القراء الأعزاء ،،،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،،
نظراً لأهمية اللقاء الذي أجرته معي جريدة عكاظ عبر الفاكس وبخاصة نوعية الأسئلة المطروحة فقد أحببت أن تعم الفائدة لشمول الأسئلة واحتوائها على جوانب كثيرة نحن بحاجة لها ولمعرفتها ، وأترككم مع تفصيلات هذا اللقاء المطول الذي اختصرته الجريدة حسب ما رأته مناسباً :
التاريخ : 28 رجب 1422 هـ
الموافق : 15 اكتوبر 2001 م 0
الأخت المكرمة / منى عبدالرحيم حفظها الله ورعاها
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،،
أشكر لكم هذه الثقة التي أوليتموني إياها في طرح هذا الموضوع الهام والذي يحتاج إلى كثير من الوعي الشرعي ، خاصة ما يطرح على الساحة اليوم من تساؤلات تحتاج إلى الإيضاح والتبصير ، وبإلقاء نظرة متفحصة نجد أن كثير من الناس يعاني من محدودية الوعي بمسببات حدوث الأمراض الروحية وكيفية الوقاية منها ، فضلاً عن انتشار كثير من البدع والخرافات المتعلقة بمواضيع الرقية الشرعية ، ومن هنا فإني أقدم إجابة التساؤلات المطروحة سائلاً المولى عز وجل التوفيق والسداد :
* السؤال الأول : ما هو مفهوم الرقية الشرعية ، وما شروطها ؟
الجواب : مفهوم الرقية الشرعية : الرقية الشرعية : هي التعويذ والاسترقاء بما كان من الأدعية المشروعة أو الآيات القرآنية 0
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ( الرقى بمعنى التعويذ ، والاسترقاء طلب الرقية ، وهو من أنواع الدعاء ) ( مجموع الفتاوى - 1 / 182 ، 328 - 10 / 195 ) 0
شروط الرقية الشرعية : قد أجمع العلماء على جواز الرقى عند اجتماع ثلاثة شروط :
1)- أن يكون بكلام الله تعالى أو بأسمائه وصفاته 0
2)- أن يكون باللسان العربي وبما يعرف معناه 0
3)- أن يعتقد أن الرقية لا تؤثر بذاتها بل بتقدير الله تعالى 0
* السؤال الثاني : ما هي حقيقة العين وما مدى تأثيرها على النفس الإنسانية ؟ مع إيراد الأدلة النقلية من الكتاب والسنة ؟
الجواب : حقيقة العين : العين : نظر باستحسان مشوب بحسد من خبيث الطبع تحصل للمنظور منه ضررا ، قال ابن منظور : العين أن تصيب الإنسان بعين 0 وعان الرجل بعينه عينا 0 فهو عائن والمصاب معين على النقص ومعيون على التمام ، أصابه بالعين 0
مدى تأثير العين : يتضح جلياً أن للعين حقيقة وأثراً بيناً ، والعين قد تمرض وقد تقتل وقد تؤدي إلى ما تؤدي إليه من عوارض أخرى ، وبهذا تضافرت النصوص النقلية الصحيحة من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم 0
الأدلة النقلية من الكتاب والسنة : الأدلة كثيرة وكثيرة جداً سواء في كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، إنما اقتصر على دليل واحد من الكتاب والسنة :
الدليل من كتاب الله : قال تعالى في محكم كتابه : ( وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ 00 الآية ) ( سورة القلم – الآية 51 ) 0
* قال ابن كثير - رحمه الله - في تفسيره : ( قال ابن عباس ومجاهد وغيرهما ( ليزلقونك ) لينفذونك ( بأبصارهم ) أي يعينونك بأبصارهم بمعنى يحسدونك لبغضهم إياك لولا وقاية الله لك وحمايته إياك منهم ، وفي هذه الآية دليل على أن العين إصابتها وتأثيرها حق بأمر الله عز وجل ، كما وردت بذلك الأحاديث المروية من طرق متعددة كثيرة ) ( تفسير القرآن العظيم – 4 / 409 )
الدليل من السنة المطهرة : عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف – رضي الله عنه – قال : مر عامر بن ربيعة بسهل بن حنيف وهو يغتسل ، فقال : لم أر كاليوم ، ولا جلد مخبأة 0 فما لبث أن لبط به0 فأتى به النبي صلى الله عليه وسلم فقيل له : أدرك سهلا صريعا قال : ( من تتهمون به ؟ ) قالوا عامر ابن ربيعة 0 قال : ( علام يقتل أحدكم أخاه ؟ إذا رأى أحدكم من أخيه ما يعجبه ، فليدع له بالبركة ) ثم دعا بماء 0 فأمر عامرا أن يتوضأ 0 فغسل وجهه ويديه إلى المرفقين 0 وركبتيه وداخله ازاره0 وأمره أن يصب عليه ) ( أنظر صحيح الجامع 556 ، أنظر صحيح ابن ماجة 2828 ) 0
* عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( العين حق ) ( متفق عليه ) 0
* السؤال الثالث : ما هي علامات الإصابة بالعين ؟ وكيف يمكن للإنسان أن يعرف أنه معيون ؟
