لقد كان القرآن ينشئ قلوباً يعدها لحمل الأمانة ، وهذه القلوبكان يجب أن تكون من الصلابة والقوة والتجرد بحيث لا تتطلع - وهي تبذل كل شيء ،وتحتمل كل شيء - إلى شيء في هذه الأرض ، ولا تنظر إلا إلى الآخرة ، ولا ترجو إلارضوان الله ، قلوباً مستعدة لقطع رحلة الأرض كلها نصب وشقاء وحرمان وعذاب وتضحيةحتى الموت . بلا جزاء في هذه الأرض قريب ، ولو كان هذا الجزاء هو انتصار الدعوة ،وغلبة الإسلام وظهور المسلمين ، بل لو كانوا هذا الجزاء هو هلاك الظالمين بأخذهمأخذ عزيز مقتدر كما فعل بالمكذبين الأولين !
حتى إذا وجدت هذه القلوب ،التي تعلم أن ليس أمامها في رحلة الأرض إلا أن تعطى بلا مقابل - أي مقابل - وأنتنتظر الآخرة وحدها موعداً للفصل بين الحق والباطل . حتى إذا وجدت هذه القلوب ،وعلم الله منها صدق نيّتها على ما بايعت وعاهدت ، آتاها النصر في الأرض ، وائتمنهاعليه ، لا لنفسها ، ولكن لتقوم بأمانة المنهج الإلهي وهي أهل لأداء الأمانة منذكانت لم توعد بشيء من المغنم في الدنيا تتقاضاه ، ولم تتطلع إلى شئ من الغنم فيالأرض تعطاه ، وقد تجردت لله حقاً يوم كانت لا تعلم لها جزاء إلا رضاه .
العالم المجاهد سيد قطب رحمه الله