هل يقرأ على من به مسٌّ من الجن أو ينشغل بالدعوة ؟
نحن في حاجة إلى الدعوة ومع ذلك فإن أحدنا انشغل بعلاج
الممسوسين بالجن .
هل يحوز تعطيل الدعوة لهذا العمل ، وكيف يكون علاج
الممسوس، وهل يجوز أخذ مال على القراءة ؟ .
الحمد لله سئل الشيخ محمد ابن عثيمين – رحمه الله – هذا
السؤال فقال :
الدعوة إلى الله عزَّ وجل فرض كفاية ، إذا قام بها من يكفي
سقطت عن الباقين ، فإن تعينت على الشخص بحيث لا يقوم
غيره مقامه فإنها مُقدمة على القراءة على من به مسٌّ من الجن
؛ وذلك لأن مصلحة الدعوة مصلحة متيقنة ، ومصلحة القراءة
على من به مسٌ من الجن مصلحة غير متيقنة ، وكم من إنسان
قُرئ عليه ولم يستفد شيئاً .
فيُنظر : إذا كانت الدعوة متعينة على هذا الرجل لا يقوم غيره
مقامه فيها فإنه يجب عليه أن يدعو ولو ترك القراءة على من
به مس من الجن .
أما إذا كانت فرض كفاية فيُنظر إلى الأصلح ، وإذا أمكن أن
يجمع بينهما – وهو الظاهر – بتخصيص يوم لهذا ويوم لهذا
مع استمرار الدعوة فهو أولى؛ ليحصل له نفع إخوانه المصابين
بهذه المصيبة ، ومع ذلك يستمر في الدعوة إلى الله عز وجل .
وأما العلاج الصحيح للممسوس بالجن فإنه يختلف من حال إلى
حال لكن أحسن ما يكون أن يقرأ عليه القرآن ، مثل قوله
تعالى : ** يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من
أقطار السموات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان . فبأي
آلاء ربكما تكذبان . يُرسل عليكما شواظٌ من نار ونحاسٌ فلا
تنتصران . فبأي آلاء ربكما تُكذبان ** .
لأن هذا تحدٍ لهم أنهم لا يستطيعون الفرار من الله عزَّ وجل ،
وكذلك اقرأ عليهم المعوذتين وقل هو الله أحد وآية الكرسي .
وكذلك تكلم عليهم بالموعظة كما كان يفعل شيخ الإسلام ،
يقول : هذا حرام عليكم أن تؤذوا المسلمين أو تضربوهم أو ما
أشبه ذلك .
أما أخذ المال : فإذا لم يأخذ مالاً فهو أفضل ، وإن أخذ بدون
شرط فلا بأس ، وإن كان هؤلاء الذين قُرأ عليهم قد تركوا ما
يجب عليهم للقارئ ، وأبى أن يقرأ إلا بعوض فلا بأس كما فعل
أهل السرية الذين بعثهم النبي صلى الله عليه وسلم ، فعَنْ أَبِي
سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ انْطَلَقَ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفْرَةٍ سَافَرُوهَا حَتَّى نَزَلُوا عَلَى حَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ
الْعَرَبِ فَاسْتَضَافُوهُمْ فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمْ فَلُدِغَ سَيِّدُ ذَلِكَ الْحَيِّ
فَسَعَوْا لَهُ بِكُلِّ شَيْءٍ لَا يَنْفَعُهُ شَيْءٌ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لَوْ أَتَيْتُمْ هَؤُلَاءِ
الرَّهْطَ الَّذِينَ نَزَلُوا لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ بَعْضِهِمْ شَيْءٌ فَأَتَوْهُمْ
فَقَالُوا يَا أَيُّهَا الرَّهْطُ إِنَّ سَيِّدَنَا لُدِغَ وَسَعَيْنَا لَهُ بِكُلِّ شَيْءٍ لا يَنْفَعُهُ
فَهَلْ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْكُمْ مِنْ شَيْءٍ فَقَالَ بَعْضُهُمْ نَعَمْ وَاللَّهِ إِنِّي لأَرْقِي
وَلَكِنْ وَاللَّهِ لَقَدْ اسْتَضَفْنَاكُمْ فَلَمْ تُضَيِّفُونَا فَمَا أَنَا بِرَاقٍ لَكُمْ حَتَّى
تَجْعَلُوا لَنَا جُعْلا فَصَالَحُوهُمْ عَلَى قَطِيعٍ مِنْ الْغَنَمِ فَانْطَلَقَ يَتْفِلُ
عَلَيْهِ وَيَقْرَأُ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ فَكَأَنَّمَا نُشِطَ مِنْ عِقَالٍ فَانْطَلَقَ
يَمْشِي وَمَا بِهِ قَلَبَةٌ قَالَ فَأَوْفَوْهُمْ جُعْلَهُمْ الَّذِي صَالَحُوهُمْ عَلَيْهِ
فَقَالَ بَعْضُهُمْ اقْسِمُوا ، فَقَالَ الَّذِي رَقَى لا تَفْعَلُوا حَتَّى نَأْتِيَ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَذْكُرَ لَهُ الَّذِي كَانَ فَنَنْظُرَ مَا يَأْمُرُنَا .
فَقَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرُوا لَهُ فَقَالَ
وَمَا يُدْرِيكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ ثُمَّ قَالَ قَدْ أَصَبْتُمْ اقْسِمُوا وَاضْرِبُوا لِي مَعَكُمْ
سَهْمًا فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " رواه البخاري (2276) ومسلم (2201) .