الجواب : علامات وأعراض الإصابة بالعين : لا شك أن النصوص الحديثية بينت بما لا يدع مجالاً للشك أن هناك أعراض خاصة بالعين قد تظهر على ذات المعين ، وأهم هذه الصفات الحرارة والبرودة والنصب والتعب ، وتتجلى تلك الآثار من حديث عبدالله بن عامر قال : انطلق عامر بن ربيعة وسهل بن حنيف يريدان الغسل ، قال : فانطلقا يلتمسان الخَمَر ( الخَمَر : كل ما يستر من شجر أو جبل أو غيره ) ، قال : فوضع عامر جبة كانت عليه من صوف ، فنظرت إليه – أي إلى سهل – فأصبته بعيني فنزل الماء يغتسل، قال : فسمعت له في الماء قرقعة فأتيته فناديته ثلاثاً فلم يجبني فأتيت النبي فأخبرته، قال : فجاء يمشي فخاض الماء حتى كأنّي أنظر إلى بياض ساقيه ، قال : فضرب صدره بيده ثم قال : ( اللّهمّ أذهب عنه حرّها وبردها ووصبها – الوصب : التعب - ) قال : فقام ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا رأى أحدكم من أخيه أو من نفسه أو ماله ما يعجبه ، فليبركه ، فإن العين حق ) ( صحيح الجامع – 556 ) 0 وقد تظهر تلك الأعراض على أحوال المعين العامة وعلاقته بمن حوله ، فتؤثر عليها وتغيرها من حال إلى حال آخر 0
ونستطيع أن نقسم الأعراض الخاصة بالعين إلى الآتي :
1)- الأعراض الجسمية : عادة ما تظهر بعض تلك الأعراض قبل القراءة أو أثناء الرقية الشرعية ، وهي على النحو التالي : صفار الوجه وشحوبه ، شعور المصاب بضيقة شديدة في منطقة الصدر ، صداع متنقل مع الشعور بزيادة الصداع أثناء الرقية الشرعية ، الشعور بالحرارة الشديدة ، تصبب العرق ، خاصة في منطقة الظهر ، ويتبع ذلك عادة قوة العين ، ألم شديد في الأطراف ، التثاؤب المستمر بشكل غير طبيعي وملفت للنظر ، البكاء أو تساقط الدموع دون سبب واضح ، ارتجاف الأطراف وتحركها حركات لا إرادية وذلك بحسب قوة العين وشدتها ، خفقان القلب ، تمغض العضلات، ويطلق عليه عند العامة ( التمطي ) ، الشعور بالخمول بشكل عام وعدم القدرة على القيام بالعمل ، الشعور ببرودة في الأطراف أحيانا ، ظهور كدمات مائلة إلى الزرقة أو الخضرة دون تحديد أسباب طبية 0
2)- الأعراض الاجتماعية : وتؤثر العين من الناحية الاجتماعية على المصاب من خلال علاقاته بالآخرين ، ومن بعض تلك المظاهر : فقدان التجارة والمال ، الكره والبغض من الأهل والأصدقاء والمعارف ، فقدان المنصب والوظيفة والعمل 0
أما كيف يمكن للإنسان أن يعرف أنه معيون : لا بد للمسلم أن يتأنى في إصدار الحكم ، حيث أن المشكلة التي يواجهها كثير من الناس اليوم إعادة كافة الأمور المتعلقة بالمشاكل الصحية والاجتماعية والاقتصادية إلى مسائل الصرع والسحر والعين ، وهذا لا يجوز مطلقاً حيث أن الشعور بأية أعراض مرضية يستلزم مراجعة الطبيب المتخصص ، أو البحث عن أساس المشكلة الحقيقي ، وهذا الكلام لا يعني مطلقاً نفي أعراض وتأثيرات الأمراض الروحية من صرع وسحر وعين ، إنما يتطلب الأمر التريث والبحث عن الأسباب الحقيقية للمشكلة ، وعلى سبيل المثال لا الحصر فإن أثبتت كافة الفحوصات الطبية والتحاليل سلامة الناحية العضوية من كافة الأمراض ، عند ذلك يلجأ الإنسان إلى رقية نفسه بالرقية الشرعية الثابتة في الكتاب والسنة ، وإن احتاج الأمر لمراجعة الإخوة المتخصصين في الرقية أصحاب العلم الشرعي الحاذقين المتمرسين فلا بأس بذلك ، ومن هنا أقول : إن الشعور بأية أعراض قد تم ذكرها آنفاً ، يتطلب البحث الجدي عن أسباب المعاناة والألم ، ولا يجوز الحكم في المسألة من قبل المريض أو ذويه ، إنما يترك الأمر لأهل الاختصاص 0
* السؤال الرابع : لقد عالج الإسلام قضية العين والحسد من كافة جوانبها ، فما هيّ الأساليب العلاجية والوقائية لحالات الإصابة بالعين ؟
الجواب : الأساليب العلاجية والوقائية لحالات الإصابة بالعين :
أولا : الغسل للعائن :- وقد ذكرت آنفاً حديث أمامة بن سهل بن حنيف - رضي الله عنه – بخصوص ذلك ، أما كيفية وأماكن الغسل ، فقد ذكرها العلماء على النحو التالي : غسل وجه العائن ، وغسل يديه إلى المرفقين ، وغسل ركبتيه ، وغسل داخل إزاره ، وأن يكفأ المصاب بالعين الإناء من خلفه بغتة ويغتسل به 0
