وماذا بعد زواج الأولاد؟
هناك صورتان للحياة بين الزوجين بعد زواج الأبناء
الأولى: يكون هناك فرصة للتقارب ووقت يقضيانه سويًا، وفرصة أكبر لبداية حياة جديدة من التفاهم والود والرحمة.
الثانية: يخلو عش الزوجية من الحياة بفراق الأبناء بعد زواجهم ويبدو خاليًا هادئًا، ويجد الزوجان أنفسهما وجهًا لوجه فتزداد المشاكل بينهما لوجود فراغ لدى كل منهما، وخاصة إن كان هناك عدم تفاهم بينهما في وجود الأبناء، فتزداد الهوة اتساعًا ويزداد البعد والجفاء ويصبح كل منهما في فلك يسبحون.
بعد مغادرة الأبناء البيت:
عندما يكبر الأبناء ويغادر آخرهم بيت الأسرة، ليعيش حياته الزوجية الخاصة به تشعرين بأن حياتك الزوجية قد أظلها فصل جديد
، وقد تتساءلين مع زوجك ما الذي بقي لنا؟
ولقد رأيت زوجة قد تزوج كل أولادها وأصبحت هي وزوجها فقط في العش الخالي فقالت لي بالحرف الواحد (أنا وزوجي ننتظر الموت الآن الحمد لله، قد انتهينا من رسالتنا في الحياة، ونحن الآن نعبد الله إلى أن يتوفانا الله) وكأن حياتهما قد انتهت بزواج الأبناء.
تصرف وفق أهدافك ليس وفق أهداف الآخرين:
ولي رأي خاص في وجهة النظر هذه، هي أن الإنسان يستيقظ من نومه كل يوم في الصباح ليتصرف وفق أهدافه وليس وفق أهداف الآخرين، وفي الطريق يراعي الآخرين ويؤدي مسئوليته تجاههم.
لا يبني حياته على حياة الآخرين لأن العلاقات متغيرة صعودًا وهبوطًا, وكذلك المشاعر متغيرة ومتقلبة، أما الشيء الثابت فهو الأهداف والقيم الثابتة.
وأسألك لو لم يرزقك الله بالأولاد فكيف ستكون الحياة؟ صحيح أن **الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا** [الكهف: 46]،
ولكن الإنسان لا يحيا فقط لينجب الأبناء، وإذا لم ينجب الأبناء تظلم الدنيا في وجهه أو إذا تزوج مثلًا الأبناء يجلس هو ينتظر الموت، لأنه قد أدى رسالته في الحياة بزواجهم.
العش الخالي:
إن ظاهرة العش الخالي قد تكون أكبر تحد، يواجهه الزوجان في حياتهما.
كما يمكن أن يكون الوقت المناسب لانطلاقة جديدة؛
حيث أن النصف الأول من الحياة الزوجية رائع مع وجود الأطفال؛ بسبب مساعي الزوجين لبناء البيت والأسرة.
ولكن في النصف التالي من الحياة الزوجية وبعد مغادرة الأبناء، فإن لدى الزوجين الفرصة سانحة، لإعادة تشكيل علاقتهما وتجديد الحياة، والتخطيط لأهداف يمكن تحقيقها معًا تعيد بدورها مشاعر الرومانسية ودفئها وحيوتها.
تحديات ما بعد زواج الأولاد:
ولكي يتغلب الأزواج على التحديات التي تواجههما بعد زواج الأولاد عليهما اتباع الآتي:
(1. اضربا الصفح عن الماضي:
فاترك انزعاجات الماضي تذهب مع الماضي، إذ أنه في هذه المرحلة كثيرًا ما ينتاب الزوجين امتعاض واستياء وندم لعدم تحقق ما كانا يريدان تحقيقه، أو لأن الآخر (الزوج أو الزوجة) لم يتغير كما كان يريد الزوج أو الزوجة له أن يتغير.
فلم يصبح الزوج غنيًا مثلًا كما تريد الزوجة، ولم تترك الزوجة عادة الإسراف في المصاريف كما كان يطلب منها زوجها دائمًا.
