الحمد لله رب العالمين . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لا شريك له وأشهد أن محمدَ بنَ عبدِ الله نبيُّه ورسولُه وصفيُّه وخليلُه ، أرسلَه اللهُ بين يدي الساعة بشيرًا ونذيرًا ، مبشرًا بالجنة لمـَنِ اتقى اللهَ – جل وعلا – وأطاعَ الرسولَ ، ومنذرًا ومخوفًا من عذابِ الله والنار لمن خالفَ أمرَ اللهِ – جل وعلا – وعصى الرسولَ – عليه الصلاة والسلام - .
واللهَ أسألُ أن يجعلَ الجميعَ ممّن مَنَّ اللهُ عليهم بالبصرِ النافذِ عند حلولِ الشبهاتِ ، وبالعلمِ النافعِ ، الذي هو للقلوبِ حياةٌ ومددٌ .
واللهُ - جل وعلا – جعلَ الوحيَ في القرآن مُمَثَّلاً بالماء ؛ لأنَّ به حياةَ القلوب ، ولأنَّ به صحةَ النظرِ والإدراكِ عند حلولِ المشتبهاتِ وظهورِها . ([1])
_ _ _ _ _
تمهيد
الإيمانُ بالقضاءِ والقدرِ
يؤمن المسلم :
( 1 ) بأنّ ما أصابه لم يكنْ ليخطئه ، وأنّ ما أخطأه لم يكنْ ليصيبَه .
( 2 ) وبأن القضاءَ والقدرَ ماضيان .
ولكنَّ قضاءَ اللهِ – جل وعلا - وقدرَه مرتبطانِ بالعللِ الكونيةِ ، والعللِ الشرعيةِ .
أسبابُ الابتلاءِ ، وأنواعُه :
( 1 ) يُصيبُ اللهُ – جل وعلا – أمةَ الإسلام بما يصيبُها بسببِ ذنوبها تارةً ، وابتلاءً واختبارًا تارةً أخرى .
( 2 ) يُصيب اللهُ – جل وعلا – الأُممَ غيرَ المسلمةِ بما يصيبُها إما عقوبةً لما هي عليه من مخالفةٍ لأمرِ الله – جل وعلا – وإما لتكون عبرةً لمن اعْتَبَرَ ، وإما لتكونَ ابتلاءً للناس ، هل يَنْجَوْنَ أو لا يَنْجَوْنَ ؟
قال اللهُ – تعالى - : ( فَكُلاً أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) ([2]) .
وهذا في العقوباتِ التي أُصِيبَتْ بها الأُممُ ، العقوباتِ الاستئصاليةِ العامةِ ، والعقوباتِ التي يكونُ فيها نكايةٌ ، أو يكونُ فيها إصابةٌ لهم .
( 3 ) تُصاب الأمةُ بأن يبتليَها اللهُ بالتفرُّقِ فِرَقًا ، بأن تكونَ أحزابًا وشِيَعًا ؛ لأنها تركتْ أمرَ الله – جل وعلا - .
( 4 ) تُصاب الأمةُ بالابتلاء بسببِ بَغْيِ بعضِهم على بعضٍ ، وعدمِ رجوعِهم إلى العلمِ العظيمِ الذي أنزله اللهُ – جل وعلا – .
قال الله – تعالى – فيما قصَّه علينا من خبر الأُمَمِ الذين مَضَوْا قبلَنا : ( وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ) ([3]) .
وقال - سبحانه - : ( وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ ) ([4]) .
عندَ أهلِ الكتابِ العلمُ النافعُ ، ولكن تَفَرَّقُوا بسببِ بَغْيِ بعضِهم على بعضٍ ، وعدمِ رجوعِهم إلى هذا العلمِ العظيمِ الذي أنزلَه اللهُ – جل وعلا - ، تَفَرَّقُوا في العملِ ، وتركُوا بعضَه .
( 5 ) يُصاب قومٌ بالابتلاءِ بسببِ وجودِ زيغٍ في قلوبهم ، فَيَتَّبِعُونَ المتشابِه .
قال اللهُ – جل وعلا – في شأنهم : ( فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ ) ([5]) .
فليس وجودُ المتشابه سببًا في الزيغ ، ولكنَّ الزيغَ موجودٌ أولاً في النفوسِ .
فاللهُ – سبحانَهُ – أثبتَ وجودَ الزيغِ في القلوبِ أوَّلاً ، ثم اتباعِ المتشابه ثانيًا ، وقد جاءت ( الفاءُ ) في قوله – جل وعلا – : (فَيَتَّبِعُونَ ) لإفادةِ الترتيبِ والتعقيبِ .
ففي النصوصِ ما يَشْتَبِهُ ، لكن مَنْ في قلبه زيغٌ يذهبُ إلى النصِّ فيستدلُ به على زَيْغِهِ ، وليس له فيه مُسْتَمْسَكٌ في الحقيقةِ ، لكن وَجَدَ الزيغَ فذهبَ يتلمَّسُ له .