ثانيا : الرقية الشرعية :- ومن الأمور الهامة والنافعة في علاج العين اللجوء الى الله سبحانه وتعالى والمداومة على الرقية الشرعية الثابتة في الكتاب والسنة ، كما ثبت في أحاديث كثيرة ، فقد ثبت من حديث عائشة – رضي الله عنها - قالت : ( أمرني النبي صلى الله عليه وسلم أوامر - أن يسترقى من العين ) ( متفق عليه ) ، كما ثبت من جابر بن عبدالله – رضي الله عنه – قال : رخص النبي صلى الله عليه وسلم لآل حزم في رقية الحية ، وقال لأسماء بنت عميس : ( مالي أرى أجسام بني أخي ضارعة تصيبهم الحاجة ) قالت : لا ، ولكن العين تسرع اليهم ، قال : ( ارقيهم ) قالت : فعرضت عليه فقال : " ارقيهم " ) ( اخرجه الإمام مسلم في صحيحه – كتاب السلام ( 60 ) – برقم 2198 ) 0
وعن أم سلمة – رضي الله عنها – زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى سفعة في وجه جارية في بيت أم سلمة فقال : ( استرقوا لها فإن بها النظرة ) ( متفق عليه ) ، والرقية تكون :
* الرقية بكتاب الله : ولا بد للمسلم أن يتيقن أن كتاب الله سبحانه وتعالى كله خير وشفاء ، وقد ثبتت الرقية ببعض آيات وسور القرآن العظيم بنصوص نقلية عن الرسول صلى الله عليه وسلم كالرقية بفاتحة الكتاب وسورة البقرة ، وآية الكرسي ، وأواخر سورة آل عمران ، والمعوذتين والإخلاص 0
* الرقية بالسنة المطهرة : ثبت من حديث عثمان بن أبي العاص - رضي الله عنه - أنه اشتكى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعا يجده في جسده منذ أسلم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( ضع يدك على الذي تألم من جسدك وقل : بسم الله ثلاثا ، وقل سبع مرات : أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر ) ( أخرجه الإمام مسلم في صحيحه - كتاب السلام ( 67 ) باب استحباب وضع يده على موضع الألم مع الدعاء - برقم 2202 ) ، وكما ثبت من حديث عائشة - رضي الله عنها - قالت : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى مريض أو أتي به قال : أذهب البأس رب الناس ، اشف وأنت الشافي ، لا شفاء إلا شفاؤك ، شفاء لا يغادر سقما ) ( متفق عليه ) ، وكما ثبت من حديث ابن عباس - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما من مسلم يعود مريضا لم يحضر أجله فيقول سبع مرات : أسأل الله العظيم ، رب العرش العظيم ، أن يشفيك ، إلا عوفي ) ( صحيح الجامع - 5766 ) ، وقد ثبت من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه – : ( أن جبريل - عليه السلام - أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا محمد ! اشتكيت ؟ فقال : ( نعم ) ، فقال جبريل – عليه السلام - : ( باسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك من شركل نفس أو عين حاسد الله يشفيك باسم الله أرقيك ) ( أخرجه الإمام مسلم في صحيحه - كتاب السلام ( 40 ) - برقم 2186 ) ، وثبت من ابن عباس - رضي الله عنه - قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يعوذ الحسن والحسين ويقول : إن أباكما كان يعوّذ بها إسماعيل وإسحاق أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة ) ( أخرجه الإمام البخاري في صحيحه - كتاب الأنبياء ( 10 ) - برقم 3371 ) 0
ثالثا : الوضوء : ويسن لعلاج العين أن يؤمر العائن فيتوضأ ثم يغتسل منه المعين ، لما ثبت من حديث عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت : ( كان يؤمر العائن ، فيتوضأ ، ثم يغتسل منه المعين ) ( صحيح أبي داوود 3286 ) ، وروى مالك - رحمه الله - أيضا عن محمد بن أبي أمامة بن سهل ، عن أبيه حديث الغسل ، وقال فيه : ( إن العين حق ، توضأ له ، فتوضأ له ) ( صحيح ابن ماجة – 2828 ) 0
رابعا : الدعاء بالبركة : يسن إذا رأى أحد من أخيه ما يعجبه أن يدع له بالبركة ، كما ثبت من حديث إمامة بن سهل بن حنيف عن أبيه 0
خامسا : التكبير ثلاثا : ومما ينفع في علاج العين قيام المعين بالتكبير ثلاثا فإن ذلك يرد العين بإذن الله سبحانه وتعالى ، كما ذكره الشيخ محمد الأمين المختار الشنقيطي في " أضواء البيان " ( 9 / 650 ) 0
سادسا : قول (ما شاء الله لا قوة إلا بالله) : ويستحب كذلك لمن رأى شيئا من نفسه أو ماله أو ولده أو أي شيء فأعجبه أن يقول : ما شاء الله لا قوة إلا بالله ، يقول تعالى في محكم كتابه : ( وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ إِنْ تُرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالا وَوَلَدًا ) ( سورة الكهف – الآية 39 ) 0
