنه عليه الصلاة والسلام زار غلاماً يهودياً مريضاً كان يخدمه فقال له: «قل لا إله إلا الله».
فنظر الغلام إلى أبيه قال له: أطع أبا القاسم، فقالها الغلام
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «الحمدلله الذي أنقذه من النار». رواه البخاري.
ومن صور ذلك أنه عليه الصلاة والسلام دخل على ابنه ابراهيم وهو يجود بنفسه، أي في سياق الموت فجعلت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم تذرفان وقال: «إن العين تدمع وإن القلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا بفراقك يا ابراهيم لمحزونون». رواه البخاري.
ولما مات ابن ابنته فاضت عيناه صلى الله عليه وسلم فقال له سعد بن عبادة: ما هذا يا رسول الله؟
قال: «إنها رحمة جعلها الله في قلوب عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء». متفق عليه.
الهدية للطفل
والهدية للطفل مبدأ تربوي وهو يشعر الطفل بأهميته ومكانته في قلب المهدي، ومن الهدي النبوي في ذلك: عن أم خالد وكانت صغيرة عندما هاجرت إلى الحبشة مع المهاجرين قالت: أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بثياب فيها خميصة سوداء، فقال: «من ترون نكسوها هذه الخميصة؟»
فأسكت القوم
فقال: «ائتوني بأم خالد».
فأتي بي النبي صلى الله عليه وسلم فألبسنيها بيده وقال: «أبلي واخلقي مرتين». فجعل ينظر إلى علم الخميصة ويشير بيده إلي ويقول: «يا أم خالد هذا سنا».
والسنا بلسان الحبشة: الحسن. رواه البخاري.
المزاح مع الطفل
ومن ذلك أن غلاماً أخاً لأنس بن مالك رضي الله عنه اسمه أبو عمير كان له نغر وهو الطائر الصغير يلعب به، فمات النغر، فحزن عليه الصبي، فذهب إليه النبي صلى الله عليه وسلم ليواسيه ويفرحه، فقال له: «يا أبا عمير، ما فعل النغير». متفق عليه.
وفيه من الفوائد كما كر ابن حجر:
جواز الممازحة، وأن ممازحة الصبي الذي لم يميز جائزة، وتكرير زيارة الممزوح معه، وفيه ترك التكبر والترفع، وفيه جواز التلطف بالصديق صغيراً كان أو كبيراً، والسؤال عن حاله، وفيه جواز تصغير الاسم ولو كان لحيوان، وجواز مواجهة الصغير بالخطاب وغير ذلك من الفوائد التي ذكرها.
إعطاء الطفل حاجته من اللعب
عن عبدالله بن شداد عن أبيه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في إحدى صلاتي العشاء وهو حامل حسناً أو حسيناً، فتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعه ثم كبر للصلاة فصلى، فسجد بين ظهراني صلاته سجدة أطالها، فرفع شداد رأسه فإذا الصبي على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ساجد فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة قال الناس: يا رسول الله إنك سجدت بين ظهراني صلاتك سجدة أطلتها، حتى ظننا أنه قد حدث أمر، أو أنه يوحى إليك، قال: «كل ذلك لم يكن، ولكن ابني ارتحلني، فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته». رواه النسائي وصححه الألباني.
وهذا مثال في لعب الطفل الصغير الذي يُحمل، أما لعب الغلام مع الصبيان، فيحدثنا عن ذلك أنس بن مالك رضي الله عنه فيقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقاً فأرسلني يوماً لحاجة، فقلت والله لا أذهب، وفي نفسي أذهب لما أمرني به نبي الله صلى الله عليه وسلم فخرجت حتى أمر علي صبيان وهم يلعبون في السوق فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قبض بقفاي من ورائي قال: فنظرت إليه وهو يضحك فقال: «يا أنيس، اذهب حيث أمرتك».
قلت: نعم أنا ذاهب يا رسول الله. رواه مسلم.
فلم يعاتبه النبي صلى الله عليه وسلم على لعبه مع الصبيان، أو مشاهدته لهم وهم يلعبون وفيه أيضاً التبيه على الخطأ برفق ولين دون عنف وغلظة.
