،،،،،،
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وعلى آله وصحبه وسلم ،،،
أولاً : الحق الذي يراه السلف وأهل السنة والجماعة أن الأمراض الروحية لا تقتصر مطلقاً على المسلمين دون سواهم من الأمم والشعوب ، فتلك الأمراض ( الصرع ، السحر ، العين ) عامة لا تختص بمسلم أو كافر ، وعليه فإن الجن والشياطين تتسلط على الكافرين فتؤذيهم وتصرعهم ، والعين والسحر يؤثران كذلك على الكافرين ويتأذون من شرهما ، وقد اعترف بذلك عقلاء أطباء الغرب قديما وحديثا 0
وقد ظهرت بعض الكتب والأفلام الغربية التي تشرح تلك الظاهرة ، من خلال أحداث واقعية حقيقية ، كما حصل في الفيلم الغربي ( THE EXAURZEST ) ، ومعناه ( طارد الأرواح ) ، والفيلم قصة لفتاة لم تتجاوز العقد الأول من العمر ، يتلبسها شيطان متمرد فيصرعها ويتعبث بها ، وتبدأ رحلة العلاج في المستشفيات أولا ثم يستقر الأمر إلى عرض الفتاة على القساوسة الذين يقومون بدورهم بعلاج هذه الفتاة بالرقية من الإنجيل - بزعمهم – 0
وأثناء إعداد هذه الموسوعة ظهر فلم وثائقي بعنوان ( مشروع الساحرة بلير ) ( THE BLAIR WITCH PROJECT ) ، وقصة هذا الفلم لثلاثة شبان يدرسون في إحدى الجامعات الأمريكية أرادوا القيام بمشروع حول غابة في منطقة ( ميرلاند ) في الولايات المتحدة الأمريكية يقال أنها مسكونة بالأرواح الشريرة ، وكان الاعتقاد السائد أن هناك ساحرة شريرة كانت تسكن قديماً في هذه المنطقة وتدعى ( الساحرة بلير ) ، وبدأ الشباب في إعداد العدة لهذه الدراسة وسافروا إلى الغابة المذكورة ، علماً أن كافة مراحل التصوير قد صورت من قبل هؤلاء الشباب أنفسهم 0
وقبل دخول هذه التجربة قاموا بإجراء لقاءات ومقابلات مع أناس يسكنون بالقرب من هذه الغابة ، ومنهم من كان مصدق بهذه الرواية ومنهم من كان يعتبر كل ذلك من الخر افات والدجل ، وقد أجري لقاء من قبل أحد هؤلاء الشباب مع امرأة كبيرة في السن تقوم بدراسات وأبحاث حول الطاقة النووية وكان أهل هذه المدينة الصغيرة يعتقدون أنها تعاني من اضطرابات نفسية ، ومما قالته هذه المرأة : أنها ذات يوم كانت بالقرب من هذه الغابة وفجأة شعرت وكأنما أحد بجوارها فنظرت ، فإذا بها ترى امرأة طويلة القامة يغطي جسمها شعر يشبه ذلك الذي يغطي جسم الحصان ، تضع رداء على كتفيها ثم نظرت إليها ولم تكلمها فخافت وهربت من مثل هذا الموقف 0
وبعد هذه المقابلات قرر الثلاثة دخول الغابة ، فدخلوها بمعدات سفر بسيطة ، وقد حصلت لهم خلال وجودهم في الغابة أمور كثيرة وعجيبة ، منها وجود أكوام من الحجارة حول الخيمة ، ومنها أيضاً سماع أصوات غريبة في الليل كبكاء طفل ونحو ذلك ، ومنها سماع أصوات خطوات في الليل وكأنهم مراقبون من أحد ما ، وكان يحصل أحيانا في الليل هجوم على الخيمة التي كانوا يسكنونها دون رؤيتهم لأحد ما ، ومن الغرائب أنهم كانوا يسيرون جنوباً وبعد يوم وليلة من السير والسفر يجدون أنفسهم في نفس النقطة التي انطلقوا منها ، ومن المشاهدات الغريبة دخولهم إلى منطقة حيث وجدوا على كثير من الأشجار ما يدل على السحر والشعوذة ، ويستمر الحال إلى أن يفقدوا أحدهم ، وتبدأ رحلة الخوف والرعب والعذاب وهكذا الأمر إلى أن يجدوا أخيراً وفي الليل بيتاً قديماً تعلو جدرانه الطلاسم والكتابات المبهمة ، وكانوا يسمعون صوت رفيقهم يناديهم من داخل هذا المنزل ، فصعدوا إلى الطابق العلوي فسمعوا الصوت من الطابق السفلي ، فنزل أحدهم وانقطع صوته ، ومن ثم نزل الثاني فوجد الأول متسمراً عند الجدار وصاح صيحة شديدة وقعت على أثرها الكاميرا من يده وانتهى هذا الفلم الوثائقي عند هذا الحد ، علماً أنه وفي بداية الفلم ذكر أن هؤلاء الشباب خرجوا في هذا المشروع سنة 1994 م ، وفقدوا جميعاً ، وقد تم العثور على الكاميرات والأفلام سنة 1995 م ( فلم وثائقي بعنوانTHE BLAIR WITCH PROJECT ) ) 0
