الضياع مرتين الحلقة الثانية
بسم الله نبدأ الحلقة الثانية من ثلاثية الضياع مرتين .
تأخذ ياسمين أم صلاح ويدخلون الى غرفة الضيافة ويبقى صلاح لوحده خارج الدار يكاد القلق ان يقتله :
صلاح _ ما الامر ياترى ؟! لماذا دخلت امي وتركتني هنا لا أعلم شيئاً ؟!
اقترب صلاح من الباب فوجده مفتوح فدخل ثم سار الى غرفة المكتب ودق على الباب دقات خفيفة ، فتح أبو ياسمين الباب :
صلاح _ السلام عليكم ياعم ، أنا صلاح صديق ماجد واعتقد ان ماجد قد اخبرك بموعدنا الليلة .
أبو ياسمين _ نعم ...نعم وعليكم السلام لكنه قال لي الساعة السابعة ! على كل تفضل أهلاً وسهلاً بك .
صلاح _ اهلاً عمي شكرا لك ولكن ألم تخبرك ياسمين بأننا قدمنا الموعد إلى الساعة السادسة؟ لأن امي اتصلت بها وأخبرتها !
أبو ياسمين _ لا لم تخبرني . على كلٍ أعرفك على صديقي نائل .
صلاح_ أهلا ياعم كيف حالك . نائل _ بخير والحمد لله .
صلاح _ عمي انا خريج كلية الهندسة كما تعلم وعندي بيت أسكن فيه مع امي وانا اعمل في شركة والحال ميسور والحمد لله ، والآن انا اتشرف بطلب يد ابنتكم ياسمين .
أبو ياسمين _ بكل سرور ياولدي لكنها مخطوبة، فقبل قليل طلبها مني نائل وانا وافقت .
صلاح- وكيف تزوج ابنتك لرجل يكبرها أربعين عاماً ؟!
أبو ياسمين _ هي ابنتي وازوجها من شئت ! .
صلاح _ ودون ان تسئلها ؟!
أبو ياسمين _ ولماذا أسئلها ؟!
صلاح _ لأنه لا يحق لك شرعاً ان تزوجها دون ان تسئلها.
يغضب أبو ياسمين في هذه اللحظة ويصرخ قائلاً
أبو ياسمين _ وهل اخذت موعد كي تعلمني مايحق لي وما لايحق !!! اسمع اما ان تلزم حدك واما ان تخرج هل تفهم .
صلاح _ لماذا تصر على تحطيم قلب ابنتك ، اليس في قلبك شيء من الرحمة ام ان الرحمة قد نزعت منك !! وانت ياسيد نائل الا تخجل من نفسك وانت رجل في الستين من عمره وتتقدم لخطبة فتاة في الثامنة عشر من العمر !! لاأدري ماذا أبقيت للشباب أمثالنا ؟
أبو ياسمين _ صلاح أخرج من بيتي ياصلاح بسرعة هيا .. يبدوا انني أخطأت عندما قلت لك تفضل وعندما يعود ولدي ماجد من سفره إن لي معه حديث ... هيا أخرج .
يخرج صلاح من البيت منهاراً وقد أظلمت الدنيا عليه فلم يعد يرى سوى السواد أما أم صلاح وياسمين فقد سمعا صراخ صلاح وأبي ياسمين فخرجت الأم مسرعة الى ابنها :
أم صلاح ....صلاح صلاح ماالذي حصل ؟ لماذا هذا الصراخ ؟!
صلاح _ أمي هيا اركبي! .
ركبت الأم السيارة والخوف يكاد يقتلها على ابنها وهي تراه بهذه العصبية والشرار يخرج من عينيه .... نعم صعدت وهي تذكر الله وتسبح وتقرأ المُعَوِّذتان ، فيستطرد صلاح قائلاً :
صلاح _ آه إن الدنيا تعطي هذا العجوز حظوظاً وفيرة وتزوجه أجمل فتاة في الحي .......حظوظ !!!
ثم يسكت برهة ويقول :
صلاح _ أمي لقد ادركت الآن ان تربيتك لي كانت خاطئة ، فماذا استفدت من الإلتزام والأخلاق الطيبة هيا أخبريني ؟!
أم صلاح _ استغفر الله يابني ولا تقل ذلك فيحل عليك غضب من الرحمن انت بهذا الكلام تكفر بنعم الله عليك .
صلاح _ لقد سئمت هذا الكلام ياأمي فكفاك ، وهيا انزلي الأن فقد وصلنا الى البيت أما انا فذاهبٌ لأسهر خارج الدار .
