موقف السلف
من نشر أو سماع شبهات أهل البدع
عبد العزيز بن ناصر الجليل
إن نشر وقراءة وسماع الشبهات والأفكار المنحرفة سواء كانت على هيئة حوارات، أو محاضرات، أو منتديات، أو تمثيليات.. إلخ. من غير إنكار ولا رد: إن كل ذلك مما يجب على المسلم أن يمنع قلمه وسمعه وبصره منه لكيلا يتشرب القلب ببعض هذه الشبهات، ولكي يحفظ المسلم وقته وعمره من أن يضيع فيما لا ينفعه في الآخرة. ولكي لا يتحمل وزر غيره ممن يضلّون بسماعهم أو قراءتهم لما ينشر من الشبهات.
قال الله ـ تعالى ـ: {لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ** [النحل: 25].
أما من كانت لديه القدرة على رد الشبهات وتفنيد الباطل وفضحه للناس؛ فإن الأمر حينئذ يختلف ويصبح في سماع الباطل مصلحة لمعرفة من وراءه والرد عليه وفضحه للناس وحمايتهم من خطره وشبهاته.
وقد حذر الله ـ عز وجل ـ المؤمنين من حضور المجالس التي يخاض فيها بالباطل، فقال: {وَإذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِـمِينَ** [الأنعام: 68].
وقد جعل الله ـ عز وجل ـ المشارك في مجالس الباطل دون إنكار لما فيها من الأقوال الباطلة من ضمن أهل الباطل؛ وذلك في قوله ـ تعالى ـ: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إنَّكُمْ إذًا مِّثْلُهُمْ إنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْـمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا** [النساء: 140] .
وإن مما يؤسف له اليوم تلك المواقف المتميعة من بعض الدعاة تجاه الأقوال المبتدعة والأفكار المنحرفة؛ حيث مكنوا لأهل البدع والعلمنة أن يقولوا باطلهم في مجلاتهم، ومواقعهم الإسلامية في شبكة (الإنترنت) أو في بيوتهم، ومنتدياتهم، وألقوا سمعهم إليهم بحجة الحرية الفكرية والنقاش الحر!! حتى أضحت تلك المنابر طريقاً للاختراق الثقافي العلماني والبدعي، وسلماً لتزيين الباطل وتلميع رموزه ودعاته، وأخشى أن يكون أولئك ممّن قال الله فيهم: {يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ** [الحشر: 2]. ففي هذا مخالفة لكتاب الله عز وجل، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومنهج السلف الصالح رضي الله عنهم.
أما المخالفة للقرآن الكريم فكما مر بنا في آية الأنعام وآية النساء من النهي عن مجالسة الخائضين في الباطل، إلا أن يبين باطلهم وينكر عليهم، في حالة عدم القدرة على منعهم. أما أن تفتح لهم أبواب المجلات والمواقع والبيوت فهذا منكر قد نهى الله ـ عز وجل ـ عنه أشد النهي.
يقــول الــشيخ الســعدي ـ رحمــه الله تعالــى ـ عنـد قولـه ـ تعالى ـ في سورة الأنعام: {وَإذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ** [الأنعام: 68]: «المراد بالخوض في آيات الله: التكلم بما يخالف الحق، من تحسين المقالات الباطلة، والدعوة إليها، ومدح أهلها، والإعراض عن الحق، والقدح فيه وفي أهله. فأمر الله رسوله أصلاً، وأمته تبعاً، إذا رأوا من يخوض في آيات الله بشيء مما ذكر، بالإعراض عنهم، وعدم حضور مجالس الخائضين بالباطل والاستمرار على ذلك، حتى يكون البحث والخوض في كلام غيره. فإذا كان في كلام غيره، زال النهي المذكور. فإن كان مصلحة، كان مأموراً به، وإن كان غير ذلك، كان غير مفيد ولا مأمور به. وفي ذم الخوض بالباطل، حث على البحث، والنظر، والمناظرة بالحق.
ثم قال: {وَإمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ** أي: بأن جلست معهم، على وجه النسيان والغفلة: {فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِـمِينَ** يشمل الخائضين بالباطل، وكل متكلم بمحرم، أو فاعل لمحرم، فإنه يحرم الجلوس والحضور عند حضور المنكر الذي لا يقدر على إزالته.
هذا النهي والتحريم لمن جلس معهم، ولم يستعمل تقوى الله، بأن كان يشاركهم في القول والعمل المحرم، أو يسكت عنهم، وعن الإنكار.
فإن استعمل تقوى الله تعالى، بأن كان يأمرهم بالخير، وينهاهم عن الشر والكلام الذي يصدر منهم، فيترتب على ذلك زواله وتخفيفه ـ فهذا ليس علىه حرج ولا إثم، ولهذا قال: {وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَلَكِن ذِكْرَى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ** [الأنعام: 69]، أي: ولكن ليذكرهم، ويعظهم، لعلهم يتقون الله تعالى«(1).