وهذا هو الذي ابْتُلِيَ به الناسُ - أي : الخوارجُ - في زمنِ الصحابةِ ، وحصلتْ في زمن التابعينَ فتنٌ كثيرةٌ تَسَـبَّبَ عنها القتالُ والملاحِمُ مما هو معلومٌ .
فوائد الابتلاء
الأمةُ الإسلاميةُ والمسلمون يُبْتَلَوْنَ .
وفائدةُ هذا الابتلاءِ معرفةُ مَنْ يَرْجِعُ فيه من الأمةِ إلى أمرِ اللهِ – جل وعلا – معتصِمًا بالله ، متجرِّدًا ، متابعًا لهدي السلفِ ممّن لا يرجعُ ، وقد أصابته الفتنةُ ، قلّتْ أو كَثُرَتْ .
( 1 )
تحقيقُ الشَّهادتينِ
من معتقدِ أهلِ السنةِ والجماعةِ تحقيقُ الشهادتينِ
( شهادة أن لا إلهَ إلا اللهُ ، وأن محمدًا رسولُ اللهِ )
- بل هذه الشهادةُ هي أساسُ العقيدةِ ، وفيها موالاةُ اللهِ – جل وعلا – ورسولِهِ والدينِ .
وفيها البَراءُ من الكُفْرِ والشِّركِ .
وهذا يستلزمُ عقدَ الموالاةِ بين أهلِ الإيمانِ .
_ _ _ _ _
عقيدةُ الولاءِ والبراءِ
عقيدةُ الولاءِ والبراءِ أصلٌ يجب على كلِّ مسلمٍ أن يتمسكَ بها ؛ لأنها أساسُ دينه وأساسُ الملَّةِ ، لكنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان محقِّقًا لها وهو في مكةَ ، وكان محقِّقًا لها وهو في المدينةِ ، وكان محقِّقًا لها – عليه الصلاة والسلام – في كلِّ أحوالِهِ .
وهو – عليه الصلاة والسلام – الأسوةُ والقدوةُ الحسنةُ .
لهذا في قصةِ الحديبيةِ - كما هو معروفٌ - لما أتى النبيُّ صلى الله عليه وسلم مريدًا مكةَ وجاءه المشركونَ – وهم في ذلك الوقتِ ضعفاءُ – وطلبوا منه أن يرجِعَ .
وحَصَلَ بينه وبينهم عَهْدٌ غليظٌ أقرَّهُ – عليه الصلاة والسلام – حتى إنه كان فيه :
« أنه مَنْ يأتِنا مسلمًا يُرجَعُ إليهم ، ومن يأتِهم منا فلا يُرْجَعُ إلى المسلمينَ »
وهذا استنكره عمرُ وقال : يا رسولَ اللهِ : أَلَسْنَا على الحقِّ وهم على باطلٍ ؟
قال : بلى . قال : فعلامَ نقبلُ الدَّنِيَّةَ في ديننا ؟ ([6])
فكان الحقُّ ما أمرَ به النبيُّ صلى الله عليه وسلم وعَمِلَ به الصحابةُ .
وقد قال – جل وعلا – في شأنِ بعضِ المسلمينَ : ( وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ ) ([7]) .
قال ابنُ كثير – رحمه الله – في تفسيره : يقول – تعالى - : ( وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ ) هؤلاءِ الأعرابُ الذين لم يهاجروا ، في قتالٍ ديني ، على عدوٍّ لهم فانصروهم فإنه واجبٌ عليكم نصرُهم ، لأنهم إخوانُكم في الدينِ ، إلا أن يستنصروكم على قومٍ من الكفار ( بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ ) أي : مهادنةٌ إلى مُدَّةٍ ، فلا تَخْفِرُوا ذِمَّتَكُمْ ، ولا تَنْقُضُوا أيمانَكم مع الذينَ عاهدْتم . وهذا مرويٌّ عن ابنِ عباسٍ .
والواجبُ الاستمساكُ بهذا الأصلِ . والكمالُ في الرجوعِ إلى هَدْيِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم في أحوالِه كلِّها ، فهو – عليه الصلاة والسلام – وصحابتُه هم الأساسُ والقُدوةُ في الولاءِ والبراءِ .
وعلى الدعاةِ أن يترسَّموا هذا الهَدْيَ ، ويتمسَّكُوا بهذا الأصلِ ، وليستِ الشِّدَّةُ والغِلْظَةُ على الدوامِ في كل زمانٍ ومكانٍ هي المحققـةَ لمعتقدِ الولاءِ والبراءِ .
وهناك مسائلُ لا تُطرحُ على العامَّةِ في الخُطَبِ ، أو من خلالِ الوسائلِ المختلفةِ . وإنما يبحثُها العلماءُ فيما بينهم .
