لما كان بدن الآدمي لا يقوم إلا باجتلاب المصالح ودفع المؤذي، ركب فيه الهوى ليكون سبباً لجلب النافع. والغضب ليكون سبباً لدفع المؤذي.
ولولا الهوى في المطعم، ما تناول الطعام، فلم يقم بدنه فجعل له إليه ميل وتوق.
فإذا حصل له قدر ما يقيم بدنه زال التوق، وكذلك في المشرب والملبس والمنكح.
وفائدة المنكح من وجهين، أحدهما: إبقاء الجنس وهو معظم المقصود، والثاني: دفع الفضلة المحتقنة المؤذي احتقانها.
ولولا تركيب الهوى المائل بصاحبه إلى النكاح ما طلبه أحد، ففات النسل وآذى المحتقن.
فأما العارفون فإنهم فهموا المقصود، وأما الجاهدون فإنهم مالوا مع الشهوة والهوى ولم يفهموا مقصود وضعها فضاع زمانهم فيما لا طائل فيه، وفاتهم ما خلقوا لأجله وأخرجهم هواهم إلى فساد المال وذهاب العرض والدين، ثم أداهم إلى التلف.
وكم قد رأينا من متنعم يبالغ في شراء الجواري ليحرك طبعه بالمستجد فما كان بأسرع من أن وهنت قواه الأصلية فتعجل تلفه.
وكذلك رأينا من زاد غضبه فخرج عن الحد ففتك بنفسه وبمن يحبه.
فمن علم أن هذه الأشياء إنما خلقت إعانة للبدن على قطع مراحل الدنيا، ولم تخلق لنفس الالتذاذ وإنما جعلت اللذة فيها كالحيلة في إيصال النفع بها رشد، إذ لو كان المقصود التنعم بها لما جعلت الحيوانات البهيمة أوفى حظاً من الآدمي منها.
فطوبى لمن فهم حقائق الوضع، ولم يمل به الهوى عن فهم حكم المخلوقات.