(( أعمال المرأة في بيتها ))
 
 
لفضيلة الشيخ صالح الفوزان -حفظه الله-
 
 
أولاً : عبادة الله 
 
 
لأن ذلك هو الغاية من وجود الإنسان ككل وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ . 
لذا نجد التوجيه الإلهي لأمهات المؤمنين لما أمرن بالقرار في البيوت ، قال الله تعالى : وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ . 
 
ومفهوم العبادة وإن كان أوسع من أداء الشعائر التعبدية ، لكنها جزء كبير من العبادة ، وأداء العبادة هو أكبر معين للمرأة على أداء دورها بإتقان في بيتها فالمرأة الصالحة هي التي تؤدي دورها على الوجه المطلوب ،
 
كما أن ذلك هو أساس التربية الصالحة بالقدوة ، حيث إن قيام المرأة بأداء العبادة بخشوع وطمأنينة له أكبر الأثر على من في البيت من الأطفال وغيرهم ، فحينما تحسن المرأة الوضوء ، ثم تقف أمام ربها خاشعة خاضعة ستربى في الأطفال هذه المعاني بالقدوة إضافة للبيان والتوجيه بالكلام . 
 
وهذا الجانب وإن كان معلومًا لكن لا بد أن تتضح أهدافه وغاياته وأثره ويُفهم بعيدًا عن الروتين القاتل للمعاني السامية . 
 
 
ثانيًا : المرأة في البيت سكن واستقرار للزوج والبيت 
 
 
قال تعالى : وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ .
 
التعبير بـ " سكن " وما يحمله من معنى . إن كلمة " سكن " تحمل معنى عظيمًا للاستقرار والراحة والطمأنينة في البيت ، ولو حاولنا أن نوجد لفظًا يعبر عما تحمله ما استطعنا ولن نستطيع ، ذلك كلام رب العالمين الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه .
 
فالمرأة سكن للزوج ، سكن للبيت . ثم وصف العلاقة بأنها " مودة ورحمة " .
 
وقال : هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا أي يأنس بها ويأوي إليها ، ولنفهم سر التعبير " إليها "
 
في الآيتين حيث أعاد السكن إلى المرأة فهي مكانه وموطنه ، فالزوج يسكن إليها ، والبيت بمن فيه يسكن إليها لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا ولا تكون المرأة سكنًا لزوجها حتى تفهم حقه ومكانته ، ثم تقوم بحقوقه عليها طائعة لربها فرحة راضية . 
 
لذا يحرص الإسلام على تقرير مكانة الزوج لأنها الأساس ، يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - : لو كنت آمرًا أحدًا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها [ أخرجه الترمذي في أبواب الرضاع ، باب في حق الزوج على المرأة ، وابن ماجه في كتابه النكاح ، باب حق الزوج على المرأة ، والحديث صحيح انظر صحيح الترمذي حديث رقم 926 ] . 
 
 
بل الإشعار بمكانته حتى بعد وفاته لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم والآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج فإنها تحد عليه أربعة أشهر وعشرًا ... [ أخرجه البخاري في كتاب الجنائز ، باب حد المرأة على غير زوجها ، ومسلم في كتاب الطلاق ، باب وجوب الإحداد في عدة الوفاة ] . 
 
وليفهم أن الإحداد أمر زائد على العدة ، ففيه إشعار بحق الزوج على الزوجة ، وقد شرع في الإسلام أحكام تكفل أداء حقوق الزوج ، ومن ثم يكون البيت سكنًا ويصبح بيئة صالحة . 
 
على أن هذه الأحكام والتشريعات ليست خاصة بالمرأة بل هي على الزوجين ، لكن دور المرأة فيها أكبر لأنها العمود كما ذكرنا ، وحيث مجال حديثنا عن المرأة وعن دورها في تربية الأسرة ،
 
لا بد من الإشارة لبعض المسئوليات والوسائل اللازمة لها التي تجعل البيت سكنًا كما أراد الله ، ومنها : 
 
 
1 - الطاعة التامة للزوج فيما لا معصية فيه لله
 
 
هذه الطاعة هي أساس الاستقرار ، لأن القوامة للرجل الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ فلا نتصور قوامة بدون طاعة ... والبيت مدرسة أو إدارة ، فلو أن مديرًا في مؤسسة أو مدرسة لديه موظفون لا يطيعونه ، هل يمكن أن يسير العمل ، فالبيت كذلك ، إن طاعة الزوج واجب شرعي تثاب المرأة على فعله ،
 
بل نجد طاعة الزوج مقدمة على عبادة النفل ، قال - صلى الله عليه وسلم - : لا تصوم المرأة وبعلها شاهد إلا بإذنه متفق عليه [ البخاري في كتاب النكاح ، باب صوم المرأة بإذن زوجها تطوعًا ، ومسلم في كتاب الزكاة ، باب ما أنفق العبد من مال مولاه ] . وفيه إشارة إلى أهمية طاعة الزوج حتى قدمت على عبادة صيام النفل . 
 
2 - القيام بأعمال البيت التي هي قوام حياة الأسرة من طبخ ونظافة وغسيل وغير ذلك 
 
وحتى يؤدي هذا العمل ثمرته لابد أن يكون بإتقان جيد ، وبراحة نفس ورضى وشعور بأن ذلك عبادة . 
 
وإليك أيها الأخت نماذج من السيرة ومن سلف هذه الأمة:
 
أخرج الإمام أحمد بسنده عن ابن أعبد قال : قال لي علي بن أبي طالب رضي الله عنه : ألا أخبرك عني وعن فاطمة رضي الله عنها كانت ابنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكانت من أكرم أهله عليه ، وكانت زوجتي ، فجرَّت بالرحى حتى أثَّر الرحى بيدها ، وأسقت بالقربة حتى أثرت القربة بنحرها وقمَّت البيت حتى اغبرت ثيابها ، وأوقدت تحت القدر حتى دنست ثيابها ، فأصابها من ذلك ضرر ، 
 
فقدم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسبي أو خدم ، قال : فقلت لها : انطلقي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاسأليه خادمًا يقيك حر ما أنت فيه ، فانطلقت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوجدت عنده خدمًا أو خدامًا فرجعت ولم تسأله فذكر الحديث فقال : ألا أدلكِ على ما هو خير لكِ من خادم ؟ 
 
إذا أويتِ إلى فراشكِ سبحي ثلاثًا وثلاثين واحمدي ثلاثًا وثلاثين وكبري أربعًا وثلاثين فأخرجت رأسها فقالت : رضيت عن الله ورسوله مرتين . . [ مسند الإمام أحمد 1 / 153 ، وهو في البخاري أخصر من هذا في كتاب فرض الخمس ، باب الدليل على أن الخمس لنوائب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمساكين .
 
وفي مسلم كتاب الذكر والدعاء ، باب التسبيح أول النهار وعند النوم ، وأبو داود في أبواب النوم باب في التسبيح عند النوم ، والترمذي في أبواب الدعوات باب في التسبيح والتكبير والتحميد عند المنام ] . فلم ينكر قيامها بهذا المجهود ، ومن هي في فضلها وشرفها ، بل أقرها وأرشدها إلى عبادة تستعين بها على ذلك ، وأن ذلك خير لها من خادم .
 
روى ابن إسحاق بسنده عن أسماء بنت عميس قالت : لما أصيب جعفر وأصحابه دخل عليَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد دبغت أربعين منا ، وعجنت عجيني وغسلت بنيّ ودهنتهم ونظفتهم . قالت : فقال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( ائتيني ببني جعفر ) قالت : فأتيته بهم ، فتشممهم وذرفت عيناه ، فقلت : يا رسول الله بأبي أنت وأمي ، ما يبكيك ؟ أبلغك عن جعفر وأصحابه شيء ؟ قال : ( نعم ، أصيبوا هذا اليوم ) ... الحديث [ سيرة ابن هشام 3 / 380 ] . 
 
 
3 - استجابتها لزوجها فيما أحل الله له 
 
 
قال - صلى الله عليه وسلم - : إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح [ البخاري ، كتاب بدء الخلق ، باب إذا قال أحدكم " آمين " . ومسلم ، كتاب النكاح ، باب تحريم امتناعها من فراش زوجها ] .
 
بل الأولى في حقها أن تتقرب إليه دون الطلب ، وأن تتهيأ لذلك وتتجمل . وإنه لمن المؤسف أن بعض النساء تتجمل لخروجها - وقد نُهيت عن ذلك - أكثر مما تتجمل لزوجها - وقد أُمرت به - وكل ذلك يدل على جهل بالمسؤولية ، أو عدم اتباع لشرع الله . 
 
إن لقيام المرأة بهذا الأمر ، وحسن الأخذ به أثرًا كبيرًا على استقرار البيت ، حيث عفة الزوج ورضاه بما عنده وعدم شعوره بالإحباط والحرمان ، ومن ثم الاستقرار النفسي . 
 
ما أكثر الرجال الذين يعيشون حياة غير مستقرة بسبب شعورهم بالحرمان ، لأن المرأة لم تعر هذا الجانب اهتمامًا ، أو لم تعرف كيف تقوم به حق القيام ، فلتدرك المرأة دورها في ذلك ، ثم لتفكر وتبحث كيف تؤديه . 
 
 
4- حفظ سره وعرضه 
 
 
فلا تتعرض للفتنة ولا للتبرج ، ولا تتساهل في التعرض للرجال في باب المنزل أو النافذة أو خارج البيت ، ولتكن محتشمة عند خروجها . 
 
قال - صلى الله عليه وسلم - : فأما حقكم على نسائكم فلا يوطين فرشكم من تكرهون ولا يأذنَّ في بيوتكم لمن تكرهون [ بهذا اللفظ أخرجه الترمذي في أبواب الرضاع ، باب ما جاء في حق المرأة على زوجها . وهو حديث حسن ، انظر صحيح سنن الترمذي 1 / 341 ، أخرجه مسلم من حديث جابر في صفة حج النبي - صلى الله عليه وسلم - في كتاب الحج ، باب حجة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، دون - قوله : ( ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون ) ] . 
 
إن هذا يعطي صيانة أخلاقية للبيت ، وثقة للزوج ، وتربية للأبناء على العفة ، وأن البيت الذي يحصل فيه شيء من التساهل في أي أمر من هذه الأمور لن يكون سكنًا مريحًا ، ولا مكان استقرار . 
 
 
5 - حفظ المال 
 
 
يقول - صلى الله عليه وسلم - : والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها [ أخرجه البخاري في كتاب الجمعة ، باب الجمعة في القرى والمدن ، ومسلم في كتاب الإمارة ، باب فضيلة الإمام العادل ] . 
 
وقال - صلى الله عليه وسلم - : خير نساء ركبن الإبل صالح نساء قريش ؛ أحناه على ولد في صغره ، وأرعاه على زوج في ذات يده [ البخاري في كتاب النكاح ، باب إلى من ينكح ، وأي النساء خير ، ومسلم في كتاب فضائل الصحابة ، باب فضائل نساء قريش ] . 
 
وقضية المال قضية هامة يتعلق بها أمور منها : 
 
1 - الإصلاح في البيوت بحفظ ما فيه . 
 
2 - عدم التبذير والإسراف .
 
3 - عدم تحميل الزوج ما لا يطيق من النفقات 
. 
والأمور المالية اليوم أصبح لها نظام وحساب فكم من الوسائل والطرق توفر للأسرة عيشًا هنيئًا مع عدم التكلفة المالية ، وقد أصبحت فنًّا يدرس ، فهل تعي الزوجة دورها في ذلك . 
 
6 - المعاملة الحسنة 
 
فالزوج له القوامة فلابد من أن تكون المعاملة تنطلق من هذا ومن صور حسن المعاملة : 
 
تحمل خطئه إذا أخطأ . 
 
استرضاؤه إذا غضب . 
 
إشعاره بالحب والتقدير .
 
