اخت حصل لها كثير من المصائب فأصابها اليأس من الحياة، وتسأل عن الحل؟
ابتليتُ منذ فترة ببعض الآلام الجسدية التي زاد من حدتها بلاء " السحر " الذي كدر علي حياتي
وتقدم سني مع عدم الزواج !! أكاد أشعر باليأس والإحباط، فحياتي في شقاء،
وليس فيها شيء من مظاهر التوفيق أو النجاح ، ولا أقوم بواجباتي الدينية كما ينبغي،
فلا أنا ارتحت في الدنيا ، ولا أنا أشعر بحلاوة الإيمان . فكيف أقوى على الاستمرار في حياتي ؟
الحمد لله ،،،
أختي السائلة :
من خلال كلامك وعرضك للمشكلة القائمة لديك يتبين لنا أمور هامة لا بد أن تؤخذ بعين الاعتبار منها:
أولاً : أن عندك من الخير ما لا يقدَّر بثمن، وعلى رأس هذا الخير: الإسلام،
فهذه نعمة عظمى ومنة كبرى منَّ الله بها على كل مسلم،
مهما حصل له من البلاء والهم والغم والاكتئاب فلا بد له أن يتذكر أنه مسلم،
وأن الله يحب من عباده أن يكونوا مسلمين مع غناه عنهم وعدم ضره لو كفروا،
ولو وقعت منه بعض المنكرات ، فبقاؤه في دائرة الإسلام من نعم الله العظيمة عليه.
وتصوري - أختنا الفاضلة - أن لديك من الدنيا أجمل ما فيها:
المال، والمكانة، والزوج، والأولاد، والبيت الهادئ المستقر، والثقافة،
والسعادة تملأ حياتك، وكل ما تمنيتيه فهو موجود لديك،
ولكن ذلك كله مع اعتناقكِ لليهودية ، أو النصرانية، أو البوذية، أو أنك تقدسين بقرة،
كملايين من الناس، أو أنك تعبدين فأراً، أو الشمس، أو أي مخلوق آخر،
أو أنك من الحيارى التائهين: فهل سيكون ذلك خير أم ما أنت عليه من الهموم والغموم مع الإسلام ؟!
وثانيها : السنَّة :
وتخيلي - أختنا الفاضلة - لو أنك تنتسبين إلى الإسلام ولكن على منهج غير قويم،
تصوري أنك شيعية رافضية تعتقدين أن القرآن محرّف ناقص وتقدِّسين عليّاً،
وتسبين الصحابة – رضوان الله عليهم جميعاً -، وتكفِّرين عمومهم،
وتتعبدين الله بلعن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما،
وتتهمين أم المؤمنين عائشة بالزنا - كما هو حال الملايين ممن ينتسب للإسلام والإسلام منهم براء - ؟!
أو تصوري أنك ممن ينتسب إلى الإسلام ويعتقد أن الأولياء في قبورهم ينفعون ويضرون،
فيدعونهم، ويستغيثون بهم، ويذبحون لهم، ويقدمون لهم القرابين،
وهذا لا شك أنه الكفر الصريح.
وهذه إشارة إلى فرقتين من بين اثنتين وسبعين فرقة تنتسب إلى الإسلام
كلها في النار إلا واحدة كما أخبر بذلك الذي لا ينطق عن الهوى عليه الصلاة والسلام.
أيهما أحب إليك ؟
أن تكون الدنيا وما فيها من متاع تحت قدميك مع هذا الضلال والانحراف
أم تكوني مسلمة سنية وفطرة وتوحيد مع كثير من الهموم والمتاعب ؟
ثالثها : واحمدي الله تعالى على الهداية للصلاة والتوفيق للعمل الصالح:
فإن كثيراً من الناس يعدُّ نفسه مسلماً سنيّاً، ولكنه لا يصلي،
والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( العَهدُ الذِي بَينَنَا وَبَينَهُمُ الصَّلاةُ ، فَمَن تَرَكَهَا فَقَد كَفَرَ ).
ومن التوفيق للعمل الصالح : حب الله ورسوله والصحابة كما ذكرت ذلك في رسالتكِ،
وقد ثبت عن نبينا عليه الصلاة والسلام قوله : ( ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ بِهِنَّ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ :
مَنْ كَانَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا ، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ،
وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ بَعْدَ أَنْ أَنْقَذَهُ اللَّهُ مِنْهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ ) رواه البخاري.
وكذلك فإن حب النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من أعظم القربات
التي حُرم منها أكثر البشر ، فقد صحَّ عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال:
"المَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ " رواه البخاري.
فهذه الخيرات العظيمة التي لا تستبدل واحدة منها بالدنيا وما فيها من الملذات والنعيم،
وفي الواقع أنتِ لا تشعرين بقيمتها الحقيقية؛
لأنك لم تجربي فقدها يوماً ولم تري شيئاً من ثمارها في الدنيا إلا القليل.