قال الشيخُ العلامةُ عبدُ اللطيفِ بنُ عبدِ الرحمنِ بنِ حسنِ ابنِ محمدِ بنِ عبدِ الوهَّابِ : « وخُضْتُمْ في مسائلَ من هذا البابِ – كالكلامِ في الموالاةِ والمعاداةِ والمصالحةِ والمكاتباتِ وبذلِ الأموالِ والهدايا والحُكْمِ بغيرِ ما أنزلَ اللهُ عند البَوادي ونحوِهم من الجُفاةِ – لا يَتَكّلَّمُ فيها إلاَّ العلماءُ من ذوي الألبابِ ، ومَنْ رُزِقَ الفهمَ عن اللهِ ، وأُوتِيَ الحكمةَ وفصلَ الخطابِ » اهـ ([8]) .
حكمُ إزهاقِ الأرواحِ
أجمعَ العلماءُ ذوو النظرِ الصحيحِ في الفِقْهِ من جميعِ الأمصارِ على أن إزهاقَ الأنفُسِ بغير حقٍّ مخالفٌ للشريعةِ .
وأنَّ الاعتداءَ على الأنفسِ المعصومةِ - سواءٌ أكانتْ عِصْمَتُهَا بالإسلامِ أم كانتْ عصمتُها بالعهدِ والأمانِ - مخالفٌ للشريعة الإسلامية ، بل هو مخالفٌ لكلِّ الشرائعِ التي جاءتْ من عند الله – جل وعلا - .
والعقلاءُ أيضًا متفقونَ على هذا ؛ لهذا حَصَلَ ما تعلمونَ من نَفْيِ أن يكونَ ما حصلَ في أمريكا من الاعتداء مـوافقًا للشريعة الإسلامية ، أو تُقِرُّه ، أو يرضاه أهلُ الإسلام .
قال الله – تعالى - : ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) ([9]) .
والمطلوبُ من الجميعِ وجوبُ النظرِ في هذا الأصلِ نظرًا بالغًا ، وقد قال الله - تعالى - : وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ([10]) .
الثقةُ بوعدِ اللهِ – جل وعلا –
إننا واثقونَ بوعدِ اللهِ – جل وعلا – ؛ لأنَّ وَعْدَ اللهِ – جل وعلا – لا يُرَدُّ . وقد قال – تعالى - : ( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا ) ([11]) .
فدينُ الإسلامِ انتشرَ في السـنواتِ الأخيرةِ انتشارًا بَيِّنًا ، فَوُجِدَتِ الأعمالُ الإسلاميةُ ، من إنشاءِ المساجِدِ والدعوةِ ، وتبيينِ معالِمِ الدينِ في العالمِ كلِّهِ ، وصارَ له صوتٌ كبيرٌ وقويٌّ .
وهذه البلادُ بخاصةٍ كان لها النصيبُ الأكبرُ مِنْ حَمْلِ الدعوةِ الإسلاميةِ إلى الغربِ وأوربا وأمريكا ، وإلى مشارقِ الأرضِ ومغاربها .
وهذا بفضلِ الله ، ثم بفضلِ توجيهاتِ ولاةِ أمورِنا – وفَّقهم اللهُ جل وعلا - .
ونَشْرُ هذا الدينِ أصلٌ من الأصولِ العظيمةِ ، لأنه جهادٌ دائمٌ ماضٍ ، وهو جهادُ الحُجَّةِ والبيانِ .
_ _ _ _ _
( 2 )
العلماءُ والدعاةُ قدوةُ هذه الأمة
وَصَفَ عمرُ بنُ عبدِ العزيزِ – رحمه الله تعالى – الصحابةَ وساداتِ التابعين بما وَصَفَهم به ، ومنها قوله :
« إنهم على عِلْمٍ وَقَفُوا ، وببصرٍ نافِذٍ كَفُّوا » .
وإنَّ ما جَرَى لهذه الأمةِ ابتلاءٌ عظيمٌ وكبيرٌ .
فهل ترجعُ فيه إلى الأصلِ الأصيلِ وهو :
كتابُ اللهِ – جل وعلا – وسنةُ رسولِهِ صلى الله عليه وسلم ، وهَدْيُ السلفِ الصالحِ ، وكلامُ أهلِ العلمِ الراسخينَ فيه .
أمْ أنهَّا لا تَرْجِعُ إلى الأصلِ الأصيلِ ؟ فيحصُلُ في قلبِها زيغٌ فَتَتَّبِعُ المتشابِهَ .
_ _ _ _ _
الواجبُ معرفةُ منهجِ السلفِ
وهو الفِقْهُ في الكتابِ والسنةِ
الواجبُ على طلابِ العلمِ أن يتعرَّفُوا على منهجِ السلفِ عند حلولِ تَقَلُّباتِ الدهرِ .
واللهُ – جل وعلا – يبتلي عبادَه ، ولا بُدَّ أن نَرْجِعَ إلى منهجِ السلفِ بعدَ التعرُّفِ عليه ، والتفقُّهِ في الكتابِ والسنةِ .
وهذا أصلٌ أصيلٌ .
