بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا ملكة
تجادلوا في شأنها، نصّبوا أنفسهم محامين مدافعين عن حقوقها، بكوا وتباكوا وأبكوا أقلامهم من أجلها. في كل زاوية يصيحون، وعلى كل مطبوعة يصرخون، وفي كل فضائية ينددون. أما هي ففي بستان عامر جلست، وتحت ظلال وارفة نمت، ولزروع يانعة سقت ورعت، فطابت وطاب نباتها، فعَلَتْ و سَمَتْ!
أخبرتها بحرقة، هل قرأتِ ما كُتِبَ عنّا اليوم؟!، قالت بتعجّب: ومن نحن؟ من يعرفنا حتى يكتب عنّا؟!، أجبتها بتنهيدة عظيمة: من أنتِ! أنتِ من نغّصتِ عليهم بتمسكك بعفافكِ وحيائك!، أنتِ من ارتفعت نفسك عن حضيضهم وأبيتِ إلا النهل من كتاب ربّك!، أنتِ من أفزعتِهم يوم خرجتِ محتشمة متسترة من أعلى رأسك حتى أخمص قدميكِ!، أنتِ من أفسدتِ عليهم خططهم في العبث بكِ لما حولكِ من رجالٍ، كفلت لكِ الشريعة الحماية والرعاية من قبلهم!، أنتِ من رفضت متابعة فُحشهم وخبثهم في ركام الفضائيات وعلى صفحات المجلات وبين أذرع العنكبوتية؛ فأبكيتِ سادتهم ونغّصتِ بتحصّنكِ حياة كبرائهم وأذنابهم!، أنتِ من إذا احتجتِ شيئا؛ هبّ جيش من المحارم لإعانتك و الحفاظ عليكِ من ولادتكِ وحتى يضعوكِ بأيديهم في قبركِ!
نعم أنتِ !!، أرأيت كم أنتِ مؤثرة!، أرأيت كيف قلبتِ حياتهم عاليها سافلها، وأتعبتهم في البحث عن طرقٍ فاعلة للقصاص منكِ؟!، قتلتِ أوقاتهم!، بعثرتِ أوراقهم!، وأجهزتِ على ما تبقى من حبرِ أقلامهم!
ورغم ذلك مازالوا يصرخون، وبحريتكِ يطالبون، ولتخليصكِ من العبودية يدْعون!، وبحبّك لسانهم يلهج، وبالحرص على مصلحتكِ أياديهم تشهد!!
العجيب أنهم من بني جلدتنا، يتكلمون بألسنتنا، نراهم ونقرأ لهم ونسمع أنّى تقلّبت أعيننا، و كأن ما شغل العالم من حربٍ على الإرهاب؛ في طرفة عينٍ انقلب لاهتمام عاصف بالحرب على الفضيلة والعفاف!!.
أخية: دائماً كنتُ أقول أنكِ السلاح، نعم سلاح، سلاح مع أو ضد، وهنا المشكلة، يستخدمونك لتحقيق مآربهم، ويستخدمونك لتوصيل مطالبهم، و في ذات الوقت أنت الشريفة العفيفة المصونة سلاحٌ نواجه به غدرهم وحمقهم، وإعراضكِ عنهم سهام تغرز في قلوبهم.
لكن حبّ الشهوات وتسريب الشبهات امتلك رؤوسهم فأقبلوا في شكل أفاعي تنفث بخبثٍ سمومها!، اشرأبت للطغيان أذيالها، فأخذت تضرب الأمة سوطاً تلو الآخر، وتغتال أفرادها فرداً فرداً، لا لشيء إلا لأنهم تمردوا على طبيعتهم وفطرتهم وما ابتغاه الله لهم، فشوهتهم عمليات التجميل بل الترقيع الفكرية، وأمحى البراءة من محياهم غسيل الأدمغة المشبوه عن طريق ديار لم تعرف ما هو الله، فأصبحوا مسخاً يباع ويشترى، بل ويساومون على هذه الأمة المتعطشة لكل دقيقة تبذلها في عمل نافع فبدأت خطوات الضياع، وضحكت الأفاعي وهي تلعق بلسانها المسموم أجهزتنا الفكرية ملتهمة أول الأفواج!