وغير ذلك من الأفلام الغربية التي بحثت تلك الظاهرة بشرح وإسهاب ، وهذا الكلام لا يعني مطلقا الدعاية والترويج لمثل هذا الأمر الممقوت وهو السينما والأفلام ، وهذا مما لا يقره الشرع أساسا ، بل يعتبر من المظاهر الهدامة المنتشرة في العالم الإسلامي 0
والسحر معروف لدى الغرب ويطلقون عليه (BLACK MAGIC) أي ( السحر الأسود ) ، وكل ذلك يثبت بما لا يدع مجالا للشك أن هذا الأمر قائم موجود محسوس لديهم 0
قال ابن القيم : ( فأما صرع الأرواح فأئمتهم وعقلاؤهم يعترفون به ولا يدفعونه ويعترفون بأن علاجه بمقابلة الأرواح الشريفة الخيرة العلوية لتلك الأرواح الشريرة الخبيثة ، فتدفع آثارها وتعارض أفعالها وتبطلها ، وقد نص على ذلك أبقراط في بعض كتبه فذكر بعض علاج الصرع وقال : هذا ينفع من الصرع الذي سببه الأخلاط والمادة ، وأما الصرع الذي يكون من الأرواح فلا ينفع فيه هذا العلاج ) ( الطب النبوي – ص 191 ) 0
قال الأستاذ محمد فريد وجدي في كتابه ( الإسلام في عصر العلم ) : ( روت " المجلة الروحية " عن جريدة " نيويورك ميل أند إكسبرس " : أن الأستاذين الشهيرين ريتشارد هودس وجيمس هيزلوب - اللذين درساً الاسبرتزم بواسطة مدام بيير 12 سنة - قد نشرا نتيجة أبحاثهما في كتاب جاءت فيه هذه العبارة : " إن عددا عديدا من المجانين الذين يحبسون في البيمارستانات ليسوا بمصابين بأمراض عقلية ، بل مملوكون لأرواح قد استولت عليهم واستخدمتهم ) ( الإسلام في عصر العلم – ص 365 ) 0
قال الأستاذ زهير حموي : ( ولا يخفى أن مظاهر السحر والشعوذة والتنجيم معروفة عند كل الأمم والشعوب في القديم والحديث ، مما يسوغ اعتبارها من النظائر الاجتماعية ، حيث ثبت أن كل الشعوب تعرف الحجاب والطلاسم والسحر 0
وقد ذكرت إحدى الإحصائيات أنه قد ازداد عدد الأمريكان الذي يحملون الأحجبة أو التعاويذ في جيوبهم ، وهذه الزيادة ليست مقصورة على سكان المدن أو المتعلمين ، أو رجال الأعمال ، وإنما 99 % من رواد الفضاء يفعلون ذلك 0
كما أظهر تحقيق أجرته وزارة الصناعة والبحث الفرنسية عام 1982 م بقصد تقدير مدى عقلانية المواطنين الفرنسيين أن 18 % من هؤلاء يؤمنون بالسحر 0
كما كشفت التحقيقات التي أجرتها بعض الصحف أن 60 % من الفرنسيين يقرؤون طالعهم الفلكي بانتظام 0
ويوجد في فرنسا أربعون ألف عراف وعرافة ، لكن معظم الذين يعيشون تحت هاجس السحر من النساء 0
وفي ألمانيا ذكرت إحدى الاحصائيات أن واحدا من أصل أربعة من الألمان يؤمنون بالسحر وآثاره ويوجد في ألمانيا ثمانين ألف ساحر ) ( والإنسان بين السحر والعين والجان – ص 22 ) 0
يقول صاحبا كتاب "كيفية إخراج الجان من جسم الإنسان" : ( وبرزت طائفة من المؤمنين بعالم الجن تنكر بعض آثارهم مثل صرعهم للإنس بالرغم من الأدلة التي ذكرها العلماء لإثبات ذلك 0
وهذه الطائفة يتزعمها بعض الأفاضل ممن لهم كلمة مسموعة ، وقول مطاع ، يقول قائلهم : هل العفاريت متخصصة في ركوب المسلمين وحدهم ؟!
