من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :
الصدق أساس الحسنات وجماعها، والكذب أساس السيئات ونظامها، ويظهر ذلك من وجوه :
أن الإنسان هو حي ناطق، فالوصف المقوم له الفاصل له عن غيره من الدواب هو المنطق،
خبر وإنشاء والخبر صحته بالصدق وفساده بالكذب،
فالكاذب أسوأ حالا من البهيمة العجماء،
والكلام الخبري هو المميز للإنسان،
وهو أصل الكلام الإنشائي، فإنه مظهر العلم، والإنشاء مظهر العمل،
والعلم متقدم على العمل وموجب له،
فالكاذب لم يكفه أنه سلب حقيقة الإنسان حتى قلبها إلى ضدها،
ولهذا قيل: لا مروءة لكذوب، ولا راحة لحسود، ولا إخاء لملوك،
فإن المروءة مصدر المرء كما أن الإنسانية مصدر الإنسان.
أن الصفة المميزة بين النبي والمتنبئ هو الصدق والكذب؛
فإن محمدا رسول الله الصادق الأمين ومسيلمة الكذاب
{فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ . وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ**.
أن الصفة الفارقة بين المؤمن والمنافق هو الصدق،
فإن أساس النفاق الذي بني عليه: الكذب،
وعلى كل خلق يطبع المؤمن ليس الخيانة والكذب.
وفي الصحيحين عن أنس بن مالك قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
«ثلاث من كن فيه كان منافقا: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف،
أن الصدق هو أصل البر، والكذب أصل الفجور،
كما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
«عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر،
وإن البر يهدي إلى الجنة، ولا يزال الرجل يصدق
ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا،
وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور،
وإن الفجور يهدي إلى النار، ولا يزال الرجل يكذب
ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا ».
أن الصادق تنزل عليه الملائكة والكاذب تنزل عليه الشياطين
**هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ**
** تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ**
{يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ**.
أن الفارق بين الصديقين والشهداء والصالحين
وبين المتشبه بهم من المرائين والمسمعين والمبلسين
أنه مقرون بالإخلاص الذي هو أصل الدين في الكتاب . . .
العلماء والمشايخ قال الله تعالى
{وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ**
{حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ**
ولهذا قال صلى الله عليه وسلم:
«عدلت شهادة الزور الإشراك بالله مرتين»
«ألا أنبئكم بأكبر الكبائر الإشراك بالله وعقوق الوالدين»
«ألا وقول الزور ألا وشهادة الزور
فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت».
أنه ركن الشهادة الخاصة عند الحكام
التي هي قوام الحكم والقضاء والشهادة العامة في جميع الأمور،
والشهادة خاصة هذه الأمة التي ميزت بها في قوله:
{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ**
وركن الإقرار الذي هو شهادة المرء على نفسه،
وركن الأحاديث والأخبار التي بها يقوم الإسلام ؛
بل هي ركن النبوة والرسالة التي هي واسطة بين الله
وركن الفتيا التي هي إخبار المفتي بحكم الله .
وركن المعاملات التي تتضمن أخبار كل واحد
من المتعاملين للآخر بما في سلعته،
وركن الرؤيا التي قيل فيها : أصدقهم رؤيا أصدقهم كلاما،
والتي يؤتمن فيها الرجل على ما رأى .
أن الصدق والكذب هو المميز بين المؤمن والمنافق
كما جاء في الأثر: أساس النفاق الذي بني عليه الكذب .
النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
«آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف،
«على كل خلق يطبع المؤمن ليس الخيانة والكذب»
ووصف الله المنافقين في القرآن بالكذب في مواضع متعددة،
ومعلوم أن المؤمنين هم أهل الجنة
وأن المنافقين هم أهل النار في الدرك الأسفل من النار .
أن المشايخ العارفين اتفقوا على أن أساس الطريق إلى الله
هو الصدق والإخلاص كما جمع الله بينهما في قوله :
{وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ**
{حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ**
ونصوص الكتاب والسنة وإجماع الأمة دال على ذلك
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ**
{فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ
فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ**
{وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ**
وقال تعالى لما بين الفرق بين النبي والكاهن والساحر :
{وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ**
{نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ**
{عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ**
{بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ**
{وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ**
{هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ**
{تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ**
{يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ**
{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إلَيَّ
وَلَمْ يُوحَ إلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ**
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ
عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا** .
من مجموع الفتاوى (ج20/ص74)