اجلس بنا نؤمن ساعة
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، أما بعـــــد:
(اجلس بنا نؤمن ساعة)
وهي مقولة لمعاذ رضي الله عنه كان يقولها لأصحابه، وهو حديث عن التربية الإيمانية وحاجتنا إليها، وهو ليس خطاباً للمربين والموجهين وحدهم؛ فالتربية أعم وأشمل من أن تكون قاصرة على مايتلقاه المرء من الآخرين؛ فتربية الإنسان لنفسه ورعايته لها جزء من أداء المسؤولية الفردية التي حمله الله إياها، (لا تزر وازرة وزر أخرى)،
(وأن ليس للإنسان إلا ما سعى)،
(ونرثه ما يقول ويأتينا فرداً)
(إن كل من في السماوات والأرض إلا آت الرحمن عبداً * لقد أحصاهم وعدهم عدا * وكلهم آتيه يوم القيامة فرداً) .
هذه النصوص وغيرها تقرر المسؤولية الفردية، وأن كل إنسان مسؤول عن خاصة نفسه في عمله وسلوكه وحياته، ثم هو نتيجة هذه المسؤولية سيحاسب وحده، وسيلقى الله عز وجل وحده.
هذا مدخل بين يدي هذا الموضوع حتى لا نتصور أن الموضوع لا يعنينا بدرجة مهمة أو أن الموضوع إنما يخص المربين، ذلك أنه وإن كان المربون لهم نصيب من هذا الحديث ، إلا أننا يجب أن نقوم بتربية أنفسنا وندرك مسؤوليتنا تجاه أنفسنا، وينبغي أن يراجع كل منا نفسه ويشعر أنه وإن رزقه الله من يحسن تربيته وتوجيهه، وصار قدوة له أن ذلك لا يعفيه من المسؤولية عن نفسه بأن يجتهد في تربيتها وإصلاحها، وأن يتعرف على الأسباب والوسائل التي تعينه على التربية السليمة لنفسه .
التربية معشر الشباب
لها جوانب عده، التربية إنما تسعى لاكتمال شخصية الإنسان، وأن تكون هي الشخصية المسلمة التي تمتثل بأمر الله عز وجل وتنتهي عما نهى الله تبارك وتعالى عنه، ولا شك أن النفس لها جوانب متعددة باعتبار أنها تسعى إلى تكميل النفس، وتسعى إلى الرقي بها
فالإنسان يحتاج إلى أن يربي نفسه في ميدان التعلم وطلب العلم وتحصيله، ويحتاج إلى أن يربي نفسه في ميدان الخلق والسلوك، والتعامل مع الناس، ويحتاج إلى أن يربي نفسه في ميدان العمل والبذل والعطاء في ميادين كثيرة، وهكذا فالتربية لاتقف عند جانب واحد.
ومن أهم هذه الجوانب وآكدها التربية الإيمانية، وقد آثرنا استخدام هذا المصطلح لأنه هو المصطلح الذي يربط الناس بالألفاظ الشرعية، بالإيمان الذي دلت عليه النصوص المتظافرة المتواترة، فأنت عندما تقرأ في كتاب الله عز وجل أو سنة نبيه صلى الله عليه وسلم كم تتكرر لديك كلمة الإيمان، وصف الناس بالإيمان، أو وصفهم بانتفاء الإيمان عنهم، أو الدعوة للإيمان أو بيان أثر الإيمان ونتيجته وثمرته، لا يكاد يخطئك ذلك في أي آية من كتاب الله عز وجل تقرؤها، أو سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، بل كل ذلك إنما مداره على الإيمان لأن الأمر الذي يؤمر به المرء أو الذي ينهى عنه من حكم أو خلق أو سلوك، والوعد والوعيد والإخبار عن الهالكين والناجين، كل ذلك مرتبط بدائرة الإيمان فحين يؤمر المرء بأمر فإنه يؤمر بمقتضى الإيمان ونتيجته، وحين ينهى عن أمر فإنه ينهى عن ذلك بمقتضى إيمانه، وحين يأتي إخبار الله عز وجل عما أعد للصالحين الصادقين فإن هذا إخبار عن جزاء أهل الإيمان وثمرة الإيمان، وحين يخبر تبارك وتعالى عن عذاب المعرضين الغافلين فهو إخبار عن عذاب أولئك الذين تنكبوا طريق الإيمان وضلوا عنه، وقصص الأولين والآخرين هي أيضاً قصص أولئك الذين أعرضوا عن الإيمان، أو استجابوا للإيمان
(فلولا كانـــت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذابالخزي في الحياة الدنيا) ،
فما قص الله عز وجل إنما هو قرية آمنت فجازاها الله عز وجل بجزاء المؤمنين في الدنيا والآخرة، أو قرية أعرضت عن الإيمان فعاقبها الله عز وجل وأخذها نكال الدنيا ونكال الآخرة.
آثرنا أن نستعمل هذا المصطلح و أن نتحدث حول هذا اللفظ لأنه المصطلح الذي جاء الشرع به ودلت عليه في نصوص القرآن والسنة، وتواترت نصوص السلف في الحديث حول هذا الأمر كما سيأتي شيء من ذلك .
وقد يستعمل الناس مصطلحات كالتربية الروحية أو غيرها وهي جوانب بعضها إما هو موروث من أهل التصرف، أو موروث من النصارى، أو هو لفظ مستحدث، وكلما اقتربنا والتزمنا بالألفاظ الشرعية كان ذلك أولى .
يتبع