كإفطار رمضان هل تكفي التوبة منها أو هناك كفارات لها؟
بسم الله الرحمن الرحيم
المعاصي السابقة؛ كالزنى، وشرب الخمر، وإفطار رمضان، وإخراج الصلاة عن وقتها وغيرها، هل تكفي التوبة منها أو هناك كفارات لها؟
كل هذه الذنوب التي ذكرتها لا كفارة لها إلا التوبة النصوح؛ ومنها: إفطار رمضان؛ إلا أن بعض العلماء يوجبون القضاء بالنسبة لمن أفطر رمضان، كما يوجبون القضاء بالنسبة لمن ضيَّع الصَّلوات، وأنا لا أستطيع أتصور إنسانًا يفطر في رمضان ويحافظ على الصلوات، الأمران كليهما مرتبطان، أحدهما مع الآخر، فمن لا يصوم في رمضان لا يُصلي بطبيعة الحال، لكن لا يوجد في الشرع أي دليل بالنسبة لمن أفطر رمضان عامدًا أو أخَّرج صلاة من الصلوات الخمس عن أوقاتها عامدًا، لا يوجد في الشَّرع ما يفرض عليه من أن يقضي ما عليه من أشهر من رمضان، أو ما عليه من صلوات ماضيات؛
ولكن ننصح كل من كان ابتُلِيَ يوماً ما بارتكاب مثل هذه المعاصي؛ بأمرين اثنين
الأمر الأول: أنْ يستر على نفسه، وأن لا يُعلن عن أفعاله السابقة، بعد أن امتنَّ الله -تبارك وتعالى- عليه بالتوبة.
والشيء الآخر -الذي ننصح به هؤلاء التائبين-: أن تكون توبتهم توبة نصوحًا؛ لأجل أن تكون مقبولة عند الله -تبارك وتعالى-، ولا تكون كذلك إلا إذا توفرت في توبته الشروط التالية:
الشرط الأول: أن يندم على ما صدر منه من آفات، وأن يعزم على ألاَّ يعود، وأن يُكثِر من الأعمال الصالحات؛ لأن هذه الأعمال الصالحة هي التي ستعوض عليه ما فاته من الأجور والحسنات، وليس هو قضاء ما فات، فإن قضاء ما فات ليس مقبولاً عند الله -تبارك وتعالى
ويجب أن نعلم أنَّ الذي يصلي الصلاة بعد وقتها؛ كالذي يصليها قبل وقتها؛ وأنَّ الذي يصوم رمضان في غير شهر رمضان فهو -أيضًا- صيامه لا يقع لا فرضًا ولا نفلاً؛ لأن شهر رمضان هو الشهر الذي فرضه الله عز وجل على الناس أن يُصام، فمن صام شهر رمضان في شوال أو في غيره من أشهر السنة؛ فقد شرَّع -من عند نفسه- شريعةً ما أنزل الله بها من سلطان، فهو بديل أن يتوب إلى الله -عزَّ وجلَّ- من الذنوب كلها؛ إذا به هو يعود إلى ذنب آخر لعله شر من الذنب السابق؛ لأن الذي لم يصم شهر رمضان فهو عاصٍ، أما الذي يشرع شيئًا ما شرعه الله -عزَّ وجلَّ- فهو شركٌ؛ كما قال عزَّ وجلَّ:
﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ﴾ .
ولذلك فمن فاته شهر من رمضان أو شهور من رمضانات، فلا سبيل إلى قضائها إلا إن كان لمرض أو لسفر، أما والبحث أنه كان جانيًا على نفسه، كان مُذنباً مع ربِّه، غير مبالِ بمعصيته؛ ثم تاب إلى الله -عزَّ وجلَّ- وأناب، فحينئذٍ من تمام التوبة أن يُكثر من الأعمال الصالحة كما قال الله -تعالى-: ﴿وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى﴾،
أي: استمر على هذا الهدى الذي آب إليه أخيرًا. كذلك الذي كان قد فاتته صلوات كثيرات فليس بإمكانه أن يقضيها، فما فات فات، وما هو آت آت؛ ولكن قلنا أنه قد فاته أجر هذه الصلوات؛ فعليه أن يعوِّضَ ما فاته بالإكثار من النوافل، وهذا مما جاء به حديث النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلم الذي قال فيه:
((أول ما يحاسب العبد يوم القيامة الصلاة؛ فإن تمت فقد أفلح وأنجح، وإن نقصت فقد خاب وخسر))
وقال عليه الصلاة والسلام في حديث آخر:
((فإن نقصت؛ قال الله -عزَّ وجل- لملائكته: انظروا هل لعبدي من تطوع فتتموا له به فريضته)).
انظروا هل له من تطوع من نافلة؛ فتتمون له به فريضته. فإذا كان المسلم قد أصابه نقصٌ في صلاته؛ سواء كان هذا النقص كمَّاً أو كيفًا؛ سواءً كان هذا النقص كمًّا أي فاتته بعض الصلوات وضاعت عليه، أو ما فاته شيء من الصلوات؛ ولكنه هو لا يُحسن الصلاة، لا يُحسن أداءها على الصفة التي أمر بها رسول الله صلَّى الله عليه وسلم؛ فتكون صلاته -والحالة هذه- ناقصة.