ويقول الشيخ رشيد رضا ـ رحمه الله تعالى ـ عند هذه الآية: «والصواب من القول في الآية أنها عامة، وأن المخاطب بها أولاً بالذات سيدنا الرسول صلى الله عليه وسلم وكل من كان معه من المؤمنين؛ فكل ما ورد عن السلف في تفسيرها صحيح. والمعنى العام الجامع المخاطب به كل مؤمن في كل زمن: «وإذا رأيت» أيها المؤمن {الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا** المنزلة، من الكفار المكذبين، أو من أهل الأهواء المفرقين، {فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ** أي: انصرف عنهم وأرهم عرض ظهرك، بدلاً من القعود معهم، أو الإقبال عليهم بوجهك، {حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ** أي غير ذلك الحديث الذي موضوعه الكفر بآيات الله والاستهزاء بها من قِبَل الكفار، أو تأويلها بالباطل مـن قِبَل أهـل الأهواء، لتأييد ما استحدثوا من المذاهب والآراء، وتفنيد أقوال خصومهم بالجدل والمراء؛ فإذا خاضوا في غيره فلا بأس بالقعود معهم. وقيل إن الضمير في «غيره» للقرآن لأنه هو المراد بالآيات فأعيد الضمير عليها بحسب المعنى.
وسبب هذا النهي أن الإقبال على الخائضين والقعود معهم أقل ما فيه أنه إقرار لهم على خوضهم، وإغراء بالتمادي فيه، وأكبره أنه رضاء به ومشاركة فيه. والمشاركة في الكفر والاستهزاء كفر ظاهر لا يقترفه باختياره إلا منافق مراءٍ أو كافر مجاهر. وفي التأويل لنصر المذاهب أو الآراء، مزلقة في البدع واتباع الأهواء، وفتنته أشد من فتنة الأول، فإن أكثر الذين يخوضون في الجدل والمراء من أهل البدع وغيرهم تغشهم أنفسهم بأنهم ينصرون الحق ويخدمون الشرع، ويؤيدون الأئمة المهتدين، ويخذلون المبتدعين المضلين. ولذلك حذر السلف الصالحون من مجالسة أهل الأهواء أشد مما حذروا من مجالسة الكفار؛ إذ لا يخشى على المؤمن من فتنة الكافر ما يخشى عليه من فتنة المبتدع؛ لأنه يحذر من الأول على ضعف شبهته، ما لا يحذر من الثاني وهو يجيئه من مأمنه، ولا يعقل أن يقعد المؤمن باختياره مع الكفار في حال استهزائهم بآيات الله وتكذيبهم به وطعنهم فيها كما لا يقعد مختاراً مع المجادلين فيها المتأولين لها، وإنما يتصور قعود المؤمن مع الكافر المستهزئ في حال الإكراه وما يقرب منهــا كشـدة الضعــف، ولا سيما إذا كان في دار الحرب. ولم تكن مكة دار إسلام عند نزول هذه الآيات. ويدخل في أهل الأهواء المقلدون الجامدون الذين يحاولون تطبيق آيات الله وسنن رسوله على آراء مقلديهم بالتكلف، أو يردونها ويحرّمون العلم بها بدعوى احتمال النسخ أو وجود معارض آخر...»(2).
أما ما ورد في السُّنة من النهي عن سماع الباطل، والخوض في آيات الله ـ عز وجل ـ فكما روى اللالكائي بسنده عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن نفراً كانوا جلوساً بباب النبي صلى الله عليه وسلم فقال بعضهم: ألم يقل الله كذا، وكذا؟ قال: فسمعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج فكأنما فُقِئَ في وجهه حب الرمان فقال: «بهذا أمرتم، أو بهذا بعثتم أن تضربوا القرآن بعضه ببعض؟ إنما هلكت الأمم قبلكم في مثل هذا. فانظروا الذي أُمرتم به فاعملوا به، وانظروا الذي نهيتم عنه فانتهوا عنه»(3).
فهذا نبي الله صلى الله عليه وسلم غضب أشد الغضب وأمرهم بالكف، ولم يفتح لهم باب الحوار والمناظرة بحجة حرية الحوار والفكر!! لأنه صلى الله عليه وسلم رحيم بأمته يخاف عليهم مما يكون سبباً في زيغهم وانحرافهم.