سابعا : الاستعاذة بالله من العين : ويسن كذلك الاستعاذة بالله من العين كما ثبت من حديث عائشة - رضي الله عنها - حيث قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( استعيذوا بالله من العين فإن العين حق ) ( صحيح الجامع – 938 ) 0
ثامنا : المحافظة على الذكر والدعاء : ومن أنجع الوسائل للوقاية من العين قبل وقوعها وبعده التحصن بالأذكار والأدعية 0
قال ابن القيم : ( ومن جرب الدعوات والعوذ ، عرف مقدار منفعتها ، وشدة الحاجة إليها، وهي تمنع وصول أثر العائن ، وتدفعه بعد وصوله بحسب قوة إيمان قائلها ، وقوة نفسه ، واستعداده ، وقوة توكله وثبات قلبه ، فإنها سلاح ، والسلاح بضاربة ) ( زاد المعاد – 4 / 170 ) 0
تاسعا : استخدام المداد المباح : ومن الأمور المجربة والنافعة لعلاج العين استخدام المداد المباح بالزعفران ونحوه ، كما أشار لذلك جماعة من السلف ، وقد نقل ذلك عن مجاهد ، كما نقله ابن القيم – رحمه الله - 0
عاشرا : الاحتراز بستر محاسن من يخاف عليه من العين : قال ابن القيم -رحمه الله- : ( ومن علاج ذلك أيضا والاحتراز منه ستر محاسن من يخاف عليه العين بما يردها عنه، كما ذكر البغوي في كتاب " شرح السنة " : أن عثمان – رضي الله عنه – رأى صبيا مليحا ، فقال : دسموا نونته ، لئلا تصيبه العين ، ثم قال في تفسيره : ومعنى : دسموا نونته : أي : سودوا نونته ، والنونة : النقرة التي تكون في ذقن الصبي الصغير ) ( الطب النبوي – ص 173 ) 0
حادي عشر : الإحسان إلى من عرف الإصابة بالعين : وهذا مما يطفئ نار الحسد في قلب الحاسد ، فالإحسان إلى من عرفت أصابته بالعين كإحسان الغني إلى الفقير المستشرف لما في يد الغني 0
ثاني عشر: الصبر على العائن وعدم التعرض له : فالصبر على العائن وعدم التعرض له أو إيذائه لقوله تعالى : ( وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِىَ عَلَيْهِ لَيَنصُرَنَّهُ اللَّهُ ) ( سورة الحج – جزء من الآية 60 ) 0
ثالث عشر : المحافظة على قضاء الحوائج بالسر والكتمان : ويستحب كذلك اتقاء شر العين والحسد بالمحافظة على السر في قضاء الحوائج ، لما ثبت من حديث معاذ بن جبل - رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( استعينوا على إنجاح الحوائج بالكتمان ، فإن كل ذي نعمة محسود ) ( صحيح الجامع – 943 ) 0
رابع عشر : الاحتراز من العائن واجتنابه والبعد عنه وحبسه من قبل الإمام : ومن الأمور الهامة والنافعة لاتقاء شر العائن أو الحاسد اجتنابه والبعد عنه ، وحبسه من قبل ولاة الأمر ، كما أشار إلى ذلك ابن القيم - رحمه الله – في زاد المعاد ( 4 / 173 ) 0
خامس عشر : الأمور الحسية الثابتة بالتجربة : يعمد البعض بالسؤال عن بعض الأمور المتعارف عليها والمتداول استخدامها بين الناس في علاج العين والحسد ، وقد تكون تلك الأمور من الأساليب والعادات المتوارثة عن الآباء والأجداد ، ويفضي استخدام بعضها في علاج العين إلى محاذير شرعية ، والوقوع في المحرم ، وهناك بعض الاستخدامات التي أجاز فعلها أهل العلم أذكر منها :
1)- استخدام آثار المريض الداخلية أو الخارجية ووضعها بالماء ورشه بعد ذلك على المعين : وقد أفتى بجواز ذلك فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله في كتابه " القول المفيد على كتاب التوحيد " ( 1 / 94 ) 0
2)- استخدام أثر العائن على أي صفة كانت كالماء والقهوة والنوى : وقد أجاز بعض العلماء حفظهم الله استخدام هذه الطريقة دون الاعتقاد بها ، واعتبار ذلك من قبيل الأسباب الحسية الداعية للشفاء بإذن الله تعالى ، وقد أثبتت التجربة والخبرة نفعه وفائدته ، وممن أجاز ذلك الفعل فضيلة الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين في ( مخطوطة عندي بخط يده – ص 234 ) 0
3)- استخدام آثار عتبات الأبواب أو أقفالها ونحوه ووضعها بالماء والاستحمام بها لإزالة أثر العين : وقد ثبت نفع استخدام هذه الطريقة في علاج العين ، وقد جربتها قبل سؤال أهل العلم فنفعت أيما نفع ، وقد سئل فضيلة الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين عن جواز استخدام آثار عتبات الأبواب والأقفال وذلك عن طريق مسح المكان ووضع ذلك في الماء واغتسال المعين منه ، علما أنه قد ثبت نفع ذلك مع كثير من الحالات ، واعتبار مثل ذلك الاستخدام سببا حسيا للشفاء بإذن الله تعالى ، فأجاز ذلك بفتوى مكتوبة بتاريخ 24 شعبان سنة 1418 هـ 0