فلكي يعوِّض هذا النَّقص الكيفي أو ذاك النقص الكمِّي يجب أن يكثر من النوافل
فليكثر من الصيام، غير شهر رمضان بعد أن تاب وأناب، يجب -بطبيعة الحال- أن يحافظ على صوم رمضان بكل أيامه؛ كما يجب عليه أن يحافظ على كل الصلوات في أوقاتها، ومع الجماعة، ولا يكتفي بهذا؛ بل عليه أن يضيف إلى ذلك التَّطوُّع أو التنفل من الصيام أو الصلاة؛ لكي يُكمِّل الله له ذلك النقص الذي وقع في صيامه أو وقع في صلاته، سواء كما قلنا -آنفا- كان النقص كمًا، أو كان النقص كيفًا. فالنقص في الكميَّة واضح؛
لكن النقص في الكيف يحتاج إلى شيء من الشرح؛
فربنا -عزَّ وجلَّ- لمَّا ذكر فرضِيَّة الصِّيام؛ فقال تبارك وتعالى:
﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾
أي: إنَّ من حكمة تشريع الصيام هو: لعل هؤلاء الصائمين يزدادون تُقىً إلى الله -تبارك وتعالى- ورجوعًا إليه، فإذا صام الصَّائم ولم يتغيَّر وضعه عمَّا كان عليه قبل الصيام فهذا الصيام ناقص ولا شك، لأنَّ النبي صلَّى الله عليه وآله وسلم كان يقول -كما في صحيح البخاري
: ((من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه))
كذلك قال بالنسبة للصلاة، قال عزَّ وجلَّ:
﴿إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾.
فإذا استمر المسلم دهرًا طويلاً من زمانه؛ حتى أسنَّ وكُبُرَ وهو لم يتقدم إلى العمل الصالح سوى هذه الصلاة الشكلية الصوريَّة التي يُصلِّيها، فما حقَّقَ في صلاته الآية السابقة ألا وهي قوله تعالى:
﴿إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾
وقد أشار النبي صلَّى الله عليه وآله وسلم، إلى هذا النقص الكيفي الذي قد يقع في صلاة بعض الناس؛ حينما قال عليه الصلاة والسلام:
((إن الرجل ليصلِّي الصلاة ما يكتب له منها إلا عُشرها، تُسعها، ثمنها، سُبعها، سدسها، خمسها، ربعها، نصفها))
الناس درجات! أحسن الدرجات من يكتب له نصف صلاة؛ لأن الرسول صلَّى الله عليه وسلم لم يذكر أعلى من ذلك، بدأ بالعُشرِ وانتهى إلى النصف، لماذا؟
لأن الصلاة ليست فقط قراءة وقيام وركوع وسجود كآلة جامدة أوتوماتيكية؛ وإنما هو إنسان له قلب، فهذا القلب يجب أن يخشع صاحبه في صلاته؛ لقول الله -عزَّ وجلًّ- في كتابه-:
﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾،
ولكون أغلب الناس هم عن الخشوع في الصلاة منصرفون وغافلون؛ لذلك مهما كانت الصلاة من حيث مظهرها وشكلها كاملةً؛ فيكون من حيث باطنها وخشوع صاحبها إذا لم يكن خاشعا لله -عزَّ وجلَّ- فيها تكون هذه الصلاة أيضًا ناقصة، وإن كانت صحيحة في حُكم الشرع؛ لأنه قد أتى بالأركان وبالواجبات كلها؛ فهي صلاة صحيحة.
كذلك الصائم الذي صام عن كل المفطرات الماديَّة؛ ولكنه لم يصُم عن المفطرات المعنوية؛ وهي الذنوب والمعاصي -كما ذكرت آنفًا- في الحديث الصحيح: ((من لم يدع قول الزور -الكذب- والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه))
. فهذا يمكن أن يقال له: صام وما صام، وكذلك المصلي الذي صلى بكل واجباتها وأركانها ولكنه لم يخشع فيها لله -تبارك وتعالى- نقول: أنه صلَّى لكنه ما صلَّى، صلَّى صلاة ظاهرة مقبولة في حكم الشرع -الذي علمناه-؛ لكنه ما صلَّى تلك الصلاة الكاملة التي وُصِفَ بها المؤمنون الكُمَّل في الآية السابقة؛ وهي قوله عزَّ وجلَّ:
﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾
وخلاصة القول - أن ذلك التائب عليه أن يجمع بين الشروط السابقة:
أن يندم على ما فات، وأن يعزم على أن لا يعود، وأن يُكثِر من الأعمال الصالحة؛ ومن ذلك: أن يُكثِر من التَّطوُّع، والتَّنفُّل من الفرائض التي كان ضيَّعها؛ سواء ما كان منها صومًا أو كان صلاةً أو غير ذلك. : حتى لو كان يعلم عدد الأيام التي أفطرها
ولو كان يعلم لأن القضية ليست أنه يعلم أو يجهل، القضية أنه يُصلِّي الصلاة أو يصوم الشهر في غير شهره
حتى لو كان السبب الجماع فالجماع له كفّارة معروفة ثم في بعض الروايات الثابتة لدينا عليه أن يقضي ذلك اليوم، لكن هذا أمر مُختلف فيه بين العلماء هل يقضي اليوم الذي أفطره بالجماع أم لا؟، والرأي الراجح هنا أنه فوق الكفَّارة وهو أن يصوم شهرين متتابعين زايد الأيام التي أفطرها فإن لم يستطع يُطعم ستين مسكيناً.
و الكفَّارة عن كل يوم ، صيام شهرين عن كل يوم يعني كل الدهر يصوم إذن ذلك خير إن استطاع يكون صائماً، الناس بتصوم الدهر تطوعاً مع أن الرسول عليه السلام قال: ((من صام الدهر فلا صام ولا أفطر)).
والحمد لله رب العالمين