نزلت الأم والدموع تسقط من عينيها وهي تعلم ان اعظم مصيبة هي المصيبة التي تكون في الدين نعم لقد ذهبت كي تتوضأ وهي تردد ( اللهم لاتجعل مصيبتنا في ديننا ) اخذت تردد هذا الدعاء مراراَ وتكراراً ثم اتجهت للصلاة وبعد ان انتهت اخذت تدعوا الله وتقول ( ربي مسني الضر وانت ارحم الراحمين.. ابني ليس لي غيره إهده يارب الى سواء السبيل ولا تزغ قلبه ، اللهم يامقلب القلوب ثبت قلب ولدي على دينك ).
في هذه الأثناء كان صلاح يسهر مع صحبة فاسدة تعرفَ عليها للتو فإنا لله وإنا اليه راجعون .
تزوجت ياسمين وسافرت مع زوجها الى فرنسا وبعد اسبوع عاد ماجد من سفره ليتفاجئ بهذه الأخبار المحزنة ، أولها زواج اخته من هذا العجوز والثانية صديقه الذي انقلب رأسا على عقب وعُمِيَت بصيرته وقلبه ولم يرضى بقضاء الله وقدره ، نعم عاد وقد سأل أباه كثيرا عن فعلته هذه لكن الأب تكبر واخذ يزمجر ويقول : ياسمين ابنتي وأزوجها من شئت .
قرر ماجد ان يزور صلاح للأطمئنان عليه وفعلا ذهب الى بيته ودق الباب
ماجد _ السلام عليكم ياخالة .
أم صلاح _ وعليك السلام يا ولدي وحمدالله على سلامتك كيف حالك ؟
ماجد _ بخير والحمد لله ، هل صلاح موجود ؟
أم صلاح _ نعم موجود ولكن بالله عليك لاتتركه فأنه محتاج للطيبين امثالك .
ماجد _ نعم ياخالة اطمئني سوف لن اتركه .
أم صلاح _ تفضل ياولدي ...تفضل .........صلاح ...صلاح هذا صديقك ماجد قد حضر تعال بسرعة ياولدي .
صلاح_ اهلا ماجد ماذا تريد ؟
ماجد _ وهكذا يكون اللقاء بعد طول الغياب ؟ !
صلاح _ اسمع لااحب النصائح فقد مللت منها وانا بصراحة غير محتاج لصداقتك .
ماجد _ سامحك الله .. اما انا فمحتاج لك ولن أتخلى عن صداقتنا . لكني سوف أزورك في وقت آخر تكون أكثر تهيئاً لأستقبالي ، أستودعك الله .
صلاح _ مع ألف سلامة .
ثم يضرب الباب بقوة فيحزن ماجد حزناً شديداً على تصرف صلاح هذا وفوراً يذهب ماجد الى الشيخ عبد التواب إمام المسجد مستمداً منه المشورة والنصح فقال له الشيخ ان يبقى مع صديقه ينصحه وذكره بقول الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم : ( انصر أخاك ظالما أو مظلوم ) فقالوا علمنا كيف ننصره مظلوما ولكن كيف ننصره ظالم ؟ فقال ( ان تمنعه عن ظلمه ) او كما قال صلى الله عليه وسلم فذهب ماجد الى بيته وهو يفكر في طريقة تجعل صلاح يأمن له ويسمع منه فجائته فكرة وفورا اتصل بصلاح :
صلاح _ هلوا
ماجد _ السلام عليكم صلاح كيف انت الآن ؟
صلاح _ بخير وماذا تريد ؟
ماجد _ أريد ان اسافر الى القرية عند جدتي للتنزه وقد فكرت ان نذهب معا فما قولك ؟
صلاح _ لا شكرا فأنا مشغول وليس لديَّ وقت .
ماجد _ صلاح انت تتحتاج الى جو نقي وهادئ والقرية هي احسن مكان تهدأ فيه فأنت لن تخسر شيء سآخذك بسيارتي وسنقيم هناك عند جدتي ... ها ماذا قلت ؟
صلاح حسننا ومتى تريد ان نذهب ؟
ماجد _ غدا صباحا فقط انت جهز نفسك وخذ إجازة من عملك على الأقل ثلاثة أيام أتفقنا ؟
صلاح _ حسنا ..اتفقنا .