لماذا لم يشك ألماني أو ياباني من احتلال الجن لأجسامهم ، إن سمعة الدين ساءت من شيوع هذه الأوهام بين المتدينين وحدهم 0
فلا ريب في كلام هؤلاء إن كان مذهبهم تقديم العقل على النقل إذا تعارض مع فهمهم ، إذ أنه من الثابت قطعاً أن المس الشيطاني معروف لدى العرب قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم ، وأن المسيح عليه السلام عرض عليه كما سيأتي في هذا الكتاب حالات كثيرة من المس ثم أخرج منها الشياطين ) ( كيفية إخراج الجان من جسم الإنسان – ص 5 ) 0
قلت : وكافة الروايات السابقة تؤكد بما لا يدع مجالا للشك حصول هذه الظاهرة وبشكل ملفت للنظر وفي ذلك دحض لكل شبهة تثار حول هذا الموضوع 0
ثانيا : عدم إيمان الغرب عموما بمثل تلك الأمراض وإيعاز كافة الأعراض غالبا - والتي تصاحب الحالة المرضية - للأمراض العضوية أو النفسية ، ولذلك تراهم يفسرون الصرع والسحر ونحوه بتفسيرات متعددة سواء المريض أو المعالج ، ويحمل الأمر تارة على أنه أمراض نفسية ، وتارة أخرى أمراض عصبية ونحو ذلك من التأويلات التفسيرات 0
ثالثا : إن تسلط الشياطين غالبا يكون للمسلم والمؤمن ، وذلك بسبب طبيعة العداوة بين الجنسين من ناحية ، ومن ناحية ثانية فإن الشيطان يترصد بالمسلم لإغوائه وإضلاله ، وأما الكافر فقد أصبح أداة طيعة بيد الشيطان يوجهها كيفما شاء ، ومن هذا المنطلق فإنه لا يستغرب أن ترى هذه الظاهرة في ازدياد واطراد في المجتمعات الإسلامية ، دون انتشارها وبشكل واسع النطاق في المجتمعات الغربية 0
رابعا : ولا بد تحت هذا العنوان من إيضاح أمر في غاية الأهمية يتعلق بولاء الكافرين بعضهم ببعض ، كما أخبر الحق تبارك وتعالى في محكم كتابه :
( 000 وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ )
( سورة الأنفال – الآية 73 )
ولذلك تجد الكافرين من الإنس والجن يكنون العداوة والبغضاء للمسلمين ، بل ويتلذذون في إيذائهم وتعذيبهم ، وأما بالنسبة لمسلمي الجن فإنهم غالبا لا يؤذون أحدا سواء كان مسلما أو كافرا إلا لسبب ما ، وذلك لمعرفتهم بالحقوق والواجبات الشرعية حتى في تعاملهم مع الكافرين ، وأما كافر الجن فإنه لا يخاف الله ، ولا يراعي حقا أو ذمة ، ويغتنم كافة الفرص لإيذاء المسلمين والنيل منهم 0
خامسا : وهذا الأمر له علاقة بالنقطة السابقة ، حيث أن هذا الكم الهائل من التسلط والإيذاء من قبل شياطين الجن للمسلمين ، يكون مدعاة في كثير من الأحيان إلى إيقاد نار الفتنة ، وإشعال العداوات في الأسرة الواحدة ، وبين الأرحام ، مما يتسبب في تقويض وهدم المجتمعات الإسلامية ، وهذه الغاية التي يسعى إليها الشيطان بكل ما يمتلكه من وسائل وإمكانيات متاحة ، ولن يجد أفضل من هذه الوسيلة لتحقيق أهدافه وطموحاته الخبيثة 0
سادسا : ولذلك استطاع الشيطان أن يصل للمسلمين في شتى بقاع الأرض بسبب بعدهم عن منهج الكتاب والسنة ، وكذلك تفشي المعاصي في تلك المجتمعات ، مما جعل الطريق سهلا ممهدا للوصول إلى غاياته وأهدافه وكثرة ما نشاهده من صرع وتلبس ، وكثيرا ما قرأت على بعض الحالات من المرضى ممن كانوا يعتنقون النصرانية ونحوها وقد من الله سبحانه وتعالى عليها بالإسلام ، وكان ذلك مدعاة وسببا لتسلط الشياطين عليهم لإرجافهم وإعادتهم إلى ديانتهم النصرانية ، وهذا ما يؤكد العداء السافر من قبل الشيطان وأعوانه 0
سئل فضيلة الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين في شبهة تثار من فينة لأخرى مفادها تخصص الجن والشياطين في إيذاء المسلمين دون غيرهم ؟؟؟