أختنا الفاضلة :
إننا لا نقلِّل من حجم المشكلة التي تعانين منها،
ولكن تضخيم الأمور قد يجعل من مشكلة واحدة مشكلات متعددة،
وأنت عندك في الواقع مشكلات متعددة،
فكيف لو ضخمتِ كل واحدة منها حتى أصبحت عدة مشكلات ؟!
إن النظر إلى المشكلات من زاوية واحدة يُورث الهم والغم والاكتئاب،
وإن كانت صغيرة تعظم في نظر صاحبها حتى يرى أن هموم الدنيا كلها على كاهله،
ولا يمكن أن تكون هنالك مشكلة لدى مسلم ليس فيها إلا الشر المحض،
وفي أكثر الأحيان يكون الخير في المصيبة أضعاف السوء الذي فيها.
أولاً : هل تعلمين أن الله يبتلي المؤمنة لأنه يحبها ويحب الخير لها،
ففي الصحيح عن نبينا عليه الصلاة والسلام ( مَنْ يُرِد الله بِهِ خَيْراً يُصِبْ مِنْهُ ) رواه البخاري
فأي فضل أعظم من أن يغسل الله عبده الذي يحبه من الذنوب أولاً بأول،
بالبلاء والمصائب ليلقاه يوم يلقاه نقيّاً لا ذنب عليه، فتكون الفرحة عنده عظيمة،
ويعلم حينها أن البلاء الذي كان به من أعظم نعَم الله عليه.
والنبي صلوات الله وسلامه عليه يقول : ( يَوَدُّ أَهْلُ الْعَافِيَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِينَ يُعْطَى أَهْلُ الْبَلَاءِ الثَّوَابَ
لَوْ أَنَّ جُلُودَهُمْ كَانَتْ قُرِضَتْ فِي الدُّنْيَا بِالْمَقَارِيضِ ) . رواه الترمذي.
فجددي نظرتك أختي الكريمة للحياة التي تعيشين، وللمصائب التي تعانين،
وأحسني الظن بربك، فهو أحكم الحاكمين سبحانه.
حاولي أختي قدر استطاعتك أن تنظري للجانب الطيب الجميل
لكل مشكلة تعانينها: نفسيَّة كانت أو ماديَّة ، فمثلاً:
تأخر الزواج :
كم من الفتيات تأخر سن الزواج بالنسبة لهن فكان ذلك لهن خير عظيم.
فهذه امرأة بلغت الأربعين من العمر، تزوجت أخواتها وتزوج إخوانها، وتوفي والداها،
وبقيت في البيت وحدها، وهي ذات دين وصلاح،
قالت لها امرأة : أعانك الله على هذه الوحدة، بقيتِ وحدك بعدما ذهب كل أهلك،
وجعلتْ تصبِّرها، فردت بجواب يعجز عنه كثير من الخاصة لو كانوا مكانها،
وصعقت المستمعات بإجابتها، قالت :
ومن قال لكِ إنني أعيش وحدي ؟ أبداً ؛ أنا ما عشتُ يوماً إلا مع من أحب !
فهو معي في الليل والنهار، لا يفارقني طرفة عين، أأناجيه في الأوقات الفاضلة، إنه ربي.
مثال آخر : في مصيبة عدم الإنجاب :
إحدى الأخوات تزوجت ومكثت سنوات ولم تنجب،
ثم علمت من الفحوصات أنها هي سبب عدم الإنجاب،
فخيَّرت زوجها بين أن يطلقها أو تُزوِّجه امرأة أخرى تعيش معها كأختين في بيت واحد،
وكان يحبها لدينها، وصلاحها، فاختار أن يتزوج، ويبقيها معه زوجة ثانية
بكامل حقوقها الزوجية، وتم ذلك فصار لديها وقت فراغ،
فالتزمت مع مجموعة من النساء في حفظ القرآن ، حتى أتمت حفظه، ثم أخذت سنداً،
وإجازةً في القراءة، والحفظ، ثم بدأت تطالع وتدرس فأخذت دورة فقهية،
ودورة في العقيدة، وهي الآن مدرسة للنساء في عدة مراكز نسائية،
وكان لها الفضل بعد الله في إدخال السنَّة في كثير من المناطق
التي طالما عاشت على البدع والخرافات،
وكان لها أثر عظيم في رفع الجهل عن نساء طالما عبدن الله على جهالة،
فهي قد صبرت على برئها، فأكرمها ربها؛
لما ترى لتفرغها من الأثر العظيم على نفسها وغيرها من العلم والتعليم.
مثال ثالث :
وهذا المثال يتعلق بمشكلة من أكبر المشاكل التي تعانين منها وهي السحر،
وتأثير الجن والسحرة على الناس، وفي هذا المثال إجابات على أكثر تساؤلاتك المتعلقة بالموضوع.
-- يتبع --