ماذا نفعل إذا اختلف العلماء في الفتيا؟ وأي فتوى نختار؟!
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه وسلم.. أما بعد...
كثيراً ما نحتاج إلى فتوى في مسألة فنرى أن العلماء اختلفوا في الحكم الشرعي في المسألة، فكيف نتصرف حينها. أي عالم نأخذ بفتياه وأي فتوى نعمل بها ؟!
يقول فضيلة الشيخ سعد بن ناصر الشثري – حفظه الله تعالى – العضو السابق في هيئة كبار العلماء.
يتمكن العامي من معرف أن الفقيه أهل للفتيا بواسطة عدد من الوسائل:
- الوسيلة الأولى: أن يجد العلماء يرجعون إلى عالم من العلماء في الفتوى، فهذا دليل على ان المرجوع إليه من علماء الشريعة الذين تُقبل فتواهم. إذ أن علماء الزمان لم يرجعوا إلى شخص إلاّ وأنه مؤهل للفتيا.
مثال ذلك: وجد العامي علماء زمانه يرجعون إلى الشيخ صالح الفوزان - فعُرف من ذلك أنه فقيه مجتهد يجوز الرجوع إليه والعمل بفتواه.
- الطريق الثاني: بالدلالة، بأن يكون هناك عالم مجتهد فيقوم بإرجاع غيره إليه. مثال ذلك: ذهبت إلى عالم من العلماء، فسألته مسألة فقال لا أعرف الجواب، لكني أدلك على العالم فلان، فهذا طريق من طرق معرفة أن هذا العالم المدلول عليه فقيه مجتهد يجوز الرجوع إليه في باب الفتوى.
- الطريق الثالث: أن يفتي العالم بمحضر من العلماء ولا يوجد منكر له. هذا دليل على أن هذا الشخص من أهل الفتيا. إذ إن لم يكن من أهل الفتيا لأنكروا عليه وبينوا عدم الجواز بفتواه، وعدم جواز الرجوع والاستناد إلى فتاواه، لكن كون الإنسان يفتي في مكان خفي لا يعلم عنه، لا يدل هذا على أن العلماء قد أقروا ذلك الشخص على الإفتاء أو رأوا أنه مؤهل لذلك، مثال هذا: قناة غنائية جعلت في برامجها برنامج إفتاء وأحضرت شخصاً لا نعرفه، فمثل هذا الشخص لم يرجع إليه العلماء، ولم يدل عليه العلماء، ولم يفتي بمحضر من العلماء، إنما أفتى في قناة تلفزيونية الغالب بل المجزوم به أن العلماء لا يشاهدون تلك القناة ولا يطالعونها. ومن ثم فلا يكون ذلك دليلاً على أهليته للفتيا. ومثله أيضاً أولئك الذين يفتون في جرائد ومجلات فاسدة العلماء لا يطالعونها.
- ما العمل عند تعدد المفتين؟!
إذا عرفنا الطرق التي نميز بها بين من هو مؤهل للفتيا ومن ليس بمؤهل للفتيا، ننتقل إلى مسألة أخرى. وهي مسألة العمل عند تعدد المفتين.
إذا كان هناك إختلافات بين المفتين، أحدهم يفتي بجواز والآخر يفتي بمنع، فماذا نفعل!
وإذا كان في البلد مفتون كثر، وجدت في لائحة ثلاثين عالماً أمام كل واحد منهم رقم هاتفه، بأيهم أتصل، وهل لبعضهم مزية على بعض!
نقول: هذه المسألة لها جانبان:
الجانب الأول: العمل عند تعدد المجتهدين وعدم العلم بأقوالهم.
فحينئذٍ يجوز للمستفتي أن يرجع إلى أي واحد منهم. ولا يلزمه أن يرجع إلى الأعلم. وذلك لأنه قد ثبت في عهد النبوة أن أفراد الناس ربما راجعوا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ممن لهم جانب في العلم والفتوى، ولم يكن جميعهم يراجع النبي صلى الله عليه وسلم.
الجانب الثاني: وهي اختلاف الفتوى.
إذا وجدت مسألة واختلف فيها العلماء، فطائفة رأت الجواز وطائفة رأت المنع. فما هو موقف العامي والمستفتي من ذلك؟!
نقول : المستفتي لا يخلو حاله من أمرين.
الأمر الأول: أن يكون المستفتي عالماً بمن هو الأرجح من هذين العالمين.
لأن المستفتي لا يعمل بقول المفتي العالم لأنه "زيد" أو لأنه "محمد" إنما يعمل بقوله لأنه يظن أن قوله هو الأقرب إلى الشرع، وبالتالي لا بد من أن يجتهد بين العالمين المختلفين، ويميز أيهما الأرجح قوله والأقرب لأن يكون هو الشرع، فعندما يختلف العالمان ينظر المستفتي في صفاتهما، فيقدّم قول الأعلم على قول غيره. لأن الأعلم يغلب على الظن أنه هو الذي وفق للصواب.
الأمر الآخر: إذا تساويا في العلم أو لم يتمكن من التمييز بين المفتيين في العلم.
فإنه يميز بينهما بحسب الورع والديانة فيقدم قول أهل الورع وذلك لأن أصحاب التقوى والورع حريٌ أن يوفقوا للقول الصواب، كما في قوله تعالى : (يا ايها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقاناً).
والدليل على أننا نرجح بين المفتين عند اختلاف الفتوى قوله تعالى : (الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه) وقوله جل وعلا (اتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم).
مفرّغ بتصرف واختصار من محاضرة للشيخ بعنوان (الفتوى وأهميتها وضوابطها) من موقع الشيخ :
http://www.alshathri.net/index.cfm?d...categoryid=624