ففيهما فجاهد 		    
	رأى ابن عمر رضي الله عنهما رجلاً قد حمل أمه على رقبته ، وهو يطوف بها حول  	الكعبة ، فقال : يا ابن عمر أتراني جازيتها ؟! قال : ولا بطلقةٍ واحدةٍ من  	طلقاتها ، ولكن قد أحسنت والله يثيبكَ على القليلِ كثيرا ... ليس بكثيرٍ بر  	الولد بوالديه ، ولكننا في زمنٍ قلّ فيه الوفاء ، فكم وكم نسمع من تنكر لكثير  	من الأبناء لوالديهم ، ولكن قصة فتاتنا هذه تعيدُ لنا الأمل ، وفي الأمة خيرٌ  	كثيرٌ بحمد الله تعالى ، هي قصة فتاة تعيش مع عائلةٍ قوامها الأم والأب والأخ  	وثلاث بنات هي إحداهن ، تزوجت البنات الثلاث ، ولكن بعد فترة طلقت واحدة منهن ،  	ولعلّ الله تعالى أراد بها خيرا ، قدّر الله بعد ذلك وفاة الأخ ، ثم تبعه الأب  	، ولم يبقى في البيتِ سوى الأم وهذه البنت المطلقة ، هنا يبدأ الامتحان ، تقدم  	رجل لخطبة هذه الفتاة ، فوافقت بشرطِ أن تبقى مع أمها ، وأن يأتيها في يومها في  	بيتِ والدتها ، وافقَ على ذلك وتم الزواج ، فقامت هذه البنت على خدمة والدتها ،  	من تهيئة الطعام والشراب وغسيل ملابسها ، وما يتبع ذلك ، كانت تقول : أجد لذة  	وأنساً وسعادةً في ذلك ، كيف لا وطعامي ضرعها ، وبيتي حجرها ، ومركبي في صباي  	يداها وصدرها وظهرها ، أحاطتني ورعتني ، كانت تجوع لأشبع ، وتسهر لأنام ، كانت  	بي رحيمة ، وبي شفيقة ، كانت تميطُ عني الأذى ، أول من عرفتُ هو اسمها ، كنتُ  	أحسبُ كل الخير عندها ، وكنت أظن أن الشر لا يصل إلي إذا ضمتني إلى صدرها ، أو  	لحظتني بعينها ، يا إلهي ، هل أقدر بعد ذالك على رد دينها ؟!
	كنتُ أقول في نفسي : آهٍ لقساة القلوب الذين تنكروا لآبائهم وأمهاتهم ، كبرت  	والدتي كما تقول هذه الفتاة ، وكانت لا تعرف الأوقات ، فكنتُ آتيها بسجادتها ،  	وأخبرها بدخول الوقت ، ثم أجلس أرقب صلاتها لأصحح لها أخطاءها حتى تنتهي ،  	أصبحت أمي بعد ذالك لا تقدر على الحركة ، فكنت أحملها وأقوم بتنظيفها وإزالة  	الأذى عنها ، بعدما أصبحت لا تمسك البول والغائط ، أفعلُ كل ذالك بحمد الله  	تعالى بنفسٍ راضيةٍ مطمئنة ، مع معاناتي لآلام الحملِ وأوجاعه ، كنت أقول في  	نفسي : هو دينٌ أقوم بسداده ، وكنت أشتري لها ما تحتاجه عن طريق رجلٍ ثم أقوم  	بعد ذالك بسداده متى ما توفر المال ، فالحال لا يعلمها إلا الله تعالى ، دامت  	أمي على هذه الحال سبع سنوات حتى توفاها الله تعالى ، قامت أختاي لإخراجي من  	المنزل لبيعه ، ولكن الله تعالى سخر لي هذا الرجل ، فاشترى لي مسكناً ، وقد  	رزقتُ منه بابنين أحمد الله تعالى على أن رزقني برهما ، فقد تفوقا في دراستهما  	، والتحقا بحلق تحفيظ القرآن الكريم ، فهما من الشباب الصالحين ، وأصبحا  	يتناوبان على الذهاب بي إلى بيت الله الحرام ، وفوق ذالك ، رزقني الله تعالى  	محبة الناس ، وأحسبُ أن ذالك من بركة بري بوالدتي .
	فهل سمعتم بقصتي يا من تنكرتم لفضلِ والديكم ؟! كنتُ والله الذي لا إله إلا هو  	أرى الجنة تحت قدميها ، ما كنتُ أرى لي بكبير عملٍ أطمع بسببه دخولي الجنة غير  	هذا ، مع أنني بحمد الله تعالى ، فتاة ملتزمة ، ولما لا ؟! أليست الجنة تحت  	أقدام الأمهات ، كما أخبر بذالك الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام ، نعم ،  	لقد بكيت والله بكاءً مراً حال وفاتها ، ليس جزعاً من قضاء الله وقدره ، ولكن  	كنتُ أتأمل قصة الحارث الأكلبي لما بكى في جنازة أمه ، فقيل له تبكي ؟ قال :  	ولمَ لا أبكي وقد أغلق عني باباً من أبواب الجنة "
	إنني أبعثها لكم رسالة أيها الأبناء : بروا آباءكم وأمهاتكم ، وستجدون الأنس  	والسعادة التي وجدتها ، ولكنني فقدتها بوفاة والدتي رحمها الله تعالى ، والتي  	أرى أنها آخر معقلٍ من معاقل السعادة فقد هوى من بين يدي ، ما أسعدكم يا من  	تعيشون بين ظهراني والديكم ، وأنتم بهم بررة ، وما أقساكم يا من تملكون القصور  	والدور وآبائكم وأمهاتكم في دور العجزة يأوون ويسكنون ، آهٍ لو أستطيع أن أظفر  	بأحد هؤلاء ، الذين يقطنون دور العجزة لأستجلب سعادة طارت من بين يدي .
	يا قوم : ما أحسبُ أنه فاتني من بر والدي إلا ما كان من حجر ابن الأجبر يصنع مع  	أمه ، فقد كان يلمس فراش أمه بيده فيتهم غلظَ يده ، فيتقلب عليه على ظهره فإذا  	أمن أن يكون عليه شيء أضجعها ، كنتُ أتمنى لو قرأتُ هذا قبل وفاة أمي ، لصنعت  	ذلك معها ولكن عزائي أنني ما زلتُ بوالدي بارة ، حتى بعد وفاتهما ، فأنا أدع  	لهما وأتصدق عنهما ، وأصلُ أحبابهما وعسى الله أن يعفو عني .
	 
	تعليق :
	ما أجمل صنيعكِ أيتها الفتاة ، وإني لأذكر قصتك لأرسلها رسالة مطلب للقيام بحق  	الوالدين وهي رسالة عتب لمن قصروا في حقوق الآباء والأمهات ، ولنقول لهم على  	إثر ذالك : الدين مردود ، وإنكَ لا تجني من الشوك العنب ...