اليقظةَ اليقظةَ عندَ الأراجيفِ والشائعاتِ :
إنَّ هذه التقلباتِ التي حصلتْ ، والكلامَ الذي تسمعونَه ممن ينتسبُ إلى الإسلامِ ، من علماءَ ، ودعاةٍ ، ومتحمسينَ ، ومتعجلينَ ، ومن أصحابِ الإرجافِ في القنواتِ الفضائيةِ المختلفةِ بحاجةٍ إلى يَقَظَةٍ .
وإنه ليُخْشَى على من أَدْمَنَ النظرَ إلى القنواتِ الفضائيةِ المختلفةِ وتَابَعَها أن يَنْحَرِفَ عن المنهجِ إلاَّ إذا كان قوِّيَ الصِّلَةِ بالقرآنِ والسنةِ وبمنهجِ السلفِ الصالحِ .
إلقاءُ الكلامِ من دونِ نظرٍ فيه
ولْيَحْذَرْ طلابُ العلمِ والدعاةُ والوُعَّاظُ والمرشدونَ من إلقاء حَجَرٍ يسببُ فُرْقَةَ هذه الأمةِ ، وإيغارَ الصدورِ في بلادِ الإسلامِ .
ولْيَحْذَرُوا من الانسياقِ وراءَ القنواتِ ، والإعلامِ المسموعِ والمقروءِ والمرئيِّ .
وعلى دعاةِ الإسلامِ أن يوجِّهوا الناسَ إلى ما يَنْفَعُهُمْ .
_ _ _ _ _
الحذرُ من جرِّ المعركةِ إلى داخلِ الأُمَّةِ
إنّ جَرَّ المعركةِ إلى داخلِ البلادِ الإسلاميةِ أمرٌ جَلَلٌ عظيمٌ .
سوف تحصلُ في كلِّ بلدٍ مصيبةٌ ، وسيتطاحنُ الناسُ .
وذلك مثلُ ما حَصَلَ في أفغانستانَ بعدَ ما انتهتِ الحربُ مع الاتحاد السوفيتي ، وطَعَنَ بعضُهم في بعضٍ ، وبقيتِ الخلافاتُ ، ولم يجتمعِ الأفغانُ على وِلايةٍ ، فهذا لا يُقِرُّ لهذا ، وهذا لا يُقِرُّ لهذا . وهكذا ..
وإن وجدتْ عندَهم وِلايةٌ فليس هناك اتفاقٌ من الجميع ، ففيها تنازعاتٌ وقتلٌ ، كما أنه قُتِلَ الكثيرُ من زعماءِ الفِرَقِ والفصائلِ .
_ _ _ _ _
تفْويتُ الفُرصةِ على الأعْداءِ نَبَاهَةٌ
الواجبُ على كلِّ داعيةٍ من دعاةِ الإسلامِ ، وكلِّ مرشدٍ ، وكلِّ واعظٍ ، وكلِّ طالبِ علمٍ أن يحافظَ على حمايةِ بَيْضَةِ المسلمينَ ، وأن يكونَ مع الجماعةِ ، ويَحْرِصَ على الاجتماع على وُلاةِ الأمورِ .
لأن بهذا تحقيقَ المصالحِ ، ودرءَ المفاسدِ ، ويُفَوِّتُ الفرصةَ أو الغرضَ على أعداءِ الإسلامِ ممن يتربصونَ الدوائرَ بهذه الأمةِ .
_ _ _ _ _
عدمُ شَحْنِ النفوسِ
مهمةُ دعاةِ الإسلامِ توجيهُ الناسِ إلى ما ينفعُهم .
ولكنَّ بعضَ الدعاةِ نَسِيَ المهمةَ الملقاةَ على عاتقه ، فَتَرَاهُ في أوقاتٍ يزيدُ على ما قالتْهُ القنواتُ والإعلامُ ، ويسيرُ على نفسِ الوتيرة لجعلِ النفوسِ تغلي .
تارةً باسم الولاءِ والبراءِ غيرِ المنضبطِ شرعًا .
وتارةً باسم الدعوةِ للجهادِ في سبيلِ اللهِ – تعالى - .
وتارةً كذا ، وتارةً كذا .
وكلُّ هذا يشحَنُ النفوسَ دونَ توجيهٍ صحيحٍ فيما ينفَعُ الأمةَ ثم ينتِجُ عن ذلك التشاحُنُ والتفرُّقُ .
وعلى الدعاةِ الانتباهُ في كلماتهم إلى ما ينفعُ الناسَ ، والحذرُ من شَحْنِ النفوسِ ، وهم لا يعرفونَ ما ستكون الأبعادُ لهذا الشحنِ الذي قد لا يكونُ منضبِطًا بالضابطِ الشرعيِّ .
وإرشادُ الناسِ ، أو بيانُ الواقعِ يحصلُ إذا كانتِ النفوسُ خاليةً .
لكن إذا كانتِ النفوسُ مليئةً ، وهم يُتَابِعُونَ هذه القنواتِ ليلَ نهارَ ، ثم يأتي الداعيةُ أو الخطيبُ يزيدُ في اشتعالِها .
