(مادة صوتية مفرغة ) بعنوان : " أهمية الإخلاص "
أَهَمِّية الإِخلاص ..!
لفضيلة الشيخ العلاَّمة/ زيد بن محمد المدخلي
- حفظه الله تعالىٰ -
الْحَمْدُ للهِ الَّذِي أَنْزلَ الآيَاتِ النَّيِّرات ، فأَخْرَجَ مَنْ شَاءَ مِنَ الظُّلماتِ إِلىٰ نُور الْحَقِّ والبيِّنات ، وأَضَلَّ مَنْ شَاءَ بِعَدلهِ وحِكْمَته ، فَتَردَّدَ فِي الغَيِّ والْهَلَكَات ، أَحْمدُ ربِّي وأَشْكرهُ علىٰ نعمه الظَّاهرةِ والبَاطِنَة ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إلـٰه إِلَّا الله وَحْدهُ لَا شَريكَ لَهُ ، ربُّ الأَرضِ والسَّمٰوات ، وأَشْهَدُ أنَّ نَبيَّنا وَسَيّدنا مُحمَّدًا عَبْدُهُ ورسوله ، السَّابقُ إِلىٰ الْخَيْرات ، اللّٰهمَّ صَلِّ وَسَلَّم وَبَارِك عَلَىٰ عَبْدكَ وَرسُولِكَ مُحمَّدٍ ، وعَلَىٰ آلهِ وصَحْبه ذَوِي الدَّرجات .
أَمَّا بَعْدُ :
فاتقوا الله معشر المسلمين ؛ فتقوىٰ اللهِ عُدَّتكم وزادكم لأُخراكم ، وصلاح دنياكم .
عباد الله ؛ اعلموا !
أَنَّ الله غنيٌّ عن العالمين ، لا تنفعه طاعة الطَّائِعِين ، ولا تضرُّه معصية العَاصِين ،
وإنَّما نفعُ الطَّاعة لفاعلها ، وضررُ المعصية لصاحبها ؛
قال الله تعالىٰ : ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ ﴾ [ الجاثية : 15 ] .
ولمَّا كان العبد مخلوقًا لعبادة الله تعالىٰ ، ولا صلاح له ولا فلاح في الدَّارين إِلَّا بتحقيق هٰذه العُبودية ، بَيَّنَ الله له أَنواع العبادة ، وفَصَّلها للخلق في الكتاب والسُّنَّة ، وبَيَّنَ ما يُضَادُّ هٰذه العبادة ليتقرَّب المسلم إلىٰ ربِّه ، بِفِعْل كل أَمْرٍ أَمَرهُ الله به ، وبترك كل نهيٍ نهاهُ الله عنه .
قالَ الله تعالىٰ : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [ الحج : 77 ] .
وقالَ سبحانه : ﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ﴾ [ الحشر : 7 ] .
وقالَ صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : « ما نهيتكم عنه فاجتبوه ، وما أَمرتكم به فاتوا منه ما استطعتم ، فإنَّما أهْلكَ مَن كانَ قَبْلكم ، كثرة مسائلهم ، واختلافهم علىٰ أَنبيائهم » . ( متفقٌ عليه )
˘ والعبادةُ : تقربٌ إلىٰ الله عَزَّ وَجَلَّ بما شرع ، بحبٍّ وخضوعٍ تام ، واستسلامٍ لربِّ العالمين .
قالَ الله تعالىٰ : ﴿ وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ ﴾ [ الزمر : 54 ] .
وقالَ تعالىٰ : ﴿ قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ [ آل عمران : 31 ] .
فلا يتقرب أَحَدٌ إِلىٰ الله تعالىٰ ولا ينال رضوانه ؛ إِلَّا بأَنْ يعمل الطَّاعة علىٰ نورٍ من الله ، ويترك المعصية علىٰ نورٍ من الله .
فَلا يبتدعُ في دين الله ، ولا ينحرف عن شرع رسول الله صَلَّىٰ اللهُ عليه وسلَّمَ .
عن عائشة رضي الله تعالىٰ عنها قالت : قالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : « مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدّ » ( رواه مسلم ) .
عباد الله !
وروح العبادة والقُرُبَات وشرط قبولها هو : « الإِخْلاص » .
• فالإِخْلاصُ هو : عمل القلب الَّذي يحبُّه الله ويرضاه .
• والإِخْلاصُ هو : الَّذي يُزكِّي الأَعمال ويطهِّرها ، ويُنمِّيها ، فَيُبارك الله فيها وينفع بها ، ويُجْزِل الله به الثَّواب .
• والإِخْلاصُ هو : الَّذي كلَّف الله بِالتزامه العباد .
• وهو الَّذي : ابتلاهم الله ليحقِّقوه بهِ فَيُثابوا ، أَو يضيِّعوهُ فيعاقبوا .
قالَ الله تعالىٰ : ﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ﴾ [ الملك : 2 ] .
وقالَ سبحانه : ﴿ وَهُوَ الَّذِي خَلَق السَّمَٰوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً﴾ [ هود : 7 ] .
وقالَ تعالىٰ : ﴿إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾ [ الكهف : 7 ] .
قالَ ابن كثيرٍ رحمه الله تعالىٰ في « تفسيره » : " ولم يقل : أَكثرَ عَمَلا ، بَلْ أَحسنَ عَمَلا ، ولا يكون العمل حسناً ؛ حتَّىٰ يكون خالصًا لله عَزَّ وَجَلَّ علىٰ شريعة رسول الله صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ فمتىٰ فقد العمل واحدًا مِن هٰذين الشَّرطين حَبَطَ وبَطَل ". انتهىٰ كلامه رحمه الله .