السلام على الصبيان
عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم «كان يزور الأنصار ويسلم على صبيانهم ويمسح رؤوسهم». رواه النسائي وصححه الألباني.
التشجيع بالجوائز
عن عبدالله بن الحارث رضي الله عنه قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصف عبدالله وعبيدالله، وكُثير بني العباس رضي الله عنهم فيقول: «من سبق إلىّ فله كذا وكذا».
قال: فيستبقون إليه، فيقعون على ظهره وصدره، «فيقبلهم ويلتزمهم». رواه أحمد
تنمية مهارة التفكير
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن من شجر البوادي شجرة لا يسقط ورقها، وإنها مثل المسلم، فحدثوني ما هي؟».
فوقع الناس في شجر البوادي
قال ابن عمر: ووقع في نفسي أنها النخلة، ثم حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «هي النخلة». رواه البخاري.
وقد ذكر ابن عمر أنه كان أصغر القوم ولذلك سكت.
استئذان الأطفال وإظهار حقوقهم
فعن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بشراب فشرب منه، وعن يمينه غلام، وعن يساره أشياخ فقال للغلام: «أتأذن لي أن أعطي هؤلاء؟».
فقال الغلام: لا والله لا أوثر بنصيبي منك أحداً، قال «فتله رسول الله صلى الله عليه وسلم في يده». متفق عليه.
وفيه جلوس الأطفال في مجالس الكبار، واحترام حقوقهم واستئذانهم في بعض حقوقهم وأن السنة تقديم الأيمن ولا يدفع إلى غيره إلا بإذنه.
رفع الظلم عن الطفل
عن أبي مسعود الأنصاري قال: كنت أضرب غلاماً لي بالسوط، فسمعت من خلفي صوتاً: «اعلم أبا مسعود»فلم أفهم الصوت من الغضب، قال فلما دنا مني إذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو يقول: «اعلم أبا مسعود اعلم أبا مسعود».
قال: فألقيت السوط من يدي.
قال: «اعلم أبا مسعود أن الله تبارك وتعالى أقدر عليك منك على هذا الغلام».
قال: لا أضرب مملوكاً بعده أبداً.
وفي رواية: قلت: يا رسول الله هو حر لوجه الله.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما لو لم تفعل للفحتك النار، أو لمستك النار». رواه مسلم.
الأمر بتخفيف الصلاة من أجل الصغير
عن عقبة بن عمرو البدري رضي الله عنه قال: جاء رجل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني لأتأخر عن صلاة الصبح من أجل فلان، مما يطيل بنا، فما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم غضب في موعظة قط أشد مما غضب يومئذ فقال: «يا أيها الناس، إن منكم منفرين، فأيكم أم الناس فليوجر، فإن من ورائه الكبير والصغير وذا الحاجة». متفق عليه.
فانظر كيف كان اهتمامه صلى الله عليه وسلم بترغيب الصغار في صلاة الجماعة ولك أن تعجب من أولئك الذين يطردون الصغار من المساجد ويطاردونهم مطاردة اللصوص، فهذا أمر مخالف لهدي النبي صلى الله عليه وسلم.
ترسيخ مبادئ العقيدة
وكان النبي صلى الله عليه وسلم حريصاً على ترسيخ مبادئ العقيدة الصحيحة في نفوس الأطفال حتى ينشأوا على العزة والكرامة والثقة بالله تعالى واللجوء إليه وحده عند الخطوب والملمات.
فعن ابن عباس رضي الله عنه قال: كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم يوماً فقال: «يا غلام إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليه، رفعت الأقلام وجفت الصحف». رواه الترمذي
وفي رواية: «احفظ الله تجده أمامك، تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة، واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وما أصابك لم يكن ليخطئك، واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا». رواه أحمد والحاكم.
يا لها من دروس تربوية يزرعها النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث في نفس ابن عباس رضي الله عنه دروس عظيمة لها تأثيرها القوي في عقيدة ابن عباس وعبادته وتوجهه وشخصيته وأنماط سلوكه.
إنها دروس متعددة في التوحيد ودرس في التقوى والمراقبة، ودرس في الثبات، ودرس في الأخلاق ودرس في الصبر وانتظار الفرج، ودرس في الثقة بالله تعالى، وغير ذلك كثير.