فنتساءلُ : إلى أينَ تريدُ – يا خطيبُ – أن يتّجِهَ الناسُ ؟
والجوابُ : ليس ثَمَّةَ اتجاهٌ إلاّ إلى زيادةِ ما في النفوس من اختلافاتٍ ، وإلاَّ إلى سوءِ الظن ، وإلاَّ إلى تركِ الجماعةِ .
فالحذرَ فالحذرَ من أن يدعو الداعيةُ إلى مثل ما يضرُّ الناسَ ولا ينفعُهم .
وعلى الدعاةِ أن يعلمُوا أنَّ ما دارَ بينَ الصحابةِ من حروبٍ كعليٍّ ومعاويةَ في وقعة ( صفين ) ، وعائشةَ – رضي الله عنها – في وقعة ( الجَمَلِ ) وغير ذلك فمعتقدُ أهلِ السنة والجماعة أن هذه الحروبَ ليس الصحابةُ طرفًا فيها ، فالصحابةُ وَجَدُوا أنفسَهم يتقاتلونَ وهم لا يَشْعُرونَ .
والذي أشعلَ هذه الحروبَ هم الخوارجُ .
ذكر ذلك شيخُ الإسلامِ ، وشارحُ الطحاوية وكتبُ العقيدةِ .
فسعى الخوارجُ بين الطرفَيْنِ ، سَعَوْا هنا بشيء ، وسَعَوْا هنا بشيء آخر ؛ لإعلاءِ ما يزعمونَه حقًّا من رَفْعِ رايةٍ ظاهرُها حقٌّ وباطنُها باطِلٌ ، وهي ( لا حكمَ إلا لله ) ، وهم لا يريدون القتالَ بين الصحابةِ ، ولكنَّ السعيَ الذي لم ينتبهوا إلى نتائجه أوقعَ الصحابةَ في القتالِ .
وقتالُ الصحابةِ أعظمُ مصيبةٍ في التاريخِ الإسلاميِّ .
وصار من عقائدِنا سلامةُ ألسنتِنا وقلوبِنا من الغِلِّ ، وعدمُ النيلِ ممن حَصَلَ بينهم القتالُ .
سؤال : إذن مَنْ أشْعَلَ هذه الفتنةَ ؟
الجواب : هم الخوارجُ .
سؤال : كيف يكون ذلك ؟
الجواب : ما أشبهَ الليلةَ بالبارحة ، النفوسُ إذا زادَ شحنُها ، ثم زادَ حَصَلَتِ الفتنُ ..
فإنه يحصُلُ من فئة إمّا بإدراكٍ أو بغيرِ إدراكٍ ، وإما بقَصْدٍ أو بغير قصدٍ أن توقعَ الناسَ في صراعاتٍ ومقاتِلَ ومعارِكَ وهم لا يشعرونَ ، ولن ينتبهوا إلا إذا وقعتْ ، وإذا وقع السيفُ فمتى يُرْفَعُ ؟
فالحذَرَ الحذَرَ من هذا الأمرِ ، والتنبهَ واليقظةَ إلى اتِّباعِ هَدْيِ السلفِ ، وإلى العبرةِ من الفتنِ التي حصلتْ ، والمقاتِل في ذلك .
القدوةُ الحسنةُ
الواجبُ على أهلِ الإيمانِ بعامةٍ ، وعلى طلبةِ العلمِ من دعاةٍ ومرشدينَ ووعاظٍ ، ومسؤولينَ عن الأمور الدينية بخاصةٍ أن يكونوا هم القدوةَ الحسنةَ للناسِ حين تَحْدُثُ الحوادثُ ، وتختلِطُ الأمورُ .
_ _ _ _ _
( 3 )
الوَسَطِيَّةُ أصلٌ من أُصولِ أهلِ السنةِ والجماعةِ
لنا في سلفنا الصالحِ الأسوةُ الحسنةُ فإنهم - رحمهم الله – من صحابةٍ ومن تابعينَ ومِمَّنْ بعدَهم كلَّما أتتِ الفِتَنُ أو تقلبتِ الأمورُ أَوْصَوْا فيها بما هو الحقُّ ، وهو البعدُ عن طرفَيِ الغُلُوِّ والجفاءِ ، فهم أهلُ وَسطيةٍ في الأمورِ ، ليسُوا مع أهلِ الغُلُوِّ في غُلُوِّهِم ، وليسوا مع أهلِ الجفاءِ في جفائهم ، وليسوا مع أهلِ الخوفِ حين يخافُ الناسُ إلا من اللهِ – جل وعلا – وليسوا مع أهل الأمنِ من مكرِ اللهِ – جل وعلا – حين يأمنُ الناسُ ويكونون في دَعَةٍ .
إننا ننطلقُ من شريعَتِنَا .