* قصة واقعية : وأذكر في ذلك قصة واقعية حصلت معي شخصياً حيث اتصل أحد الزملاء يشكو لي معاناة زوجته ، حيث قال : قبل أيام رزقنا الله سبحانه وتعالى بمولودة موفورة الصحة والعافية ، وقد سعدنا كثيرا بها ولله الحمد والمنة ، وبعد أيام حضر بعض النسوة لتهنئة زوجتي بالمولودة الجديدة ، وبعد خروجهن ، أخذت الطفلة بالبكاء الشديد ولم تعد تتقبل الرضاعة من الأم ، وكذلك أحست زوجتي بإرهاق وتعب شديد وأخذت تبكي وتصيح على نحو غير مألوف ، وفور سماعي بذلك عرضتها والطفلة على طبيبة متخصصة ولكن دون جدوى ، وتم رقيتها بالرقية الشرعية الثابتة في الكتاب والسنة ، وقد تبين إصابتها بالعين من خلال الأعراض التي اتضحت بعد القراءة والله تعالى أعلم ، وقد أشرت على هذا الأخ الفاضل القيام بمسح العتبة والأقفال الخاصة ببوابة مدخل النساء بقطعة من القماش ووضعها في ماء ، ومن ثم قيام الزوجة بمسح كافة أنحاء الجسم من هذا الماء ، وكان المفترض أن تقوم المرأة بالاغتسال من هذا الماء ، واستعيض عن ذلك بالأسلوب آنف الذكر نتيجة الولادة القيصرية ، حيث أن الاغتسال قد يؤدي لتعرض الجرح لمضاعفات خطيرة ، بعد ذلك من الله سبحانه وتعالى على هذه الأخت الفاضلة بالشفاء ، وعادت الأمور إلى سابق عهدها ، والله تعالى أعلم 0
وهذه بعض الطرق الشرعية الفعالة والأكيدة في علاج هذا الداء أسأل الله سبحانه وتعالى العفو والعافية والسلامة لي ولسائر المسلمين ، إنه على كل شيء قدير 0
* السؤال الخامس : تتعرض كثير من الفتيات والسيدات إلى الإصابة بالعين في حفلات الزواج ومناسبات الأفراح ، هل ترون أن المبالغة في التزين والتجمل يعد من الأسباب المؤدية للإصابة بالعين ، وما توجيهكم بخصوص ذلك الأمر ، وهل صادفتكم حالات كثيرة في الإطار ذاته ؟
الجواب : أما من ناحية المبالغة في التزين والتجمل في حفلات الزواج ومناسبات الأفراح فهذا مما لا شك فيه ، ولا غرابة البتة في تعرض الأخوات الكريمات لبعض آثار الأمراض الروحية كالصرع والعين والحسد ، ، فتلك الأماكن مرتعا خصبا للجن والشياطين ، وحضور هذه المجالس من بعض الأخوات المسلمات خاصة أنهن يحرصن على إبداء زينة مبالغ فيها ، إضافة إلى بعدهن عن منهج الكتاب والسنة ، كل ذلك يجعلهن دون وقاية أو حصانة تذكر ، فيسهل على شياطين الإنس والجن النفاذ إليهن وصرعهن أو إصابتهن بالعين والحسد 0
وحريٌ بالأخوات المسلمات عدم التعرض لمثل تلك المواقف ، ويجب على كل مسلم أن يتخذ الأسباب الشرعية والحسية للوقاية من أمراض النفس البشرية كالصرع والسحر والحسد والعين ونحوه ، والذي ينصح به كافة المسلمين قبل التواجد في مثل تلك الأماكن والمجالس تحصين النفس البشرية بالذكر والدعاء الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والمحافظة على أذكار الصباح والمساء والنوم ، والخروج من المنزل ، والدخول إليه ونحوه ، وكذلك ينصح المسلم قبل التوجه إلى المجالس العامة والخاصة وإلى الأفراح والمناسبات من تعويذ النفس والأهل اتقاء للحسد والعين ، وما قد يقع للإنسان من أحوال العالم الغيبي ، والواجب يحتم على من حصل له إطراء أو إعجاب من قبل الغير دعوة هؤلاء للتبريك والدعاء ، كقولهم ( ما شاء الله تبارك الله ) ، كما أخبر الحق تبارك وتعالى في محكم كتابه : ( وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ ما شَاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ إِنْ تُرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالا وَوَلَدًا ) ( سورة الكهف – الآية 39 ) ، وكما ثبت من حديث أمامة بن سهل بن حنيف - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( علام يقتل أحدكم أخاه ، إذا رأى أحدكم من أخيه ما يعجبه فليدع له بالبركة ) ( صحيح الجامع – 4020 ) ، وكما أفاد بذلك أهل العلم الأجلاء 0
والعين قد تقع في مثل تلك المواقف وتصيب الإنسان إن كان مكشوفا خالي القلب من الذكر والدعاء والتحصين ، وقد ذكرت آنفاً كلاما مطولا في الحديث عن الأساليب العلاجية والوقائية لحالات الإصابة بالعين 0
ولا بد تحت هذا العنوان من إيضاح مسألة هامة وقع فيها كثير من المسلمات اليوم ، وهو الوقوع في المخالفات الشرعية من حيث كشف بعض أجزاء الجسد التي لا يحل كشفها والاطلاع عليها 0
ودون الحد الذي بينه الشرع فلا يجوز للمرأة المسلمة أن تكشف شيئا من ذلك سواء كان الأمر متعلقا بالمسلمات أو الكافرات كما تم ايضاح الحد الأدنى لذلك ، ودون ذلك يعتبر عورة لا يجوز للمرأة كشفها بأي حال من الأحوال ، إلا ما كان للضرورة، وفي حدود القاعدة الفقهية أن الضرورة تقدر بقدرها والخروج عن ذلك يعرضها لسخط الله سبحانه وعقوبته 0
ولا أخفي أنني قد واجهت الكثير من الأخوات سواء كن ملتزمات أو غير ملتزمات تعرضهن للإصابة بالعين والحسد ، مع أن وهذا في حقيقة الأمر يحتم على الأخوات المسلمات العودة المطردة إلى الله سبحانه وتعالى واللجوء إليه ، وكذلك اللجوء للرقية الشرعية الثابتة في الكتاب والسنة ، ولا بد من تقوى الله سبحانه ، وعدم استخدام تلك الأساليب والممارسات البعيدة كل البعد عن المنهج الإسلامي القويم لمخالفة ذلك هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم ولما قد يترتب على ذلك الفعل من عواقب قد تعرض أصحابها للأمراض الروحية كالإصابة بالصرع والسحر والحسد والعين ونحوه ، والله تعالى أعلم 0
* السؤال السادس : بم تعلل انتشار حالات الإصابة بالعين والسحر والمس في السنوات الأخيرة ؟ وهل صحيح أن الغفلة عن ذكر الله والانكباب على المعاصي والشهوات يجعل الإنسان أكثر عرضة لتسلط الجن والشياطين ؟ وهل صادفتكم حالات من هذا النوع ؟
الجواب : لا أشك مطلقاً أن من أهم الأسباب وراء انتشار ظاهرة الإصابة بالأمراض الروحية كالصرع والسحر والعين هو البعد عن منهج الكتاب والسنة ، وتكالب الناس على الدنيا وشهواتها وملذاتها ، فقل الإيمان في القلوب ، ورانت القلوب بالمعاصي ، واستغل الشيطان ذلك لينفث سمومه ، فدخل على الناس من أبواب كثيرة ، فتارة يدخل من باب الإخلال بالعقيدة ، وتارة أخرى بالبدعة ، وتارة ثالثة بإلقاء الشبهات وهكذا ، وكل ذلك أدى إلى انسلاخ المجتمعات الإسلامية عن قيمها ومبادئها وبخاصة المحافظة على قراءة كتاب الله ، وأن هناك سور وآيات تحفظ وتقي من الإصابة بالأمراض الروحية كقراءة الفاتحة وسورة البقرة ، وأواخر سورة آل عمران ، والمعوذتين وسورة الإخلاص ، وكذلك المحافظة على الأدعية والأذكار الثابتة في النصوص النقلية الصريحة ، ومن ذلك أذكار دخول المنزل والخروج منه ، وأذكار الطعام ، وأذكار الصباح والمساء ، وأذكار دخول الخلاء ، ونزول المكان ، وأذكار اتيان الرجل أهله ونحو ذلك من أذكار أخرى مخصوصة وغير مخصوصة ، وإذا تمعنّا في كثير من تلك الأذكار نجد أن فيها وقاية وحفظ من الشيطان بإذن الله تعالى 0
* السؤال السابع : ما المقصود بالمس الشيطاني ؟ وما هي الأسباب التي تدفع الجن إلى التسلط على الإنس ومحاولة إيذاءهم ؟ وما هيّ أبرز مظاهر وأشكال الأذى الشيطاني ؟
الجواب : أما المقصود بالمس الشيطاني : لغةً : مس الجن للإنسان 0
وبالعموم فلا يرى فرق بين الصرع والمس ، وبعض الإخوة المعالجين قد يشير إلى المس على أنه الإيذاء الخارجي للإنسان من قبل الجن والشياطين ، أما من ناحية الاصطلاح فقد قدمت تعريفاً عاماً للصرع حيث قلت : الصرع : ( هو تعرض الجن للإنس بإيذاء الجسد خارجيا أو داخليا أو كليهما معا ، بحيث يؤدي ذلك لتخبط في الأفعال مما يفقد المريض النظام والدقة والأتاة والروية في أفعاله ، وكذلك يؤدي للتخبط في الأحوال فلا يستقر المريض على حالة واحدة )0
وقد أوضح ذلك المعنى الإمام الطبري – رحمه الله - في تفسير قوله تعالى : ( الَّذِينَ يَأكلونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِى يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ الْمَسِّ 000 ) ( سورة البقرة – جزء من الآية 275 ) 0
حيث قال : " يتخبله الشيطان في الدنيا فيصرعه من المس ، أي من الجنون " أي من الجان " ) ( جامع البيان في تأويا القرآن – 3 / 102 ) 0
أما الأسباب التي تدفع الجن إلى التسلط على الإنس ومحاولة إيذاءهم وأبرز مظاهر وأشكال الأذى الشيطاني ، فأوضحها في الأمور التالية :
الأول : أسباب من جهة الإنسان نفسه : وهذه الأسباب تتأتى إما نتيجة الابتلاء أو العقوبة وإما بسبب تقصير الإنسان وبعده عن الله سبحانه وتعالى ، وفراغ القلوب من الذكر والدعاء وعدم اللجوء إليه سبحانه ، وألخص هذه الأسباب بالآتي :-
1 ) - أسباب تتعلق بحكمة الله ومشيئته :-
