السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أضع بين يدي إخوتي وأخواتي بحثا قيما, أخذته من شبكة المشكاة الإسلامية, وهو للأستاذ يحيى باحارث حول التربية الجنسية, حيث أنه كثر اللغط حول الثقافة الجنسية وكيفية تعليميها للشباب أو قبل ذلك للأطفال, نحن لسنا هنا لنقول هل نحن مع أو ضد وإنما كمسلمين وأصحاب منهج واضح لا نتحرج من أمر شرعه الله تعالى, ولا نتحرج من تعليمه وتعلمه ولكن بضوابط مع مراعاة الفترة العمرية للمتلقي وأسلوب توصيل المعلومة والغرض من إعطائها.
مادعاني لنشر هذا البحث هو نشر الوعي بأمر فطري أودعه الله في خلقه لما خلقهم, ومن جهة أخرى كثرة الأسئلة المحرجة التي يتلقاها الواحد منا وخاصة من الأطفال الصغار الذين بدؤوا في طور إكتشاف أنفسهم وإكتشاف ذلك العالم الخفي. وكم يضحكني حينما يسأل الطفل أمه أو أباه على الملأ كيف أتى لهذه الدنيا, فتظهر علامات الخجل والحياء (وهذا رد فعل طبيعي), إضافات إلى احمرار و بروز العينين اللتان تتوعدان الطفل البرئ بأقوى اللسعات و باقي العقويات التي تعرفونها والتي تذوقناها....على كل أترككم مع البحث الذي سأقدمه على شكل حلقات.
*****************************************
موقف الشرع من التربية الجنسية
يشوب مصطلح التربية الجنسية غموض كبير، لا سيما عندما يريد البعض إدخالها إلى المناهج التعليمية، وقد حصل مثل هذا ولا يزال في الأوساط الغربية، حيث نتج عنه صراع أخلاقي حول طبيعة منهج التربية الجنسية، وموضوعاته، ومن يدرسه، وكيف يُعرض، والسن المناسبة لعرض موضوعاتها.
وتنتهي هذه الأزمة بكل صراعاتها في المجتمع المسلم، الذي يعيش الإسلام عقيدة ومنهج حياة، حين جعل الإسلام التربية الجنسية ميداناً ضرورياً للعبادة، فربط بينها وبين أداء الشعائر التعبدية، فباب الطهارة في كتب الفقه لا يعدو أن يكون باباً في التربية الجنسية - إذا صحَّ التعبير - فالاستنجاء، والاستجمار، وما يتعلق بقضاء الحاجة، والحيض والنفاس، والغسل من الجنابة، والوضوء، وأبواب ستر العورة، والعلاقات الزوجية، وآداب الاستئذان وغيرها كثير، كل ذلك لا يعدو موضوعاتٍ في التربية الجنسية في الإسلام.
هذه الموضوعات بكل تفصيلاتها قائمة في حياتنا التعليمية، سواء في مدراسنا، أو جامعاتنا، أو حلقات العلم والمحاضرات في المساجد، أو المنتديات الثقافية.
ومن هنا فإن إثارة هذا الموضوع من هذه الوجهة هو تحصيل حاصل في حياتنا الثقافية، وإن كان لا بد فمزيد من التوسع في أبواب الفقه والحديث التي تتحدث عن هذه الموضوعات الخاصة ليس أكثر من ذلك.
أما إذا كان المقصود من التربية الجنسية هو عرض صراعات الثقافة الجنسية عند الغرب، ونظرياتهم المنحرفة والمشوشة، وما يتعلق بها من مفاهيم التحرر، وكشف العورات، وما أمر الله تعالى بستره من أحوال العلاقات الخاصة، إضافة إلى الصور الفاضحة الممنوعة، وغيرها من القضايا التي كانت ولا تزال موضع صراع عند الغرب أنفسهم فهذا ممنوع شرعاً، ولا علاقة له بالتربية الجنسية في الإسلام.
وأما الحديث عن المنهج والمعلم، فإن التربية الجنسية لا تتعلق بمنهج معين، أو معلم معين، بل هي مواد شرعية فقهية وحديثية يقولها المنهج المدرسي ككل في مواده، وأنشطته الثقافية والاجتماعية، وتتولاه وسائل الإعلام من خلال الدروس العلمية الشرعية، ويتولاه إمام المسجد وواعظ الحي، فالكل يشارك في هذا البناء الثقافي الإسلامي، وأما ربط التربية الجنسية - بصورة خاصة - بمنهج محدد معين، تُجمع فيه هذه المسائل الجنسية فهذا من شأنه إثارة موضوعات لا تُحمد عقباها، وكذلك تدريس هذه القضايا الجنسية من خلال مادة الأحياء هو الآخر لا يصلح؛ فإن كثيراً من إناث الحيوانات تقتل ذكورها بعد الممارسة الجنسية، بل تقتل بعض الحشرات والحيوانات صغارها، وهذا لا يناسب الطبيعة الإنسانية، ولا يصلح مثالاً لها.