وفي اليوم التالي يذهب ماجد بصحبة صلاح الى القرية وكان في استقبالهم الجدة الطيبة التي ما ان رأتهم حتى فرحت بهم جدا وهناك قضى صلاح وماجد اياما جميلة وهادئة وكان ماجد لايتركه لوحده ابدا ودائما يحاول ان يذكره باالله وآيات الله وكان يقرأ عليه القرآن بصوت عالي لعله يتذكر ويخشع وفعلا فلقد لان قلب صلاح قليلا وأخذ يعتذر لماجد على مابدر منه من سوء الخلق .
سرعان ماانتهت الايام الثلاثة فودعوا الجدة الطيبة ورجعوا عائدين الى مدينتهم وما ان وصلوا ودخل صلاح الى البيت حتى اتصلت به الشِلة الفاسدة مرة أخرى وذهب اليهم كي يسهر معهم ونسيَّ بسرعة كل ماقاله له صديقه ماجد ، نسيَّ كلام الله وكلام نبيه وراح مع صحبته الفاسدة غافلاعن آيات الله .
وفي مرة كان ماجد جالسا في البيت فإذا بساعي البريد يدق الباب ويسلمه رسالة من ياسمين ، وما ان قرأها حتى راح مسرعا الى بيت صلاح ودق الباب :
صلاح _ اهلا ماجد .
ماجد _ السلام عليكم ياصلاح أريد ان اكلمك عن موضوع مهم .
صلاح _ ليس لدي وقت فأنا ذاهب مع أصحابي لنغني ونرقص فهل تأتي معنا ؟
ماجد _ أعوذ باالله أنا لا اجلس في هذه المجالس المنكرة .... وأنت ايضا ياأخي أما آن لك ان تصحو فهذه صحبة فاسدة... ياصديقي اما سمعت قول الحبيب المصطفى صلى الله عليه و سلم حيث قال : إنما مثل جليس الصالح و جليس السؤ كحامل المسك و نافخ الكير ، حامل المسك إما أن يحذيك و إما أن تبتاع منه و إما أن تجد منه ريحاً طيبة ، و نافع الكير إما أن يحرق ثيابك و إما أن تجد ريحاً خبيثة .
صلاح _ ماجد أرجوك لقد سأمت من نصائحك الممللة وان كنت تريد الجلوس تفضل فأمي موجودة اما انا فذاهب السلام عليكم .
يخرج صلاح من البيت ويخرج وراءه ماجد وهو ينادي صلاح....صلاح إنتظر ياصلاح عندي خبر مهم اريدك ان تعرفه ، انتظر ياصديقي ... يقطع صلاح الشارع متجها الى سيارته التي وضعها على الجهة الثانية من الشارع ويتجه ماجد وراءه وبسرعة تأتي سيارة لتضربه فتسقطه على الجهة الثانية من الشارع وما ان يرى صلاح صديقه بهذا المنظر المفجع حتى عاد بسرعة الى صديقه الذي كانت الدماء تسيل منه بغزارة فيحمل راسه من الأرض بين ذراعيه فيقول ماجد وهو في انفاسه الأخيرة :
ماجد _ صلاح انظر كيف ان الدنيا تنتهي بسرعة ، ها أنا امامك اودع الدنيا لمقابلة ربي وسوف يسألني الله عن كل صغيرة وكبيرة أسأل الله العافية ... صلاح ارجوك فكر بنصائحي ولا تتكبر فأن الدنيا قصيرة وتخيل نفسك مكاني فماذا كنت ستفعل وهل سيفيدك الندم الآن ؟
يرد عليه صلاح والدموع تسقط من عينيه : اسكت ياماجد أرجوك ولا تنهك نفسك بالكلام وسوف اتصل باالاسعاف فورا ....
ماجد _ كلا ياصلاح دعني أُكمل فلقد عاهدت نفسي ان لااتركك لكن الموت فرق بيننا فدعني انتهز ماتبقى لي من الحياة لنصحك .. ارجوك ياأخي اترك هذه الصحبة الفاسدة وامتثل لقول المصطفى في ذلك ولا تأخذك العزة بالإثم ، وأخيرا دعني أُخبِرك بأن ياسمين طُلِّقَت وسوف تعود الاسبوع القادم ، أشهد أن لا اله الا الله وأن محمد رسول الله .
على هذه الكلمات مات ماجد بعد ان استغل كل لحظة لدعوة اخيه الى طريق الحق والاستقامة ، لقد أفاق صلاح من غفلته لكن الثمن كان باهظا وضع صلاح رأسه على أخيه وأخذ يبكي بشدة والندم يكاد أن يقتله فهذا صديقه قد ضحى بنفسه كي يفهم صلاح الدرس .
شكرا لكم وموعدنا في الحلقة الأخيرة من ثلاثية الضياع مرتين