فاليوم هو الجمعة الثاني من شهر الله المحرم لسنة ألف وأربعمائة وواحد وثلاثين من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم.
وأنا لم أصعد هذا المنبر منذ الخطبة الثانية من شهر شعبان من السنة الماضية ولم أكن مؤهلا اليوم لأن أخطب الجمعة.
لكنني أردت أن أصافح وجوهكم مرة أخرى، ولو تكلمت بكلام يسير، فإنني أتمنى أن أموت واقفا وأن أناضل عن ديني إلى آخر لحظة.
شعرت في هذه المدة التي مضت أنني بدون الدعوة لا أساوي شيئا، فأردت أن أستمتع بالحياة مرة أخرى، فجئت إلى هذا المكان، لكي أقول كلاما أثبّت به نفسي أولا، ثم أبث الثقة فيكم مرة أخرى، وأقول إننا منصورون، وإننا لن نُغلب، حتى وإن كانت إمكاناتنا ضعيفة، ما دام معنا إيمان راسخ.
نحن ضيعاف نعم، وليس في أيدينا ما في أيد أعدائنا أو خصومنا، لكننا إذا رجعنا إلى الشرب الأول، إلى زمن الصحابة، زمن النبي صلى الله عليه وسلم أولا، وزمن الصحابة واستمسكنا بما كانوا عليه فأحلف بالله إننا لمنصورون.
أشرف الأعمال قاطبة أن تموت خادما لهذا الدين، وهذا هو مكن العز كلّه.
صدقوني إذا قلت لكم إنني كنت أشعر أن الرجل الذي يمسك بمكنسة في الشارع كنت أشعر أنه أفضل مني، إنه يقوم بواجبه وأنا عاجز مكبّل، فأردت أن آتي حتى لو تكلمت عشر دقائق.. أن آتي لأصافح هذه الوجوه مرة أخرى.
وأسأل الله عز وجل أن لا يحرمني من شرف الدعوة إليه والدلالة عليه، فإنني نظرت إلى المناصب كلها لم أجد أشرف من هذا المنصب، أن تكون خادما لدين الله عز وجل لا سيما في الغربة الثانية..
___________________________________
بهذ الكلمات افتتح كلامه فكانت بمثابة عصارة حياته الكريمة بعطائه...
أبو اسحاق الحوينيّ ذاك المسمّى الذي أرقّ مضجع الروافض و أذيالهم فلم يهنأ لهم نوماً بله قيلولة في وضح النّهار ...
أبو اسحاق الحوينيّ بقيّة شامة الشّام ناصر الدين الالبانيّ فوالله لا تكاد تراه الاّ كأنّك ترى صاحب دعوة (التصفية و التربية) كأنّك أمام مؤلف السلسلتين الذهبيتين...
فهو أي شيخنا الحوينيّ امتداد لشيخنا الالبانيّ فكان عزاؤنا يوم أنْ انكسفت شمس العطاء و خسف قمر الجود و أمطرت سماء جهاد القلم و اللسان بموت محدّثٍ لفظه التاريخ إذ حريّ به أن يكون من أقران ابن معين و البخاري و علي ابن المديني و غيرهم فلم ينل صحبة المرافقة فنالها بتصحيحه و تضعيفه فلا تكاد ترى مصنفا ما الاّ و فيه رواه الامام أحمد و حسنه أبو دواد و صححه الألباني...
فكان عزاؤنا بذاك المصاب الجلل أنّ الحويني يسعى في الارض اصلاحا فظننا انّ موت الالبانيّ كان من قبيل أضغاث أحلام ...
أبو اسحاق الحوينيّ رحل في طلب العلم الى ذاك الجبل الراسي فلم يمكث عنده اكثر من بدوّ هلال و اكنماله ثمّ نقصانه فكان بعدها الالباني الآخر داس بقدمة أرض يوسف و يعقوب عليمها السلام...
أبو اسحاق الحوينيّ لا تجزع يرحمك الله فمنْ تمسّك بحبل الالباني سيناله أذى القوم في حياته و بعد موته فحالك كحال ابن القيم مع شيخه ابن تيمية رحمها الله تعالى..