إن المراجع لواقع الأمة في سيرة الرسول e يجد أن التربية الجنسية كانت جزءاً من حياة الإنسان في ذلك الوقت، لا تختص بدرس معين، ولا وقت معين، يأتي الرجل يسأل في المسألة الجنسية، وتأتي المرأة تسأل دون أن يمنعها من ذلك حياء أو خجل، والرسول e يجيب، وإذا لم تكن هذه هي التربية الجنسية، فلا أدري ما هي التربية الجنسية ؟
الحكمة من تركيب الشهوة الجنسية
تسيطر الشهوات المختلفة - كنوع من الابتلاء - على سلوك الإنسان، وتتحكم في كثير من تصرُّفاته بدوافعها العنيفة المتغلغلة في عمق جذور كيانه البشري، حتى إنه ربما لا يتحرك، ولا ينبعث إلا على مرادها، وفي سبيل إشباعها كحال الحيوان، وهنا يأتي المستنير بنور الشرع ليضبط مسارها، ويُلْجم اندفاعها: فترفع المُكلَّف بحميد مسلكها إلى درجات الصالحين الأبرار، وإلا حطَّتْه بخبث مخرجها إلى دركات السافلين الأشرار.
ويأتي دافع الشهوة الجنسية كأقدم الدوافع الشهوية، وأشدها مضاءً، وأكثرها تمكُّناً في عمق الكيان الإنساني؛ ليصبَّ عُصارة الجهد وغاية المُراد في غريزة حب البقاء - كبرى غرائز الأحياء - بشقَّيها العظيمين العميقين: حفظ الذات، وحفظ النوع، بمعنى: " أن النشاط الجنسي بالنسبة للإنسان، ولسائر الأجناس الحيوانية مسألة بقاء أو فناء، فإذا توقف، أو أعيق: فإنه يهدد النوع بالفناء؛ لذا ارتبطت الممارسة الجنسية بالقوة والعنف كدرعين واقيين للنشاط الجنسي من التوقف "، فإذا قصَّر الإنسان في إشباعها: انقاد إليها منبعثاً لها لقوة ما تحمله من العنف في ذاتها لبقاء النسل، واستمرار النوع، كحال الطعام لم يجعل المولى قوام الإنسان منه إلى اختياره، وإنما جعله غريزة تلح بقوة إلى الإشباع لحفظ الذات، والغريزة - كما هو معلوم - سلوك فطري غيرمتكلَّف، يصدر عن الشخص تلقائياً بلا تعلُّم، بغرض الاستمرار وعدم الانقطاع، ومن هنا يظهر أن الهدف الأسمى من الغريزة الجنسية وكل ما يلحق بها: هوالولد، كوحدة رمزية ضرورية لدعم غريزة " البقاء "، التي أرادها المولى U لعمارة الأرض بالتوارث فيها جيلاً بعد جيل. وبناء على هذا التصور قام نظام التزاوج بين ذكر وأنثى على أساس التواصل الجنسي كضرورة إنسانية ملحة لاقتناص الولد، ضمن حدود الأسرة العضوية باعتبارها لبنة في بناء الكيان الاجتماعي الكبير.
ومن هنا يُلحظ أن ما تتبنَّاه بعض الفئات والأمم: من استقذار مبدأ تركيب الشهوة الجنسية كدافع أصيل مُسْتحسن: يخالف مبدأ الوجود الإنساني كحقيقة تفتقر إلى الشهوة الباعثة؛ إذ لا يمكن أن تتم عملية الإخصاب البشري بين زوجين بغير دافع الشهوة الملحة، التي تقتحم بطابع عنْفها، وقوة اندفاعها، وما أضْفيَ عليها من مشاعر المتعة واللذة: حواجز النفس الإنسانية، وحدود الذات الفردية؛ لتبلغ أقصى مظاهر التداخل الإنساني في أكمل صوره الممكنة بين شخصين، كما قال العليم الخبير: ** … هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ … ** [البقرة:187]، ولهذا جعلت الشريعة الخاتمة هذه العلاقة الشهوانية الضرورية في غاية الطُّهر؛ حتى لا يقع في النفس استحقار دافعها، حيث باركتها بذكر الله تعالى، ورتَّبت عليها الأجر والثواب، وجعلتها سنة خير الخلق، بل إن عصارتها الشهوية المتدفِّقة من الزوجين، والتي ينعقد منها الولد: طاهرة من النجاسة على الراجح، ومُسْتثناةٌ من كل ما يخرج من السبيلين، وما كان لله أن يخلق الإنسان من عصارة نجسة، فعُلِمَ بالضرورة: أن الشهوة الجنسية أصلها ليس من حظِّ الشيطان في شيء، وأنها من مستحبات الشريعة، ومطلوبات الدين.
وبناء على ما تقدم: فإن أيَّ صورة من صور التَّجنِّي على مبْعث الشهوة الجنسية: بقطع سببها بالدواء، أو بتر أعضائها بالاعتداء كالخصاء للذكر، أو استئصال الرحم عند الأنثى، كل ذلك يدخل ضمن المذمَّة الشرعية، والمؤاخذة القانونية، سواء كان ذلك على النفس، أو الآخرين - في أي مرحلة من مراحل العمر - مهما كانت الحجج والمبررات؛ بل إن مبدأ الزهادة في الدنيا وملذاتها، مع كونه من مستحبات الشريعة: لا يستوعب في نطاقه الشهوة الجنسية، ولا تدخل الزهادة فيها ضمن محبوباته.