متى يقال " آمين " ؟
« إِذا قرأَ الإِمامُ : ﴿ غَيْرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّآلِّينَ ﴾
فأَمَّنَ الإِمامُ فأَمِّنوا ، فإِنَّ المَلائكةَ تُؤمِّنُ عَلىٰ دعائِهِ ،
فَمَن وافقَ تأْمينُه تأْمينَ المَلائكةِ غُفِرَ لهُ مَا تَقدَّم مِنْ ذنبِه » .
( الصحيحة / برقم : 2534 )
قال الإمام الألباني - رحمه الله تعالىٰ - في « السلسلة الصحيحة » ( 6 / 78 - 81 ) :
أخرجه أبو يعلى ( 4 / 1408 ) : حدثنا عمرو الناقد أخبرنا سفيان عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة قال :
قال رسول اللهِ صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم : فذكره .
قلت : وهٰذا إسناد صحيح علىٰ شرط الشيخين ، وعمرو هو ابن محمد بن بكير الناقد أبو عثمان البغدادي ، ثقة حافظ ،
احتج به الشيخان وغيرهما . وقد أخرجاه و غيرهما ، وهو مخرج في " الإرواء " ( 344 )
بلفظ : « إذا أمَّن الإِمامُ فأَمِّنوا ، فإِنَّه من وافق .. » إلخ .
وإنما أخرجته بلفظ الترجمة لما فيه من الزيادة ، وهي قوله بعد ﴿ وَلاَ الضَّآلِّينَ ﴾ « فأَمَّن الإِمامُ فأَمِّنوا » .
فإنها صريحة بأمرين اثنين :
˘ الأول : أن الإمام يؤمن بعد ختمه الفاتحة .
˘ والآخر : أن المأموم يؤمن بعد فراغ الإمام من التأمين .
و قد قيل في تفسير رواية الشيخين أقوال كثيرة ذكرها الحافظ في " الفتح " ( 2 / 218 - 219 ) :
˘ منها أن معنىٰ قوله : إذا أمن ، بلغ موضع التأمين ، كما يقال : أنجد إذا بلغ نجدا ، وإن لم يبلغها .
قال ابن العربي : " هٰذا بعيد لغة و شرعا " .
وقال ابن دقيق العيد : " وهٰذا مجاز ، فإن وجد دليل يرجحه عمل به ، وإلا فالأصل عدمه ".
قال الحافظ : " استدلوا له برواية أبي صالح عن أبي هريرة بلفظ :
" إذا قال الإمام : ﴿ وَلاَ الضَّآلِّينَ ﴾ فقولوا : ( آمين ) " .
قالوا : فالجمع بين الروايتين يقتضي حمل قوله :" إذا أمَّن علىٰ المجاز " .
وأقول : يمكن الجمع بطريقة أخرىٰ ، و هي أن يؤخذ بالزائد من الروايتين فيضم إلىٰ الأخرى .
وهو قوله في رواية سعيد : « إِذا أَمَّنَ الإِمامُ فأَمِّنوا » ،
فتضم الزيادة إلىٰ رواية أبي صالح فيصير الحديث هٰكذا :
« إِذا قالَ الإِمامُ : ﴿ وَلاَ الضَّآلِّينَ ﴾ آمين ، فقولوا : آمين » .
وهٰذا الجمع أولىٰ من الجمع المذكور .
وذٰلك لوجوه :
• الأول : أنه مطابق لرواية أبي يعلى هٰذه ؛ الصريحة بذٰلك .
• الثاني : أنه موافق للقواعد الحديثية من وجوب الأخذ بالزيادة من الثقة .
• الثالث : أنه يغنينا عن مخالفة الأصل الَّذي أشار إليه ابن دقيق العيد .
• الرابع : أنه علىٰ وزن قوله صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم :
« إِذا قالَ الإِمامُ سَمِعَ اللهُ لمَن حَمِدَه ، فقولوا : اللّٰهمَّ ربَّنا لكَ الحَمْد ،
فإِنَّه مَنْ وافقَ قَوله قَول المَلائكةِ غُفِر لهُ ماتقدَّمَ مِنْ ذَنْبِه » .
أخرجه الشيخان وغيرهما من حديث أبي هريرة أيضا .
وهو مخرج في"صحيح أبي داود " ( 794 ) .
فكما أن هٰذا نص في أن المقتدي يقول التحميد بعد تسميع الإمام ، فمثله إِذا أَمَّن فأَمِّنوا ،
فهو نص علىٰ أَنَّ تأْمين المقتدي بعد تأْمين الإِمام .