فأجاب – حفظه الله – : ( أما الشياطين وهم إبليس وذريته فإن إيذاءهم للمسلمين من جهة الإغواء والتشكيك والدعوة إلى المعاصي وترك الطاعات كما حكى الله عن إبليس قوله : ( لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلا عِبَادَكَ مِنْهُمْ الْمُخْلَصِينَ ) ( سورة ص – الآية 82 ، 83 ) وقال تعالى : ( 000 لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلا قَلِيلا ) ( سورة الإسراء – الآية 62 ) الآيات ، ولكن في الظاهر لا يتسلط على البدن بالضرر والأمراض وإن كان يجري من ابن آدم مجرى الدم ، ويوسوس في الصدور 0 فأما الجن فإن مردتهم يتسلطون على الإنس ويؤذونهم وأكثر ذلك من باب العشق والمحبة والهوى إذا لم يتحصن الإنسي ذكرا أو أنثى بالذكر والدعاء والأوراد المأثورة والله أعلم ) ( منهج الشرع في إثبات المس والصرع ) 0
قال صاحب ( حوار هادئ مع محمد الغزالي ) صفحة 123 : ( في كلام الشيخ الغزالي حول المس الشيطاني ، لم يذكر دليلا واحدا لا من الكتاب ولا من السنة ، بل ولا حتى من العقل ولا من العلم الحديث ، يبين استحالة دخول الجني في الإنسي ، كل ما ذكره الشيخ هو عدم العلم بهذا الشيء ، العقل قد لا يثبته - جدلا - ، لكن لم يوجد في دلالة العقول ولا في العلم الحديث ولا في الكتاب والسنة ما يدل على أن ذلك غير ممكن والعلماء يقولون : " عدم العلم بالشيء ليس علما بالعدم " 0
يعني ( أن ) عدم علمك بحصول شيء ليس علما منك بعدم حصوله ، قد يحصل ولا تعلم بذلك أنت ، وكثير من الأشياء قد لا يستطيع العلم إثباتها ، فهل استطاع العلم الآن أن يثبت الجن أيضا ؟ بل هل في العقول ما يمكن أن يثبت الجن ؟؟؟
كل الأدلة العقلية أو العملية التي تقال بإثبات الجن يمكن أن يرد عليها ، ولا يمكن أن ترقى إلى مستوى النصوص الشرعية القرآنية والحديثية الثابتة في إثبات الجن وفي خصائصهم وأوصافهم 0
كذلك فإن هذا الأمر وأن لم يثبته العلم الحديث كما يرى الشيخ ، أو العقل - كما يرى أيضا - هو ثابت بضرورة الواقع ، فإننا نعلم عددا من الناس تخاطبهم الجن ويخاطبونها ، ونعلم من الإنس من يتلبس بهم الجن ) 0
قال الأستاذ إبراهيم عبدالبر في إجابته على السؤال التالي : لماذا المسلمون هم فقط المصابون بالمس والسحر ، فلم نسمع عن أي إنسان من غير المسلمين مصاب بهذا الأمر ؟؟؟
كثيراً ما يتردد هذا السؤال على ألسنة الناس ، والإجابة على هذا السؤال يتلخص فيما يلي :-
أولا : ما يدريك أيها السائل أنه ليس هناك مصابون بهذا الأمر من غير المسلمين ، فعدم سماعك ليس دليلا على ذلك 0
ثانيا : إن هناك بالفعل الكثير من غير المسلمين مصابون بهذا الأمر ، وأن هناك أكثر من كنيسة يذهب إليها هؤلاء ليطلبوا الشفاء عند القساوسة ، وإن الكنائس مليئة من هؤلاء المصابين بأذى الشياطين ، ولقد رأيت بنفسي من هؤلاء المصابين بمس من النصارى ) ( الرد المبين على بدع المعالجين وأسئلة الحائرين – ص 241 ) 0
هذا ما تيسر لي في الإجابة على السؤال ، فما أصبت فمن الله سبحانه وتعالى وحده ، وما أخطأت فمن نفسي والشيطان والله ورسوله بريئان ، أسأل الله أن يوفقنا جميعاً للعمل بكتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم 0
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ،،،
بارك الله في الجميع ، وزادكم الله من فضله ومنه وكرمه ، مع تمنياتي لكم بالصحة والسلامة والعافية :
أخوكم المحب / أبو البراء أسامة بن ياسين المعاني 0