حديث: يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني
وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال الله -تعالى-: يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني، غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء، ثم استغفرتني غفرت لك، يا ابن آدم لو أتيتني بقراب الأرض خطايا، ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا، لأتيتك بقرابها مغفرة رواه الترمذي، وقال: حديث حسن، والله أعلم وصلى الله على محمد
--------------------------------------------------------------------------------
عن أنس -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: قال الله -تعالى-: يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي المقصود بابن آدم هنا المسلم الذي اتبع رسالة الرسول الذي أرسل إليه، فمن اتبع رسالة موسى -عليه السلام- في زمنه كان منادى بهذا النداء، من اتبع رسالة عيسى في زمنه كان منادى بهذا النداء.
وبعد بعثة محمد -صلى الله عليه وسلم- من يحظى على هذا الأجر وعلى هذا الفضل والثواب هو من اتبع المصطفى -صلى الله عليه وسلم- وأقر له بختم الرسالة، وشهد له بالنبوة والرسالة، واتبعه على ما جاء به.
قال -جلا وعلا-: يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني، غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي وهذه الجملة في معنى قول الله -جل وعلا -: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا فالعبد إذا أذنب وسارع إلى التوبة، ودعا الله -جل وعلا - أن يغفر له، ورجى ما عند الله -جل وعلا - فإنه يغفر له على ما كان منه من الذنوب مهما كانت بالتوبة التوبة تجب ما قبلها .
وقوله -جل وعلا - هنا: إنك ما دعوتني ورجوتني فيه أن الدعاء مع الرجاء موجبان لمغفرة الله -جل وعلا - وهناك من يدعو، وهو ضعيف الظن بربه، لا يحسن الظن بربه، وقد ثبت عنه - عليه الصلاة والسلام - أنه قال: قال الله -تعالى-: أنا عند ظن عبدي بي، فليظن بي ما شاء والعبد إذا دعا الله -جل وعلا - مستغفرا لذنبه يدعو مستغفرا ومستحضرا أن فضل الله عظيم، وأنه يرجو الله أن يغفر، وأن الله سيغفر له.
فإذا عظم الرجاء بالله، وأيقن أن الله -جل وعلا - سيغفر له، وعظم ذلك في قلبه، حصل له مطلوبه؛ لأن في ذلك إحسان الظن بالله، وإعظام الرغبة بالله -جل وعلا - وهناك عبادات قلبية كثيرة تجتمع على العبد المذنب حين طلبه الاستغفار وقبول التوبة، حين طلبه المغفرة وقبول التوبة، تجتمع عليه عبادات قلبية كثيرة توجب مغفرة الذنوب فضلا من الله -جل وعلا - وتكرما.
قال: غفرت لك والمغفرة: ستر الذنب وستر أثر الذنب في الدنيا والآخرة، والمغفرة غير التوبة؛ لأن المغفرة ستر، غفر الشيء بمعنى ستره، والمقصود من ستر الذنب أن يستر الله -جل وعلا - أثره في الدنيا والآخرة، وأثر الذنب في الدنيا العقوبة عليه، وأثر الذنب في الآخرة العقوبة عليه، فمن استغفر الله -جل وعلا - غفر الله له يعني: من طلب ستر الله عليه في أثر ذنبه في الدنيا والآخرة؛ ستر الله عليه، محا أو ستر أثر الذنب بحجب أثر الذنب من العقوبة في الدنيا والآخرة.
قال: يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء يعني: من كثرتها بلغت عنان السماء: السحاب العالي، من كثرتها وتراكمها.
قال: ثم استغفرتني غفرت لك وهذا مما يجعل العبد المنيب يحب ربه -جل وعلا - أعظم محبة؛ لأن الله العظيم الذي له صفات الجلال والجمال والكمال، والذي له هذا الملكوت كله، وهو الذي على كل شيء قدير، وعلى كل شيء وكيل، وهو الذي من صفاته كذا وكذا، من عظيم صفاته وجليل النعوت والأسماء، يتودد إلى عبده بهذا التودد لا شك أن هذا يجعل القلب محبا لربه -جل وعلا - متذللا بين يديه، مؤثرا مرضاة الله على مرضاة غيره -سبحانه وتعالى-.
قال الله -جل وعلا - يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء، ثم استغفرتني غفرت لك وهذا فيه الحث على طلب المغفرة، فإنك إذا أذنبت فاستغفر، فإنه ما أصر من استغفر، ولو عاد في اليوم سبعين مرة كما جاء في الأثر، فمع الاستغفار والندم يمحو الله -جل وعلا - الخطايا.
قال: يا ابن آدم لو آتيتني بقراب الأرض خطايا، ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لآتيتك بقرابها مغفرة يعني: لو جاء ابن آدم بملء الأرض خطايا، ثم لقي الله -جل وعلا - مخلصا له الدين لا يشرك به شيئا، لا جليل الشرك ولا صغيره ولا خفيه، بل قلبه مخلص لله -جل وعلا - ليس فيه سوى الله -جل وعلا - وليس فيه رغب إلا إلى الله -جل وعلا - وليس فيه رجاء إلا رجاء الله -جل وعلا - لا يشرك به شيئا، بأي نوع من أنواع الشرك، فإن الله -جل وعلا - يغفر الذنوب جميعا.
قال -سبحانه-: ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لآتيتك بقرابها مغفرة يعني: بملء الأرض مغفرة، وهذا من عظيم رحمة الله -جل جلاله- بعباده، وإحسانه لهم.
اللهم لك الحمد على أسمائك وصفاتك، اللهم لك الحمد على ما أنعمت به علينا من شريعة الإسلام، اللهم لك الحمد على ما أنعمت به علينا من بعثة نبيك محمد عليه الصلاة والسلام، اللهم لك الحمد على ما مننت به علينا من سلوك طريق سلفنا الصالح، اللهم لك الحمد على ما مننت به علينا من مغفرة للذنوب، ومن كسب للحسنات ومن محو للسيئات، اللهم لك الحمد على آلائك العظيمة، اللهم لك الحمد، وأنت للحمد أهل.
شرح الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