في منتدياتهم يكتبون وفي مجالسهم يخططون، وفي كتاباتهم يعلنون، ولأفكارهم ومطالبهم بخبث ينثرون!، بثقة يعلنونها نحن قادمون!، يفتي أحدهم بعدم وجوب كشف الوجه وأن تغطيته ظلم وإجحاف ويأتي بأدلة مختلقة، لا وجه للدلالة فيها إلا أنها توافق هواه!، وآخر يطالب بوظائف للنساء في مكاتب الحجوزات وضيافة الطائرات ومندوبة مبيعات بحجة السعودة وتحرير المرأة من قيود ولي الأمر، ونصف شبابنا الذكور معلقين، لا وظيفة ولا دراسة!، وأخرى تستنكر وجود كفيل للمرأة عند إخراج شريحة هاتف وأن ذلك ظلم لها وتبعية و همجية!، وتأتي فرق الطواريء تطبل لهذا وتزمّر و تصفق لذاك وتشمّر.!، وأنتِ أنتِ في بيتك بأمان جالسة، ولأبنائك وزوجِكِ راعية، ولطلب العلم بجد مثابرة!. نعم أنتِ، أرأيت الحرب عليكِ؟!، أرأيت شدة هذه الهجمة؟! ولكن كما قيل: " من أمن العقوبة؛ أساء الأدب".!
أجابت في طمأنينة: أنا ملكة.. نعم أنا ملكة، ملكة في مملكتي الصغيرة، آمر وأنهى، أعطي وأمنع، أطلب و يأتيني ما أريد، أخرج فيوصلني ولي أمري للمكان الذي أريد دون أن أتعرض لإزعاج هذا أو مضايقة ذاك، ألبس حجابي الشرعي فلا تمتد أعين ذاك لي، وأنا الجوهرة الثمينة والدرة المصونة، حولي أب وأخ، خال وعم، زوج وابن وابن أخت، حفيد وابن أخ، كل هؤلاء في خدمتي، في رعايتي، وإن ظلمني أحدهم يممت وجهي شطرا آخر، وإن عدمت الوسيلة فالشريعة كفلت لي حقوقي كاملة، بالله عليكم هل أتجرّد من ملكي؟!، بالله عليكم هل تصفون ملكة وجدت ما وجدت من أرزاق وعلم و صيانة ورعاية ثم تطالب بعزلها لتعمل خادمة بغير الجنون وسوء التدبير؟!
أنا ملكة.. فلماذا ألقي بالاً لعباد شهواتهم؟! لماذا أعزل نفسي لأصبح خادمة لأهوائهم و نزواتهم؟! لماذا أخرج من قصري لأختلط بهم في نواديهم و ملاعبهم؟!
أنا ملكة.. فلماذا أنزع حجابي وهو تاجي من على هامتي، وألقي به على كتفي لأطبق تعليماتهم؟! بل لمَ يصل الحال بي أن أخلعه، وأرمي به بعيداً وقد كان ومازال رمز عفافي وحيائي، والصائن لنضارتي وجمالي؟!
أنا ملكة.. أملك جواهر نفيسة ودرر ثمينة, فلماذا أتعرّى أمامهم, وأكشف ما أملك ليكون عرضة للنهب والسرقة؟!
أنا ملكة.. فكيف بالله عليكم تقود ملكة سيارتها بنفسها؟!، أو تصلح إطار مركبتها على لهيب الأرض الحارقة بيديها؟!
أنا ملكة.. فهل يعقل أن تقوم ملكة بملاحقة أوراقها بنفسها, أم يكون لها وكلاء ينوبون عنها ويكفونها المؤونة ويعينوها؟!
أنا ملكة.. فلأستعلِ في الطريق العالي.. ولأمضِ في طريقي.. ولأحافظ على مملكتي.. ولأحرص على تحصينها بما أستطيع.. ولأدافع عنها بكل ما أستطيع!
أنا ملكة.. فلأرفع هامتي منتصرة, ولأستمتع بحصاد الثمرة, ولأتركهم خلف حصوني المانعة يسترقون النظرة, وأنا أنهل من معين لا ينضب, وأستزيد من علوم الدين والدنيا النافعة دون أن أسمح لهم برؤية أظفري أو ملاحقة خطواتي الواثقة!
أنا ملكة.. فلأتركهم في غيهم يمضون؛ فما هم إلا كالراقم على الماء, ولا يضر السحاب نباحهم, بل تأتي مثقلة بالمياه فتغيث الناس وتغيظ الأعداء .!
أنا ملكة.. فلأضع يدي في يد أخواتي الملكات, ولنعلنها تعاون واتحاد في وجه العلمانية والإلحاد، لننشر الخير والنماء, العلم والعطاء، الأمان و الحياء .!
أنا ملكة.. فلتوفوا يا أولياء الأمور بحقوق البيعة!، ولتكونوا نعم الرعاة البررة!، فأنتم بأداء أمانتي وصيانة عرضي وحيائي مطالبون، وستقطفون الثمرة يوم ينادى في الجموع: ( وقفوهم إنهم مسؤولون)!
ندى بنت عبد العزيز اليوسفي