التوبـة ـ الاستغفار لابن عثيمين (رحمه الله )
الحمد الله الملك الوهاب الرحيم التواب خلق الناس كلهم من تراب، وخيرهم لما يكلفون به لما أعطاهم من الألباب، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له لا شك في ذلك ولا ارتياب، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي أنزل عليه الكتاب صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم المآب، وسلم تسليما .
أما بعد
أيها الناس اتقوا ربكم وتوبوا إليه فإن الله يحب التوابين واستغفروه من ذنوبكم فإنه خير الغافرين توبوا إلى ربكم مخلصين له اتركوا المعاصي واندموا على فعلها واعزموا على أن لا تعود إليها فإن هذه هي التوبة النصوح التي أمركم الله بها في قوله (يا أيها الذين أمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ) ليست التوبة أن يقول الإنسان بلسانه أتوب إلى الله أو اللهم تب علي وهو مصر على معصية الله وليست التوبة أن يقول ذلك وهو متهاون غير مبالي بما جرى منه من معصية الله وليست التوبة أن يقول ذلك وهو عازم على أن يعود إلى معصية الله، أيها الناس توبوا إلى ربكم قبل غلق باب التوبة عنكم فإن الله يقبل التوبة من عبده ما لم يغرغر بروحه فإذا بلغت الروح الحلقوم فلا توبة فإن الله يقول (إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريبٍ فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليماً حكيما) وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار( أولئك اعتدنا لهم عذاباً أليما) فبادروا أيها المسلمين بالتوبة أخرجوا من الذنوب أخرجوا من معاصي الله أخرجوا من مظالم عباد الله فإنكم اليوم تستطيعون الخروج منها لردها إلى أهلها أو استحلالهم منها أو محاورتهم عنها إنكم لا تدرون متى يفجعكم الموت ولا تدرون متى يفجعكم عذاب الله (أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتاً وهم نائمون أو أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى وهم يلعبون أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون ) عباد الله هل أمنتم مكر الله يمدكم الله بالنعم المتنوعة من أمن ورخاء وأنتم تبادلونه بالمعاصي أما ترون ما وقع بالعالم في سبيل النووي من المحن والفتن والقتل لا يدري القاتل فيما قتل ولا يدري المقتول فيما قتل أفلا تخافون أن يحل بكم ذلك إن الله لن يريد الظالم حتى إذا أخذه لن يهلكه كما قال ذلك نبينا صلى الله عليه وسلم وتلى قوله تعالى: (وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد) إن من أعظم العقوبات قسوة القلوب ومرضها وإن كثيراً منا الآن قد ابتلوا بذلك قلوب قاسية قلوب مريضة بل منهم من قلوبهم ميتة يسمعون المواعظ و الزواجر ويقرؤونها في كتاب الله وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكأنهم لا يسمعون الجيد منهم إذا سمع الموعظة وعاها حين سماعها فقط فإذا فارقها خمدت نار حماسه واستولت الغفلة على قلبه وعاد إلى ما كان عليه من عمل سيئ يسمع المواعظ تطرق إذنيه في عقوبة ترك الصلاة وإضاعتها ويتلو قول الله عز وجل: (فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلوات وأتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا إلا من تاب وآمن وعمل صالحاً ) يسمع ذلك فيضيع الصلاة ويتبع الشهوات ولا ولا يبالي بذلك ولا يتوب إلى الله كأنه لم يسمع هذه الآية يسمع المواعظ في عقوبة مانع الزكاة وفي عقوبة من يتبع الرديء من ماله فيزكي به يسمع قول الله عز وجل: ( وويلٌ للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة ) لا يؤتون زكاة النفس في البراءة من الشرك ولا زكاة المال حيث قدموا الشح على البذل في طاعة الله ويسمع قول الله عز وجل: ( ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه وأعلموا أن الله غني حميد) يتلو هذا كله وهو مصر على منع الزكاة يحرم عن يحرم نفسه خيرات أمواله ويدخره لغيره وفي الحديث الصحيح وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (ما ظهرت الفاحشة في قوم حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الأوجاع التي لم تكن في أسلافهم ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان) السنين هي الجدب والقحط وقلة الأمطار ونفود المياه الجوفية وما أشبه ذلك من ضرورات الإنسان التي تفوته إذا نقص المكيال والميزان ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا قطراً من السماء ولولا البهائم لم يمطروا ولا نقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط عليهم عدو لغيرهم فيأخذ ما أعظم في أيديهم وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله إلا جعل بأسهم بينهم أيها الناس هذه المواعظ العظيمة يجب علينا أن تكون دائماً نصب أعيننا وأن نكون جادين في إصلاح أنفسنا وإصلاح غيرنا نأمر بالمعروف ونهى عن المنكر نتواصى بالحق ونتواصى بالصبر ونتواصى بالرحمة حتى يقينا الله تعالى هذه هذه الأوبئة العظيمة أيها الناس أنه لا توبة مع الإصرار فكيف يكون الإنسان صادق في توبته وهو مصر على ذنبه كيف يكون تائباً من الغش وهو لا يزال يغش في بيعه وإجارته وجميع معاملته كيف يكون تائباً من الغيبة وهي غيابة الناس في غيبتهم وهو يرتابهم في كل مجلس سنحت له الفرصة فيه كيف يكون تائباً من أكل أموال الناس بغير حق وهو يأكلها تارةً بدعوى ما ليس له وتارةً بإنكارها عليه وتارةً بالكذب في البيع وغيره وتارةً بالبقاء في ملك غيره بغير رضاه وتارةً بالربا الصريح وتارةً بالتحيل على الربا كما تفعل اليهود يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من كان لأخيه عنده مظلمة من مال أو عرض فاليتحلله اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم إلا الحسنات والسيئات أيها المسلمون إن التوبة الكاملة كما تتضمن الإقلاع عن الذنب والندم على فعله والعزم على أن لا يعود إليه كذلك تتضمن العزم على القيام بالمأمورات ما استطاع العزم فبذلك يكون من التوابين الذين استحقوا محبة الله ورضاه إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين فتوبوا إلى الله أيها المسلمون واستغفروه بقدر المغفرة منه بألسنتكم وقلوبكم توبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون ثابروا بالتوبة قبل أن يأخذكم الموت فيحال بينكم وبينها وتموتوا على معصية الله إن بعض الناس تغره الأماني ويغره الشيطان فيسوف بالتوبة ويؤخرها حتى يكسوا قلبه بالمعصية والإصرار عليها فتغلق دونه الأبواب ويأخذ أو يأخذه الموت قبل أن يغلب في وقت الشباب اللهم وفقنا للمبادرة بالتوبة من الذنوب اللهم وفقنا للمبادرة بالتوبة من الذنوب اللهم وفقنا للمبادرة بالتوبة من الذنوب والرجوع إلى ما يرضيك عنا بالسر والعلانية فإنك علام الغيوب أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولكافة المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الحمد لله حمداً كثيراً كما أمر واشكره وقد تأذن بالزيادة لمن شكر وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولو كره ذلك من أشرك به وكفر وأشهد أن محمداً عبده ورسوله سيد البشر الشافع المشفع في المحشر صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليما .
أما بعد
أيها الناس اتقوا الله تعالى وأكثروا من استغفار ربكم وهو طلبكم المغفرة منه ومغفرة الله تعالى هي محو الذنب والتجاوز عنه والوقاية من أثمه أدوا من الاستغفار بألسنتكم وقلوبكم فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول : (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا ) وكان صلى الله عليه وسلم يحسب له في المجلس الواحد أكثر من سبعين مرة يستغفر الله فأكثروا من الاستغفار فإن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يكثر منه حتى إن الله أمر به في إثناء فعل العبادة: (ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحيم) وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من الصلاة وهي أشرف العبادات البدنية استغفر ثلاث استغفر الله استغفر الله استغفر الله وهذا دليل على أهمية الاستغفار ولكن يجب أن يكون ذلك بألسنتنا وقلوبنا لا نقول ذلك باللسان ونحن مصرون على معصية الله فإن ذلك كالمستهزئ بالله عز وجل كيف تطلب مغفرته وأنت مصر على معصيته أليس هذا شبيهاً بالاستهزاء إنه لو قال لك ملك من الملوك ولله المثل الأعلى لا تقرب هذا الشيء أو لا تفعل هذا الشيء فقلت للملك أعفو عني وهو في يدك تمارسه ولا تبالي بنهي الملك عنه ألا يعد الملك ذلك استهزاء به فكيف سيكون ذلك مع رب العالمين فاتقوا الله أيها المسلمون وكونوا على حذر من الذنوب واعتبروا لمن كان حولكم من الأمم الذين طال عليهم الزمن في معصية الله وفي محاربة الله عز وجل فجعل الله بأسهم بينهم وصار الواحد منهم يحمل السلاح على مواطنه يقتله عند بابه وفي سوقه وما زالت الفتن حولنا في كل مكان مع أنهم أمم أكبر منا وأكثر منا عدداً ولكن لما حاربوا الله عز وجل بالمعاصي جعل الله بأسهم بينهم وسلط عليهم عدواً من غيرهم في بعض الأحيان وإن سنة الله في عباده واحدة فلا تأمنوا مكر الله ولا تغتروا بهذا الأمن والرخاء وأعلموا أنه فتنة لكم إن قمتم بشكره زادكم الله منه وإن قمتم بكفره واستعنتم به على معصية الله سلبكم الله هذه النعمة اللهم إنا نعوذ بك من دوام نعمتك وفجاءة نغمتك وحلول سخطك يا رب العالمين، وأعلموا إن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة في دين الله بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار، وأعلموا إن الله أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه فقال سبحانه ( إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين أمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ) فأكثروا من الصلاة والسلام على نبيكم امتثالا لأمر ربكم ورجاء لثوابه وقياماً بحق النبي صلى الله عليه وسلم فإن من صلى عليه صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشرا اللهم صلى وسلم على عبدك ونبيك محمد الذي بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد فيك حق الجهاد حتى أتاه اليقين، اللهم فصلى وسلم عليه اللهم صلى وسلم عليه اللهم برزقنا محبته وأتباعه ظاهراً وباطنا، اللهم توفنا على ملته اللهم احشرنا في زمرته، اللهم اسقنا من حوضه اللهم أدخلنا في شفاعته، اللهم أجمعنا به في جنات النعيم مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين اللهم أرضى عن خلفائه الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي افضل أتباع المرسلين اللهم أرضى عن أولاده الغر الميامين وعن زوجاته أمهات المؤمنين وعن الصحابة أجمعين وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم أرضى عنا معهم اللهم أرضنا عنا معهم، اللهم أصلح أحوالنا كما أصلحت أحوالهم يا رب العالمين، اللهم اجعلنا ممن اتبعوهم بإحسان اللهم اجعلنا ممن اتبعوهم بإحسان، اللهم اجعلنا ممن اتبعوهم بإحسان يا رب العالمين ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكوناً من الخاسرين، ربنا أغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين أمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم، اللهم أصلح ذات بيننا وأجمع كلمتنا على الحق ويسرنا للهدى ويسر الهدى لنا يا رب العالمين، عباد الله إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تتذكرون وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الإيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا إن الله يعلم ما تفعلون، وأذكروا الله العظيم الجليل يذكركم وأشكروه على نعمه يزيدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .