الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي أذل بالموت رقاب الجبابرة، وأنهى بالموت آمال القياصرة، فنقلهم بعظمة بالموت من القصور إلى القبور، ومن ضياء المهود إلى ظلمة اللحود، ومن ملاعبة الجواري والغلمان إلى مقاساة الهوام والديدان، ومن التنعم بالطعام والشراب إلى التمرغ في الوحل والتراب. .سبحانه ، سبحانه ، سبحانه.
الرجاء القراءه بتدبر لهذه الكلمات
﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا﴾**النصر: 1-3**
أخرج الإمام الطبراني من حديث جابر بن عبد الله أنه قال، قال جابر لما نزلت هذه السورة على المصطفى صلى الله عليه وسلم قال لجبريل عليه السلام: "يا جبريل أرى أنه قد نعيت إلى نفسي (نعيت إلى نفسي بهذه السورة يا جبريل) فقال جبريلُ: يا رسول الله والآخرة خير لك من الأولى"الآخرة خير لك من الأولى يا رسول الله.
نعم أيها الأحباب،
وفى أول شهر ربيع الأول في السنة الحادية عشر من هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم بدأ النبي يشتكي من ألم شديد وصداع شديد في رأسه وكان أول ما ابتدأ به من شكوى أنه ذهب إلى بقيع الغرقد - كما ورد في الحديث الذي رواه ابن إسحاق وبن سعد في الطبقات وابن جرير وابن كثير والإمام أحمد وأبو داود وغيرهم من حديث أبي مويهبة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم - قال أبو مويهبة "بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم من الليل وقال يا أبا مويهبة لقد أمرت أن أستغفر لأهل هذا البقيع فانطلق معي - يقول أبو مويهبة - فانطلقت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما وصل بين أظهرهم سلم على أهل البقيع فقال: السلام عليكم يا أهل المقابر هنيئاً لكم ما أصبحتم فيه مما أصبح الناس فيه أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع أخرها أولها وأخرها أشر من أولها - يقول أبو مويهبة - ثم التفت إليّ فقال: يا أبو مويهبة لقد أعطيت (أو أوتيت) مفاتيح خزائن هذه الدنيا والخلد فيها ثم الجنة فخُيرت بين ذلك وبين لقاء ربي والجنة فقال أبو مويهبة: بأبي أنت وأمي يا رسول الله فخذ مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها ثم الجنة، فقال الرسول: لا والله يا أبو مويهبة لقد اخترت لقاء ربي والجنة، يقول: ثم استغفر لأهل البقيع وعاد إلى بيت عائشة رضي الله عنها فوجدها تقول وارأساه رأسي يا رسول الله أحس بألم شديد في رأسي فأمسك صلى الله عليه وسلم رأسه الشريف وقال: بل أنا والله يا عائشة وارأساه أحس بألم شديد في رأسي يا عائشة، فنسيت عائشة ألمها رضي الله عنها وقامت لترقي المصطفى صلى الله عليه وسلم" كما ورد في صحيح البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اشتكى نَفَثَ على نفسه بالمعوذات فمَسَحَ بها على جسده فلما اشتكى وجعه الذي تُوفَّي فيه طفقت أنفث على نفسه بالمعوذات وأمسح بيده الشريفة على جسده"
في وراية الإمام مالك "رجاء بركة يد رسول الله صلى الله عليه وسلم"
وفي رواية مسلم "لأن يده أعظم بركة من يدي" لأنها كانت أعظم بركة من يدي. ومسحت جسد الحبيب صلى الله عليه وسلم بيد الحبيب صلى الله عليه وسلم، وهي تقرأ عليه المعوذات واشتد برسول الله صلى الله عليه وسلم الألم والوجع فقام النبي صلى الله عليه وسلم ليطوف على نسائه فاشتد به الألم وهو في بيت ميمونة رضي الله عنها فدعا نساءه واستأذنهن أن يُمَرَّض في بيت عائشة -فكانت أحب أزواجه إليه- فأذن له في ذلك رضي الله عنهن جميعاً وعاد الحبيب إلى بيت عائشة وهو يتكأ على العصاة وعلى عليّ من شدة الألم والوجع ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت عائشة رضي الله عنها.
وقد اشتد به الألم وقد اشتد به الوجع وفزع الصحابة وحزن الصحابة وقلق الناس قلقا بالغا وخاف الناس خوفا شديدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما علم رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك قال "أريقوا علىَّ من سبع قِرَب من الماء"
كما ورد حديث البخاري من حديث عائشة «أريقوا علىَّ من سبع قرب من الماء - تقول عائشة - فأجلسناه في مخضبٍ ( أي في طست أو إناء مثل ذلك) لحفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وطفقنا نصبُ عليه الماء حتى أشار بيده قد فعلتن قد فعلتن (وفي رواية ابن إسحاق) ظل يقول لهن صلى الله عليه وسلم حسبُكن حسبُكن (أي كفى)"فأحس الحبيب صلى الله عليه وسلم بنشاط فعصب رأسه عليه الصلاة والسلام وخرج إلى الصحابة رضي الله عنهم وقد فزعوا فزعاً شديداً وقلقوا قلقاً شديداً وحزنوا على مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم وخافوا على فراقه صلى الله عليه وسلم فخرج إليهم وصعد الرسول صلى الله عليه وسلم على المنبر، والتف الصاحبة حول رسول الله فخطب فيهم صلى الله عليه وسلم فقال بعد ما حمد الله عز وجل وأثنى على الله عز وجل وصلى على نفسه صلى الله عليه وسلم واستغفر لأهل أحد وصلى عليهم وأكثر عليهم الصلاة وأكثر لهم الدعاء ثم قال:
"أيها الناس إني بين أيديكم فرط وأنا عليكم شهيد وإن موعدكم الحوض وإني لأنظر إليه من مقامي هذا إني ما أخشى عليكم أن تشركوا بعدي ولكني أخشى عليكم الدنيا أن تنافسوا فيها كما تنافس فيها من كان قبلكم فتهلككم كما أهلكتهم"ثم قال: " أيها الناس إن عبداً من عبادِ الله خيره الله بين الدنيا وبين ما عند الله فاختار ما عند الله" فبكى الصديق رضي الله عنه وارتفع صوته بالبكاء وعلم أن العبد المخير هو رسول الله صلى الله عليه وسلم فرفع يديه إلى رسول الله وقال" بأبي أنت وأمي يا رسول الله فديناك بآبائنا، فديناك بأمهاتنا، فديناك بأموالنا، فديناك بأنفسنا يا رسول الله، فضج الصحابة وقاموا على أبي بكر رضي الله عنه وقالوا عجباً لهذا الشيخ! الرسول صلى الله عليه وسلم يتكلم عن عبد خُير بين الدنيا وبين الآخرة فاختار ما عند الله عز وجل، ولكن الصديق كان أعلم الصحابة برسول الله وعلم أن العبد المخير هو المصطفى صلى الله عليه وسلم فبكى وقام الناس على أبي بكر رضي الله عنه فقال الحبيب: "على رسلك يا أبا بكر. أيها الناس إن أَمَنَّ الناس عليَّ بصحبته وماله أبو بكر، كلكم كان له عندنا يد كافأناه بها إلا الصَّديق فإنا تركنا مكافأته لله عز وجل ولو كنت متخذاً من العباد خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً ولكن أخوة وصحبة.أيها الناس انظروا إلى هذه الأبواب التي تنفذ إلى المسجد سدوها من اليوم إلا باب أبي بكر رضي الله عنه، ثم نظر إليهم - كما جاء في بعض الروايات رواه البذار وغيره - نظر إليهم صلى الله عليه وسلم وبكى فبكى الصحابة رضي الله عنهم وقال لهم: حياكم الله، آواكم الله، نصركم الله، رزقكم الله، أيدكم الله، إني أحذركم الله، إني لكم نذير مبين، ثم قال صلى الله عليه وسلم: اقرؤوا مني السلام على من تبعني إلى ديني من يومي هذا إلى يوم القيامة" وعليك السلام يا رسول وعليك السلام يا رسول.."اقرؤوا مني السلام على من تبعني إلى ديني من يومي هذا إلى يوم القيامة" فبكى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فعاد الرسول وهو يتكأ على العباس وعلى علي رضي الله عنهما فدخل بيت عائشة رضي الله عنها واشتد به الوجع واشتد به الألم وزاد به المرض وزادت عليه الحمى صلى الله عليه وسلم.
