العدو المنسي ....
مقال رائع للشيخ عبد الغني العمري
يتكلم المسلمون عن كل العداوات والأعداء، إلا عن عداوة الشيطان؛ وكأنهم حضروا جنازته أو أخبروا بوفاته.
وإن هم تكلموا، يكون كلامهم خارج الواقع. وقد ذكره الله في القرآن بين تعريف وتنكير في ثمانية وستين موضعا.
وحذر سبحانه منه في مثل قوله:
**إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا**[فاطر: 6]
لكن الواقع يدل على العكس، وكأن الشيطان قد تاب وأسلم. وإن كان هذا يدل على شيء فإنما يدل على استحواذه على أغلب الناس وإن كانوا متدينين.
البسطاء من الناس، يظنون أن الشيطان لا يدعو إلا إلى معصية ظاهرة؛ فيأمنونه في ما يكون ظاهره طاعة عندهم. ومن هناك يأخذهم. والعلماء يظنون أن علمهم يحصنهم منه، فيأتيهم منه أو مما يتعلق به.
وخطاب الشيطان على ألسن الناس، لو عرفه السامع لوجد العجب. وذلك أنك قد تسمعه يتكلم -لعنه الله- على ألسنة الشياطين من الناس الداعين إلى الكفر الصريح والكبائر من المعاصي؛ وقد تسمعه على لسان فقيه أو متشيخ صوفي. وما يسلم منه إلا من قال الله له عنهم: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ**[الحجر: 42]،
وقال هو عنهم في آية قبل هذه يائسا منهم: {وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ**[الحجر: 38-39]. فهل عباد الله الذين ليس عليهم سلطان، هم كل من تنسحب عليهم هذه الصفة، أم أنها عبودية خاصة؟
وإذا كان المرء من عوام عباد الله ولم يكن من خواصهم، فلمَ ينسى عداوة الشيطان له وقد عادى من قبله من هو أعلى منه مرتبة وأشد قوة، فأهلكه؟!
وحكاياته مع عباد الله في القرآن والسنة تكاد لا تحصى. فهل يترك المرء متَيقَّنا إلى ما هو مظنون؟
وإذا كان المرء على ظن من حاله، فلم لا يستوثق عند أهل العلم بهذا الأمر، عند خواص عباد الله؟!
ولقد رأينا من الناس من يتلاعب به اللعين كما يتلاعب الصبي بالكرة، وهو يظن نفسه على شيء.
والمصيبة أنه لا يتركه يستمع إلى نصح من ينصحه، ويمدّه بفهوم ملفقة يغره بها ويستبقيه على الضلال.
ولا بأس هنا، أن نتوقف عند لطيفة، ونتساءل:
لم تسلط الشيطان على آدم عليه السلام، وهو قطعا من خواص العباد؟
والجواب
هو أن الشيطان لم يتسلط على آدم من حيث خصوصية نفسه عليه السلام، وإنما تسلط عليه من حيث الحقيقة التي تتعلق بأصحاب الشمال من ذريته فيه. وذلك لأن آدم عليه السلام، أُجمل فيه ما فُصّل في جميع ذريته. فمن هناك أتاه. أما آدم من حيث كونه خليفة الله، فالشيطان تحت حكمه وتصرفه. هذا هو ما تعطيه الحقائق.
فإذا كان الشيطان لازال حيا، ولازال مستمرا في مهمته التي تصدى لها من الإضلال؛ وإذا كان له أعوان من شياطين الإنس والجن يقومون عنه ببعض المهام؛ فكيف يأمن المرء على نفسه، وهو لا يعلم أن أباه أو أمه أو زوجه أو أخاه أو صديقه من أتباعه وأعوانه؟!
وإذا كان المرء من أهل النسبة الدينية، فلا يستبعد منه أن يكلمه بالقرآن والسنة؛ وليحذر أن يأخذ عنه إذا فعل، فإنه لو أخذ عنه فسيعود عليه الوحي عمىً يَضل به عن سواء السبيل.
وعلى كل حال، فاستقصاء هذا الأمر يطول، ونحن إنما أردنا التنبيه وحسب.