فلا نزيدُ في الأمرِ ولا نُحَمِّلُهُ ما لا يَحْتَمِلُ . ولا نذهبُ إلى أمورٍ غيرِ مقبولةٍ من التكفيرِ ، ومن تحميلِ الأمورِ فوقَ ما تحتملُ .
ومن إساءةِ الظنِّ بعلماءِ المسلمين ، ووُلاةِ أمورِهم .
والحذرَ الحذرَ من اللوبي العالمي الإعلامي الذي يعتبر مصدرَ المعلوماتِ التي تنشرها القنواتُ الفضائيةُ .
وعلى المسلمينَ أن يقفوا وقفةَ تأمُّل متسائلينَ :
ما الذي يُرَادُ شحنُهُ في نفوسِ أهلِ الإسلامِ حتى يُوصَلَ إليه ؟ .
والحذرَ الحذرَ من وقوعِ بأسِ الأمةِ بينهم ، فَتَنْشَبُ الأمةُ في نفسها ، وتَتَحَوَّلُ الأمةُ في البلاد إلى فِرَقٍ وأحزابٍ ، ويبغي بعضُهم على بعضٍ ، ويقتلُ بعضُهم بعضًا .
ولابدَّ من التوسُّط في الأمور الذي هو معتقد أهل السنة والجماعة .
وفي التأني والرفقِ تُدْرَكُ الأمورُ ، وتُنالُ المقاصدُ .
علينا أن نمضي في دعوتنا بعيدين عن أهلِ الغُلُوِّ في غُلُوِّهم ، وعن أهلِ الجفاءِ في جفائهم .
نحن أمةٌ وسطٌ ، نُرْشِدُ ونُعَلِّمُ ما ينفعُ الأمةَ ولا يضرُّها .
_ _ _ _ _
( 4 )
الجِهادُ صِفةُ هذه الأُمّةِ
الجهادُ في سبيل الله – جل وعلا – من صفة هذه الأمةِ كما ذَكَرَ اللهُ – جل وعلا – في كتابه وبَيَّنهُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم ، لكن له أحكامٌ في كُتُبِ العلماءِ والتفاسيرِ ، وشروحِ الأحاديث .
أما الأمرُ الأولُ في مسألة الجهاد فاللهُ – جل وعلا – قال : ( وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَ قَلِيلاً . فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ ) ([12]) .
جاء رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم - كما في الحديث الصحيح المعروف - يستأذِنُهُ في الجهادِ ، فقال صلى الله عليه وسلم : « أحيٌّ والداكَ ؟ » .
قال : نعم . قال : « ففيهما فجَاهِدْ » . ([13])
- وأجمعَ أهلُ السنةِ والجماعةِ على أن الجهادَ ماضٍ مع كلِّ إمامٍ إلى قيامِ الساعةِ .
ليس للأفراد مهما كانوا أن يَدْعُوا إلى الجهادِ .
والذي يَدْعُو إلى الجهادِ هو وليُّ الأمرِ لقولِ اللهِ – جل وعلا – لنبيِّه صلى الله عليه وسلم : ( وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ ) .
وليس لأحدٍ من الرعيَّةِ أن يفتئِتَ على وليِّ الأمرِ فيما أعطاهُ اللهُ – جل وعلا – من خصوصيَّاته .
وقد فَهِمَ الصحابةُ ذلك ؛ لذا جاء رجلٌ يستأذنُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم في الجهادِ ... ولم يذهب من دون إذن .
- وليس الجهادُ مع فئاتٍ أو جماعاتٍ ، وإنما الجهادُ مع وليِّ الأمرِ ، مع الإمامِ إذا دعا إليه .
- والجهادُ من أعظمِ وأكبرِ ما يختصُّ به وليُّ الأمرِ .
أما لو دَعَى إلى الجهادِ آحادُ الناسِ لحلَّتِ الفوضى .
- والعلماءُ والدعاةُ يدعونَ إلى الجهاد إذا دعا إليه وليُّ الأمرِ ؛ لهذا قال الله : .
فالمؤمنونَ تبعٌ لوليّ أمرهم في ذلك .
قال « موفقُ الدينِ بنُ قُدامةَ » في « المغني » ([14]) :
« فصلٌ : وأَمْرُ الجِهادِ مَوْكُولٌ إلى الإمامِ واجتهادهِ ويلزمُ الرعيّةَ طاعتُهُ فيما يراهُ من ذلك .. » .
وهنا مسألةٌ أصوليةٌ مهمةٌ في تصرفاتِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم :
أقوالُ النبي صلى الله عليه وسلم وأعمالُه تُحْمَلُ على أمور :
أ – تارةً يقولُ ويعملُ ويتصرفُ صلى الله عليه وسلم لكونه رسولاً نبيًّا ، وهذا فيما يتعلقُ بالوحي وتبليغه ، والتشريعِ ، والأمرِ والنهي ، والحلالِ والحرامِ … .
ب – وتارةً يتصرفُ ويفعلُ ويقولُ صلى الله عليه وسلم لاعتباراتٍ متنوعة :
( 1 ) باعتباره وليًا للأمر ، إمامًا للمسلمين .