تقول عائشة رضي الله عنها "دخل عليه عبد الله بن مسعود - كما ورد في صحيح البخاري - فوجد الحمى تشتد برسول الله فقال يا رسول الله: إني أراك توعك وعكاً شديدا فقال الرسول: أجل يا عبد الله إني لأوعك كما يوعك الرجلان منكم قال عبد الله: ذلك لأن لك لأجرين يا رسول الله قال:نعم يا عبد الله فما من مسلم يصيبه أذى حتى الشوكة يشاكها إلا حط الله بها من خطاياه كما تحط الشجرة ورقها" تقول عائشة رضي الله عنها وأنا مسندة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى صدري - كما جاء في الحديث الذي رواه البخاري - تقول "جمع الله بين ريقي وريقه عند الموت فلقد جلست وأسندت رسول الله إلى صدري فدخل علي عبد الرحمن بن أبي بكر بيده سواك فرأيت رسول الله ينظر إلى السواك وعرفت أنه يحب السواك، فقلت يا رسول الله: آخذ إليك السواك؟ فأشار برأسه: أن نعم، فأخذت السواك فقضمته ثم لينته، ثم طيبته، ثم دفعته لرسول الله صلى الله عليه وسلم فاستاك به جيداً كأشد ما يستاك قبل ذلك، فأخذت منه السواك واستكت به فجمع الله بين ريقي وريقه في أخر يوم من أيام الدنيا وأول يوم من الآخرة فكان هذا هو آخر عهدي بريق المصطفى صلى الله عليه وسلم".
واشتد الألم ودخلت فاطمة الزهراء رضي الله عنها وأرضاها دخلت فاطمة رضي الله عنها وكان الرسول يحبها حباً شديداً فكانت أشبه الناس به وكانت أحب الناس إليه لأنها هي التي أصابها الله جل وعلا بموته أما جميع أخواتها متن قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت إذا ما دخلت عليه في حالة صحته قام إليها وقبلها بين عينيها وأجلسها في مجلسه ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يستطيع القيام فلما دخلت عليه ووجدته يعاني الألم والمرض أكبت عليه تقبله وهي تبكي وهي تقول واه كرب أبتاه واه كرب أبتاه والرسول يقول لها: "لا كرب على أبيك بعد اليوم يا فاطمة لا كرب على أبيك بعد اليوم يا فاطمة" فسارها النبي صلى الله عليه وسلم (أي التقم أذنها وأعطى لها سرا) فبكت فاطمة رضي الله عنها وانطلقت فنادى عليها فعادت إليه فقال لها سر آخر فضحكت فلما سُئلت عن ذلك قالت: أخبرني أنه سيموت في وجعه هذا فبكيت ولما عدت إليه أخبرني أنى أولُ أهل بيته لحوقاً به فضحكت واستبشرت لذلك.
وفي رواية أخرى قال لها: "يا فاطمة إن جبريل كان يعارضني القرآن في كل عام مرة وأراه قد عارضني القرآن في هذا العام مرتين وما أراه إلا أنه قد اقترب أجلي يا فاطمة، فبكت فاطمة رضي الله عنها فقال لها الحبيب صلى الله عليه وسلم: يا فاطمة إني أعلم إنك أشدُ نساء المسلمين مصاباً بي بعد موتى فلا تكوني أقل امرأة منهم صبراً فاصبري يا ابنتي واحتسبي أجركِ عند الله فخرجت فاطمة تبكي وهي تقول: احتسبتك عند الله يا رسول الله..احتسبتك عند الله يا رسول الله..احتسبتك عند الله يا رسول الله وخرجت فاطمة تبكي رضي الله عنها"
تقول عائشة رضي الله عنها وفي يوم الاثنين الذي توفى فيه الحبيب صلى الله عليه وسلم خرج والمسلمون يصلون صلاة الفجر -على الصحيح - فكشف الستر ووقف على باب عائشة رضي الله عنها فلما رأى الصحابة رسول الله خرج إليهم ووقف على الباب كادوا أن يُفتنون في الصلاة وفرحوا برسول الله صلى الله عليه وسلم فعلم الصديق أنه ما فعلوا ذلك إلا لرؤيتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم فَهمَّ الصديق أن ينصرف إلى الخلف ليخلي مكان الحبيب صلى الله عليه وسلم - فلقد أمره الرسول أن يصلى بالمسلمين في مدة مرضه صلى الله عليه وسلم - وهَمَّ الصديق أن يتقهقر ويتأخر فأشار إليهم الرسول صلى الله عليه وسلم أن أثبتوا وابتسم الحبيب صلى الله عليه وسلم لما رأى من حسن هيئتهم في الصلاة وأرخى الستر.
وكان الرسول يريد أن يلقي على أصحابه نظرة الوداع فكانت آخر نظرة نظرها إلى أصحابه صلى الله عليه وسلم أرخى الستر ودخل إلى بيت عائشة ولم يدري أحد أنها اللحظات الأخيرة، وعاد وقد اقترب الأجل وبدأت اللحظات الأخيرة من عمره الشريف تتلاشى وتنتهي.
عاد الحبيب وإذا بملك الموت في بيت الحبيب انتهى الأجل يا رسول الله..انتهى الأجل يا حبيب الله.. ملك الموت الآن في بيت المصطفى صلى الله عليه وسلم، ورسول الله في حجر عائشة بين سحرها ونحرها ورأسه على صدرها صلى الله عليه وسلم، وملك الموت في الدار واقترب الأجل وانتهت اللحظات الأخيرة من أشرف عمر من عمر الحبيب صلى الله عليه وسلم..نعم أقبل يا ملك الموت، انتهى الأجل كما حدده الله، أقبل يا ملك الموت، أقبل يا ملك الموت، ويقبل ملك الموت ليعالج أطهر روح على ظهر الأرض ليقبض أشرف روح وينادي على روح المصطفى يا أيتها الروح الطيبة أخرجي إلى مغفرة من الله أخرجي إلى مغفرة من الله ورضوانا إلى رب راض عنك غير غضبان أخرجييا روح محمد بن عبد الله أطهر روح واشرف روح.
﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي﴾**الفجر:27-30**
فتخرج روح الحبيب. تقول عائشة رضي الله عنها: «مات رسول الله بين سحري ونحري ورأيته يرفع يده للسماء (أو إصبعه) ويقول: بل الرفيق الأعلى، بل الرفيق الأعلى، بل الرفيق الأعلى فعلمت أنه يُخَيَّر وانه أخبر بذلك صلى الله عليه وسلم"
وهكذا أيها الأحباب..
خرجت روح الحبيب إلى خالقها إلى مقعد صدق عن مليك مقتدر إلى جنة الله جل وعلا إلى النعيم الأبدي المقيم إلى دار الخلد.
مات رسول الله، مات حبيب الله، مات إمام الأنبياء، مات إمام الأصفياء، مات إمام الأتقياء، مات سيد العالمين، مات سيد المرسلين.
وخرجت عائشة - سقطت يده فعلمت أنه مات - فخرجت تبكي وتصرخ فقابلها عمر فعلم أن الأمر قد وقع وعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مات لكنه لا يصدق لا يصدق عقله ولا يصدق هذه الحقيقة أبدا فخرج ورفع سيفه في وسط الناس في وسط هذه الجموع الملتهبة في وسط هذه الجموع التي تصرخ وتبكي وقال: "والله إن رجالاً من المنافقين يزعمون أن رسول الله قد مات، ووالله رسول الله ما مات، لقد ذهب إلى لقاء ربه عز وجل كما ذهب موسى بن عمران إلى لقاء الله فغاب عن قومه أربعين ليلة وعاد مرة ثانية فرسول الله ما مات وسيعود ليقطعن أيدي رجال وأرجلهم زعموا أنه قد مات" وعمر بن الخطاب يصيح ويصرخ وعلي بن أبي طالب سمع الخبر فشلت قدماه وقعد على الأرض ولم يستطع القيام وعثمان بن عفان سمع الخبر فخرس لسانه وكان يذهب به ويؤتى به وهو لا يتكلم. أُذهل العالمون أُذهل الناس جميعا وأُذهل أصحاب الحبيب صلى الله عليه وسلم.
وأيَّد الله المنصور أبا بكر رضي الله عنه، عاد من منزله في السنح - وكان في يوم الاثنين قد استأذن رسول الله لما رآه أطل عليهم من وراء الستر واستأذنه أن يذهب إلى بيته في السنح إلى زوجه هناك فأذن له الرسول صلى الله عليه وسلم - فلما سمع الخبر عاد إلى بيت الحبيب إلى بيت عائشة والناس يتصايحون وعمر بن الخطاب يصرخ في هذه الجموع وعثمان بن عفان لا ينطق ولا يتكلم وعلي جالس في الأرض لا يقوى على القيام فلم يلتفت الصديق إلى شيء ودخل الصديق المسجد ودخل على جثمان الحبيب صلى الله عليه وسلم.