وأما ما جاء عن السلف ـ رضي الله عنهم ـ من التشديد على أهل البدع وعدم السماع منهم، أو إعطائهم المجال لطرح أفكارهم وآرائهم؛ فالروايات في ذلك كثيرة ومن أشهرها: موقف عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ من صبيغ بن عِسْل: فقد روى اللالكائي بسنده قال: أخبرنا أحمد بن علي بن العلاء قال: حدثنا أبو الأشعث، قال: حدثنا حماد بن زيد عن يزيد بن حازم عن سليمان بن يسار، أن رجلاً من بني تميم يقال له صبيغ بن عِسْل قدم المدينة وكانت عنده كتب، فجعل يسأل عن متشابه القرآن، فبلغ ذلك عمر ـ رضي الله عنه ـ فبعث إليه وقد أعد له عراجين النخل، فلما دخل عليه وجلس قال: من أنت؟ قال: أنا عبد الله صبيغ. قال عمر: وأنا عبد الله عمر، وأومأ عليه، فجعل يضربه بتلك العراجين؛ فما زال يضربه حتى شجه، وجعل الدم يسيل عن وجهه، قال: حسبُك يا أمير المؤمنين! فقد والله ذهب الذي أجد في رأسي»(4).
فهذا هو فعل عمر ـ رضي الله عنه ـ مع الخائضين في الباطل المتبعين للشبهات؛ حيث لم يمكِّنهم من قول الباطل بحجة النقاش الحر وحرية التفكير!!
وكان الحسن ـ رحمه الله تعالى ـ يقول: لا تجالسوا أهل الأهواء ولا تجادلوهم، ولا تسمعوا منهم(5).
وكان ابن طاووس جالساً فجاء رجل من المعتزلة قال: فجعل يتكلم قال: فأدخل ابن طاووس أصبعيه في أذنيه. قال: وقال لابنه: أيْ بنيَّ أدخل اصبعيك في أذنيك، واشدد لا تسمع من كلامه شيئاً. قال معمر: يعني أن القلب ضعيف.
وأختم هذه المواقف بكتاب أرسله سماحة الشيخ عبد العزيز ابن باز إلى الشيخ العلاَّمة محب الدين الخطيب ـ رحمهما الله ـ ينبهه فيه سماحته حول ملحوظة وردت في مقال نشر في المجلة التي كان يصدرها محب الدين الخطيب.
فإليك نصَّها: من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم العلاَّمة الشيخ محب الدين الخطيب رئيس تحرير مجلة الأزهر الغراء(6) وفقه الله آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
أما بعد: فقد اطلعت على الكلمة المنشورة في مجلتكم الغراء عدد ربيع ثانٍ سنة 76 صفحة 354 للشيخ محمد الطنيخي مدير عام الوعظ والإرشاد للجمهورية المصرية؛ حيث يقول في آخرها ما نصه: «قد علمت أن الإيمان عند جمهور المحققين هو التصديق بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم؛ وهذا التصديق هو مناط الأحكام الأخروية عند أكثرهم؛ لأنه هو المقصود من غير حاجة إلِى إقرار أو غيره؛ فمن صدق بقلبه، ولم يقر بلسانه، ولم يعمل بجوارحه كان مؤمناً شرعاً عند الله ـ تعالى ـ ومقره الجنة إن شاء الله» انتهى.
فاستغربت صدور هذا الكلام، ونشره في مجلتكم الغراء الحافلة بالمقالات العلمية والأدبية النافعة من جهتين:
إحداهما: صدوره من شخصية كبيرة تمثل الوعظ والإرشاد في بلاد واسعة الأرجاء كثيرة السكان.
والجهة الثانية: نشره في مجلتكم وسكوتكم عن التعليق عليه، وهو كلام ـ كما لا يخفى ـ فيه تفريط وإفراط؛ تفريط في جانب الدين، ودعوة إلى الانسلاخ من شرائعه، وعدم التقيد بأحكامه، وإفراط في الإرجاء يظن صاحبه أنه على هدى، ويزعم أنه بمجرد التصديق قد بلغ الذروة في الإيمان، حتى قال بعضهم: إن إيمانه كإيمان أبي بكر وعمر بناءً على هذا الأصل الفاسد، وهو أن الإيمان مجرد التصديق وأنه لا يتفاضل!
ولا شك أن هذا خلاف ما دل عليه القرآن والسُّنَّة، وأجمع عليه سلف الأمة.
وقد كتبت في رد هذا الباطل كلمة مختصرة تصلكم بطيه، فأرجو نشرها في مجلتكم، وأرجو أن تلاحظوا ما ينشر في المجلة من المقالات التي يخشى من نشرها هدم الإسلام؛ فتريح الناس من شرها والرد عليها لأمرين:
أحدهما: أن نشر الباطل من غير تعليق عليه نوع من ترويجه والدعوة إليه.
والثاني: أنه قد يسمع الباطل من لا يسمع الرد عليه فيَغتَرُّ به، ويتَّبع قائله، وربما سمعها جميعاً فعشق الباطل وتمكن من قلبه، ولم يقوَ الردُّ على إزالة ذلك من قلبه؛ فيبقى الناشر للباطل شريكاً لقائله في إثم من ضل به.