( 2 ) باعتباره قاضيًا .
( 3 ) باعتباره مفْتيًا .
( 4 ) باعتباره مرشِدًا .
( 5 ) باعتباره ناصِحًا . وهكذا …
لهذا قال الله – جل وعلا – لعمومِ الأمةِ : ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ) ([15]) .
فالنبيُّ صلى الله عليه وسلم أسوةٌ حسنةٌ لأئمةِ المسلمينَ ، أسوةٌ حسنةٌ للقضاةِ ، أسوةٌ حسنةٌ للمفتينَ ، أسوةٌ حسنةٌ للمرشدينَ ، أسوةٌ حسنةٌ للدعاةِ ، أسوةٌ حسنةٌ للرجلِ في بيته ، أسوةٌ حسنةٌ لعامةِ الناسِ في تصرفاتهم .
وهكذا فهو – عليه الصلاة والسلام – أسوةٌ حسنةٌ لكلِّ الطبقاتِ والفئاتِ .
إذًا فلا يَحِقُّ لأحدٍ منا أن يدعوَ الناسَ إلى الجهادِ إلا إذا دَعَا إليه وليُّ الأمرِ .
فرعايةُ النصوصِ وقواعدِ أهلِ السنةِ والجماعةِ في هذا الأمرِ واجبٌ علينا شرعًا .
فليحذرِ الواحدُ منا مِنْ أن تَزِلَّ قدمُه ، ويعطيَ الناسَ ما لا ينبغي .
ولقد حَثَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم الناسَ على الجهادِ بقوله : « جاهِدُوا المشركينَ بأموالِكُمْ وأنْفُسِكُمْ وأَلْسِنَتِكُمْ » ([16]) وهذا أمرٌ مربوطٌ بالنصوصِ ، وبمعتقدِ أهلِ السنةِ والجماعةِ .
_ _ _ _ _
( 5 )
الاجتماعُ على هَدْيِ السلفِ عندَ ظهورِ الفتنِ
لابدَّ من رعاية هَدْيِ السلفِ كما جاء في النصوصِ في أحوالِ تقلباتِ الزمانِ والأحوالِ وظهورِ الفتنِ .
فإذا ظهرتِ المشتبِهاتُ فالتجاسرُ مذمومٌ ، والتأني والرفقُ هو المحمودُ ، كما وَصَفَ عمرُ بنُ عبدِ العزيزِ – رحمه الله – الصحابةَ بقوله : إنَّهم على عِلْمٍ وَقَفُوا – يعني : فيما أقدموا عليه – وببصرٍ نافذٍ كَفُّوا – يعني : فيما كَفُّوا عنه في أمرِ الدينِ والعملِ - .
ومن المهم والضروريِّ أن يتفقهَ الداعيةُ في الدينِ ، وبذلك يحصُلُ له كلُّ خيرٍ ، ومن ذلك :
أ – أن يكونَ في زمنِ الاختلاف مُنْجِيًا لنفسـه ، متقيًا لله – جل وعلا – .
ب – أن لا يوقعَ غيرَه في شبهةٍ أو فتنةٍ .
وإذا حَصَل اشتباهٌ فعليهِ أن يلتزمَ بالحديثِ الذي يدورُ عليه رَحَى الإسلامِ ، وهو أصلٌ عظيمٌ من أصولِ
الإسلامِ ، وهو قولُه صلى الله عليه وسلم : « دعْ ما يَرِيبُكَ إلى ما لا يَرِيبُكَ » ([17]) .
أي : إذا لم تظهرْ لك الأمورُ بَيِّنَةً واضحةً بأدلتِها ومعتقدِها ونصوصِها في زمنِ البلاءِ والاختلافِ والفتنةِ فدعْ ما يَريبُك إلى ما لا يَرِيبُكَ .
جـ – تركُ تقليدِ مَنْ لا يُرْكَنُ إلى قولِهِ .
فمثلاً : كان الناسُ في زمنِ الإمامِ أحمدَ في فتنةٍ عظيمةٍ ، فما كان من الإمامِ أحمدَ إلا أن ثَبَتَ على الأمرِ العتيقِ .
وقد قال جَمْعٌ من السلف :
« إذا التبستِ الأمورُ فعليكُمْ بالأمرِ العتيقِ » .
فالأمرُ العتيقُ هو الهديُ العتيقُ .
أما أنْ يدخُلَ الناسُ في أمرٍ من أجل صنيعِ بعضِهم فهذا مرفوضٌ ولا يصِحُّ أن تَستجِرَّ فئةٌ قليلةٌ الدعاةَ ، والجماعاتِ الإسلاميةَ والدولَ إلى حربٍ وجهادٍ عامٍّ منقادِينَ دونَ علمٍ وحكمةٍ .
