أربع من كنّ فيه كان منافقا خالصا ..
لفضيلة الشيخ ربيع بن هادي المدخلي "حفظه الله"
علامات النفاق
عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" أربع من كنّ فيه كان منافقا خالصا ومن كانت فيه خصلة منهنّ كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها : إذا اؤتمن خان ، وإذا حدّث كذب ، وإذا عاهد غدر ، وإذا خاصم فجر " .
( رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وأحمد ) .
راوي الحديث :
عبد الله بن عمرو بن العاص القرشي السهمي أبو محمد ، وقيل أبو عبد الرحمن ، أحد السابقين المكثرين من الصحابة وأحد العبادلة الفقهاء ، وكان من العلماء العباد مات سنة 68 هـ .
المفردات :
النفاق : مخالفة الباطن للظاهر ، وأصله من نافقاء اليربوع وهي إحدى جحره يكتمها ويظهر غيرها .
والغدر : ترك الوفاء بما عاهد عليه .
المخاصمة : المنازعة ، أصلها من خصم الشيء أي جانبه وناحيته فكل من المتخاصمين في جهة .
الفجور : الميل عن الحق والاحتيال في رده ، وأصله من الفجر وهو شق الشيء شقا واسعا . والفجور فتن في الدين .
الخيانة : فسرت هنا بأنها التصرف في الأمانة بغير وجه شرعي كبيعها أو جحدها أو انتقاصها أو التهاون في حفظها .
المعنى الإجمالي :
النفاق داء كبير وخطر جسيم على الإسلام والمسلمين ، وهو وصف ذميم لقوم أظهروا الإسلام كيدا وخداعا لينالوا به مصالح مادية ثم لينجوا بذلك من سيوف الإسلام .
وقد لعن الله المنافقين وذمهم وتوعدهم بأليم العذاب في الدرك الأسفل من النار .
وقد ذكر صفاتهم الذميمة في سور كثيرة من القرآن الكريم في سورة البقرة والنساء وسورة التوبة وفي سورة المجادلة والحشر وسورة المنافقين ، كل ذلك ليعرفهم المؤمنون ويحذروا شرهم وكيدهم وخبثهم .
وقد بين الرسول الكريم في هذا الحديث أربعا من صفاتهم وعلاماتهم البارزة .
الأولى : خيانة الأمانة ، وبئست الخلق هي وما أقبح أن يثق بك إنسان ويستأمنك على ماله أو عرضه أو حق من حقوقه ، فتخونه .
إن دائرة الأمانة واسعة تشمل كل ما اؤتمن عليه الإنسان ، حتى تشمل الدين كله .
فكل ما جاء به الأنبياء من العقائد والشرائع أمانة في أعناق العلماء إذا قصّروا في تبليغها ونشرها كان ذلك منهم خيانة يستوجبون بها لعائن الله وغضبه ، قال تعالى : (( إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيّناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون)) [ البقرة : 159 ] .
فعلى حملة العلم أن يبلغوا ما جاء به خاتم الأنبياء ـ عليه وعليهم الصلاة والسلام ـ ، فإن ذلك أعظم الأمانات ، وكتمانه والتقاعس عنه أعظم الخيانات ، قال تعالى : (( يا أيها الذين ءامنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون )) [ الأنفال : 27 ] .
والثانية : الكذب في الحديث ، فإنه أساس النفاق وهو من أقبح الأخلاق ، فإن الأمم كلها تحترم الصدق وتمقت الكذب ، وتحتقر صاحبه ، فاحرص أن تكون مع الصادقين في أقوالهم وأفعالهم ، وابتعد عن الكذب والكذابين فإنه من صفات أحط البشر وهم المنافقون كما في هذا الحديث ، وانظر إليهم وقد قامت ديانتهم على الكذب وكيف فضحهم الله ، وكشف عوراتهم ، قال تعالى : (( إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله ، والله يشهد إن المنافقين لكاذبون اتخذوا أيمانهم جنّة فصدّوا عن سبيل الله إنهم سآء ما كانوا يعملون )) [ المنافقون : 1 ـ 2 ] .
والثالثة : خلف الوعود أو نقض العهود والغدر ، وذلك من أشنع الأخلاق وأرذلها ، وكفى به شرا أن يكون من عواقبه مرض النفاق قال تعالى : (( فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون )) [ التوبة : 77 ] .
فاحذر من الإنحدار إلى هذا الخلق الحقير واحرص على الوفاء بالوعد ، واحترام العهد حتى تكون من أولي الألباب : (( الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق )) [ الرعد : 20 ] .
والرابعة : الفجور في المخاصمة وعدم الوقوف عند الحق وهو وزر كبير وجرم خطير ، يجر إلى مفاسد عظيمة من استباحة الأموال والأعراض ، وجحد حقوق الآخرين وإلصاق التهم الظالمة بهم ، ومحاربة الدعاة إلى الحق ، وصدّ الناس عن الحق والهدى والسلوك بهم في مسالك الغواية والردى ، فكم من أموال استبيحت وأعراض انتهكت ، ودماء أريقت بسبب فجور المنافقين في خصوماتهم ، وكم من مريد للحق صدّوه عن سلوك الصراط المستقيم واتباع الحق القويم .
ولولا الفجور في الخصومة لرأيت معظم المسلمين ملتزمين منهج الله ، مقتفين سبيل المؤمنين من السلف الصالحين .
المصدر :
مذكرة الحديث النبوي في العقيدة والاتباع
لفضيلة الشيخ ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله ( ص 62 ) .