الكلمة الطيبة والبسمة الصادقة ، قال - صلى الله عليه وسلم - : تبسمك في وجه أخيك صدقة [ أخرجه الترمذي في أبواب البر والصلة ، باب ما جاء في صنائع المعروف ، والحديث صحيح انظر صحيح سنن الترمذي 2 / 186 ] . 
فكيف إذا كانت من زوجة لزوجها . 
 
الانتباه لأموره الخاصة من طعام وشراب ولباس من ناحية النوع والوقت ، ولتعلم المرأة أنها حين تقوم بهذه الأمور ليس فيه اعتداء على شخصيتها أو حطّ من مكانتها بل هذا هو طريق السعادة ،
ولن تكون السعادة إلا في ظل زوج تحسن معاملته وذلك تقدير العزيز العليم الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ يقول - صلى الله عليه وسلم - : لو كنت آمرًا أحدًا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها [ أخرجه أبو داود في كتاب النكاح باب في حق المرأة على زوجها ، والترمذي في أبواب الرضاع ، باب في حق الزوج على المرأة ، والحديث صحيح انظر صحيح سنن أبي داود 2 / 402 ] . 
 
فلتفهمي مقاصد الشرع ولا تغتري بالدعاية الكاذبة وليكن شعارك سمعنا وأطعنا . 
فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى . 
 
 
7- تنظيم الوقت 
 
احرصي على تنظيم وقتك حتى يكون عملك متعة ، واجعلي البيت دائمًا كالروضة نظافة وترتيبًا ، فالبيت دليل على صاحبته ، وبالنظافة والترتيب يكون البيت بأجمل صورة ، ولو كان الأثاث متواضعًا والعكس بالعكس . 
 
 
إن الزوج والأولاد حينما يعودون من أعمالهم ودراستهم متعبين فيجدون بيتًا منظمًا نظيفًا يخف عنهم العناء والإرهاق ، والعكس بالعكس ؛ فنظافة السكن ونظامه من أهم الأسباب لكونه سكنًا وراحة . 
 
8 - قفي مع زوجك 
 
 
في الأحداث والأزمات وما أكثرها في هذه الدنيا أمدِّيه بالصبر والرأي ، اجعليه عند الأزمات يهرب لبيته ، لزوجته ، لسكنه ، لا يهرب عنها ، فذلك من أكبر الأسباب للوئام ، وبهذا يكون البيت سكنًا . 
 
9 - الصدق معه 
 
 
كوني صادقة معه 
 
 
10 - كيف تتصرفين عند حصول الخلاف ؟ 
 
 
وأخيرًا اعلمي أننا بشر ، فلا بد من الضعف ، ولابد من وقوع اختلاف حول بعض الأمور ، لكن المهم كيف تعالج الخلافات فإذا كان من الطبيعي حصول بعض الخلاف ، فليس من الجائز أن يتحول كل خلاف إلى مشكلة قد تقوض كيان البيت ، وإليك بعض التوصيات التي ينبغي الانتباه لها عند حصول خلاف . 
 
 
1 - تجنبي الاستمرار في النقاش حالة الغضب والانسحاب حتى تهدأ الأعصاب . 
 
2 - استعملي أسلوب البحث لا الجدال والتعرف على المشكلة وأسبابها . 
 
3 - البعد عن المقاطعة والاستماع الجيد . 
 
4 - لابد من إعطاء المشاعر الطيبة ، وبيان أن كل طرف يحب الآخر ، ولكن يريد حل المشكلة . 
 
5 - لابد من الاستعداد للتنازل ، فإن إصرار كل طرف على ما هو عليه يؤدي إلى تأزم الموقف ، وقد ينتهي إلى الطلاق . 
 
 
هذا بعض ما ينبغي للمرأة أن تسلكه في بيتها حتى تكون قد شاركت في إيجاد السكن الحقيقي ، البيت الذي يعيش فيه الزوج هادئًا آمنًا مستقرًا فينتج لأمته ، وفيه يتربى الأولاد التربية السليمة فتصلح الأمة بصلاح الأجيال ، والزوجان هما أساس الأسرة فإذا كانت العلاقة بينهما سيئة فلا استقرار للبيت .
 
>>>>>>>>>>> يتبع
____________________
 
من كتاب : (( دور المرأة في تربية الأسرة ))