_ الشرح :
لما ذكر المصنف رحمه الله أن الواجب هو الإيمان بصفات الله الثابتة في الكتاب والسنة
من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تكييف ولا تمثيل
بيـَّن موقف أهل السنة والجماعة من ذلك .
وهو أنهم يؤمنون بتلك الصفات على هذا المنهج المستقيم
فيُثْبِتونها على حقيقتها نافين عنها التمثيل
فلا يعطلون ولا يمثلون على وفق ما جاء في قوله تعالى في الآية (11) من سورة الشورى
( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ )
فقوله تعالى : ( ليس كمثله شيء )
رد على الممثلة .
وقوله : ( وهو السميع البصير )
رد على المعطلة
لأن فيه إثبات السمع والبصر
فالآية الكريمة دستور واضح في باب الأسماء والصفات
لأنها جمعت بين إثبات الصفات لله ونفي التمثيل عنها .
وسيأتي تفسيرها إن شاء الله .
وقوله
فلا ينفون عنه ما وصف به نفسه )
أي : لا يحمل أهل السنة والجماعة إيمانهم بأن الله ليس كمثله شيء
على أن ينفوا عنه ما وصف به نفسه ، كما يفعل ذلك الذين غلوا في التنزيه حتى عطلوه من صفاته بحجة الفرار من التمثيل بصفات
المخلوقين .
فأهل السنة يقولون لله سبحانه صفات تَخُصُه وتَليقُ به
وللمخلوقين صفات تخصهم وتليق بهم .
ولا تشابه بين صفات الخالق وصفات المخلوق
فلا يلزم هذا المحذور الذي ذكرتم
أيها المعطلة .
وقوله : ( ولا يحرفون الكلم عن مواضعه )
تقدم بيان معنى التحريف ،
أي : لا يغيرون كلام الله فيبدلون ألفاظه أو يغيرون معانيه
فيفسرونه بغير تفسيره كما يفعل المعطلة الذين يقولون في :
( استوى ) استولى وفي :
( وجاء ربك ) جاء أمر ربك و يفسرون
رحمة الله بإرادة الأنعام ونحو ذلك .
( ولا يلحدون في أسماء الله وآياته )
الإلحاد لغة : الميل والعدول عن الشيء .
ومنه اللحد في القبر سُمّي بذلك لميْلِه وانْحِرافه عن سمة الحفر إلى جهة القبلة .
والإلحاد في أسماء الله وآياته هو العدول والميل بها عن حقائقها ومعانيها الصحيحة
إلى الباطل .
والإلحاد في أسماء الله وصفاته أنواع :
النوع الأول : أن تُسمى الأصنام بها .
كتسمية اللات من الإله
والعزّى من العزيز ومناة من المنان .
النوع الثاني : تسميته سبحانه وتعالى
بما لا يليق به ، كتسمية النصارى له أبّاً وتسمية الفلاسفة له مُوجِبا أو عِلة فاعلة .
النوع الثالث : وصفه سبحانه وتعالى بما ينزه عنه من النقائص ، كقول اليهود الذين قالوا : ( إن الله فقير ونحن أغنياء )
وقولهم : ( يد الله مغلولة ) وأنه استراح يوم السبت ـ تعالى الله عما يقولون ـ
النوع الرابع : جحد معانيها وحقائقها ، كقول الجهمية إنها ألفاظ مجردة لا تتضمن صفات ولا معاني ،
فالسميع لا يدل على سمع
والبصير لا يدل على بصر
والحي لا يدل على حياة ونحو ذلك .
النوع الخامس : تشبيه صفاته بصفات خلقه ، كقول الممثّل : يده كيدي .
إلى غير ذلك _ تعالى الله _ .
وقد توعد الله الملحدين في أسمائه
وآياته بأشد الوعيد
فقال سبحانه في الآية (180) من سورة الأعراف ( ولله الأسْماء الحُسْنَى فادْعُوهُ بها وذَرُوا الّذين يُلْحِدُونَ في أسْمآئِهِ سَيُجْزَوْنَ ما كانُواْ يَعْمَلُونَ )
وقال في الآية(40)من سورة فصلت
إنَّ
الّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آياتِنا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنا ) .
قوله : ( ولا يكيّفون ولا يمثّلون ) الخ تقدم بيان معنى التكييف والتمثيل .
( لأنه سبحانه لا سمى له ) هذا تعليل لما سبق من قوله عن أهل السنة : ( ولا يكيفون
ولا يمثلون صفاته بصفات خلقه ) .
و ( سبحانه ) سُبحان مصدر مثل غُفران ،
من التسبيح وهو التنزيه
( لا سميّ له ) أي : لا نظير له يستحق مثل اسمه
كقوله تعالى كقوله تعالى في الآية (65) من سورة مريم ( هل تعلم له سميّا ) استفهام معناه النفي أي لا أحد يساميه أو يماثله
( ولا كفوا له ) الكفؤ هو المكافئ المماثل
أي : لا مِثْل له
كقوله تعالى في سورة الإخلاص :
( وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ )
( ولا ند له ) الند : هو الشبيه والنظير .
قال تعالى في الآية(22)من سورة البقرة :
( فلا تجعلوا لله أندادا )
( ولا يقاس بخلقه ) القياس في اللغة التمثيل
أي لا يُشَبه ولا يُمثل بهم ،
قال سبحانه في الآية(74)من سورة النحل :
( فلا تضربوا لله الأمثال )
فلا يُقاس سبحانه بخلقه لا في ذاته ولا في أسمائه وصفاته ولا في أفعاله
وكيف يُقاس الخالق الكامل
بالمخلوق الناقص ؟!
تعالى الله عن ذلك ( فإنه سبحانه أعلم بنفسه وبغيره ) وهذا تعليل لما سبق من وجوب إثبات له من الصفات ومنع قياسه بخلقه
فانه إذا كان أعلم بنفسه وبغيره وجب أن يُثبَت له من الصفات ما أثبَتَه لنفسه وأثبته له رسول الله صلى الله عليه وسلم .
والخَلقُ لا يُحيطون به علما فهو الموصوف بصفات الكمال التي لا تَبْلُغها عقول المخلوقين فيجب علينا أن نرضى بما رضيه لنفسه ،
فهو أعلم بما يليق به ونحن لا نعلم ذلك .
وهو سبحانه : ( أصدق قيلا وأحسن حديثا من خلقه )
فما أخبر به فهو صدق وحق يجب علينا أن
نُصَدِقَه ولا نعارضه .
وألفاظه أحسنُ الألفاظ وأفصحها و
أوضحها .
وقد بين ما يليق به من الأسماء والصفات أتم بيان ،
فيجب قبول ذلك والتسليم له .
( يتبع ) ...................