وهنا سؤال : هل يسوغُ أن يَتَصَرَّفَ أحدٌ ثم ينجرَّ الجميعُ إلى تصرُّفِهِ ؟
الجوابُ : معلومٌ أن الشريعةَ جاءتْ لتحصيل المصالحِ ، ودرءِ المفاسِدِ .
وهذا أصلٌ عظيمٌ لا نُسْتَجَرُّ إلى شيء لا نُريده ، ولابُدَّ أنْ يُوَضَّحَ للناسِ أن لا ينجرَّ الناسُ في زمنِ الفتنةِ .
الجميعُ يحمِّـس ، التقيُّ ، والفاجرُ ، والقنواتُ ، حتى القنواتُ غيرُ الإسلاميةِ والمشبوهةُ تزيدُ مما في النفوسِ .
لماذا هذا ؟! هل هو حُبٌّ في أنْ يَتَّجِهَ الناسُ للجهادِ ؟! .
لا ، بل لهم أغراضٌ لا تَخْدُمُ الأُمَّةَ .
قال اللهُ - تعالى - : ( قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) ([18]) .
_ _ _ _ _
الخاتمة
أيُّها الإخوةُ :
الحديثُ متشعبٌ كثيرٌ ، ولكنَّ التوسطَ التوسطَ والتوازنَ التوازنَ ، ونحن مع المؤمنينَ ، وضِدُّ الكافرينَ ، لكنْ على منهجِنا ، ولسنا على منهجِ غيرِنا لا نُسْتَجَرُّ ، والناسُ تَبَعٌ في ذلك لولاةِ أمورهم ، لأن من مهماتِ الإمامِ ووليِّ الأمرِ الحفاظُ على الدينِ ، والحفاظُ على بَيْضَةِ الأمةِ ؛ كيلا يعتدي عليهم معتدٍ .
فإذا تجاسرَ بعضُ الناسِ وتجاهلَ وُلاةَ الأمرِ والعلماءَ حدثتْ فتنةٌ عظيمةٌ وانحرافٌ عن منهجِ السلف . فاللهَ اللهَ بهذا الأمر ، وأن لا يُجَرَّ أحدُنا بحسنِ قَصْدٍ .
أسألُ اللهَ – جل وعلا – أن يوفِّقَ الجميعَ إلى ما فيه رضاه ، وأن يجعلنا ممن يرى الحقَّ حقًا ، وأن يمُنَّ علينا باتِّباعه ، ويرى الباطلَ باطلاً ، ويمُنَّ علينا باجتنابِه .
كما نسألُ اللهَ – جل وعلا – أن يوفِّقَ الجميعَ لما فيه الرشدُ والسدادُ ، وأن يؤيدَ I ولاةَ أمورِنا بالحقِّ ، وأن يجزيَهم عن الإسلامِ والمسلمينَ خيرَ الجزاءِ .
معالي الشيخ صالح آل الشيخ حفظه الله
--------------------------------------------------------------------------------
([1]) أصل هذا المؤلَّف كلمة لمعالي الشيخ موجهة إلى طلاب العلم والدعاة والوعاظ والخطباء والمرشدين بالوزارة في الرياض في شعبان 1422هـ .
([2]) العنكبوت : 40 .
([3]) آل عمران : 19 .
([4]) البينة : 4 .
([5]) آل عمران : 7 .
([6]) قطعة بالمعنى من حديث طويل أورده « البخاريُّ » في « صحيحه » في ( كتاب الشروط – باب الشروط في الجهاد ، والمصالحة مع أهل الحرب ، وكتابة الشروط ) . انظر « فتح الباري » ( 5 : 403 – 408 ) ط : دار السلام .
([7]) الأنفال : 72 .
([8]) مجموع الرسائل ص11 .
([9]) النحل : 90 .
([10]) المائدة : 8 .
([11]) الفتح : 28 .
([12]) النساء : 83 ، 84 .
([13]) أخرج البخاري في « صحيحه » في ( كتاب الجهاد ) من حديث عبد الله بن عمرو – رضي الله عنهما – قال : « جاء رجلٌ إلى النبي r يستأذنه في الجهاد ، فقال : أحيٌّ وَاِلَداكَ ؟ . قال : نعم . قال : ففيهما فجاهدْ » . انظر « فتح الباري » ( 6 : 169 ) .
([14]) في ( 13 : 16 ) .
([15]) الأحزاب : 21 .
([16]) أخرجه « أبو داود في « سننه » في ( كتاب الجهاد – باب كراهية ترك الغزو ) رقم ( 2504 ) ط : دار السلام .
و« النسائي » في « سننه » في ( كتاب الجهاد – باب وجوب الجهاد ) ( 6 : 7 ) من حديث أنس t .
([17]) أخرجه « الترمذيُّ » في « جامعه » في ( كتاب صفة القيامة ) وقال : حسن صحيح ، برقم ( 2518 ) ، و« النسائي » في « سننه » في ( كتاب الأشربة – باب الحث على ترك الشبهات ) ( 8 :328 ) من حديث الحسن بن عليّ – رضي الله عنهما - .
([18]) يوسف : 108 .