2. التقبل:
فعلى الزوجين أن يتقبلا الحياة الجديدة، ويعملا معًا على التحول من حياة زوجة كان التركيز والاهتمام الرئيسي فيها على الأبناء، إلى حياة زوجية مركز اهتمامها الزوجان نفسهما، كل منهما بالآخر، الأمر الذي لم تكن له الأولوية الأولى من قبل.
ومن المفارقات أنه عندما يكبر الأزواج فإنهم يصبحون أكثر رعاية، ويحبون الاهتمام بالبيت والبقاء فيه أكثر من ذي قبل بينما ترغب الزوجة، وقد انتهت مسئوليتها من تربية الأولاد ورعايتهم في الترفيه عن نفسها والخروج من المنزل.
وفي هذه المرحلة يبدأ الزوج يفكر بالتقاعد أو تخفيف أعباء العمل على الأقل، بينما يبدأ لدى الزوجة الرغبة الجادة في تحقيق مشاريعها المؤجلة.
وإذا كانت الرغبات الفردية مشتركة فإنها تكون أكثر جدية، وأهمية وقابلية للتحقيق، وعليهما أن يسعيا معًا لأن يجعلا حياتهما الزوجية بعد كبر الأبناء ومغادرتهما للعش الذي درجوا فيه، أفضل من أي وقت مضى.
وليسافرا معًا وليذهبا وليفعلا ما يريدان تحقيقه بتعاون وتفاهم.
أي مزيدًا من التركيز والاهتمام على علاقتهما وعلى مشاريعهما معًا، ونشاطاتهما المختلفة التي يتفقان عليها، وسيجدان بعد ذلك أنهما أكثر ارتياحًا من أي وقت مضى.
3. أن يعيدا لحياتهما الزوجية روح الاهتمام المشترك، ويركزان على الود والرحمة بينهما بدلًا من التركيز على العش الخالي، والأيام الماضية ومآسيها وإساءاتها.
وعليهما التغيير إلى الأفضل، فيتسامحا إذا أساء أحدهما إلى الآخر, ويهتمان بأعمال جديدة واهتمامات جديدة مثل الأعمال الخيرية والتطوعية، ومساعدة الآخرين) [مستفاد من مجلة الفرحة العدد 65، ص(62)].
4. مساعدة أبنائهم الكبار والتواصل معهم وإسداء النصح لهم, والمشاركة في تربية الأحفاد الصغار، ويمكنهم الالتحاق بإحدى الدورات التدريبية في تربية الأولاد؛ ليساهموا في تربية أحفادهم تربية سليمة.
فالطفل ينشأ ليس بمفرده، ولكنه نتاج بيئة وأسرة وتنشئة اجتماعية، وكل الأهل لهم تأثيرهم على الأبناء سلبًا أو إيجابيًا.
وقد ثبت علميًا أن المرض النفسي أسبابه هي العوامل البيئية والتنشئة الاجتماعية، وأن الأمراض النفسية لا تورث، فالطفل لا يولد بالمرض النفسي ولكنه بسبب الضغوط والتنشئة الاجتماعية الخاطئة قد تسبب له المرض النفسي فلا تجد مثلًا طفلًا يولد وعنده اكتئاب أو قلق، ولكنه يكتسب ذلك من البيئة ومن سلوك الأسرة والعائلة القريبة بالأخص.
ـ الأجداد يساهمون في تربية أحفادهم سلبًا أو إيجابًا، فإذا كان الأجداد على وعي وعلم وثقافة فإنهم يساهمون بطريقة إيجابية في بناء هذا الجيل الصغير (الأحفاد)، وإذا لم تتوفر هذه الشروط فسوف يكون التأثير عكسي بالطبع.
المودة والرحمة:
إن التغير هي سنة الحياة، والإنسان يتزوج في شبابه وهو في كامل الصحة والحيوية والنشاط، ثم بعد ذلك يكبر وتضعف القوة والصحة قال تعالى: **لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4) ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ** [التين: 4- 5].
ولابد أنه سيأتي وقت على الأزواج فيكبر الزوج، وتكبر الزوجة ولا يبقى إلا الرحمة بينهما، قال تعالى: **وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ** [الروم: 21].