وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «ما نهيتُكم عنه فاجتنِبوه، وما أمرتُكم به فأْتوا منه ما استطعتم»؛ رواه البخاري ومسلم.
وجِماعُ الخير ومِلاكُ الأمر وسببُ السعادة: التوبة إلى الله، قال الله تعالى: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور: 31].
ومعنى التوبة: هي الرجوع إلى الله والإنابةُ إليه من فعل المُحرَّم والإثم، أو من ترك واجبٍ، أو تقصيرٍ فيه، بصدق القلب وندمٍ على ما كان.
والتوبةُ النَّصوح يحفظُ الله بها الأعمالَ الصالحة التي فعلها العبد، ويُكفِّرُ الله بها المعاصي التي وقعت، ويدفع الله بها العقوبات النازلة والآتية، قال الله تعالى: فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ [يونس: 98].
روى ابن جرير - رحمه الله - في تفسير هذه الآية عن قتادة قال: "لم ينفع قرية كفَرَت ثم آمنت حين حضرها العذاب، فتُرِكَت إلا قوم يونس لما فقدوا نبيَّهم وظنُّوا أن العذاب قد دنا منهم قذَفَ الله في قلوبهم التوبة، ولبِسُوا المسُوح، وألهَوا بين كل بهيمةٍ وولدها - أي: فرَّقوا بينهما -، ثم عجُّوا إلى الله أربعين ليلة، فلما عرف الله الصدقَ من قلوبهم، والتوبةَ والندامةَ على ما مضى منهم، كشف الله عنهم العذاب بعد أن تدلَّى عليهم". اهـ.
وقال تعالى: وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ [هود: 3].
والتوبةُ واجبةٌ على كل أحدٍ من المسلمين؛ فالواقعُ في كبيرةٍ تجبُ عليه التوبة لئلا يبغَتَه الموت وهو على المعصية، والواقعُ في صغيرة تجبُ عليه التوبة؛ لأن الإصرار على الصغيرة يكون من كبائر الذنوب، والمُؤدِّي للواجبات التاركُ للمُحرَّمات تجبُ عليه التوبةُ أيضًا؛ لما يلحَقُ العمل ولما يجبُ له من الشروط، ولما يلزمُ من انتفاء موانع قبوله، وما يُخشَى على العمل من الشوائب التي قد تُداخِلُه التي حذَّر منها النبي - صلى الله عليه وسلم -.
عن الأغَرِّ بن يسارٍ المُزنِيّ - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «يا أيها الناس! توبوا إلى الله واستغفروه؛ فإني أتوب في اليوم مائةَ مرة»؛ رواه مسلم.
والتوبةُ بابٌ عظيمٌ يتحقَّقُ به الحسناتُ العظيمة الكثيرة التي يحبُّها الله؛ لأن العبد إذا أحدثَ لكل ذنبٍ يقع فيه توبةً كثُرت حسناتُه، ونقصت سيئاتُه، قال الله تعالى: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا [الفرقان: 68 - 70].