اليوم تدخل على جثمان الحبيب يا أبا بكر؟ كنت بالأمس القريب تدخل على سيد الخلق وحبيب الحق وأنت اليوم تدخل على جثمان مسجى يا أبا بكر؟ فدخل الصديق إلى جثمان الحبيب صلى الله عليه وسلم وكشف الغطاء والبُرد عن وجهه وجلس على ركبتيه أمام الحبيب فقبله بين عينيه وبكى أبا بكر رضي الله عنه وقال: "طبت حيا وميتا يا رسول الله طبت حيا وميتا يا رسول الله طبت حيا وميتا يا رسول الله، أما الموتة التي قد كتبها الله عليك فقد ذقتها فلا ألم عليك بعد اليوم يا رسول الله" ثم بكى الصديق رضي الله عنه وقال: "يا حبيبي لقد انقطع بموتك ما لم ينقطع بموت أحد من الأنبياء جللت يا حبيبي عن البكاء وا صفياه وا خليلاه وا نبياه وا صفياه وا خليلاه وا نبياه" وخرج الصديق رضي الله عنه الذي أيده الله بمدد من عنده وثبته الله جل وعلا، خرج وعمر بن الخطاب يصرخ فقال: "على رسلك يا عمر أمسك يا عمر أمسكوا أيها الناس" وأبى عمر إلا أن يتكلم يصرخ في الناس يقول: "من قال أن محمد قد مات لأعلونه بسيفي هذا" فلما رأى الناس الصديق رضي الله عنه يريد أن يتحدث انصرف الناس عن عمر وأقبلوا على أبى بكر رضي الله عنه وقف الصديق رضي الله عنه ليعلن الحقيقة الكبرى في هذا الوجود كله وقال: "أيها الناس أيها الناس من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت ثم تلا قول الحق جل وعلا
﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ ﴾ **آل عمران:144**
يقول أبو هريرة فأخذها الناس من أبى بكر وكأنهم لم يسمعوها قبل اليوم وكأنهم لم يعلموا أنها أنزلت فانطلق الناس جميعا وهم يرددون هذه الآية كل مشى وهو يتلو قول الله:
﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ ﴾ **آل عمران:144**
يقول عمر بن الخطاب: "فلما سمعتها وعلمت أن رسول الله قد مات عقرت -وقعت على الأرض- ولم تسطع ثوبه،أن تحملني وعلمت أن رسول الله قد مات" وغسل وكفن الحبيب صلى الله عليه وسلم في ثيابه ولقد اختلفوا هل نجرده من ثوبه ؟ هل نغسله في ثوبه ؟ فسمعوا منادياً - كما ذكرت جميع الكتب في السير - سمعوا منادياً ينادي أن غسلوا رسول الله في ثوبه، لا تجردوا رسول الله أبدا. فغسلوا الحبيب صلى الله عليه وسلم في ثوبه، كانوا يصبوا عليه الماء وعلي رضي الله عنه يغسله صلى الله عليه وسلم من على الثوب لا تمس يده جسد الحبيب عليه الصلاة والسلام، وغُسِّل الحبيب وكُفِّن الحبيب ودُفن الحبيب في غرفته التي مات فيها، في حجرة عائشة رضي الله عنها. ويا له من شرف لعائشة رضي الله عنها أن جثمان الحبيب في غرفتها وفي حجرتها وفي بيتها، ودفن الحبيب وصَلّت عليه الملائكة، وصلَّى عليه الصحابة وأهل بيته الأقرب فالأقرب، ولما صُلي عليه ودُفن وسمُعت أصوات المساحين في الليل وهي تُهيل التراب على جسد الحبيب صلى الله عليه وسلم صرخ نساء النبي، وضجت المدينة بالبكاء، وضجت فاطمة رضي الله عنها وبكت وهي تقول: " و أبتاه وا أبتاه وا أبتاه أجابَ رباً دعاه، وا أبتاه إلى جبريل ننعاه، وا أبتاه في جنة الفردوس مأواه"
فنظرت فوجدت أنس بن مالك رضي الله عنه، فنظرت إلى أنس وهي تبكي وتقول: "يا أنس أطابت أنفسكم أن تحثوا التراب على رسول الله؟ أطابت أنفسكم أن تحثوا التراب على رسول الله؟"وحان وقت أول صلاة فأذن بلال رضي الله عنه، فلما جاء عند قوله: أشهد أن محمداً رسول الله بكى بلال رضي الله عنه ولم يستطع أن يكمل الأذان فبكى الناس، وضجت المدينة بالبكاء.
وهكذا أيها الأحباب،
مات الحبيب صلى الله عليه وسلم. والله يا رسول الله والله إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وإنا لفراقك يا رسول الله لمحزنون. والله إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وإنا لفراقك يا رسول الله لمحزنون وصدق الله جل وعلا إذ يقول: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾ **آل عمران: 185**
اللهم صل وسلم وزد وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، واجزه عنا خير ما جازيت نبياً عن أمته، ورسولاً عن دعوته ورسالته. وأقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
أيها الأحبة في الله،
هكذا مات الرسول صلى الله عليه وسلم، والله جل وعلا يقول: ﴿وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ (34) كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ
منقول من خطبه للشيخ محمد حسان
جزاه الله عنا خير الجزاء