ثم عقب قائلاً : يا سيدي أياً كان الدافع الذي يكمن وراء عدم رده لتحيتنا فإن مايجب أن نؤمن به أن خيوطنا يجب أن تبقى بأيدينا لا أن نسلمها لغيرنا .
ولو صرت مثله لا ألقي التحية على من ألقاه لتمكن هو مني وعلمني سلوكه الذي تسميه قلة أدب، وسيكون صاحب السلوك الخاطئ هو الأقوى وهو المسيطر، وستنتشر بين الناس أمثال هذه الأنماط من السلوك الخاطئ .
ولكن حين أحافظ على مبدئي في إلقاء التحية على من ألقاه أكون قد حافظت على ما أؤمن به،
ألست معي بأن السلوك الخاطئ يشبه أحيانا السم أو النار ؟..
فإن ألقينا على السم سماً زاد أذاه وإن زدنا النار ناراً أو حطباً زدناها اشتعالا .
صدقني يا أخي أن القوة تكمن في الحفاظ على استقلال كل منا، ونحن حين نصبح متأثرين بسلوك أمثاله نكون قد سمحنا لسمهم أو لخطئهم أو لقلة أدبهم كما سميتها أن تؤثر فينا وسيعلموننا ما نكرهه فيهم وسيصبح سلوكهم نمطا مميزا لسلوكنا وسيكونون هم المنتصرين في حلبة الصراع اليومي بين الصواب والخطأ،
ولمعرفة الصواب.. تأمل معي جواب النبي عليه واله الصلاة والسلام على ملك الجبال حين سأله: يا محمد أتريد أن أطبق عليهم الأخشبين ؟
فقال : لا.. إني أطمع أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله، اللهم اهدي قومي فإنهم لا يعلمون.
لم تنجح كل سبل الإساءة من قومه عليه واله الصلاة والسلام أن تعدل سلوكه من الصواب إلى الخطأ ! مع أنه بشر.. يتألم كما يتألم البشر، ويحزن ويتضايق إذا أهين كما يتضايق البشر،
ولكن ما يميزه عن بقية البشر هذه المساحة الواسعة من التسامح التي تملكها نفسه، وهذا الإصرار الهائل على الاحتفاظ بالصواب مهما كان سلوك الناس المقابلين ســـيـئــا أو شــنيعــا أو مجحـفــا أو جـــاهلا،