وقالَ الفضيل بن عياض رضي الله عنه في تفسير قوله : " ﴿ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً﴾ أَخْلصه وأَصْوبه ، فإِذا كان العملُ خالصاً ولم يكن صوابًا لم يُقْبل ؛ وإِذا كان صوابًا ولم يكن خالصًا لم يُقْبل ؛ فلا بدَّ أَنْ يكون خالصًا صوابا " .اهـ.
• ومعنىٰ الإِخلاص : نقاء النِّيَّةِ والعمل وتصفيتهما من كل خَلْقٍ وشائبةٍ تبطل النِّيَّة ؛ أَو تبطل العمل ، أَو تقدحُ في كمال النِّيَّةِ أَو العمل ، من الإِرادات الفاسدة كالرِّياء والسُّمعة والعُجب ، وكالبدع المحدثة ؛ فالنِّيَّةُ الصَّادقة والعمل المخلص كاللَّبن الخالص الَّذي لم يختلط بالفَرْثِ والدَّم المذكور في قول الله تعالىٰ : ﴿ وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَنًا خَالِصًا سَآئِغًا لِلشَّارِبِينَ﴾ [ النحل : 66 ] .
قومٌ من المنافقين يُصلَّون مع رسولِ اللهِ صَلَّىٰ اللهُ عليه وسلَّمَ ، ويجاهدون ، لـٰكنَّهم فقدوا الإِخْلاص والإِيمان ؛ فهم بِشَرِّ المنازل !
قالَ الله تعالىٰ : ﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا ﴾ [ النساء : 145 ] .
فصورة العمل واحدة ، ولـٰكنّ المخلصين مقرَّبون فائزون ، والمرائِين مبعدونَ خاسرون !
وهٰذا معركة قتيل الجهاد في سبيل الله ، وقارئ القرآن ومُنفق المال في سبيل الخَير جعلهم الله تعالىٰ فريقين : ( فَريِقٌ فِي الجَنَّةِ ، وفَرِيقٌ فِي السَّعير ) .
˘ فَمَن أَخْلَصَ للهِ فِي عمله رَفعَهُ الله دَرَجات .
˘ وَمَن عَمِلَ قربةً رياءً وسُمعَةً وضعه الله دَرَكات .
عن أَنسٍ رضيَ اللهُ تعالىٰ عنه ، أَنَّ أُمِّ حارثة بن سُراقة أَتَت رسول الله صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالت : يا رسول الله ! أَلا تُحدِّثني عن حارثة ؟ - وكان قُتِلَ يوم بدر - فإِنْ كان في الجنَّة صبرت ، وإِنْ كانَ فِي غَيْر ذٰلكَ اجْتهدتُ فِي البكاء عليه ؛ فقالَ : « يا أُمَّ حارثة ! إِنَّها جنانٌ فِي الجنَّة ، وإِنَّ ابنكِ أَصابَ الفردوس الأَعلىٰ » . ( رواه البخاري ) .
وعن عبد الله بن عمروٍ رضي الله تعالىٰ عنهما ، عن النَّبِيِّ صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ :
« يُقالُ لِصَاحبِ القُرآن : اقْرأ وارْتقِ وَرَتِّل ، كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا ، فإِنَّ مَنْزِلتَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَؤهَا » . ( رواهُ أبو داود ، والترمذي ، وقال : حديثٌ حسنٌ صحيح ) .
وعن أَبي كبشة عمرو بن سعدٍ الأَنْمَاريّ رضي الله تعالىٰ عنه قالَ : قالَ رسولُ اللهِ صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
« إِنَّما الدُّنْيَا لأًربعةِ نَفَرٍ: عَبْدٍ رَزَقَهُ الله مالاً وعلمًا ، فهو يَتَّقِ اللهَ ويَصِلَ فيه رَحِمه ويَعلَم لله فيه حقَّا ، فهٰذا بأَفْضَلِ المنازل ، وعبدٍ رَزَقهُ الله علمًا ولم يرزُقه مالاً ، فهو صادِق النِّيَّة يقولُ : لو أَنَّ لي مالاً لعمِلتُ بعمَل فلان ، فهو نِيَّته فأَجْرهُما سواء ، وعبدٍ رزَقَهُ الله مالاً ولم يرزقْهُ عِلمًا ، فهو يخبِط في ماله بغيرِ عِلم ، لا يَتَّقِ فيه ربَّه ولا يَصِلُ فيه رحِمه ولا يعلَم لله فيه حقَّا ، فهٰذا بأَخبَثِ المنازل ؛ وعبدٌ لم يرزقه الله مالاً ولا علمًا ، فهو يقول : لو أَنَّ لي مالاً لعمِلت فيه بعمل فلان ، فهو نِيَّتُه ، فوِزرُهما سواء » . ( رواه الترمذي ، وقال : حديثٌ حسنٌ صحيح ) .
فَتَدَبَّر ؛ أَيُّها المسلم !
هٰذه الأَعمالَ الصَّالحة الَّتي أُريدَ بها وَجْهُ الله والدَّار الآخرة وكان الإِخْلاص رُوحَها ومَبْناها كيف صارَ صاحبُها منَ الفائزين المقرَّبين .
ثُمَّ تَدَبَّر !
هٰذه الأَعمالَ نفسَها لمّا تجرَّدت من الإِخْلاص وخالَطَها الرِّياء كيف صَارَ صَاحبُها مِن المطرودِينَ الخاسرين !!...
.