بقلم :د. بسام درويش
نسمع كثيراً عن أشخاص تقدموا ببلاغات عن شركات أغذية أو أدوية أو الشركات المنتجة للتبغ، كونها قد أدت لحدوث أضرار صحية قد تؤدي للعجز أو الوفاة في سن مبكرة. ولكننا لم نسمع عن شخص تقدم بطلب لمقاضاة رئيسه في العمل، كونه قد أثر بشكل سلبي على حياته المهنية أو الصحية، وحتى العائلية، بسبب الضغط النفسي الذي يثقل النفس وينهك الجسد.
ومن المعروف وفقاً لما تشير إليه الدراسات بأن الضغوط الناجمة عن العمل - مهما كان منشؤها - قد تؤدي لإصابة الموظف بأمراض القلب في سن مبكرة قد تبدأ في العقد الثالث من العمر. وجدير بالذكر أن ضغط العمل يؤدي لحدوث التوتر بسبب المطالب الكبيرة الملقاة على عاتق الموظف، والقيود التي تحدّ من حركته ومن استقلاليته، والخوف الذي يزرعه المدير السيئ كونه يملك القدرة على اتخاذ أي قرار، ما يجعل الإحساس بعدم الأمان أحد المعالم الأساسية لهذه الشركة.
ضغط العمل هذا الذي نقصده يتحول إلى عبء حقيقي يحمله الموظف من المكتب إلى البيت، فتتأثر علاقاته بمن حوله، كونه يعيش حالة من الخوف، والقلق في النهار والأرق في الليل. مثل هذا الموظف يستيقظ مراراً في الليل، بينما يهنأ الآخرون بنوم مريح. أفكار متزاحمة تسيطر عليه، لا يعرف كيف ينام وتزداد عصبيته، ويصبح صعب المزاج، ويعاني من آلام معممة حيناً وموضعية حيناً آخر.
شعور بالإحباط والسبب مدير سيئ، مثل كرة الثلج الهابطة من أعلى قمة الجبل، تتدحرج وتكبر الهموم وتزداد الاضطرابات النفسية والجسدية، إلى أن تستقر في الأسفل، حيث يجد الموظف نفسه قابعاً في أحد المستشفيات أو المصحات، أو في البيت حيث يصبح خارج اللعبة.
في حياتنا المهنية، في كثير من الأحيان، نعمل لإرضاء الآخرين ما يسبب الوقوع في مشكلات متعددة، صوت يوجهك نحو الطريق السليم، وآخر يبعدك. في حياتنا المهنية أيام تعيسة، وأخرى سعيدة.
موظف يبقى عالقاً في مكانه طيلة سنوات لا يستطيع فراق المكتب الذي يرتبط معه بذكريات لا يمكن البوح بها لأحد. وآخر ينتقل من مكان إلى آخر في السلم الوظيفي، وتغدق عليه العروض لأن الموظف المتميز مثل صارية السفينة يمكن مشاهدتها من مسافة بعيدة.
المدير السيئ يدمر حياتك المهنية والصحية. أما عن المدير الجيد فهو الصديق والملهم والمدرب، الذي يتحلى بالشفافية التي تصقل الأفراد وتنمي مهاراتهم وتفتح القلوب وتشحن العقول. الشفافية تذيب الجليد، وتبدد المشاعر السلبية كالخوف والقلق والشعور بعدم الأمان، والخوف من الفصل، والتمييز في العمل.
المدير الجيد يدرك تماماً أنه ينبغي إشراك الجميع في اللعبة، إنطلاقاً من مبدأ الشفافية التي تصقل الأفكار وتنميها، وتزيد من حدة التنافس الخلاق، ومن القدرة على الإبداع من أجل تحقيق التميز، أما المدير السيئ فهو يحيط نفسه بسوار من الأشخاص الذين لا يقولون ما يعنون ويكثر من الشعارات البراقة في كل مناسبة، والتي تتصدر واجهات الشركة ومكاتبها المختلفة.
وهنا يحق لنا أن نتساءل، لماذا لا يصرح الشخص عن مشاعره، ولماذا يسعى هذا المدير إلى تدمير من حوله، وإلى تعليق الأخطاء على مشاجب الآخرين، والاحتفاظ بالنجاح لوحده.
ولماذا يعتقد أن المركز الذي يحتله يمنحه السلطة، بينما هو مسؤولية أخلاقية أولاً وآخراً، إنه الشعور بالنقص للتعويض عن أشياء مفقودة قد تكون كامنة في مراحل الطفولة أو المراهقة أو سن الشباب.
وبغض النظر عن هذا الأمر أو ذاك، يبقى السؤال عالقاً: يمكن لأي واحد منا أن يقاضي شركة غذائية تسببت بحدوث البدانة لأطفاله، أو أي شركة أخرى، ولكنه يبقى حائراً أمام مدير سيئ يدمر حياته تدريجياً، دون أن يستطيع مقاضاته وكونه لا يملك الدليل المادي، أو لكونه مازال يعيش ضمن دوامة قد لا تنتهي.
المدير السيئ قد يكون مسؤولك المباشر في العمل، أو أي شخص آخر قد تضطرك الظروف للتعامل معه في حياتك اليومية. أشخاص يعبرون عن أنفسهم بصراحة، وآخرون يلتزمون الصمت، وما بين هؤلاء وأولئك أشخاص يومئون بالرأس حتى لا يضايقون أحداً، وكيلا يخسرون بعض المكتسبات.
تكمن الأهمية المطلقة للشفافية في احترام كل فرد لديه صوت مسموع. وهذا الأمر يحسن الشعور بالرضا عن العمل، فيتحسن المردود، ويمنح المرء الصحة والسعادة في كل من البيت والعمل. همسة: «الشفافية تحررك من قيود كثيرة، وتذيب الجليد، وتحرك الجبال.
المصدر : المجلة الصحية ( الصحة أولا ) .