عصمني الله وإياكم وسائر إخواننا من أسباب الضلال والإضلال، وجعلنا وإياكم من الهداة المهتدين، وليكن على بال فضيلتكم ما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً»(7).
والله أعلم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته»(8).
وأقوال السلف ومواقفهم في هذا الشأن كثيرة ومعروفة.
فهل بعد كتاب الله ـ عز وجل ـ وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومواقف سلفنا الصالح من كلام أو اجتهاد لمجتهد يرى فتح الباب لأهل الأهواء ليقولوا باطلهم بحرية ثم يرد عليهم بعد ذلك من شاء؟!
ويا ليت أن الأمر اقتصر عندهم على سماع الباطل من مواقع أهل الفساد؛ إذن لكان الخطب أهون؛ ولكن المصيبة أن يفتح بعض الإسلاميين صحفهم ومجلاتهم، ومواقعهم، وبيوتهم ومنتدياتهم، ويدعون أهل الأهواء إليها ضيوفاً مكرمين. يتصدرون المجالس، والصفحات، ليقولوا فيها باطلهم، ويُعْطون من الوقت والكتابة ما لا يعطى لأهل الحق وأتباع السلف!!
إن فتح باب الحوار والمجادلة بالتي هي أحسن لا تعني أن تفتح الأبواب مشرعة لكل فكر دخيل ورأي سقيم يتطاول على عقيدة الأمة وثوابتها، ولا تعني التمكين له والاحتفاء به ونشره بين الخاصة والعامة، بل إن الواجب الشرعي يقتضي نصرة الحق وردّ الباطل وكشف زيوفه.
وعندما ننهى عن التمكين للعلمانيين والمبتدعة في منابرنا الإعلامية فلا يعني هذا قمع المخالف والتسلط عليه كما يزعم بعضهم، ولا أن أهل الحق أضعف من أن يقيموا الحجة وأجبن من أن يناظروا غيرهم كما يزعم آخرون؛ ولكن لا بد أن تحفظ الأمة بسياج من العلم والتقى يحميانها من شبهات أهل الأهواء، وأحابيل أهل الزيغ والضلال. ومناظرة العلمانيين ورؤوس المبتدعة لها طرائقها ووسائلها العلمية التي تحقق المقصود بعيداً عن فتنة العامة وأنصاف المتعلمين الذين لا يقدرون هذه الأمور التقدير الصحيح، وصدق علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ بقوله: «ما أنت محدث قوماً بحديث لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة».
وإنني أؤكد هنا أن الرأي الآخر الذي ينبغي أن تفتح له الأبواب، ويقدر أهله، هو الرأي الاجتهادي الذي يسوغ فيه الاختلاف عند علماء الأمة وهو الرأي الذي يبنى على الدليل والبرهان، وينطلق من ثوابت الأمة وقواعد الاستدلال العلمي، والحوار في هذه الدائرة هو الذي نص الأئمة على قبوله وسعة الصدر عند وجوده، فما زال الأئمة يجتهدون ويخالف بعضهم بعضاً في مسائل عديدة ويتحاورون محاورة علمية تثري العلوم وتحيي الملكات.
أما الرأي الآخر الذي يتجاوز ثوابت الأمة، ويتمرد على أصولها وعقيدتها فحقه الهجر، ويجب الرد عليه وكشف انحرافاته.
إن هذا الأمر خطير يجب الإقلاع عنه حتى لا يحمل فاعله وزر نفسه ووزر من يضلهم بأقوال المبطلين بحجة (الرأي والرأي الآخر!) وحرية الفكر كما زعموا.
أسأل الله ـ عز وجل ـ أن يهدينا لما اختلف فيه من الحق بإذنه، إنه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
(1) تفسير السعدي، 2/33.
(2) تفسير المنار، 7/ 506، 507.
(3) شرح أصول اعتقاد أهل السنة، 1/ 129، وقال المحقق: سنده حسن.
(4) شرح أصول اعتقاد أهل السنة، 4 / 703، وقال المحقق: هذه القصة رواها المؤلف من طريقين:
الأولى: رواية السائب عزاها ابن حجر إلى (ابن الأنباري)، وصحح إسنادها. الإصابة، 5/ 169.
الثانية: رواية ابن يسار، ورواها الدارمي في السنن (146).
(5) المصدر السابق نفسه.
(6) لعلها مجلة: الزهراء التي كان يصدرها الشيخ محب الدين الخطيب.
(7) مسلم (2674).
(8) جوانب من سيرة الإمام عبد العزيز بن باز ـ رحمه الله تعالى ـ، ص 467.
موقع مجلة البيان
المحب في الله