• الخامس : أنه هو الموافق لنظام الاقتداء بالإمام المستفاد من مثل قوله صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم :
« إِنَّما جُعل الإِمام ليؤتم به ؛ فإِذا كبَّر فكبِّروا [ ولا تكبِّروا حتَّىٰ يكبِّر ]
وإِذا ركعَ فاركعوا ، وإِذا قالَ سَمِع اللهُ لمن حَمِده ، فقولوا : ... » الحديث .
أخرجه الشيخان وغيرهما من حديث عائشة وأبي هريرة وغيرهما ، وهو مخرج في المصدر السابق
( 614 و 618 ) ، والزيادة لأبي داود .
فكما دلَّ الحديث أن من مقتضىٰ الائتمام بالإِمام عدم مقارنته بالتكبير ، وما ذكر معه ،
فمن ذٰلك عدم مقارنته بالتأمين .
وإخراج التأمين من هٰذا النظام يحتاج إلىٰ دليل صريح ، وهو مفقود ؛
إذ غاية ما عند المخالفين إنما هو حديث أبي صالح المتقدم ، وليس صريحاً في ذٰلك ،
بل الصحيح أنه محمول علىٰ رواية سعيد هٰذه لا سيما علىٰ لفظ أبي يعلى المذكور أعلاه .
• السادس : أن مقارنة الإمام بالتأمين تحتاج إلىٰ دقة وعناية خاصة من المؤتمين ،
وإلا وقعوا في مخالفة صريحة وهي مسابقته بالتأمين ،
وهٰذا مما ابتلي به جماهير المصلين ، فقد راقبتهم في جميع البلاد التي طفتها ،
فوجدتهم يبادرون إلىٰ التأمين ، ولما ينته الإمام من قوله : ﴿ وَلاَ الضَّآلِّينَ ﴾
لا سيما إذا كان يمدها ست حركات ، و يسكت بقدر ما يترادّ إليه نَفَسُه ، ثم يقول : آمين ،
فيقع تأمينه بعد تأمينهم !
ولا يخفىٰ أن باب سد الذريعة يقتضي ترجيح عدم مشروعية المقارنة خشية المسابقة ،
وهٰذا ما دلت عليه الوجوه المتقدمة .
وهو الصواب إن شاء الله تعالىٰ ، و إن كان القائلون به قلة ، فلا يضرنا ذٰلك ؛
" فإن الحق لا يعرف بالرجال ، فاعرف الحق تعرف الرجال " .
ذٰلك ما اقتضاه التَّمسك بالأصل بعد النظر والاعتبار ، هو ما كنت أعمل به وأذكر به مدّة من الزمن .
ثم رأيت ما أخرجه البيهقي ( 2 / 59 ) عن أبي رافع أن أبا هريرة كان يؤذن لمروان بن الحكم ،
فاشترط أن لا يسبقه بـ ﴿ الضَّآلِّينَ ﴾ حتَّىٰ يعلم أنه دخل الصف ،
وكان إذا قال مروان :
﴿ وَلاَ الضَّآلِّينَ ﴾ قال أبو هريرة : " آمين " ، يمد بها صوته ،
وقال : " إذا وافق تأمين أهل الأرض أهل السماء غفر لهم " . وسنده صحيح .
قلت : فهٰذا صريح في أن أبا هريرة رضي الله عنه كان يؤمن بعد قول الإمام :
﴿ وَلاَ الضَّآلِّينَ ﴾ .
ولما كان من المقرر أن راوي الحديث أعلم بمرويه من غيره ، فقد اعتبرت عمل أبي هريرة هٰذا تفسيراً
لحديث الترجمة ، ومبيناً أن معنىٰ « إِذا أَمَّن الإِمامُ فأَمِّنوا .. »
أي : إذا بلغ موضع التأمين كما تقدم عن الحافظ ، وهو وإن كان استبعده ابن العربي ،
فلا بدَّ من الاعتماد عليه لهٰذا الأثر .
وعليه فإِني أكرر تنبيه جماهير المصلين بأن ينتبهوا لهٰذه السُّنَّةِ ، ولا يقعوا من أجلها في
مسابقة الإمام بالتأمين ؛ بل عليهم أن يتريثوا حتَّىٰ إذا سمعوا نطقه بألف ( آمين ) قالوها معه .
والله تعالىٰ نسأل أن يوفقنا لاتباع الحق حيثما كان إنه سميع مجيب .
و في هٰذا الأثر فائدة أخرىٰ و هي جهر المؤتمين بـ" آمين " ،
وذٰلك مما ملت إليه في الكتاب الآخر لمطابقته لأثر آخر صحيح عن ابن الزبير ،
وحديث لأبي هريرة مرفوع تكلمت علىٰ إسناده هناك ( 956 ) فراجعه .اهـ.