أ )- الابتلاء : أن يكون صرع الجن للإنس نوع ابتلاء من الله - جل وعلا - فالله سبحانه وتعالى بحكمته بتلي الخلق بأنواع المصائب والصرع من جملتها ، قال تعالى : ( وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ) ( سورة الأنبياء – الآية 35 ) وعلى من ابتلي بذلك أن يصبر ويحتسب الأجر والمثوبة من الله مع بذل الأسباب المشروعة للعلاج 0
ب )- العقوبة الإلهية : أن يكون ذلك عقوبة من الله بسبب اقتراف العبد الذنوب والآثام ، قال تعالى : ( وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ) ( سورة الشورى – الآية 30 ) 0
فكلما ابتعد الإنسان عن ربه وخالقه استحوذت عليه الشياطين وتسلطت عليه وأصبحت حياته تعيسة ، قال تعالى : ( وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِى فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ) ( سورة طه – الآية 124 ) 0
2) - أسباب تتعلق بالإنسان نفسه :-
أ ) - ضعف حظ المبتلى عن الدين والتوكل والتوحيد 0
ب )- خراب القلوب والألسنة من الذكر والدعاء0
ج )- عدم قيام المبتلى بالتعاويذ والتحصينات النبوية 0
د )- يقين الجن والشياطين بعزلة الإنسان من السلاح الذي يستطيع مواجهتهم به والنيل منهم ومن أذاهم وبطشهم 0
ثانياً : أسباب من جهة الجن أنفسهم : وهذه الأسباب تعزى للجن أنفسهم ، وقد تكون أسباب ذاتية نتيجة الإيذاء والظلم ونحوه ، وقد تكون بدوافع أخرى كالسحر والتسليط ونحوه ، ونستطيع أن نحدد تلك الأسباب بالأمور التالية :-
1)- إن صرعهم للإنس قد يكون عن شهوة وهوى وعشق ، كما يتفق للإنس مع الإنس 0
2)- وقد يكون - وهو الأكثر - عن بغض ومجازاة 0
3)- وقد يكون عن عبث منهم وشر 0
4)- وقد يكون ناتجا عن تسلطهم بواسطة السحرة والمشعوذين والكهنة والعرافين 0
5)- وقد يكون ناتجا عن الإصابة بالعين ، فيصرعون الإنس نتيجة لذلك ، وهذا أمر مشاهد محسوس ، وقد وقفت على حديث ضعيف يدور حول هذا المعنى ، إلا أن معناه صحيح ، والحديث رواه أبو هريرة - رضي الله عنه – عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( العين حق يحضرها الشيطان وحسد ابن آدم ) ( ضعيف الجامع – 3902 ) 0
* السؤال الثامن : هل هناك أمكانية لدخول الجني في بدن الإنسي ؟ وكيف يحصل ذلك ؟ وكيف يستطيع المعالج إخراج الجن من بدن الإنسان ؟ وهل يشرع الضرب في علاج تلك الحالات ؟ وما هي أعراض ذلك التلبس ؟
الجواب : لا شك أن مسألة دخول الجني في بدن الإنسي من المسائل المقررة عند علماء أهل السنة والجماعة ، فقد جاءت الأدلة متظافرة في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم تؤكد ذلك ، قال تعالى في محكم كتابه : ( الَّذِينَ يَأكلونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ الْمَسِّ ) ( سورة البقرة – جزء من الآية 275 ) 0
قال ابن كثير : ( أي لا يقومون من قبورهم يوم القيامة إلا كما يقوم المصروع حال صرعه وتخبط الشيطان له ، وذلك أنه يقوم قياما منكرا ) ( تفسير القرآن العظيم - 1 / 334 ) 0
وقد ثبت من حديث عثمان بن العاص - رضي الله عنه - قال : ( لما استعملني رسول الله صلى الله عليه وسلم على الطائف ، جعل يعرض لي شيء في صلاتي ، حتى ما أدري ما أصلي 0 فلما رأيت ذلك ، رحلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( ابن أبي العاص ؟ ) قلت : نعم ! يا رسول الله ! قال : ( ما جاء بك ؟ ) قلت : يا رسول الله ! عرض لي شيء في صلواتي ، حتى ما أدري ما أصلي 0 قال : ( ذاك الشيطان 0 ادنه ) فدنوت منه 0 فجلست على صدور قدمي0 قال ، فضرب صدري بيده ، وتفل في فمي، وقال : ( أخرج عدو الله ! ) ففعل ذلك ثلاث مرات 0 ثم قال : ( الحق بعملك ) ( صحيح ابن ماجة – 2858 ) 0
قال عبدالله بن أحمد بن حنبل : ( قلت لأبي : إن قوما يزعمون أن الجني لا يدخل في بدن الإنس 00 فقال : يا بني يكذبون هوذا يتكلم على لسانه ) ( غرائب وعجائب الجن للشبلي – ص 134 مختصر آكام المرجان في أحكام الجان-ص 37 – مجموع الفتاوى – 24 / 277 ) 0
أما كيفية حصول الصرع : فهذا يبقى ضمن نطاق الغيب الذي لا يمكن بأي حال من الأحوال إدراكه أو معرفة كنهه ، ولا يجوز بأي حال من الأحوال تحكيم العقل في الحكم على المسألة وإعطاء تأويلات أو تعليلات حول ذلك ، خاصة أن النصوص القرآنية والحديثية قد أثبتت ذلك الأمر ببيان واضح وبرهان قاطع ، وكذلك إجماع أهل العلم على إثبات ذلك ، فنحن مطالبون بقبوله بنفس راضية مطمئنه دون البحث في كيفيته أو الحديث في تفصيلاته دون الدليل النقلي والله تعالى أعلم 0