أبو اسحاق الحوينيّ لا تيأس يرحمك الله فارحل الى ربّك بنفس مطمئنّة فقد تركت ميراثاٌ مخطوطا يوم أن تحسرعنه مياه الوقت سيقتتل النّاس عليه فهو بمثابة ذاك الجبل الذهبيّ يوم تنحسر عنه مياه الفرات...
أبو اسحاق الحوينيّ لا تبدّل لفظنا حفظك الله بيرحمك الله و إن كانت ذه الاخيرة تعقب الحيّ و الميّت بيد اكتسبت شهرة عقب الأموات...
أبو اسحاق الحوينيّ أهي نصيحة مودّع!!! صعدت المنبر فنلت من نفسك فكان حطّاب أدران النّاس أفضل منك!!!لا أزكيك على الله تعالى ففضلك علينا ممّا نعجز عن شكرك عليه فنسأل الله أن يتولىّ شكرك فهو الجواد و الكرم...
أبو اسحاق الحوينيّ إن صارعك الموت فكنتَ طريح الفراش فميراث علمك يشهد لك بالخير و كما تعلمنا منك أنّ المريض العليل يُعطى أجر الصحيح السليم بيد أنّ العذر أقعده..
أبو اسحاق الحوينيّ (وأقول إننا منصورون، وإننا لن نُغلب) زدتنا تثبيتا ثبتك الله يوم تتلعثم الألسنة فوالله عندما سمعنا ذه الكلمة شعرتُ أنّ الاندلس تزهو بحفظة كتاب الله و أحستت أنّ روما تحت راية الاسلام فأرجو من الله تعالى و هو الكريم أنْ يريك شيئا من نصره و غلبة أتباعه...
أبو اسحاق الحوينيّ رأيت وجهك تصبغة الصفرة و رأيت نورا يشعّ لا يرى ذاك النّور الا مؤمن بك و بدعوتك
رأيت ذاك الجسد يتوكأ على شيئ للضعف الذي فرضه الله على عباده و أخشى أن يكون وقوفك ذا بمثابة منسأة سليمان عليه السلام.
أبو اسحاق الحوينيّ سمعتُ عن الموت كيف يخطف الرضيع من بين ثدي أمّه و العروس من بين أحضان بعلها بيد لم اره البتة الاّ البارحة رأيته على وجهك أتمنّى أنْ أكون كاذبا في رؤياي ذه...
لم تصدق أذناي أنّ ذاك الصوت الضعيف هو نفسه ذاك الصوت الجوهريّ فإن القوة لله تعالى وحده...
لم تصدّق عيناي أنّ ذاك الجسد الهزيل هو نفسه ذاك الجسد القوي فإن القوة لله تعالى وحده...
تمنيتُ بياض يعقوب يوم ذهب اخوة يوسف بيوسف و ارجو من الله تعالى قميص البشارة.
كم رأيناك تضرب المنبر بكفك عندما تغضب لله تعالى و لم نتهيأ أن نراك تمسك بذاك المنبر حتى لا تسقط أرضا!!!
فاصبر يا حبيب قلوبنا فمضى على طريقك هذا حبيبك الالبانيّ و ابن باز و العثيمين و من قبلهما (أبو هريرة و عائشة) لطلما دافعت عنهما و قبلهما محمد صلى الله عليه و سلم
أبو اسحاق الحوينيّ لا ترحل عنّا بربّك فإننا من أحوج النّاس اليك لا تُحدث زلزلة برحيلك تزلزل افئدتنا التي لطالما ثبتها على الحق...
أسأل الله بقدرته أن يرينا بك شيحنا يوما ابيضا و أن تكمل مسيرتك بالدّفاع عن أصحاب النبيّ صلى الله عليه و سلم إنه خير منْ سئل و خير منْ أجاب...
و أسألك اللهمّ كما سألك عبدك آدم يوم أن رأى دواد عليهما السلام أن تأخذ من عمره لذاك فخذْ من عمر عبدك الضعيف العاجز عن خدمة دينك علي سليم لعبدك ابو اسحاق الحوينيّ...اللهمّ آمين