أما كيف يستطيع المعالج إخراج الجن من بدن الإنسان : فلا بد للمسلم من اليقين التام بأن المعالج لا يملك أن يقدم أو يؤخر في هذا الأمر بصفة خاصة ، أو فيما يتعلق بالأمراض الروحية كالسحر والعين والحسد بصفة عامة ، والأمر يبقى تحت قدرة الله ومشيئته ، إنما لا بد أن يُعلم جيداً أن الرقية والاستشفاء والعلاج من الأمراض الروحية تحتاج إلى المعالج الذي يملك علماً شرعياً وخبرة وممارسة في هذا الأمر كي يقف على كافة جزئيات وتفصيلات هذا العلم ، وكيفية التعامل مع الحالات المرضية ، فيعلم ويفرق بين ما يجوز وما لا يجوز ، ويتبع الطرق الشرعية في العلاج والاستشفاء ويبتعد عن كل ما يحتوي على الكفر والشرك والبدعة ، وبالتالي يتخذ طريقاً واضحاً ومنهجاً شرعياً في طريقة علاجه 0
أما مسألة الضرب في علاج حالات الصرع : الواجب على المعالج يحتم تحري الأساليب والوسائل الحسية غير المخطرة على حياة المريض ، وبالتالي لا يمنع مطلقاً من استخدام بعض الأساليب والوسائل الحسية المنضبطة في علاج حالات المرض الروحي ، لكن لا بد من تحري الانضباط في الاستخدام كي لا يكون هناك أدنى خطر على حياة المريض ، مع توفر الضوابط الشرعية والضوابط الطبية التي تؤكد في المحافظة على سلامة الناحية الطبية للمرضى ، فلا يجوز مطلقا اللجوء إلى ما يؤدي لأضرار أو مضاعفات نسبية للمرضى ، وقد ثبت من حديث ابن عباس وعبادة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( لا ضرر ولا ضرار ) ( صحيح الجامع 7517 ) 0
وقد ذكر ذلك جمع من أهل العلم كشيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - ، وابن القيم وغيرهم 0
وقد سئل فضيلة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز – رحمه الله - عن جواز الضرب والخنق والتحدث مع الجن لمن يعالج المرضى بقراءة القرآن ؟
فأجاب : ( هذا قد وقع شيء منه من بعض العلماء السابقين مثل شيخ الإسلام ابن تيمية – يرحمه الله تعالى – فقد كان يخاطب الجني ويخنقه ويضربه حتى يخرج وأما المبالغة في هذه الأمور مما نسمعه عن بعض القراء فلا وجه لها ) ( الدعوة – العدد 1456- فتاوى العلاج بالقرآن والسنة - ص 69 ) 0
ومن خلال تتبع النصوص الحديثية وأقوال علماء الأمة الأجلاء يتضح جواز استخدام أسلوب الضرب المنضبط كسبب حسي من أسباب الشفاء أما ما نراه اليوم ونسمعه من بعض الممارسات التي اتسع فيها الخرق على الراقع مما يندا له الجبين فهذا جهل وأي جهل ، ولا بد من توخي سلامة الناحية الطبية للمرضى 0
وكافة النقولات التي تم ذكرها آنفاً تحتم أن يكون المعالِج على دراية كافية في استخدام أسلوب الضرب ونحوه ، وعليه أن يهتم في هذا الجانب بالأمور التالية :
أ- الوقت : لا بد للمعالِج من توخي الحرص الشديد في المحافظة على سلامة المريض ، والتأكد التام عند استخدام هذا الأسلوب من وقوع الضرب على بدن الجني الصارع دون وقوعه على جسد الإنسي 0
ب- الكيفية : تحديد المناطق التي يستطيع من خلالها التأثير على جسد الجني الصارع ، دون أن يترك أدنى أثر أو خطر أو أن يتسبب في أي إيذاء جسدي أو نفسي للحالة المرضية ، وتعتبر الأكتاف والأرداف والأطراف ، مناطق آمنة لاستخدام أسلوب الضرب إن أحسن المعالِج استغلالها على الوجه المطلوب 0
وأذكر تحت هذا العنوان قصة حصلت منذ أمد بعيد مع إحدى الأخوات ممن ابتليت بـ ( صرع الأرواح الخبيثة ) ، حيث تسلط عليها شيطان بادعاء المحبة والعشق ، وبدأت مرحلة العلاج مع هذه الأخت ورقيت بالرقية الشرعية واستمر الأمر واستخدم مع هذا الشيطان أسلوب الضرب المنضبط على أسفل القدمين مع التزام الضوابط الشرعية في التعامل مع النساء ، وبفضل الله سبحانه وتعالى ومنة وكرمه خرج هذا الجني من هذه الأخت وكتب الله لها الشفاء بإذنه وحده ، وفي إحدى زياراتي لهذه الأخت دخل هذا الخبيث إلى غرفة النوم وكسر الزجاج الخاص بالدولاب ، وسمعنا جميعاً الصوت وعند دخولنا إلى غرفة النوم وجدنا تناثر الزجاج على أرضية الغرفة ، والله تعالى أعلم 0
وهذا يدل على أن استخدام أسلوب الضرب المنضبط يفيد أيما فائدة إن أحسن المعالِج استغلاله على الوجه الذي يجب أن يكون عليه ، والله تعالى أعلم 0
يتبع